سُورَةِ الزُّخْرُفِ تفسير آيات 6 – 1 تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تَفْسِيرُ سُورَةِ الزُّخْرُفِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِينَ (6) وَمَا يَاتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ (8)}
…………………………………
يَقُولُ تَعَالَى: {حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}
أَيِ: الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ الْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي هِيَ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ لِلتَّخَاطُبِ بَيْنَ النَّاسِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ} أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أَيْ: بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَصِيحًا وَاضِحًا، {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أَيْ: تَفْهَمُونَهُ وَتَتَدَبَّرُونَهُ، كَمَا قَالَ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشُّعَرَاءِ: 195]
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}
بَيَّنَ شَرَفَهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، لِيُشَرِّفَهُ وَيُعَظِّمَهُ وَيُطِيعَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ} أَيِ: الْقُرْآنَ {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} أَيِ: اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، {لَدَيْنَا} أَيْ: عِنْدَنَا، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ، {لَعَلِيٌّ} أَيْ: ذُو مَكَانَةٍ عَظِيمَةٍ وَشَرَفٍ وَفَضْلٍ، قَالَهُ قَتَادَةُ {حَكِيمٌ} أَيْ: مُحْكَمٌ بَرِيءٌ مِنَ اللَّبْسِ وَالزَّيْغِ.
وَهَذَا كُلُّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ، كَمَا قَالَ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ. تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْوَاقِعَةِ: 77 – 80]
وَقَالَ: {كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ. فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ. مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ. بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرَامٍ بَرَرَةٍ}
[عَبَسَ: 11 – 16]؛ وَلِهَذَا اسْتَنْبَطَ الْعُلَمَاءُ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: أَنَّ المُحدِثَ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ إِنْ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُعَظِّمُونَ الْمَصَاحِفَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْقُرْآنِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، فَأَهْلُ الْأَرْضِ بِذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى، لِأَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِمْ، وَخِطَابُهُ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِمْ، فَهُمْ أَحَقُّ أَنْ يُقَابِلُوهُ بِالْإِكْرَامِ وَالتَّعْظِيمِ، وَالِانْقِيَادِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، لِقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}
وَقَوْلُهُ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهَا، فَقِيلَ: مَعْنَاهَا: أَتَحْسَبُونَ أَنْ نَصْفَحَ عَنْكُمْ فَلَا نُعَذِّبَكُمْ وَلَمْ تَفْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ؟ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ:: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}
: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ هذا القرآن رفع حين ردته أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَهَلَكُوا، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَادَ بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَكَرَّرَهُ عَلَيْهِمْ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ عِشْرِينَ سَنَةً، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَوْلُ قَتَادَةَ لَطِيفُ الْمَعْنَى جِدًّا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ فِي مَعْنَاهُ: إِنَّهُ تَعَالَى مِنْ لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ بِخَلْقِهِ لَا يَتْرُكُ دُعَاءَهُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ -وَهُوَ الْقُرْآنُ-وَإِنْ كَانُوا مُسْرِفِينَ مُعْرِضِينَ عَنْهُ، بَلْ أَمَرَ بِهِ لِيَهْتَدِيَ مَنْ قَدّر هِدَايَتَهُ، وَتَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ كَتَبَ شَقَاوَتَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى -مُسَلِّيًا لِنَبِيِّهِ فِي تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ قَوْمِهِ، وَآمِرًا لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ-: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِينَ} أَيْ: فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ، {وَمَا يَاتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أَيْ: يُكَذِّبُونَهُ وَيَسْخَرُونَ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا} أَيْ: فَأَهْلَكْنَا الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ، وَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ بَطْشًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ. كَقَوْلِهِ: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً} [غَافِرٍ: 82]
وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: سُنَّتُهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عُقُوبَتُهُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: عِبْرَتُهُمْ، أَيْ: جَعَلْنَاهُمْ عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، كَقَوْلِهِ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ} [الزُّخْرُفِ: 56]. وَكَقَوْلِهِ: {سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غَافِرٍ: 85] وَقَالَ: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [الْأَحْزَابِ: 62]