سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى ((31))
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(الحسيب الكافي الحفيظ)
{الحسيب}
*ورد اسم الله [الحسيب] في ثلاثة مواضع من القرآن:
-في سورتي النساء و الأحزاب: {وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا} [النساء:6]
وفي النساء: قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86]
قال الطبري رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39]، أي: وكفاك يا محمد بالله حافظاً لأعمال خلقه ومحاسباً عليهم)
((تفسير الطبري)) (22/ 12).
وقال الخطابي رحمه الله تعالى: (الحسيب هو المكافئ فعيل بمعنى مفعل كقولك: أليم بمعنى مؤلم، تقول العرب: نزلت بفلان فأكرمني وأحسبني أي أعطاني ما كفاني حتى قلت: حسبي.
و ((الحسيب)) أيضاً بمعنى: المحاسب، كقولهم: وزير ونديم بمعنى موازر ومنادم. ومنه قول الله سبحانه: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14] أي: محاسباً، والله أعلم)
((شأن الدعاء)) (ص: 69 – 70).
وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:
(“الحسيب”: هو العليم بعباده، كافي المتوكلين، المجازي لعباده بالخير والشر بحسب حكمته وعلمه بدقيق أعمالهم وجليلها).
((تفسير السعدي)) (ص: 947).
*قال ابن القيِّم – رحمه الله -:
وَهُوَ الْحَسِيبُ كِفَايَةً وَحِمَايَةً
وَالْحَسْبُ كَافِي الْعَبْدِ كُلَّ أَوَان
قال الشيخ ابن سعدي_رحمه الله معلقاً على هذا البيت:
(والحسيب بمعنى الرقيب الحاسب لعباده المتولي جزاءهم بالعدل، وبالفضل، وبمعنى الكافي عبده همومه، وغمومه.
وأخص من ذلك أنه الحسيب للمتوكلين: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهَذَا حَسْبُهُ} [الطلاق: 30]، أي: كافيه أمور دينه ودنياه).
((توضيح الكافية الشافية)) (ص: 126، 127).
وقال الشيخ ابن عثيمين_رحمه الله: معلقاً أيضاً:
الحسيبُ فسره بقوله: (حماية ًوكِفَايَةً)، و ((الحسيبُ))؛ أي: ذو الحَسْبِ، و ((الحَسْبُ))
يعني: الكفاية، فهو الكافي الذي يحمي عبدَه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [سورة الطلاق 3]
وقال تعالى (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) [سورة ا?حزاب 39]
وإذا كان هو الحسيب فإلى أيِّ أحدٍ يرجعُ الإنسانُ عند مهمَّاتِه وملمَّاته؟
الجواب ُ:
إلى الله عزَّ وجلَّ؛ ولهذا قال تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [سورة الطلاق 3]
((والحسيبُ)) من أوصافه، فإنَّه تعالى حَسْبُ كُلِّ من تَوَكَّلَ عليه.
شرح الكافيةالشافية في الإنتصار للفرقة الناجية (((3) / (187)))
{الكافي}
ذكر بعض المحققين من أهل العلم أن ذكر ((الكافي)) متعقب عليه بشيئين:
أولاً: أن هذا الاسم لم يُذكر في القرآن الكريم وهو اشترط رحمه الله {أي ابن سعدي في كتابه فتح الرحيم} أن يكون كلامه مخصوص بالأسماء الإلهية الواردة في القرآن.
وثانياً: أن الكافي في أصح قولي أهل العلم ليس من أسماء الله عزوجل لأنه لم يثبت في شيء ٍّ من الأحاديث المروية عن النبي_صلى الله عليه وسلم_وإنما عده من عده اشتقاقاً من الأفعال الواردة في القرآن وكأن هذا منزع المصنف رحمه الله_
والصحيح عند أهل التحقيق أن أسماء الله لا تُؤخذ مشتقةٌ من الأفعال كما صرح بذلك ابن القيم في بدائع الفوائد، فلا يقال إن الله سبحانه وتعالى اسمه {الكافي} أخذاً من قوله تعالى (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) وغيره من الأفعال الواردة في القرآن.
