سُورَةِ الدُّخَانِ تفسير آيات 16 – 9 تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة والسلف الصالح وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}
…………………………….
يَقُولُ تَعَالَى: بَلْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ، أَيْ: قَدْ جَاءَهُمُ الْيَقِينُ، وَهُمْ يَشُكُّونَ فِيهِ، وَيَمْتَرُونَ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ مُتَوَعِّدًا لَهُمْ وَمُتَهَدِّدًا: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}
وعَنِ مسروق قال: دخلنا الْمَسْجِدَ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْكُوفَةِ-عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُصُّ عَلَى أَصْحَابِهِ: {يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} تَدْرُونَ مَا ذَلِكَ الدُّخَانُ؟ ذَلِكَ دُخَانٌ يَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَاخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَاخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ شِبْهُ الزُّكَامِ. قَالَ: فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ مُضْطَجِعًا فَفَزِعَ فَقَعَدَ، وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]، إِنَّ مِنَ العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: “اللَّهُ أَعْلَمُ” سَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَأَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَعْصَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْمَيْتَةَ، وَجَعَلُوا يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَلَا يَرَوْنَ إِلَّا الدُّخَانَ -وَفِي رِوَايَةٍ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ-[قَالَ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ.
فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا فأنزل الله: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} قَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ: فَيُكْشَفُ الْعَذَابُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَمَّا أَصَابَهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}، قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَقَدْ مَضَى خَمْسَةٌ: الدُّخَانُ، وَالرُّومُ، وَالْقَمَرُ، وَالْبَطْشَةُ، واللِّزام. وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَقَدْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِهَذَا، وَأَنَّ الدُّخَانَ مَضَى، جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ كَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَمْضِ الدُّخَانُ بَعْدُ، بَلْ هُوَ مِنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَرِيحة حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَشْرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غُرْفَةٍ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانُ، وَالدَّابَّةُ، وَخُرُوجُ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ، وَخُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَالدَّجَّالُ، وَثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمُشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ -أَوْ: تَحْشُرُ النَّاسَ-: تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا” تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِابْنِ الصَّيَّادِ: “إِنِّي خَبَاتُ لَكَ خَبْأ” قَالَ: هُوَ الدُّخ. فَقَالَ لَهُ: “اخْسَا فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ” قَالَ: وخبأ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (1)
وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ مِنَ الْمُنْتَظَرِ الْمُرْتَقَبِ، وَابْنُ صَيَّادٍ كَاشِفٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْكُهَّانِ بِلِسَانِ الْجَانِّ، وَهُمْ يُقَرطمون الْعِبَارَةَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: “هُوَ الدُّخ” يَعْنِي: الدُّخَانَ. فَعِنْدَهَا عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّتَهُ وَأَنَّهَا شَيْطَانِيَّةٌ، فَقَالَ لَهُ: “اخْسَا فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ”.
ثُمَّ روى ابْنُ جَرِيرٍ وابن أبي حاتم: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: غَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: مَا نِمْتُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ. قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: قَالُوا طَلَعَ الْكَوْكَبُ ذُو الذَّنَبِ، فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ الدُّخَانُ قَدْ طَرَقَ، فَمَا نِمْتُ حَتَّى أَصْبَحْتُ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَبْرِ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ. وَهَكَذَا قَوْلُ مَنْ وَافَقَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ، مَعَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ مِنَ الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَغَيْرِهِمَا، الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا مِمَّا فِيهِ مَقْنَعٌ وَدَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الدُّخَانَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُنْتَظَرَةِ، مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} أَيْ: بَيِّنٍ وَاضِحٍ يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ. وَعَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّمَا هُوَ خَيَالٌ رَأَوْهُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنْ شَدَّةِ الْجُوعِ وَالْجَهْدِ. وَهَكَذَا قَوْلُهُ: {يَغْشَى النَّاسَ} أَيْ: يَتَغَشَّاهُمْ ويَعُمهم، وَلَوْ كَانَ أَمْرًا خَيَالِيًّا يَخُصُّ أَهْلَ مكة المشركين لما قِيلَ فِيهِ: {يَغْشَى النَّاسَ} وَقَوْلُهُ: {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [الطُّورِ: 13، 14]، أَوْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} أَيْ: يَقُولُ الْكَافِرُونَ إِذَا عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ سَائِلِينَ رَفْعَهُ وَكَشْفَهُ عَنْهُمْ، كَقَوْلِهِ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الْأَنْعَامِ: 27].
وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَاتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إِبْرَاهِيمَ: 44]، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} يَقُولُ: كَيْفَ لَهُمْ بِالتَّذَكُّرِ، وَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رَسُولًا بَيِّنَ الرِّسَالَةِ وَالنِّذَارَةِ، وَمَعَ هَذَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَمَا وَافَقُوهُ، بَلْ كَذَّبُوهُ وَقَالُوا: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الْفَجْرِ: 23، 24]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سَبَأٍ: 51 – 54]
وَقَوْلُهُ: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقُولُهُ تَعَالَى: وَلَوْ كَشَفْنَا عَنْكُمُ الْعَذَابَ وَرَجَعْنَاكُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا، لَعُدْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ، كَقَوْلِهِ: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}
[الْمُؤْمِنُونَ: 75]، وَكَقَوْلِهِ: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الْأَنْعَامِ: 28]
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: إِنَّا مُؤَخِّرُو الْعَذَابِ عَنْكُمْ قَلِيلًا بَعْدَ انْعِقَادِ أَسْبَابِهِ وَوُصُولِهِ إِلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ مُسْتَمِرُّونَ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الطُّغْيَانِ وَالضَّلَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْكَشْفِ عَنْهُمْ أَنْ يَكُونَ بَاشَرَهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يُونُسَ: 98]، وَلَمْ يَكُنِ الْعَذَابُ بَاشَرَهُمْ، وَاتَّصَلَ بِهِمْ بَلْ كَانَ قَدِ انْعَقَدَ سَبَبُهُ [وَوُصُولُهُ] عَلَيْهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَقْلَعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ قَالُوا: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّه مِنْهَا}
[الْأَعْرَافِ: 88، 89]، وَشُعَيْبٌ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] لَمْ يَكُنْ قَطُّ عَلَى مِلَّتِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى عذاب الله.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى تَفْسِيرِهِ الدُّخَانَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَرُوِي َعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَجَمَاعَةٍ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ يَوْمَ بَطْشَةٍ أَيْضًا.
روى ابْنُ جَرِيرٍ: عن ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى: يَوْمُ بَدْرٍ، وَأَنَا أَقُولُ: هِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنْهُ، وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعِكْرِمَةُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، عَنْهُ.
————
(1) أخرجه البخاري 3055، ومسلم 2930 مرتين الأولى ساق متنه، ولم يسق متنه في الثانية إنما قال بمعنى حديث يونس وصالح، وذكر الآية (يوم تأتي السماء بدخان مبين) أخرجه أبوداود 4331 وانفرد عبدالرزاق عن معمر بها، ولم يذكرها ابن المبارك عن معمر، ولا هشام عن معمر، وكذلك لم يذكرها شعيب ويونس عن الزهري.
ووقع أول سورة الدخان رواية ذكرها ابن كثير بلفظ [وخبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم (سورة الدخان)]، أخرجها البزار بإسناد متصل وفيها زياد بن الحسن. قال أبوحاتم: منكر الحديث، وورد من مراسيل عروة كما في مسند الحارث.
4771 حتى 4776 سنن أبي داود (تخريج)
مسجد أحمد العفريت ومسجد أبي بكر رضي الله عنه بالعين (الإمارات)
(للأخ؛ سيف بن دورة الكعبي)
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات: السلام 1و2،3 والمدارسة، والاستفادة، والسلف الصالح، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم)
وممن شارك صاحبنا أحمد بن علي في تخريج عون المعبود.
(من لديه فائده أو تعقيب)
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كتاب السنة باب في قتال اللصوص
4771 – حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ»
__________
أخرجه البخاري 2480، 141 بلفظ (من قتل دون ماله فهو شهيد).
لكن حدث به البخاري فقال حدثنا عبدالله بن يزيد حدثنا سعيد – هو ابن أبي أيوب – قال: حدثني أبوالأسود عن عكرمة عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما به.
والمنذري ذكر أن البخاري خالف في حديث عبدالله بن عمرو غير واحد من الأثبات وقالوا فيه (فله الجنة)، وزاد فيه (مظلوما)
والصواب أن يقال كما نقل ابن حجر عن الإسماعيلي: كذا أخرجه البخاري وكأنه كتبه من حفظه، أو حدث به المقرئ من من حفظه، فجاء به على اللفظ المشهور، وإلا رواه الجماعة عن المقرئ بلفظ (من قتل دون ماله مظلوما فله الجنة)، ومن أتى به على غير اللفظ الذي اعتيد، فهو أولى بالحفظ ولا سيما وفيهم دحيم وكذلك ما زادوه من قوله مظلوما فإنه لا بد من هذا القيد.
