سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى ((34))
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(النور، الهادي الرشيد)
*في ذكره رحمه الله هذه الأسماء متعقب من جهتين:
الاول: أن هذه الأسماء لم ترد في القرآن الكريم وابن سعدي رحمه الله تعالى قد شرط على نفسه في مقدمة كتابه فتح الرحيم أن لا يذكر إلا اسماً وارداً في القرآن الكريم، وقد سبق أن مرَّ معنا بعض الأسماء.
والثاني: أن هذه الأسماء لا تثبت في جملة الأسماء الحسنى في أصح قولي العلماء رحمهم الله، فإن العلماء مختلفون في عدها ضمن أسماء الله الحسنى والصحيح نفي ذلك، وسأنقل إن شاء الله خلاف أهل العلم
*تنبيه:
لكن ثبت {نور السماوات والأرض} فيكون من جنس الأسماء المضافة، التي سمى الله به نفسه، {نحو رب العالمين}، {ومالك يوم الدين}، {وذي الجلال والإكرام} فهي أسماء مضافة والأسماء المضافة لا تُطلق على الله مفردةً بل يُسمى بها سبحانه وتعالى كما سمى نفسه، فلا يُقال {النور} وإنما يقال {نور السماوات والأرض} اتباعاً لما جاء به النص.
قاله بعض المحققين مع تصرف يسير.
اختلف العلماء في اسم (النور):هل هو من الأسماء الحسنى؟
القول الأول:
أنه من الأسماء الحسنى، لقوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) النور/ 35.
قال ابن القيم رحمه الله:
” وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ نُورًا، وَجَعَلَ كِتَابَهُ نُورًا، وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُورًا، وَدِينَهُ نُورًا، وَاحْتَجَبَ عَنْ خَلْقِهِ بِالنُّورِ، وَجَعَلَ دَارَ أَوْلِيَائِهِ نُورًا تَتَلَالَأُ “.
“اجتماع الجيوش الإسلامية” (2/ 44).
وقال أيضا في “النونية”:
والنور من أسمائه أيضا ومن
أوصافه سبحان ذي البرهانِ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله- تعليقاً على هذا البيت: لم أرَ حتى الآن أن النور من أسماء الله، وإنما الذي بلغنا قوله:
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض) [سورة النور 35]
أي: منورهما، أو هو الله نفسه فيهما نور؛ لأنه في السماء، ولا يمنع أن يقال: {نور السماوات والأرض} وهو في السماوات كما قال في القمر: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [سورة نوح 16] وهو في السماء الدنيا، وليس في السماوات الأخرى.
شرح الكافية الشافية {(3) / (211)}
وذكر ابن خزيمة رحمه الله أيضا أن اسم (النور) من أسماء الله الحسنى.
قلت: سيف غدير. ذكر الشيخ عبدالعزيز الراجحي في شرحه لأصول السنة للإمام أحمد، أن المحققين كشيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله- وغيرهم من أهل السنة والجماعة أثبتوا اسم النور لله -عز وجل- وأن من أسمائه النور، وأن من وصفه النور”
القول الثاني:
أنه ليس من الأسماء الحسنى.
سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز إطلاق اسم (عبد النور) على واحد من الناس؟
فأجابوا:
” أسماء الله تعالى توقيفية، ولم يثبت أن (النور) من أسمائه تعالى، وبناء على ذلك فلا يصح تعبيد الاسم له فلا يقال: (عبد النور) ” انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله الغديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
“فتاوى اللجنة الدائمة” (10/ 510)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
” النور جاء مضافاً، فلا يُسمَّى (عبد النور)، ولم يأتِ اسمٌ لله تعالى النور ” انتهى.
قال بعض أهل العلم:
من الأسماء المحرمة الممنوعة (عبد النور)، لأن فيها التعبيد لغير الله.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: ” لا أعلم أن (النور) من أسماء الله عز وجل في حديث صحيح ” انتهى.
*قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (النور الهادي الرشيد)
النور من أوصافه تعالى على نوعين:
نور حسي: وهو ما اتصف به من النور العظيم، الذي لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ونور جلاله ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهذا النور لا يمكن التعبير عنه إلا بمثل هذه العبارة النبوية المؤدية للمعنى العظيم، وأنَّه لا تطيق المخلوقات كلُّها الثبوت لنور وجهه لو تبدَّى لها، ولولا أنَّ أهل دار القرار يعطيهم الرب حياة كاملة، ويعينهم على ذلك لَمَا تمكنوا من رؤية الرب العظيم.
وجميع الأنوار [في] السموات العلوية كلُّها من نوره، بل نور جنات النعيم التي عرضها السموات والأرض ـ وسعتُها لا يعلمها إلا الله ـ من نوره، فنور العرش والكرسي والجنات من نوره، فضلاً عن نور الشمس والقمر والكواكب.
