سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى (28)
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(الحليم الصبور، الشاكر الشكور)
(الحليم)
الحلم لغة:
مصدر حَلُمَ فلان أي صار حَلِيماً، وهو مأخوذ من مادّة (ح ل م) الّتي تدلّ على ترك العجلة «1»، يقال:
حَلُمْتُ عنه أَحْلُمُ فأنا حَلِيمٌ، قال ابن فارس: الحِلْمُ خلاف الطّيش، وقال الجوهريّ الحِلْمُ (بالكسر) الأناة، وقيل هو: الأناة والعقل وهو نقيض السّفه وجمعه أَحْلاَمٌ وحُلُومٌ، وفي التّنزيل العزيز (أَمْ تَامُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا).
وقولك: حَلُمَ (بالضّمّ) يَحْلُمُ حِلْماً: أي صار حليما.
وتقول: تحَلّمَ (مشدّدا) أي تكلّف الحِلْمَ
قال المتلمّس:
تَحَلَّم عن الأذنين واستبق ودّهم …
ولن تستطيع الحِلْمَ حتّى تحلّما
كما تقول: حَلَّمَهُ تَحْلِيماً: أي جعله حَلِيماً.
وَأَحْلَمَتِ المرأة: إذا ولدت الحُلَمَاءَ، والرّجل الُمحَلَّمُ: الّذي يعلّم الحِلْمَ.
ويقال: حَلَمَ الرّجل في منامه يَحْلُمُ حُلْماً، إذا رأى رؤيا، وحَلُمَ يَحْلُمُ حِلْماً تأنّى وسكن عند غضب أو مكروه مع قدرة وقوّة «2».
==================
(1) لهذه المادة في اللغة معنيان آخران هما: تثقّب الشّيء والرؤية المنامية.
انظر في هذين المعنيين وأمثلتهما: مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 93).
(2) لسان العرب (2/ 979 – 981)، والصحاح للجوهري (5/ 1903 – 1904)، ومقاييس اللغة لابن فارس (2/ 93).
———————
(الحلم) اصطلاحا:
اختلف في الحلم اصطلاحا على أقوال أهمّها:
الأوّل: قال الرّاغب: الحلم ضبط النّفس والطّبع عند هيجان الغضب.
مفردات الراغب (129)، وقد عرفه الماوردي (أدب الدنيا والدين (261) بالتعريف نفسه ولكنه لم يذكر الطبع.
الثّاني: قال الجرجانيّ: الحلم هو الطّمأنينة عند سورة الغضب، وقيل: تأخير مكافأة الظّالم (أي مجازاته بظلمه)
التعريفات (92).
الثّالث: قال ابن المناويّ: الحلم هو احتمال الأعلى الأذى من الأدنى أو رفع المؤاخذة عن مستحقّها بالجناية في حقّ مستعظم. أو هو رزانة في البدن يقتضيها وفور العقل.
التوقيف على مهمات التعريف (146).
__________
(بيان الأسباب الدافعة للحلم)
*قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: الحلم من أشرف الأخلاق وأحقّها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد.
وأسباب الحلم الباعثة عليه عشرة وهي:
(1) الرّحمة للجهّال، وذلك من خير يوافق رقّة، وقد قيل في منثور الحكم:
من أوكد أسباب الحلم رحمة الجهّال.
(2) القدرة على الانتصار، وذلك من سعة الصّدر وحسن الثّقة.
(3) التّرفّع عن السّباب، وذلك من شرف النّفس وعلوّ الهمّة.
وقد قيل: إنّ الله تعالى سمّى نبيّه يحيى عليه السّلام سَيِّداً وذلك لحلمه ولذلك قال الشّاعر:
لا يبلغ المجد أقوام وإن كرموا. … حتّى يذلّوا وإن عزّوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مسفرة …
لا صفح ذلّ ولكن صفح أحلام
(4) الاستهانة بالمسيء، وذلك عن ضرب من الكبر ومن مستحسنه ما روي أنّ مصعب بن الزّبير لمّا وليّ العراق جلس يوما لعطاء الجند، وأمر مناديه فنادى: أين عمرو بن جرموز؟
وهو الّذي قتل أباه الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- فقيل له: إنّه قد تباعد في الأرض.
فقال: أو يظنّ الجاهل أنّي أقيده بأبي عبد الله؟ فليظهر آمنا ليأخذ عطاءه موفّرا.
(5) الاستحياء من جزاء الجواب، والباعث عليه صيانة النّفس وكمال المروءة، ولذلك قيل: ما أفحش حليم ولا أوحش كريم.
