سلسلة الوصايا العشركما جاءت في سورة الأنعام.
الوصية الثالثة:
{عدم قتل الأولاد بسبب الفقر}
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الوصية الثالثة:
{عدم قتل الأولاد بسبب الفقر}
قال تعالى:
{وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ
نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهًُم} ْ
قال الحافظ ابن كثير: رحمه الله:
“لما أوصى تعالى بالوالدين والأجداد، عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد، فقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ}؛
وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سوَّلت لهم الشياطين ذلك، فكانوا يَئِدون البنات خشية العار، وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار؛ ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه سأل رسول الله?
: أي الذنب أعظم؟
قال: {أن تجعل لله نِدًّا وهو خلَقك}، قلت: ثم أي؟
قال: {أن تقتل ولدَك خشية أن يَطعَم معك}، قلت: ثم أي؟
قال: {أن تُزاني حَليلة جارك}، ثم تلا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] [6]، وقوله تعالى: {مِّنْ إمْلاَقٍ}،
قال ابن عباس وقتادة والسُّدي وغيره: هو الفقر؛ أي: ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل، وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31]؛ أي: لا تقتلوهم خوفًا من الفقر في الأجل، ولهذا قال هناك: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}، فبدأ برزقهم للاهتمام بهم؛ أي: لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فهو على الله، وأما في هذه الآية، فلمَّا كان الفقر حاصلاً، قال: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}؛ لأنه الأهمُّ ها هنا”.
تفسير ابن كثير (2/ 251).
وقال الألوسي- رحمه الله:
{وعقب سبحانه التكليف المتعلق بالوالدين بالتكليف المتعلق بالأولاد; لكمال المناسبة}
روح المعاني (6/ 214)
قال الشيخ الشنقيطي- رحمه الله:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} الْآيَةَ، نَهَى اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ مِنْ أَجْلِ الْفَقْرِ الْوَاقِعِ بِالْفِعْلِ ; وَنَهَى فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ عَنْ قَتْلِهِمْ خَشْيَةَ الْفَقْرِ الْمُتَرَقَّبِ الْمَخُوفِ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الْحَالِ، بِقَوْلِهِ: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ، وَقَدْ أَوْضَحَ -?- مَعْنَاهُ حِينَ سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ” أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ: ” أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ” قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟
قَالَ: ” أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ” قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟
قَالَ: ” أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ ” ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ -?َ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ الْآيَةَ.
وَأَخَذَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَنْعَ الْعَزْلِ ; لِأَنَّهُ وَادٌ خَفِيٌّ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ: ” كُنَّا نَعْزِلُ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ ” يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، لَكِنْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَيَجُوزُ عَنِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا. وَالْإِمْلَاقُ: الْفَقْرُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْإِمْلَاقُ الْجُوعُ.
وَحَكَاهُ النَّقَّاشُ عَنْ مُؤَرِّجٍ، وَقِيلَ: الْإِمْلَاقُ الْإِنْفَاقُ، يُقَالُ: أَمْلَقَ مَالَهُ بِمَعْنَى أَنْفَقَهُ، وَذَكَرَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْلِقِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِكِ.
وَحُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
[أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن]
قال بعض العلماء:
وقوله تعالى {نحن نرزقكم وإياهم} تعليل للنهي عن قتل الأولاد من الفقر إذ مادام الله تعالى يرزقكم أنتم أيها الآباء ويرزق ابناءكم فلم تقتلونهم؟
وفي الجملة بشارة للأب الفقير بأن الله تعالى سيرزقه هو وأطفاله فليصبر، ولا يقتل …
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
الوصية الثالثة: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}
الإملاق: يعني الفقر، و “من” هنا سببية أي بسبب الإملاق يعني لا تقتلوا أولادكم بسبب الفقر، {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}، {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [سورة هود، الآية: 6]
هل أحد يقتل أولاده؟
لا، لكن الجاهلية العمياء كانت تجعل الجاهلين يقتلون أولادهم،
وقتل الجاهلين لأولادهم له سببان:
-السبب الأول: ما ذكره الله هنا وهو الإملاق أي الفقر.
