سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى (26)
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(الرب، ورب العالمين)
(الرب)
المعنى اللغوي:
يرد اسم الربُّ على عدة معاني لغوية، منها:
1) الإصلاح .. قال الزجاجي: الربُّ: المصلح للشيء، يقال: رَبَبتُ الشيء أرُبُه رَبًا وربابة، إذا أصلحته وقمت عليه.
2) المالك .. ربُّ الشيء مالكه.
ومصدر الربُّ: الربوبية، وكل من ملك شيئًا فهو ربُّه، يقال: هذا ربُّ الدار وربُّ الضيعة، ولا يقال: “الربُّ” معرفًا بالألف واللام مطلقًا، إلا لله؛ لأنه مالك كل شيء.
3) العبد الربَّاني .. وقال الجوهري:”الربَّاني: المُتَألِّهُ العارف بالله تعالى” .. أي العبد الذليل الخاضع المُحب لله تعالى، العارف بالله .. فمن عَرِفَ الله أحبه وذلَّ بين يديه وعظمَّه حقَّ التعظيم.
4) سياسة الشيء وتدبير الأمر ..
قال ابن الأنباري “الرَّبُّ ينقسم على ثلاثة أقسام: يكون الربُّ المالك، ويكون الربُّ السيد المطاع .. ويكون الربُّ المُصلِح”
5) المُربِّي .. وقال الراغب “الربُّ في الأصل التربية، وهو إنشاءُ الشيءِ حالاً فحالاً إلى حد التمام”
ورد ذكر اسم الله تعالى الرب في القرآن أكثر من (900) موضع؛ كقوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2]، وقوله سبحانه: (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْء) ٍ [الأنعام: 164]، وقوله –عز وجل-: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) [هود: 66]، وقوله سبحانه: ((وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُون) ِ [المؤمنون: 97 – 98]، وقوله تعالى: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور) ٌ [سبأ: 15]، وقوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة: 74].
ومن السنة:
ما رواه مسلم من حديث ابن عباس: أن رَسُول اللهِ قال: “أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ (أي: فأولى) أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ”
اسم “الرب” –سبحانه وتعالى- من أكثر الأسماء التي يدعى بها الله عز وجل:
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: (و”الرب” هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم. وأخص من هذا: تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم، وأخلاقهم. ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه التربية الخاصة).
((تفسير السعدي)) (5/ 486).
وهذا واضح وجلي فيما ذكره الله – عز وجل – في كتابه الكريم عن أنبيائه – عليهم الصلاة والسلام – وأوليائه الصالحين حيث صدروا دعاءهم بهذا الاسم الكريم ومن ذلك.
– دعاء الأبوين – عليهما السلام – بقولهما: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
– دعاء نوح – عليه الصلاة والسلام – بقوله: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ … الآية [نوح: 28]،وقوله: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [هود: 54].
– ودعاء موسى – عليه الصلاة والسلام – بقوله: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ) [الأعراف: 151
– ودعاء يوسف عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه) ِ [يوسف: 33]، وقوله: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَاوِيلِ الأَحَادِيثِ … الآية [يوسف: 101].
– ودعاء زكريا عليه الصلاة والسلام: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران: 38].
– ودعاء أيوب عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي) [ص: 35].
– ودعاء امرأة عمران في قولها: (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا … الآية
[آل عمران: 35].
– ودعاء عباد الله الصالحين في قولهم: (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَاد) َ [آل عمران: 193 – 194]، وقولهم: (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) [الفرقان: 65].
الرب والإله بينهما اجتماع وافتراق:
أي: أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وبيان ذلك أن يقال: إذا اجتمع (الرب) و (الإله) في موضع ونص واحد فإنهما يفترقان في المعنى؛ حيث يتوجه معنى (الرب) إلى المالك المتصرف القادر الخالق المحيي المميت المتفرد بخصائص الربوبية. و (الإله) يتوجه إلى المعبود المألوه الذي يجب أن يوحده العباد بأفعالهم.
*أما إذا افترقا حيث ذكر كل منهما في موضع فإنهما يجتمعان بحيث يدل أحدهما على معناه كما يتضمن معنى الآخر.
*مثال لحالة الاجتماع، قوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ) الناس: 1 – 3 [فذكر سبحانه هنا رَبِّ النَّاس، إِلَهِ النَّاسِ وهنا يتوجه معنى (الرب) إلى المالك المتصرف المحيي المميت الخالق البارئ المتفرد بصفات الربوبية.
