*سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى (3)
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
=======================
(الخالق، البارئ، المصوِّر)
قال ابن سعدي رحمه الله: أي هو المنفرد بخلق جميع المخلوقات، وبرَأ بحكمته جميع البريَّات، وصوّر بإحكامه وحسن خلقه جميع الكائنات، فخلقها وأبدعها وفطرها في الوقت المناسب لها، وقدّر خلقها أحسن تقدير، وصنعها أتقن صنع وهداها لمصالحها، أعطى كلَّ شيء خلقه اللائق به، ثم هدى كلَّ مخلوق لما هُيئ وخلق له.
وإذا كان هو الخالق وحده البارئ المصور لا شريك له في شيء من ذلك، فهو الإله الحق الذي لا يستحق العبادة إلا هو، وهو الخالق للذوات والأفعال والصفات، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويجعل المؤمن مؤمناً والكافر كافراً، من غير أن يجبر العباد على غير ما يريدون.
ففي عموم خلقه ردّ على القدرية حيث أخرجوا أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم عن دخولها تحت خلقه وتقديره، حذراً منهم وفراراً من الجبر، ولم يدروا أنَّ كماله وكمال قدرته ينفي الجبر، وأنَّه قادرٌ على جعل العبد يفعل ما يختاره ويريده جارياً على قدره ومشيئته، فهو أعظم من أن يجبر العباد، وأعدل من أن يظلمهم، بل هم الذين يريدون ويختارون والله هو الذي جعلهم كذلك، وإرادتهم وقدرتهم تابعة لمشيئة الله، {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} [التكوير]
قال ابن كثير رحمه الله:
وقوله: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}
الخلق: التقدير، والبَراء: هو الفري، وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدر شيئًا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله، عز وجل.
*قال الشاعر يمدح آخر:
ولأنت تَفري ما خَلَقت
وبعضُ القوم يَخلُق ثم لا يَفْري
أي: أنت تنفذ ما خلقت، أي: قدرت، بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع ما يريد. فالخلق: التقدير. والفري: التنفيذ. ومنه يقال: قدر الجلاد ثم فَرَى، أي: قطع على ما قدره بحسب ما يريده.
وقوله تعالى: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} أي: الذي إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار. كقوله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الإنفطار: 8] ولهذا قال: {الْمُصَوِّرُ} أي: الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها.