بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة الوصايا العشركما جاءت في سورة الأنعام.
الوصية الخامسة:
{عدم قتل النفس التي
حرم الله إلا بالحق}
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الوصية الخامسة:{عدم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق}
[القتل لغة]
إزهاق الرّوح.
وهو مأخوذ من مادّة [ق ت ل] الّتي تدلّ على إذلال وإماتة، يقال: قتلته قتلا، والقتلة: الحال يقتل عليها يقال: قتله قتلة سوء، والقتلة: المرّة الواحدة.
المقاييس ((5) / (56)).
يقول الجوهريّ: القتل: معروف، وقتله قتلا، وتقتالا، ومقاتل الإنسان المواضع الّتي إذا أصيبت قتلته: يقال: مقتل الرّجل بين فكّيه.
الصحاح ((5) / (1797)).
[القتل اصطلاحا]
قال الجرجانيّ: القتل: فعل يحصل به زهوق الرّوح.
التعريفات ((179)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[القتل في القرآن الكريم]
ورد لفظ القتل في القرآن الكريم على سبعة أوجه:
(1) الفعل المميت للنّفس.
ومنه قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} وقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ}
(2) القتال.
ومنه قوله تعالى {فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}
(3) اللّعن.
ومنه قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُون} َ وقوله {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} وقوله: {قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ}
(4) التّعذيب.
ومنه قوله تعالى {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}
(5) الدّفن للحيّ.
ومنه قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ}
(6) القصاص.
ومنه قوله تعالى في بني إسرائيل (الإسراء) الآية ((33)) {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً}
(7) الذّبح.
ومنه قوله تعالى: {يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُم} ْ.
نزهة الأعين النواظر ((495) (497)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[حكم القتل]
قال ابن حجر: قتل المسلم أو الذّمّيّ المعصوم عمدا أو شبه عمد من الكبائر ..
وللقتل أحكام كالقود والدّية وقد ذكر في سورة البقرة (آية (178)) {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى .. }
الزواجر ((482)).
وعدّ من الكبائر أيضا قتل الإنسان لنفسه، مستدلّا بقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} قال: وعدّ ذلك كبيرة هو صريح الآية، ويدخل فيه وفيما يترتّب عليه من الوعيد قتل المهدر لنفسه كالزّاني المحصن، وقاطع الطّريق المتحتّم قتله.
الزواجر ((492)).
أمّا الإمام الذّهبيّ فقد ذكر القتل باعتباره الكبيرة الثّانية بعد الشّرك، وقد أدخل في ذلك قتل الذّمّيّ المعاهد.
الكبائر ((13)، (14)).
وقال العزيزي في شرح الجامع الصغير: فهو أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله.
قال محقق الترغيب محمد خليل هراس:
“قال ابن العربي: وثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق، والوعيد في ذلك، فكيف بقتلِ الآدمي، فكيف بالمسلم، فكيف بالتقي الصالح؟!.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
{الفسادُ إما في الدِّينِ وإمّا في الدنيا، فأعظم فسادِ الدنيا قتلُ النفوس بغير الحقّ؛ ولهذا كان أكبرَ الكبائر بعدَ أعظمِ فسادِ الدِّين الذي هو الكفر}.
اقتضاء الصراط المستقيم ص: (76).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الآيات الواردة في «القتل»]
[قتل الكفار إذا قاتلوا المؤمنين]
(1) {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ((190)) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ ((191)) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ((192))}
[النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق]
{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ((68))}
[قتل المستضعفين]
{قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ((4))}
[قتل الأنبياء بغير حق]
{فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ((155))}
[الدعاء على الكفار في حكمهم بالقتل]
{وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ((30))}
[محاولة المشركين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ((30))}
[جزاء القتل]
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ((178))}
[أول قتل في الأرض]
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ((27)) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِين} َ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[جاءت أحاديث كثيرة في ذم القتل، والوعيد الشديد على من أقترف هذا الذنب العظيم، وسأقتصر هنا على حديث واحد فقط، ومن شاء التوسع فليراجع {نضرة النعيم} فقد ذكر جملة من الأحادث بلغت أربعة وثلاثين حديثاً:
منها:
عن أنس مرفوعاً أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال: «أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النّفس، وعقوق الوالدين، وقول الزّورأو قال وشهادة الزّور).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
الوصية الخامسة: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)
في قوله: (الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ)
دليل على أن النفوس تنقسم إلى قسمين:
قسم لم يحرم الله قتلها.