ثم ذكر ابن حجر أن اللفظ المشهور لها طريق أخرى عن عكرمة أخرجها النسائي، وأخرجه مسلم141 كذلك من طريق ثابت بن عياض عن عبدالله بن عمرو وفي روايته قصة قصة … وفصل ابن حجر فذكر روايات القصة.
4772 – حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ يَعْنِي أَبَا أَيُّوبَ الْهَاشِمِيَّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»
__________
هو في الصحيح المسند 433، لكن أعله الدارقطني في العلل 671 وذكر أن أحب الروايات إليه رواية مالك ويونس ومعمر وغيرهم عن الزهري عن طلحة عن عبدالرحمن بن عمرو عن سعيد بن زيد بلفظ (من ظلم من الأرض قيد شبر فإنه يطوقه من سبع أرضين)
تنبيه: وقع هنا في كتاب السنن الطبعة العلمية أقوال للإمام ايي داود في بعض الرواة بمقدار صفحتين
وذكر محقق دار المعرفة أنه وقع أيضاً في نسخه.
أول كتاب الأدب
بَابٌ فِي الْحِلْمِ وَأَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4773 – حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ الشُّعَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ يَعْنِي ابْنَ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ، حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَابِضٌ بِقَفَايَ مِنْ وَرَاءِي فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: «يَا أُنَيْسُ اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ» قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ [ص:247]، قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ تِسْعَ سِنِينَ، مَا عَلِمْتُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا، وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُ: هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا
__________
أخرجه مسلم 2310، وفيه تسع سنين من غير شك.
4774 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَا غُلَامٌ لَيْسَ كُلُّ أَمْرِي كَمَا يَشْتَهِي صَاحِبِي أَنْ أَكُونَ عَلَيْهِ مَا قَالَ لِي فِيهَا أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِي لِمَ فَعَلْتَ هَذَا أَوْ أَلَّا فَعَلْتَ هَذَا»
__________
صححه الألباني، وعزاه للبخاري 2768،ومسلم 2309 وهنا زيادة (لَيْسَ كُلُّ أَمْرِي كَمَا يَشْتَهِي صَاحِبِي).
وفي الصحيحين أيضاً زيادات على ما ههنا.
4775 – حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ، يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَهُوَ يُحَدِّثُنَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ مَعَنَا فِي الْمَجْلِسِ يُحَدِّثُنَا، فَإِذَا قَامَ قُمْنَا قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ دَخَلَ بَعْضَ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ، فَحَدَّثَنَا يَوْمًا فَقُمْنَا حِينَ قَامَ، فَنَظَرْنَا إِلَى أَعْرَابِيٍّ قَدْ أَدْرَكَهُ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكَانَ رِدَاءً خَشِنًا، فَالْتَفَتَ، فَقَالَ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ: احْمِلْ لِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّكَ لَا تَحْمِلُ لِي مِنْ مَالِكَ وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، لَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، لَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَا أَحْمِلُ لَكَ حَتَّى تُقِيدَنِي مِنْ جَبْذَتِكَ الَّتِي جَبَذْتَنِي» فَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لَا أُقِيدُكَهَا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَجُلًا فَقَالَ لَهُ ” احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرَيْهِ هَذَيْنِ: عَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا، وَعَلَى الْآخَرِ تَمْرًا ” ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ: «انْصَرِفُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى»
__________
قال الألباني: ضعيف، وكذلك ضعفه غيره بهلال بن أبي هلال.
وقد وردت قصة شبيهه بها أخرجها البخاري 3149، ومسلم 1057
باب الوقار
4776 – حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ، وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ، وَالِاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»
__________
فيه قابوس ضعيف، وهذا الحديث ضرب عليه عبدالرحمن بن مهدي، كما في ذخيرة الحفاظ، وله طريقين آخرين عن ابن عباس لكنهما واهيان.
وله شاهد عن عبدالله بن سرجس وفيه عبدالله بن عمران.
ممن وصف بالسمت ابن مسعود وصف بذلك حذيفة. أخرجه البخاري.