سورة غافر تفسير آيات 9 – 7 مختصر تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الأخوة بمجموعات؛ السلام والمدارسة والتخريج رقم 1، والاستفادة) اختصار سيف الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
“””””””””””””””””””””””””””
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ حَمَلة الْعَرْشِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْكُرُوبِيِّينَ، بِأَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، أَيْ: يَقْرِنُونَ بَيْنَ التَّسْبِيحِ الدَّالِّ عَلَى نَفْيِ النَّقَائِصِ، وَالتَّحْمِيدِ الْمُقْتَضِي لِإِثْبَاتِ صِفَاتِ الْمَدْحِ، {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} أَيْ: خَاشِعُونَ لَهُ أَذِلَّاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنَّهُمْ {يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ مِمَّنْ آمَنَ بِالْغَيْبِ، فَقَيَّضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ أَنْ يَدْعُوا لِلْمُؤْمِنِينَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ سَجَايَا الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانُوا يُؤمِّنون عَلَى دُعَاءِ الْمُؤْمِنِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: “إِذَا دَعَا الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلِهِ”.
وَلِهَذَا يَقُولُونَ إِذَا اسْتَغْفَرُوا لِلَّذِينِ آمَنُوا: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} أَيْ: إِنَّ رَحْمَتَكَ تَسَع ذُنُوبَهُمْ وَخَطَايَاهُمْ، وَعِلْمُكَ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ [وَأَقْوَالِهِمْ] وَحَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ، {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} أَيْ: فَاصْفَحْ عَنِ الْمُسِيئِينَ إِذَا تَابُوا وَأَنَابُوا وَأَقْلَعُوا عَمَّا كَانُوا فِيهِ، وَاتَّبَعُوا مَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ، مِنْ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} أَيْ: وَزَحْزِحْهُمْ عَنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ، وَهُوَ الْعَذَابُ الْمُوجِعُ الْأَلِيمُ.
{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} أَيْ: اجْمَعْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ فِي مَنَازِلَ مُتَجَاوِرَةٍ، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطُّورِ: 21] أَيْ: سَاوَيْنَا بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْمَنْزِلَةِ، لِتَقَرَّ أَعْيُنُهُمْ، وَمَا نَقَصْنَا الْعَالِيَ حَتَّى يُسَاوِيَ الدَّانِيَ، بَلْ رَفَعْنَا النَّاقِصَ فِي الْعَمَلِ، فَسَاوَيْنَاهُ بِكَثِيرِ العمل، تفضلا منا ومنة.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ سَأَلَ عَنْ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا طَبَقَتَكَ فِي الْعَمَلِ فَيَقُولُ: إِنِّي إِنَّمَا عَمِلْتُ لِي وَلَهُمْ. فَيُلحَقُونَ بِهِ فِي الدَّرَجَةِ، ثُمَّ تَلَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هَذِهِ الْآيَةَ: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
قَالَ مُطرِّف بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّير: أنصحُ عبادِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الملائكةُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} وأغشُّ عِبَادِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الشياطينُ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أَيِ: الَّذِي لَا يُمَانَعُ وَلَا يُغَالَبُ، وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَا لَمْ يَكُنْ، الْحَكِيمُ فِي أَقْوَالِكَ وَأَفْعَالِكَ، مِنْ شَرْعِكَ وَقَدَرِكَ
{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} أَيْ: فِعْلَهَا أَوْ وَبالها مِمَّنْ وَقَعَتْ مِنْهُ، {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {فَقَدْ رَحِمْتَهُ} أَيْ: لَطَفْتَ بِهِ وَنَجَّيْتَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ، {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.