-السبب الثاني: العار.
أما الأول الذي سببه الفقر فكانوا يقتلون الذكور والإناث: إذا جاءه ولد وهو فقير قال: هذا سيثقل كاهلي في الإنفاق فيقتله -والعياذ بالله-،
أما الآخر الذي سببه العار فهؤلاء يقتلون الإناث دون الذكور. {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [سورة النحل، الآيتان:58 – 59].
يقول الله عز وجل: لا تقتلوا أولادكم من الفقر.
إذاً يبقون ولو كان الأب فقيراً لأن رزقهم على الله عز وجل {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}.
[فإن قتل ولده فهل يقتل؟]
لو أن رجلاً فقيراً جاءه ولد ذكر أو أنثى فقتله لأنه لا يجد ما ينفق عليه فهل يُقتل الأب أو لا يقتل؟
[قال بعض أهل العلم]
إنه يُقتل، إذا علمنا أنه تعمد القتل يُقتل لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (البقرة 178]، وقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} أي على بني إسرائيل في التوراة، {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وقول النبي -?-: ” لا يحِلُّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة”
قالوا: ولأن الرجل إذا قتل ولده جمع بين عدوانين:
عدوان القطيعة
وعدوان القتل
فيقتل [وهذا مذهب الإمام مالك -رحمه الله]
لكن [أكثر أهل العلم] يقولون:
إن الوالد إذا قتل ولده لا يُقتل، واستدلوا بحديث مشهور عند أهل العلم {لا يُقتل والد بولده} ولكن هذا الحديث ضعَّفه كثير من العلماء،
وقالوا أيضاً: إن الوالد سبب وجود الولد فلا ينبغي أن يكون الولد سبباً في إعدامه، ولكن لا شك أن هذه العلة عليلة وذلك أن الأب سبب في وجود الولد لا شك لكن سبب قتله هو عدوان الأب وليس وجود الابن حتى نقول: كيف يكون وجوده سبباً في إعدام من أوجده أو من كان سبباً في وجوده.
على كل حال هذه المسألة موضع ذِكرها ومناقشتها كتب الفقه لكن ذُكرت عرضاً عند حديثنا عن قوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ).
وهنا نقف لننظر الفرق بين هذه الآية وبين آية الإسراء {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} [الإسراء: 31].
لماذا قدم الوالدين في سورة الأنعام وقدم الأولاد في سورة الإسراء ما هي الحكمة؟
يجب أن نعلم أن التعبير القرآني لابد أن يكون فيه حكمة لا يمكن أن يختلف التعبير إلا لسبب، في سورة الأنعام قال: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ) إذاً فالفقر موجود فبدأ برزق الفقراء فقال: نحن نرزقكم.
وفي سورة الإسراء الفقر غير موجود لكنه متخوف (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) فبدأ بذكر المحتاجين وهم الأولاد وهذا من بلاغة القرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ ربيع المدخلي-حفظه الله: بعد أن ذكر كلام مرَّ ما يشابهه من كلام الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله:
فيحمي الإسلام المرء صغيرا وكبيرا ويصونه، وهذا من فضل الله ورحمته سبحانه وتعالى بعباده؛ بالأطفال والنساء والأيتام وإلى آخره، كل ذلك تحدث عنه القرآن والسنة، حتى بالحيوانات كما قال ?: {عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض}
فكيف بالبشر؟!
كيف ببني الإنسان؟!
الذي كرمه الله: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء:70).
[شرح الوصايا العشر من سورة الأنعام]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[ومن الأدلة على أن قتل الأولاد من أعظم الذنوب]
حديث عبد الله بن مسعود، قال: قلت يا رسول الله، أي الذنب عند الله أكبر؟
وفي لفظ لمسلم: أعظم؟
قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك»، قلت: ثم أي؟
قال: «ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» قلت: ثم أي؟
قال: «أن تزاني بحليلة جارك» قال: ونزلت هذه الآية تصديقًا لقول الرسول ?: “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا” (الفرقان، الآية: 68)،
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قوله: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» أي: من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي أو من جهة البخل مع الوجدان»
{كما في الفتح}.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد:
(1) -الوصية تدل على تحريم قتل الأولاد.
