سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى ((30))
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(القريب المجيب)
(القريب)
المعني اللغوي: القرب نقيض البعد.
قَرُبَ الشيء بالضم , يَقرُبُ قُرٌباً وقُرباناً وقِرباناً أى: دنا, فهوقريب ,الواحد والأثنان والجميع في ذلك سواء.
والقُربان: ما قُرب إلى الله عزوجل وتقربت به (1).
==============
(1).”الصحاح ” (1\ 198 – 199) و”اللسان ” (5\ 3566) مادة (قرب).أنظر:”اشتقاق الأسماء للزجاجي (ص146 – 148).
*وروده في القرآن الكريم:
*ورد الإسم ثلاث مرات في الكتاب وهي:
قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. (البقرة:189)
وقوله: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}. (هود:60\ 61)
وقوله: {قُلْ إِن ضَلَلْت ُفَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} (سبأ:50)
*معني الإسم في حق الله تعالى:
قال ابن جرير في قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي} (البقرة):189
يعني تعالى ذكره بذلك: وإذا سألك يا محمد عبادي عني أين أنا؟
فإنني قريب منهم أسمع دعائهم وأُجيب دعوة الداعي منهم.
“جامع البيان ” (2\ 92)
وقال في قوله: {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيب}. (هود:61): يقول: إن ربي قريب ممن أخلص له العبادة, ورغب إليه في التوبة مجيب له إذا دعاه.
“جامع البيان” (12\ 38)
وفي قوله: {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}. (سبأ:50)
قال: إن ربي سميع لما أقول لكم حافظ له وهو المجازي لي على صدقي في ذلك , وذلك مني غير بعيد فيتعذر عليه سماع ما أقول لكم وما تقولون وما يقوله غيرنا ,ولكنه قريب من كل متكلم , يسمع كل ما ينطق به ,أقرب إليه من حبل الوريد.
“جامع البيان” (22\ 72)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وتقرُّبه من بعض عباده؛ فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة، ونزوله، واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر).
((مجموع الفتاوى)) (5/ 466).
ويقول في موضعٍ آخر: ( … ولا يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد به قربه بنفسه، بل يبقى هذا من الأمور الجائزة، وينظر في النص الوارد، فإن دل على هذا؛ حُمل عليه، وإن دل على هذا؛ حُمل عليه، وهذا كما تقدم في لفظ الإتيان والمجيء).
((مجموع الفتاوي)) (6/ 14).
وقد أطال الكلام رحمه الله على هذه المسألة بما لا مزيد عليه.
انظر إن شئت المواضع التالية:
(5/ 232 – 237، 240 – 241، 247 – 248، 459 – 467، 494 – 514)، (6/ 5، 8، 12 – 14، 19 – 25، 30 – 32، 76)، وانظر: كتاب ((القواعد المثلى)) للشيخ ابن عثيمين (المثال الحادي عشر والثاني عشر).
*قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “شرح حديث النزول” (ص: 138 – 139):
فكلما تقرب العبد باختياره قدر شبرٍ، زاده الرب قربًا إليه حتى يكون كالمتقرب بذراعٍ، فكذلك قرب الرب من قلب العابد، وهو ما يحصل في قلب العبد من معرفة الرب والإيمان به، وهو المثل الأعلى، وهذا – أيضًا – لا نزاع فيه، وذلك أن العبد يصير محبًّا لما أحب الرب، مبغضًا لما أبغض، مواليًا لمن يوالي، معاديًا لمن يعادي، فيتحد مراده مع المراد المأمور به الذي يحبه الله ويرضاه.
قال ابن القيم رحمه الله:
وَهُوَ القَرِيبُ وَقُرْبُهُ المُخْتَصُّ بِالدْ
دَاعِي وَعَابِدِهِ عَلَى الإِيمَانِ
فقربه سبحانه وتعالى نوعان:
1 – قرب عام: وهو إحاطة علمه بجميع الأشياء، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وهو بمعنى المعية العامة.
2 – قرب خاص بالداعين والعابدين، هو قرب يقتضي المحبة والنصرة، والتأييد في الحركات والسكنات، والإجابة للداعين، والقبول والإنابة للعابدين.
قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186].
عبد الرحمن آل سعدي ((الحق الواضح المبين)) (ص: 64)
تنبيه:
الشيخ ابن سعدي-رحمه الله-يقرر في عدة مواضع من كتبه أن القرب على نوعين عام وخاص، وهذا بخلاف ما ذهب إليه المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وغيرهما كما سيأتي.
والصحيح أن قرب الله تعالى – نوع واحد يختص بالمؤمنين فليس منه شيء يتعلق بالخلق كلهم، فهذا لا يسمى قرباً، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأيضاً الشيخ ابن عثيمين في أحد أجوبته، وهو الموجود في تفسير السلف-رحمهم الله-في الآيات المشكلة التي استدل بها القائلون بالقرب العام كقوله تعالى (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) فإن هذه الآية واشباهها يُراد بها قرب الملائكة وليس قرب الله سبحانه وتعالى وإحاطته.
فالمختار أن قرب الله عزوجل هو قربه للمؤمنين فقط، وقرب الله سبحانه وتعالى من المؤمنين نوعان:
(1) /قرب عام من عابديه.
(2) /قرب خاص من داعيه.