قسم حرم الله قتلها.
فما الذي حرم الله قتله من النفوس؟
هم أربعة أصناف:
المسلم
الذمي
المعاهد
والمستأمن.
هؤلاء أربعة، المسلم معصوم بإسلامه، والذمي بذمته، والمعاهد بعهده، والمستأمن بأمانه.
[الذمي هو]: الذي جرى بينه وبين المسلمين عقد وعهد على أن يبقى في البلاد الإسلامية محترماً ولكن يبذل الجزية دليل ذلك قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) سورة التوبة، الآية: (29)] وإذا فعلوا ذلك وجب علينا حمايتهم وحَرُم علينا الاعتداء عليهم لا في المال ولا في النفس ولا في العرض.
[المعاهد هو]: الذي عقد بينه وبين المسلمين عهد، “ومثال ذلك ما جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش عام الحديبية في السنة السادسة من الهجرة في ذي القعدة ” عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، لكنهم نقضوا العهد المهم أنه جرى بينه وبينهم عهد، فإذا جرى بين المسلمين وبين غير المسلمين عهد على عدم الاعتداء صار هذا العهد ملزماً ومانعاً من العدوان عليهم.
[والمستأمن]:يعني الذي أخذ أماناً منا ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَامَنَهُ) [سورة التوبة، الآية: 6] هذه هي النفس التي حرم الله.
فالله عز وجل قال: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ)
ثم قال الله تعالى: (إِلاَّ بِالْحَقِّ)، فإذا كان قتل النفس بحق فلا مانع من قتلها، من الحقوق التي تبيح قتل النفس المحرمة:
منها القصاص ومنها الزنى إذا كان الزاني محصناً ومنها على القول الراجح اللواط فإنه مبيح للقتل، ومنها الردة إذا ارتد الإنسان عن دينه فإنه يدعى إلى دينه فإن أبى قتل، وكذلك الحرابة (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) [سورة المائدة، الآية: (33)] وهم الذين يعرضون للناس بالطرق ويقتلونهم ويأخذون أموالهم، المهم أن كلمة (بالحق) عامة تشمل كل ما أباح الشارع قتله من النفوس المحرمة.
(ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
(ذلكم) المشار إليه ما سبق وهن خمس وصايا وصانا الله بها لعلنا نعقل.
تنبيه: يقصد الشيخ بإذن ولي الأمر، وسُئلت اللجنة الدائمة
فتوى رقم (7488)
س: أريد أن أعرف ما هو حكم الإسلام في حالة ما إذا ارتكب شخص جريمة يقام لها حد في الإسلام، مثل (الزنا) لكن قانون الدولة لم يعامل من يرتكب هذه الجريمة بما جاء في كتاب الله، هل نستطيع أن نقيم عليه الحد نحن أهله وعشيرته مع العلم أن السلطات الحاكمة ستعاقبنا على ذلك، وماذا يحدث لو لم يقم الحد، هل له من توبة عند الله، وما مدى قبول توبته؟
ج: ليس لكم أن تقيموا عليه الحد؛ لأن إقامة الحدود من اختصاص ولي الأمر، أو نائبه على الزاني ونحوه ممن يستحق الحد فيها، وإلا فعلى الزاني ونحوه الاستغفار والتوبة إلى الله، والإكثار من العمل الصالح، ورد الحقوق إلى أهلها إن كانت مالية، واستسماحهم والدعاء لهم والإحسان إليهم.
