سورة الشورى تفسير آيات (24) – (23) تهذيب تفسير ابن كثير
(بالتعاون مع الإخوة بمجموعات؛ السلام،1،2،3 والمدارسة، والاستفادة) تهذيب سيف بن دورة الكعبي وأحمد بن علي وبعض طلاب العلم (من لديه تعقيب أو فائدة من تفاسير أخرى فليفدنا)
——————-
{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)}
—————
تتمة:
و [قد ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ بغَدِير خُمّ: “إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي، وَإِنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ”.
وَروى الْبُخَارِيُّ (3713): عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ لَعَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَاللَّهِ لِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي (البخاري3712، ومسلم 1759).
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلْعَبَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَاللَّهِ لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إليَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ؛ لَأَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ.
فَحَالُ الشَّيْخَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا كَانَا أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ.
وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عن يزيد ابن حَيَّانَ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وحُسَيْن بْنُ مَيْسَرة، وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: لَقَدْ لقيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ وَغَزَوْتَ مَعَهُ، وَصَلَّيْتَ مَعَهُ. لَقَدْ رَأَيْتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا. حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ كَبُرت سِنِّي، وَقَدِمَ عَهْدِي، وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوهُ، وَمَا لَا فَلَا تُكَلّفونيه.
ثُمَّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطِيبًا فِينَا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمّا -بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ-فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ وَوَعَظَ، ثُمَّ قَالَ: “أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَاتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَوَّلُهُمَا: كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به” فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، وَقَالَ: “وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي” فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: إِنَّ نِسَاءَهُ من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرم الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وَآلُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَكُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قال: نعم. وهكذا رواه مسلم [في فضائل]
(2408) وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيّان به (1)
وَقَدْ أَوْرَدْنَا أَحَادِيثَ أُخَر عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الْأَحْزَابِ: 33]، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهَا هَاهُنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} أَيْ: وَمَنْ يَعْمَلُ حَسَنَةً {نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا}
أَيْ: أَجْرًا وَثَوَابًا، كَقَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}
[النِّسَاءِ:40]
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: [إِنَّ] مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا، وَمِنْ جَزَاءِ السَّيِّئَةِ (السَّيِّئَةَ) بَعْدَهَا.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} أَيْ: يَغْفِرُ الْكَثِيرَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَيُكَثِّرُ الْقَلِيلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَيَسْتُرُ وَيَغْفِرُ، وَيُضَاعِفُ فَيَشْكُرُ.
وَقَوْلُهُ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} أَيْ: لَوِ افْتَرَيْتَ عَلَيْهِ كَذِبًا كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلُونَ {يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ}
أَيْ: لَطَبَعَ عَلَى قَلْبِكَ وَسَلَبَكَ مَا كَانَ آتَاكَ مِنَ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الْحَاقَّةِ:44 – 47] أَيْ: لَانْتَقَمْنَا مِنْهُ أَشَدَّ الِانْتِقَامِ، وَمَا قَدَرَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَحْجِزَ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: {يَخْتِمْ} فَيَكُونَ مَجْزُومًا، بَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: وَحُذِفَتْ مِنْ كِتَابَتِهِ “الْوَاوُ” فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ، كَمَا حُذِفَتْ فِي قَوْلِهِ: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [الْعَلَقِ:18]
وَقَوْلُهُ: {وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} [الْإِسْرَاء ِ:11] وَقَوْلُهُ: {وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ}
مَعْطُوفٌ عَلَى {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ} أَيْ: يُحَقِّقُهُ وَيُثْبِتُهُ وَيُبَيِّنُهُ وَيُوَضِّحُهُ بِكَلِمَاتِهِ، أَيْ: بِحُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أَيْ: بِمَا تُكِنُّهُ الضَّمَائِرُ، وَتَنْطَوِي عَلَيْهِ السَّرَائِرُ.
——————-
(1) نقل ابن تيمية أن التوصية بالمتابعة وقعت لكتاب الله، ثم الوصية بمراعاة حقوق أهل البيت، وعلى فرض أن المقصود متابعة أهل البيت فحمله بعض أهل العلم أنهم لا يجتمعون على ضلالة. وأنكر لفظة (فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) انتهى بمعناه (راجع المنهاج 7/ 394،7/ 318)