(2) -يفهم منها وجوب الاعتماد على الله عز وجل في طلب الرزق.
(3) -قال القرطبي رحمه الله:
وقد يستدل بهذا من يمنع العزل، لأن الوأد يرفع الموجود، والنسل، والعزل: منع أصل النسل، فتشابها، إلا أن قتل النفوس أعظم وزرا، وأقبح فعلاً، ولذلك قال بعض علمائنا: إنه يفهم من قوله ?: “ذلك الوأد الخفي” الكراهية لا التحريم والعزل: هو أن يفرغ الرجل ماءه خارج الرحم.
[وقد اختلف العلماء في حكم العزل]
(1) -الأئمة الثلاثة، {أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله} يقولون بجواز العزل عن الحرة بإذنها، ويعزل عن الأمة بغير إذنها.
واستدلوا على ذلك بحديث أبي سعيد الخدريَ وحديث جابر رضي الله عنهما وما في معناهما.
(2) – {الإمام الشافعي رحمه الله} ذهب إلى جواز العزل مطلقا، وبدون إذن.
(3) – {ذهب ابن حزم} إلى تحريم العزل مطلقاً مستدلاً بحديث جذامة بنت وهب عند مسلم.
والراجح الجمع بين هذه الأقوال.
يحمل المنع على كراهة التنزيه، والجواز على عدم التحريم ولا يعني الجواز عدم وجود الكراهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله في أحد أجوبته:
قضية منع الحمل تعارض الكتاب والسنة، ولا ينبغي لمسلم أن يفعل ذلك، وقد يدعي بعض الناس قلة النفقة والعجز عن التربية، والله يرد على هذا الادعاء فيقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وإياهم} [الأنعام:151] {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وإياكم} [الإسراء:31]
[شرح الأربعين النووية]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ ابن عثيمين في جواب له لأحد الأسئلة:
وكلما كثر الأولاد انفتح للرزق أبوابا قال الله تبارك وتعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)
وقال تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ)
وقال في الآية الثانية (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)
ولكن كثرة الرزق بكثرة الأولاد لها شرط مهم وهو تقوى الله وصحة التوكل عليِه لقول الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ*وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)
فأقول لهذه السائلة لا تستعملي حبوب منع الحمل واستعيني بالله وتوكلي عليه واعلمي أن رزق أولادك ليس إليك بل إلى من خلقهم جل وعلا.
[فتاوى نور على الدرب]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وسُئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
378 – لدي أربعة أولاد ونحن في غربة عن بلدنا والسفر بهم قطعة من العذاب والدخل محدود، فما حكم تنظيم الأسرة بالنسبة لي وذلك لأجل معين حتى نستقر؟
فأجاب بقوله:
تحديد النسل خوفًا من ضيق الرزق لا يجوز، لأن الرزق بيد الله عز وجل، فهو الذي قدر الآجال والأرزاق وما من مولود يولد إلا وقد قدر له رزقه كما قدر له أجله، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [سورة الأنعام: آية 151]، فهذا فيه شبه من فعل الجاهلية الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر، إلا أن هذا يعتبر منعًا لحصول الأولاد خشية الفقر والجاهلية يقتلون الأولاد الموجودين خشية الفقر.
المنتقى من فتاوي الفوزان.
كتاب النكاح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسباب حصول الرزق وزيادته: وهي كثيرة، منها:
(1) -إقامة الصلاة: من أعظم شعائر الإسلام الصلاة، وهي الصلة بين العبد والرب، فضائلها عظيمة في الدنيا والآخرة، ومن هذه الفضائل:
أن الرزق يحصل ويزداد بالمداومة عليها، وإقامتها كما أرادها سبحانه وتعالى، وكما أقامها رسول الله ?؛ يقول تعالى: {وَامُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}
قال ابن كثير: وقوله: {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ}
يعني: إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}،
(2) -تقوى الله: والتقوى هي: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله؛ وأن تترك معصية الله، على نور من الله؛ تخاف عقاب الله.
قاله طلق بن حبيب.
إن التقوى سبب في حصول الرزق والسعة في الدنيا قبل الآخرة؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}،
وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}،
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}.
قال ابن كثير: ” أي: ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجا.
{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} أي: من جهة لا تخطر بباله “.
(3) – الاستغفار: وهو الانكسار بين يدي الله، والرجوع إليه، وسؤاله أن يعفو عنه، وأن يقيله من عثرته، وأن يتوب عليه.
والغفور، والغفار- جل ثناؤه- من أبنية المبالغة، ومعناهما: الساتر لذنوب عباده، المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم.
(4) – الإنفاق والسخاء:
قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}،
وقال سبحانه: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله ? قال: «قال الله تعالى: انفق يا ابن آدم أنفق عليك».
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي ? قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا».
(5) – التوكل على الله:
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.
(6) -صلة الأرحام: الصلة: أن يفعل الإنسان مع أقاربه ما يعد به مواصلا غير منافر ولا مقاطع.
والأرحام: هم القرابة، بدءا بالآباء والأمهات، ولهم حق زائد عن غيرهم، ثم البنين والبنات، والإخوة، والأخوات، والأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات، والأجداد، والجدات، وأولاد العم، والأدنى فالأدنى.
أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله ? يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه».
(7) – فعل الطاعات: جرت حكمة الله وسنته أن لا ينال ما عند الله من الرزق الكريم والفضل العظيم إلا بطاعة الله وعبادته، وامتثال أمره، والانتهاء عن نهيه.
العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة؛ قال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}،
وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}،
(8) – الحج والعمرة:
قال تعالى: {(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلىَ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)
وأخرج الترمذي بسنده من حديث عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله?: «تابعوا بين الحج العمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة».
وهو في الصحيح المسند في موضعين، الأول برقم: {(691)} من حديث ابن عباس رضي الله عنهما والآخر برقم: {(875)} من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(9) – تلاوة القرآن: القرآن كلام الله، كتاب هداية للعالمين، ومنهج حياة للناس أجمعين؛ من تلاه، ورتله، وحفظه، وتعلمه، وعلمه، وعمل بما فيه، واشتغل به، فإن الله يكرمه في الدنيا والآخرة، بل ويرزقه ويزيده من فضله؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ
*لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}
وأخرج الترمذي بسنده من حديث أنس بن مالك، قال: «كان أخوان على عهد النبي ? فكان أحدهما يأتي النبي ?، والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى النبي?، فقال: لعلك ترزق به».
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وهو في الصحيح المسند برقم: {(26)}
(10) -البكور: وهو التبكير في طلب الرزق وطلب العلم.
أخرج الترمذي وغيره بسنده من حديث صخر الغامدي قال: قال رسول الله ?: «اللهم بارك لأمتي في بكورها “، قال: وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلا تاجرا، وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار، فأثرى وكثر ماله».
(11) – إنجاب الأولاد: إن وجود الأولاد سبب من أسباب الرزق، والإنجاب من رزق الله، فهو الوهاب سبحانه وتعالى،
قال عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}،
وقال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}.
من يخلق يرزق، بل يرزق الله الآباء بسبب الأبناء، بل قدم سبحانه رزق الأبناء على الآباء في إحدى الآيات، وحرم قتل الأبناء خوفا من الفقر، وتكفل برزق الجميع، وجعل وجود الذرية سببا للرزق.
فله الحمد والشكر والثناء الحسن.
(12) -حمد الله تعالى وشكره على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة:
قال ابن القيم: ” الإيمان نصفان: نصف شكر، ونصف صبر، وقد أمر الله به، ونهى عن ضده، وأثنى على أهله، ووصف به خواص خلقه، وجعله غاية خلقه وأمره، ووعد أهله بأحسن جزائه، وجعله سببا للمزيد من فضله، وحارسا وحافظا لنعمته. . . “.