وإذا أخلص لله في التوبة ورد الحقوق المالية إلى أهلها تاب الله عليه، وغفر له بفضله وإحسانه، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
وقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ما المراد بالعقل هنا؟
نحن نعلم أن العقل نوعان: عقل إدراك، وعقل رشد، فعقل الإدراك ما يدرك به الإنسان الأشياء، وهذا الذي يمر كثيراً في شروط العبادات، يقول: من شرطها الإسلام والعقل والتمييز، هذا هو عقل الإدراك وضده الجنون.
والثاني عقل رشد: بحيث يُحسن الإنسان التصرف ويكون حكيماً في تصرفه وضد هذا السفه لا الجنون.
فالمراد بالعقل بهذه الآية، المراد عقل الرشد لأنه لم يوجه إلينا الخطاب إلا ونحن نعقل عقل إدراك، لكن هل كان من وجه إليه الخطاب، يعقل عقل رشد؟
لا، قد لا يعقل عقل الرشد، الكفار كلهم غير عقلاء عقل رشد كما قال الله تعالى في وصفهم: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) [سورة البقرة، الآية: (171)] لكن ليس معناه ليس عندهم عقل إدراك بل قد يكون عندهم عقل إدراك قوي وذكاء مفرط لكن ليس عندهم عقل رشد.
وما هو العقل النافع للإنسان؟
عقل الرشد، لأن عقل الإدراك قد يكون ضرراً عليه إذا كان ذكياً فاهماً ولكنه والعياذ باللهليس عنده حسن تصرف ولا رشد في تصرفه وقد يكون أعظم من إنسان ذكاؤه دون ذلك وهنا نسأل عن مسألة كثر السؤال عنها هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب؟
قال بعض الناس في القلب وقال بعض الناس في الدماغ، وكل منهم له دليل، الذين قالوا: إنه في القلب قالوا: لأن الله تعالى يقول: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [سورة الحج، الآية: (46)].
قال: (قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) ثم قال: (تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
إذاً العقل في القلب، والقلب في الصدر فكان العقل في القلب.
وقال بعضهم: بل العقل في الدماغ لأن الإنسان إذا اختل دماغه اختل تصرفه ولأننا نشاهد في الزمن الأخير نشاهد الرجل يزال قلبه ويزرع له قلب جديد ونجد عقله لا يختلف عقله وتفكيره هو الأول.
نجد إنساناً يزرع له قلب شخص مجنون لا يحسن يتصرف، ويبقى هذا الذي زرع فيه القلب عاقلاً فكيف يكون العقل في القلب؟
إذاً العقل في الدماغ لأنه إذا اختل الدماغ اختل التصرف، اختل العقل.
ولكن بعض أهل العلم قال: إن العقل في القلب ولا يمكن أن نحيد عما قال الله عز وجلأن الله تعالى وهو الخالق وهو أعلم بمخلوقه من غيره كما قال تعالى: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله”.
فالعقل في القلب والقلب في الصدر لكن الدماغ يستقبل ويتصور ثم يرسل هذا التصور إلى القلب، لينظر أوامره ثم ترجع الأوامر من القلب إلى الدماغ ثم ينفذ الدماغ إذاً الدماغ بمنزلة السكرتير ينظم المعاملات ويرتبها ثم يرسلها إلى القلب، إلى المسؤول الذي فوقه هذا القلب يوقع، يمضي، أو يرد ثم يدفع المعاملة إلى الدماغ والدماغ يأمر الأعصاب وتتمشى، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس وهو الموافق للواقع.
وقد أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله في كتبه، والإمام أحمد أشار إليه إشارة عامة فقال: “محل العقل القلب وله اتصال بالدماغ”.