ومنهم من يرى أنه اسم لله تعالى:
كالقاضي ابن العربي المالكي في أحكام القرآن،
والحافظ ابن حجر في فتح الباري وكذلك في التلخيص الحبير أن الكافي من أسماء الله تعالى.
{الحفيظ}
*ورد اسم الله الحفيظ في ثلاثة مواضع من القرآن:
في قول الله تعالى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [هود من الآية:57].
وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ من الآية:21].
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} [الشورى من الآية:6].
قال الخطابي: هو الحافظ يحفظ السماوات والأرض وما فيهما لتبقى مدة بقائها فلا تزول ولا تَندَثِرُ، كقوله تعالى: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].
وقال تعالى: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات: 7].
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}
[فاطر: 41].
وهو -سبحانه-يحفظ عبده من المهالك ومن مصارع السوء كقوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].
أي بأمره، ويحفظ على الخلق أعمارهم ويُحصي عليهم أقوالهم ويحفظ أولياءه فيعصمهم عن مُواقَعَةِ الذنوب ويحرسهم من مكائد الشيطان ليسلموا من فتنته وشرِّه.
((شأن الدعاء)) ص67 – 68.
*قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (الحسيب الكافي الحفيظ)
أي: هو الكافي عباده كلَّما إليه يحتاجون، الدافع عنهم كلَّما يكرهون فكفايته عامة وخاصة.
أما العامة فقد كفى تعالى جميع المخلوقات، وقام بإيجادها وإرزاقها وإمدادها وإعدادها لكلِّ ما خلقت له، وهيأ للعباد من جميع الأسباب ما يغنيهم ويقنيهم ويطعمهم ويسقيهم.
وأما كفايته وحسبه الخاص فهو كفايته للمتوكِّلين، وقيامه بإصلاح أحوال عباده المتقين.
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] أي كافيه كلَّ أموره الدينية والدنيوية. وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] أي: من قام بعبوديته الظاهرة والباطنة كفاه الله ما أهمَّه، وقام تعالى بمصالحه، ويسر له أموره.
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] أي من جميع المكاره والمضايق، {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3].
وإذا توكل العبد على ربه حق التوكل، بأن اعتمد بقلبه على ربه اعتماداً قوياً كاملاً في تحصيل مصالحه ودفع مضاره، وقويت ثقته وحسن ظنه بربه حصلت له الكفاية التامة، وأتم الله له أحواله وسدَّده في أقواله وأفعاله، وكفاه همَّه وجلا غمه.
ومن معاني الحسيب أنَّه الحفيظ على عباده كلَّما عملوه، أحصاه الله ونسوه، وعلم تعالى ذلك، وميّز الله صالح العمل من فاسده، وحسنه من قبيحه، وعلم ما يستحق من الجزاء ومقداره من الثواب والعقاب. فهو في هذا المعنى بمعنى الحفيظ، وللحفيظ أيضاً معنى آخر يقارب معنى الكافي الحسيب، وهو الذي تكفل بحفظ مخلوقاته وإبقائها، {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر: 41]. فهذا حفظ عام.
وأما الحفظ الخاص فقد قال صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك».
فمن حفظ أوامر الله بالامتثال ونواهيه بالاجتناب، وحفظ فرجه ولسانه وجميع أعضائه، وحفظ حدود الله فلم يتعدها، حفظه الله في دينه من الشبهات القادحة في اليقين، وحفظه من الشهوات والإرادات المناقضة لما يحبه الله ويرضاه، وحفظ عليه إيمانه {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، وحفظ الله عليه دنياه، وحفظه في أولاده وأهله ومن يتصل به.
وكذلك ينقله الله من حالة أعلى من ذلك، وهي أنَّه من حفظ الله وجده أمامه وتجاهه يسدِّده ويوفقه، وتحصل له معية الله الخاصة التي لا تحصل إلا لخواص الخلق.