فإن الله عزوجل قريب من المؤمنين بطاعتهم، ويشتد قربه سبحانه وتعالى ويقوى لمن دعاه ولاسيما إذا كان مع اضطرار كما قال تعالى:
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ َ)
[سورة النمل 62]
وهذا هو جواب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لما سئل هل القرب نوعان عام وخاص مثل المعية؟
الصحيح أن القرب لا ينقسم و أنه خاص بمن يعبد الله تعالى أو يدعوه فقط فليس الله تعالى قريبا من الكافر لأن القرب وصف أخص من المعية ويدل على عناية تامة وهذا لم يرد القرب موصوفا به الله عز وجل إلا في حالة الدعاء قال تعالى: (واذا سألك عبادي عني فأني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان) وفي حال العبادة أيضا كقول الرسول صلى الله عليه وسلم (اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)
(المجيب)
قال تعالى عن نبيِّه صالح: {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61].
ولم يرد هذا الاسم في السنة إلا في حديث سرد الأسماء عند الترمذي وابن ماجة، وسبق مرارا بعدم ثبوته.
قال ابن القيم رحمه الله:
وَهُوَ المُجِيب يَقُولُ مَنْ يَدْعُو أُجِبْـ
ـــــــهُ أَنَا المُجِيبُ لِكُلِّ مَنْ نَادَانِي
*قال الشيخ ابن عثيمين-معلقاً على هذا البيت:
هو عزوجل مجيب الدعوات، فادع الله بإخلاص وافتقار وإيمان بأنه عزَّ وجل قادر على أن يعطيك فيجيبك، لكن الكلام على صدق الدعاء، لأنَّ بعض الناس يدعو يريد أن يجرب هل يجاب أو لا؟ لكن ادْعُ الله بإخلاص وأنت موقن بالإجابة، لكن الإجابة لها شروطٌ من أهمها اجتنابُ أكل الحرامِ، فإن أكل الحرام يحول بين المرء وبين إجابة الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {((إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}،وَقَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.
ثُمَّ ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم ((الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّماءِ يا رَبُّ .. يا رَبُّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامِ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامَ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟!))، استبعد النبي صلى الله عليه وسلم أنْ يستجيبَ اللهُ تعالى لهذا الرجل مع أنه فعل أسباب الإجابة؛ فهو مسافرٌ أشعثُ أغبرُ، رافعٌ يديه إلى الله عزوجل، يقول: يا رب يا رب، ومع ذلك لم يُجَبْ.
والآن لا تكادُ تجدُ من لا يأكل الحرام إلا نادراً، فإن جئتَ للموظف تجدُ أنه رُبما لا يحضرُ إلا نصف الوقت أو ثلاثة أرباع الوقت، وهذا حرامٌ، فما زاد على وقتِ الحضورِ فهو حرام، إن جئتَ للموظف وإذا هو يأخُذُ انتدابات ليس لها أصلٌ ولا يتعدى مكانه، ويُصْرف له، وهذا حرامٌ، إن جئتَ للمعاملات فإذا هي غشٌّ وربا وغير ذلك، ولذلك استبعد النبي_صلى لله عليه وسلم_أن يجاب؛ لأنه كان يأكل الحرام ويتغذَّى به ……
شرح الكافية الشافية: ((3) / (164))
{أسباب إجابة الدعاء}
السبب الأول: الكسب الطيب.
السبب الثاني: الإلحاح في الدعاء والعزم في المسألة.
السبب الثالث: الأعمال الصالحة.
السبب الرابع: إطالة السفر.
السبب الخامس: التبذل.
السبب السادس: رفع اليدين.
{من موانع إجابة الدعاء}
1 – غَفْلَةُ القَلْب.
2 – كَثْرَةُ المَعَاصِي.
3 – التفريط في الأعمال الصالحة.
4 – الدُّعَاءُ بإِثْمٍ أو قَطِيعَةِ رَحِمٍ.
5 – الاسْتِعْجَالُ فِي الدعاء.
6 – الاعْتِدَاءُ في الدعاء.
قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (القريب المجيب)
أي هو تعالى القريب لكلِّ أحد، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وقربه تعالى نوعان:
قربٌ عام بعلمه وخبرته ومراقبته ومشاهدته وإحاطته، فهو أقرب إلى كلِّ أحد من نفسه.
وقربٌ خاص من عابديه وداعيه ومحبيه، قرب لا يُدْرَكُ له حقيقة، وإنَّما تُعلم آثاره من لطفه بعبده وعنايته به وتوفيقه وتسديده، وحضور القلب عنده في تلك الحال التي حصل فيها القرب.
ومن آثاره: الإجابةُ للداعين والإثابة للعابدين، وما أحسن اقتران القريب بالمجيب. قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
فهو المجيب إجابة عامة للدَّاعين مهما كانوا وأين كانوا، وعلى أيِّ حال كانوا كما وعدهم بهذا الوعد المطلق.
وهو المجيب إجابة خاصة للمستجيبين له، المنقادين لشرعه. ولهذا عقَّب ذلك بقوله: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}، أي فإذا استجابوا لي أجبتهم. وتقدم الحديث الذي فيه حالة المحب المستجيب لربه بفعل النوافل بعد الفرائض، وأنَّ الله يقول: «ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن أستعاذني لأعيذنَّه».
وهو المجيب أيضاً إجابة خاصة للمضطرين كما قال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62]، وكذلك من انقطع رجاؤه من المخلوقين وقوي طمعه وتعلقه بالله رب العالمين، فما أسرع الإجابة لهذا، وكلَّما قويت حاجة العبد وقوي طمعه بربِّه حصل له من الإجابة بحسب ذلك.