لكن التفصيل الأول واضح جداً الذي يقبل الأشياء ويتصورها ويمحصها هو الدماغ ثم يرسل النتيجة إلى القلب ثم القلب يأمر إما بالتنفيذ وإما بالمنع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : “إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله”.
[شرح الوصايا العشر من سورة الأنعام]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ ربيع المدخل يحفظه الله:
قال تعالى:
{وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}
حماية للدماء التي يستبيحها البشر إذا تمردوا على شرائع الله عز وجل واستباحوا لأنفسهم سفك الدماء وارتكاب الفواحش، وهذه توجد في المجتمعات الجاهلية.
أما الإسلام فإنه يصون الأعراض ويحفظ الدماء ويحميها، {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ}، {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة: 32)، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} (النساء: (93)): حماية، وعيد شديد؛ يعني بيان فظاعة القتل، الذي يقتل نفسا واحدة فكأنما قضى على الإنسانية كلها: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً}، وشرع القصاص من أجل ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى} الآية. (البقرة: (187))، فأيّ حماية للدماء مثل هذه الحماية؟!.
وقوله: {إِلاَّ بِالْحَقِّ}؛يعني لا تقتلوها بحال من الأحوال إلا بالحقّ؛ وهو أن يَقتُل فيُقتَل، يُقاد منه، أو يرتكب وينتهك حرمة الإنسان، فيزني وهو مُحصَن فيُقتَل، أو يرتدّ عن دين الإسلام، يفتح بابا للشرّ على الإسلام فيرتدّ، فيُقتَل كما في الحديث: {لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة}،فهذا هو الحقّ الذي يستحقّ أن يُقتَل؛ أن تقتل هذه النفس التي حرم الله قتلها؛ لأنها هي انتهكت حرمات الله تبارك وتعالى، فيعدو على نفس مسلمة فيقتلها، أو نفس حماها الإسلام بالعهد فيقتلها؛ لأن نفس المسلم ونفس الذمّي محرّمة، لأنه في ذمّة الله وذمّة رسوله فلا نخفر ذمّة الله عز وجل فنقتل الذمّي: {من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما} هذا احترام لنفس المسلم ولنفس من يأوي ويعيش في ظلّ الإسلام وفي ذمّة المسلمين، هل يوجد دين كهذا؟! الله أكبر، ما أعظم الإسلام.
{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
الإشارة ترجع إلى هذه الأمور التي سلفت؛ من تجنب الشرك بالله تبارك وتعالى، ومن تجنب عقوق الوالدين، والقيام ببرهما، ومن قتل الأبناء، ومن قتل النفس، الإشارة تعود إلى هذه الخمس {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ} والوصية هي الأمر المؤكد اللازم الذي يجب القيام به، {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} تعقلون الأمور وتدركون الأخطار التي تترتب على ارتكاب هذه الجرائم، وتدركون الفوائد العظيمة من التزام تشريع الله تبارك وتعالى تجاه هذه الأمور.
[شرح الوصايا العشر من سورة الأنعام]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[من مضار {القتل}]
((1)) في القتبغير حقّاعتداء على المجتمع كلّه.
((2)) القتل مجلبة لسخط الرّبّ تعالى.
((3)) من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعا وفي ذلك ما فيه من تغليظ الجرم وبشاعة الذّنب.
((4)) من قتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم خالدا فيهـ ا.
((5)) القتل من أكبر الكبائر.
((6)) المنتحر قاتل للنّفس الّتي حرّم الله تعالى قتلها وهو من أهل النّار.
((7)) حرص المسلم على قتل أخيه يجعله في النّار حتّى وإن لم يقتله فعلا.
((8)) قتال المسلمين فيما بينهم جرم عظيم يصل بهم إلى الكفر.
((9)) القتل من عادات الجاهليّة الّتي نهى عنها الإسلام.
((10)) القاتل يضيّق عليه في الدّنيا والآخرة.
((11)) من حمل السّلاح على المسلمين فليس منهم وقد برئت منه ذمّة الله ورسوله.