سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى ((33))
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(الواسع)
يقول ابن فارس فى مقاييس اللغه:
{وسع} – {الواو-والسين -والعين}
كلمه تدل على خلاف الضيق والعسر ويقال: وسع الشئ واتسع والواسع الغنى والله الواسع أي: الغني والواسع الطاقة وهو ينفق على قدره وسعته.
وقال تعالى: فى السعه {لينفق ذو سعة من سعته}
قال ابن منظور: {الواسع هو الذي وسع رزقه جميع خلقه، ووسعت رحمته كل شيء، وغناه كل فقر}.
انظر: ((لسان العرب)) (6/ 4835)
*وروده في القرآن الكريم:
جاء في القرآن تسع مرات منها:
قوله تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].
ويقول الطبري – رحمه الله – عند قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115]:
(يعني جل ثناؤه بقوله: واسع أي: يسع خلقه كلهم بالكفاية والاتصال والجود والتدبير).
{تفسير الطبري} (1/ 403).
ويقول الخطابي رحمه الله: {الواسع: هو الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده، ووسع رزقه جميع خلقه، والسعة في كلام العرب: الغنى.
ويقال: الله يعطي عن سعة أي عن غنى}.
{شأن الدعاء} (ص: 72)
قال الشيخ ابن عثيمين عند قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} يعني واسع الإحاطة، وواسع الصفات؛ فهو واسع في علمه، وفي قدرته، وسمعه، وبصره، وغير ذلك من صفاته …
تفسير سورة البقرة {(2) / (14)}
وذكر رحمه الله عند فوائد هذه الآية الفائدة الثامنة: فية إثبات اسمين من أسماء الله؛ وهما: {وَاسِعٌ} و {عَلِيمٌ}.
*ولم يرد الاسم في السنة إلا في حديث سرد الأسماء عند الترمذي وليس بحجة كما سبق.
ما الفرق بين الواسع والكبير؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله الفرق بينها أن الواسع من السعة وهو بلوغ غاية الشيء؛ وأما الكبير فإنه يعود إلى الذات وهو الكبرياء فقط؛ فمتعلق الواسع أشمل وأعم؛ لأنه يشمل جميع الصفات وكذلك بكبر ذات الله عزوجل فإنه أكبر من كل شيء.
الطالب: ما نقول واسع بذاته؟
الشيخ؛:والله أخشى أن يتوهم منها متوهم بأن الأشياء حالة فيه؛ كما في قوله (َوَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) فإن الكرسي محيط بالسموات و الأرض؛ ولهذا أتحاشى أن أقول هكذا؛ هو واسع في صفاته.
تفسير سورة البقرة {الشريط (71) الوجه: ب}
*آثار الإيمان بهذا الاسم:
(1) -الله سبحانه وتعالى واسع في علمه، واسع في حكمته، فلو كان ماء البحر مداداً للقلم الذي يكتب به كلمات الله وحكمته، وآياته وعلمه وشرعه وقدره، لنفذ ماء البحر قبل أن ينفذ ما عند الله من علم وحكمة وآيات، ولو مددنا البحر بمثل ما فيه، كما قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}
[سورة الكهف 109]
وقد نظم ذلك ابن القيم بقوله:
كلماته جلت عن الإحصاء والتعداد
بل عن حصر ذي الحسبان
لو أن أشجار البلاد جميعها
الأقلام تكتبها بكل بنان
والبحر تلقى فيه سبعة أبحر
لكتابة الكلمات كل زمان
نفدت ولم تنفد بها كلماته
ليس الكلام من الإله بفان
((النونية)) (2/ 217).
(2) -إن الله واسع المغفرة، ومن سعة مغفرته أنه يغفر لكل من تاب وأناب مهما بلغت ذنوبه وخطاياه، قال عز من قائل {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
وقال حمله العرش عن ربهم تبارك وتعالى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7].
*قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (الواسع)
أي واسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها، بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، واسع العظمة والسلطان والملك، فجميع العوالم العلوية والسفلية الظاهرة والباطنة كلُّها لله.
قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة].
وواسع العلم والحكمة، وعام القدرة، ونافذ المشيئة، وواسع الفضل والإحسان والرحمة، {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}
[غافر: 7].
ومن لطائف التعبد لله باسمه الواسع، أنَّ العبد متى علم أنَّ الله واسع الفضل والعطاء وأنَّ فضلَه غير محدود بطريق معين، بل ولا بطرق معينة، بل أسباب فضله وأبواب إحسانه لا نهاية لها أنَّه لا يعلق قلبه بالأسباب، بل يعلقه بمسبِّبها، ولا يتشوش إذا انسدَّ عنه باب منها، فإنَّه يعلم أنَّ الله واسع عليم، وأنَّ طرق فضله لا تعد ولا تُحصى، وأنَّه إذا انغلق منها شيء انفتح غيره مما قد يكون خيراً وأحسن للعبد عاقبة.
قال تعالى مشيراً إلى هذه الحال التي كثير من الناس لا يوفقون لها، {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130]، لما كانت هذه الحال وهي حال الفراق يغلب على كثير من الزوجات الحزن، ويكون أكبر داع لهذا الحزن ما تتوهمه من انقطاع رزقها من هذه الجهة التي تجري عليها، فوعد الله الجميع وبشّرهم بفتح أبواب الخير لهم، وأنَّه سيعطيهم من واسع فضله.
وكم من عبد بهذه المثابة له سبب وجهة من الجهات التي يجري عليه الرزق، فانغلقت ففتح الله له باباً أو أبواباً من الرزق والخير.
وبهذا يُعْرَفُ الله ويُعْلَمُ أنَّ الأمور كلَّها منه، وأنَّه {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2].
ومن سعته وفضله: مضاعفة الأعمال والطاعات، الواحدة بعشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة بغير عد ولا حساب.
ومن سعته: ما احتوت عليه دار النعيم من الخيرات، والمسرَّات والأفراح واللذات المتتابعات، مما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فخير الدنيا والآخرة وألطافهما من فضله وسعته، وجميع الأسباب والطرق المفضية إلى الراحات والخيرات كلُّها من فضله وسعته.