(6) التّفضّل على السّابّ، ويبعث عليه الكرم وحبّ التّألّف، وقد حكي عن الأحنف بن قيس أنّه قال: ما عاداني أحد قطّ إلّا أخذت في أمري بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى منّي عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضّلت عليه.
(7) استنكاف السّبابّ وقطع سببه، والباعث عليه الحزم، وقد قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: ما أدركت أمّي فأبرّها، ولكن لا أسبّ أحدا فيسبّها ولذلك قيل: في إعراضك صون أعراضك.
وقد قال الشّاعر:
وفي الحلم ردع للسّفيه عن الاذى
وفي الخرق إغراء فلا تك أخرقا
وقال آخر:
قل ما بدا لك من زور ومن كذب
حلمي أصمّ وأذني غير صمّاء
8) الخوف من العقوبة على الجواب، ويبعث عليه ضعف النّفس وربّما أوجبه الرّأي واقتضاه الحزم وقد قيل: الحلم حجاب الآفات.
وقال الشّاعر في هذا:
ارفق إذا خفت من ذي هفوةخرقا …
ليس الحليم كمن في أمره خرق
(9) الرّعاية ليد سالفة وحرمة لازمة: والباعث عليه الوفاء وحسن العهد.
(10) المكر وتوقّع الفرص الخفيّة: ويبعث عليه الدّهاء، وقد قال بعض الأدباء:
غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله. قال إياس بن قتادة:
تعاقب أيدينا ويحلم رأينا. … ونشتم بالأفعال لا بالتّكلّم
فهذه عشرة أسباب تدعو إلى الحلم.
*وروده في القرآن الكريم:
ورد الاسم في القرآن إحدى عشرة مرة، منها:
قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيم) ٌ [البقرة: 235].
وقال تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263].
*قال ابن جرير: حليم ذو أناة لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم.
جامع البيان (2/ 1358).
*قال ابن كثير: «حَلِيمٌ غَفُورٌ» أن يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه، وهو يحلم فيؤخر ويُنْظِر ويؤجِّل ولا يعجل، ويستر آخرين ويغفر.
تفسير ابن كثير (11/ 338).
*يقول ابن القيم في نونيته:
وَهْوَ الحَلِيمُ فَلا يُعَاجِلُ عَبْدَهُ …
بِعُقُوبَةٍِ لِيَتُوبَ مِنْ عِصْيَانِ
[القصيدة النونية (244)]
*قال الشيخ ابن عثيمين:
من أسماء الله (الحليم)،وهو في القرآن الكريم، ويقرن الله تعالى بينه وبين (الغفور).
شرح الكافية الشافية (3/ 143)
*كيف ندعو الله تعالى باسمه الحليم؟
عن ابن عباس قال: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يدعو عند الكرب يقول “لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربِّ السموات والأرض وربِّ العرش العظيم ” [متفق عليه]
هذا الحديث المشتمل على الدعاء دليل من السنة على اسم الله الحليم، ولم أذكره فيما سبق مع بقية الأدلة خشية الإطالة والتكرار، فاقتصرت في ذكره في موضع واحد.
(الصبور)
*قال ابن القيم في نونيته (الكافية الشافية):
وَهُوَ الصَّبُورُ عَلَى أَذَى أَعْدَائِهِ =
شَتَمُوهُ بَلْ نَسَبُوهُ لِلْبُهْتَانِ
قَالُوا: لَهُ وَلَدٌ وَلَيْسَ يُعِيدُنَا =
شَتْمًا وَتَكْذِيبًا مِنَ الإنسانِ
هَذَا وَذَاكَ بِسَمْعِهِ وَبِعْلِمِهِ =
لَوْ شَاءَ عَاجَلَهُمْ بِكُلِّ هَوَانِ
لَكِنْ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ وَهُمْ =
يُؤْذُونَهُ بِالشِّرْكِ وَالْكُفْرَانِ)
*قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله:
قوله: ((الصبور)) بوزن ((فعول)) من الصبر، فهو صفة مشبهة، أو صيغة مبالغة، والصبرقريب من الحليم.
هو الصبور على أذى أعدائه، فلا يعاجلهم بالعقوبة، و ((الصبور)) لم يرد بهذا اللفظ، لكنه ورد بلفظ آخر أخذه المؤلف رحمه الله-من قول النبي صلى الله عليه وسلم-
«لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله»،ف (أصبر)) اسم تفضيل، ف ((الصبور)):من أوصاف، فهو_
– سبحانه وتعالى-يصبر على أذى أعدائه مع أنهم شتموه وسبوه وكذبوه.