والنوع الثاني: نوره المعنوي وهو النور الذي نوّر قلوب أنبيائه وأصفيائه وأوليائه وملائكته، من أنوار معرفته وأنوار محبته، فإنَّ لمعرفته في قلوب أوليائه المؤمنين أنواراً بحسب ما عرفوه من نعوت جلاله، وما اعتقدوه من صفات جماله، فكلُّ وصف من أوصافه له تأثير في قلوبهم، فإنَّ معرفة المولى أعظم المعارف كلِّها، والعلم به أجلّ العلوم، والعلم النافع كلُّه أنوار في القلوب، فكيف بهذا العلم الذي هو أفضل العلوم وأجلّها وأصلها وأساسها.
فكيف إذا انضم إلى هذا نور محبته والإنابة إليه، فهنالك تمتلئ أقطار القلب وجهاتُه من الأنوار المتنوعة وفنونِ اللذات المتشابهة في الحسن والنعيم.
فمعاني العظمة والكبرياء والجلال والمجد، تملأ قلوبهم من أنوار الهيبة والتعظيم والإجلال والتكبير.
ومعاني الجمال والبر والإكرام: تملأها من أنوار المحبة والود والشوق.
ومعاني الرحمة والرأفة والجود واللطف: تملأ قلوبهم من أنوار الحب النامي على الإحسان، وأنوار الشكر والحمد بأنواعه والثناء.
ومعاني الألوهية: تملأها من أنوار التعبد، وضياء التقرُّب، وسناء التحبُّب، وإسرار التودُّد، وحرية التعلق التام بالله رغبة ورهبة، وطلباً وإنابة، وانصراف القلب عن تعلقه بالأغيار كلِّها.
ومعاني العلم والإحاطة والشهادة والقرب الخاص: تملأ قلوبهم من أنوار مراقبته، وتوصلهم إلى مقام الإحسان الذي هو أعلى المقامات كلِّها؛ أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك.
فكلُّ معنى ونعت من نعوت الرب يكفي في امتلاء القلب من نوره، فكيف إذا تنوّعت وتواردت على القلوب الطاهرة الزكية الذكية، وهنا يصدق على هذه القلوب القدسية انطباق هذا المثل عليها، وهو قوله: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ِ} [النور: 35] الآية.
وهذا النور المضروب هو نور الإيمان بالله، وبصفاته وآياته مثله في قلوب المؤمنين مثل هذا النور الذي جمع جميع الأوصاف التي فيها زيادة النور، وهو أعظم مثل يعرفه العباد.
وقد دعا صلى الله عليه وسلم لحصول هذا النور فقال: «اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم اجعلني نوراً».
ومتى امتلأ القلب من هذا النور فاض على الوجه، فاستنار الوجه، وانقادت الجوارح بالطاعة راغبة.
وهذا النور الذي يكون في القلب هو الذي يمنع العبد من ارتكاب الفواحش، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن».
فأخبر أنَّ وقوع هذه الكبائر لا يكون ولا يقع مع وجود الإيمان ونوره.
والهادي الرشيد من أسمائه الحسنى هما بمعنى النور بهذا المعنى، فالله يهدي ويرشد عباده إلى مصالح دينهم ودنياهم، ويعلمهم ما لا يعلمون، ويهديهم هداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه، منقادة لأمره.
فالله خلق المخلوقات فهداها الهداية العامة لمصالحها، وجعلها مهيئة لما خلقت له، وهدى هداية البيان، فأنزل الكتب وأرسل الرسل، وشرع الشرائع والأحكام، والحلال والحرام، وبيّن أصول الدين وفروعه، وعلوم الظاهر والباطن، وعلوم الأولين والآخرين، وهدى وبيّن الصراط المستقيم الموصل إلى رضوانه وثوابه، ووضّح الطرق الأخرى ليحذَرَها العباد، وهدى عباده المؤمنين هداية التوفيق للإيمان والطاعة، وهداهم إلى منازلهم في الجنة، كما هداهم في الدنيا إلى سلوك أسبابها وطرقها.
ولهذا يقول أهل الجنة حين تتم عليهم نعمة الهداية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43].
وقال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)} [الأعراف].
والهداية المطلقة التامة هي الهداية التي يسألها المؤمنون ربهم في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي اهدنا إليه واهدنا فيه.
وفي قول الداعي: «اللهم اهدنا فيمن هديت».
وللرشيد معنى آخر بمعنى الحكيم، فهو الرشيد في أقواله وأفعاله، وهو على صراط مستقيم فيما يشرعه لعباده من الشرائع، التي هي رشد وحكمة، وفيما يخلقه من المخلوقات ويقدره من الكائنات، الجميع رشد وحكمة، لا عبثٌ فيها ولا شيءٌ مخالف للحكمة.