كما يتوجه معنى (الإله) إلى المعبود المألوه المطاع.]
*مثال لحالة الافتراق:
قوله تعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 163].
وقوله تعالى في كثير من الأدعية القرآنية: (ربنا)، (رب).
فهنا يتوجه معنى (الإله) في الآية الأولى إلى معنى الألوهية والعبودية لله – عز وجل – مع تضمنه لمعنى الربوبية، ويتوجه معنى (الرب) في الآية الثانية إلى معنى الربوبية والملك والتدبير والخلق مع تضمنه لمعنى العبودية.
*ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لعبد العزيز بن ناصر الجليل – ص: 85″
(ورب العالمين)
بين الإمام ابن القيم –رحمه الله تعالى- معنى قوله تعالى: (رَبِّ الْعَالَمِينَ)
فيقول: (قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ):
ربوبيته للعالم تتضمن تصرفه فيه، وتدبيره له، ونفاذ أمره كل وقت فيه، وكونه معه كل ساعة في شأن، يخلق ويرزق؛ ويميت ويحيي، ويخفض ويرفع؛ ويعطي ويمنع؛ ويعز ويذل، ويصرف الأمور بمشيئته وإرادته، وإنكار ذلك إنكار لربوبيته وإلهيته وملكه).
((الصواعق المرسلة)) (4/ 1223).
ويتحدث –رحمه الله تعالى- عما يشاهده العبد من اسمه سبحانه (رب العالمين) فيقول: (وشاهد من ذكر اسمه: رَبِّ الْعَالَمِين َقيوماً قام بنفسه؛ وقام به كل شيء، فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها، قد استوى على عرشه، وتفرد بتدبير ملكه، فالتدبير كله بيديه، ومصير الأمور كلها إليه، فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده على أيدي ملائكته بالعطاء والمنع، والخفض والرفع، والإحياء والإماتة، والتوبة والعزل، والقبض والبسط، وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرين: (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ) [الرحمن: 29].
لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، ولا مبدل لكلماته، تعرج الملائكة والروح إليه، وتعرض الأعمال – أول النهار وآخره – عليه، فيقدر المقادير ويوقت المواقيت، ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها، قائماً بتدبير ذلك كله وحفظه ومصالحه).
((الصلاة وحكم تاركها)) (ص: 169، 170).
*قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (الرب، ورب العالمين)
الذي ربّى جميع المخلوقات بنعمه، وأوجدها وأعدّها لكلِّ كمال يليق بها، وأمدها بما تحتاج إليه.
أعطى كلَّ شيء خلقه اللائق به، ثم هدى كلَّ مخلوق لما خلق له، وأغدق على عباده النعم، ونمّاهم وغذّاهم وربّاهم بأكمل تربية.
وتربيته وربوبيته تعالى نوعان:
ربوبية عامة لكلِّ مخلوق برّ وفاجر، وهو عموم الخلق والرزق والتدبير والإنعام بكلِّ نعمة، فليس له شريك في شيء من ذلك.
وتربية خاصة لأوليائه، ربّاهم فوفقهم للإيمان به والقيام بعبوديته، وغذّاهم بمعرفته ونمّى ذلك بالإنابة إليه، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، ويسّرهم لليسرى، وجنّبهم العسرى، ويسّرهم لكلِّ خير، وحفظهم من كلِّ شر.
ولهذا كانت أدعيةُ الأنبياء وأولي الألباب والأصفياء الواردةُ في القرآن باسم الرب استحضاراً لهذا المطلب، وطلباً منهم لهذه التربية الخاصة، فتجد مطالبهم كلَّها من هذا النوع، واستحضار هذا المعنى عند السؤال نافع جداً.
ومن أسمائه تعالى: المُعِز، المُذِل، الخافض الرافع، المعطي المانع، المحيي المميت، القابض الباسط.
وهي من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق كلُّ واحد منها إلا مع الآخر، لأنَّ الكمال المطلق باجتماعها.
ووردت هذه في القرآن على
وجه الإخبار عنه بها بالفعل، لأنَّها من معاني الربوبية، ومن معاني الملك، فيغني عنها اسم الرب والملك، فإنَّ هذه المعاني العظيمة من معاني
الملك، فإنَّ الملِك من صفاته أنَّه يعزّ ويذل، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، بحسب علمه وحكمته ورحمته، كما أنَّه يحيي ويميت ويداول الأيام بين الخليقة.