شرح الكافية الشافية (3/ 146 – 147)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى (وإذا أردت معرفة صبر الرب تعالى وحلمه، والفرق بينهما، فتأمل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر: 41]
ففي الآية إشعار بأن السموات والأرض تهم وتستأذن بالزوال، لعظم ما يأتي به العباد، فيمسكهما بحلمه ومغفرته، وذلك حبس عقوبته عنهم، وهو حقيقة صبره تعالى·فالذي صدر عنه الإمساك هو صفة الحلم، والإمساك هو الصبر، وهو حبس العقوبة، ففرق بين حبس العقوبة، وبين ما صدر عنه حبسها، فتأمله) ·
عدة الصابرين (ص237).
==================
تنبيه:
الصبور ليس من الأسماء الواردة لله تعالى في القرآن وهو قد اشترط على نفسه في بداية سرد هذا الفصل في بداية كتاب الشيخ ابن سعدي أن يذكر الأسماء الحسنى الواردة في القرآن.
وأيضا ((الصبور)) في أصح قولي أهل العلم ليس من أسماء الله الحسنى، وورد عده في حديث عد الأسماء الحسنى الطويل وهو حديث ضعيف عند أهل العلم، فليس من أسماء الله الصبور، وإنما يوصف الله عزوجل بالصبر.
(الشاكر الشكور)
-ورد اسم الله ((الشكور)) في أربعة مواضع من القرآن.
قال الله تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}،
وقال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}،
وقال تعالى: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}،
وقال تعالى: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}.
وورد ((الشاكر)) في موضعين:
قال تعالى: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}،
وقال تعالى: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً}
وجميع هذه المواضع الستة التي ورد فيها هذان الاسمان مواضع امتنان من الله عز و جل بإثابة المطيعين، وتوفية الأجور، والزيادة من الفضل، والمضاعفة للثواب …….
مختصر فقه الأسماء الحسنى
للشيخ عبدالرزاق البدر.
*قال السعدي رحمه الله: من أسمائه تعالى الشاكر الشكور.
((الحق الواضح المبين)) للسعدي (70).
*الفرق بين الشاكر والشكور:
قال المناويّ:
إنّ الشّاكر من يشكر على الرّخاء.
والشّكور من يشكر على البلاء.
*القواعد التي يقوم عليها الشكر:
قال الفيروز اباديّ- رحمه الله تعالى-: الشّكر أعلى منازل السّالكين، وفوق منزلة الرضا، فإنّه يتضمّن الرّضا وزيادة، والرّضا مندرج في الشّكر، إذ يستحيل وجود الشّكر بدونه، وهو نصف الإيمان ومبناه على خمس قواعد:
(1) خضوع الشّاكر للمشكور.
(2) وحبّه له.
(3) واعترافه بنعمته.
(4) والثّناء عليه بها.
(5) وألّا يستعملها فيما يكره.
فمتى فقد منها واحدة اختلّت قاعدة من قواعد الشّكر
بصائر ذوي التمييز (3/ 34، 334)
قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (الحليم الصبور، الشاكر الشكور)
في الحديث الصحيح: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله،
يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم».
فصبره تعالى على معاصي العاصين، ومحاربة المحاربين، صبرٌ عن قوة واقتدار، وهو الصبر الكامل، فإنَّ العباد يتبغضون إليه بالمعاصي وهم مضطرون إليه، وهو يتحبَّب إليهم بالنعم مع كمال غناه، وهو تعالى يحلم عن زلاَّتهم ويسترهم مع كثرة هفواتهم، ويتمادون في الطغيان والله تعالى لا يزيده ذلك إلا حِلماً وكرماً.
ومن حِلمه تعالى أنَّ العبد يسرف على نفسه، والله تعالى قد أرخى عليه حِلمه، فإذا تاب العبد وأناب فكأنَّه ما جرى منه جرم، ومع كمال حلمه وصبره فهو تعالى الشكور لعباده، الذي يغفر الكثير من الزلل، ويقبل القليل من العمل، وإذا أخلص العبد عمله ضاعفه بغير حساب، وجعل القليل كثيراً والصغير كبيراً، ويتحمل عبدُه من أجله بعضَ المشاق، فيشكر الله له ويقوم بعونه ويكون معه، فتنقلب تلك المشاق والمصاعب سهولات، وتلك المتاعب راحات.