سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى (24)
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(ذو الجلال والإكرام)
*ورد في القرآن الكريم مرتين:
في قول الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 27]
قوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 78]
معنى “ذا الجلال و الإكرام”:
قال ابن جرير (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) يقول تعالى ذكره: تبارك ذكر ربك يا محمد
(ذِي الْجَلَالِ)؛يعني: ذي العظمة (وَالْإِكْرَامِ)؛يعني: ومن له الإكرام من جميع خلقه.
جامع البيان: (95/ 27)
وقال السعدي في تفسير آية الرحمن:
أي: تعاظم وكثر خيره، الذي له الجلال الباهر، والمجد الكامل، والإكرام لأوليائه.
وقال ابن كثير:” أي هو أهل أن يجل فلا يعصى, وأن يكرم فيعبد, ويشكر فلا يكفر, وأن يذكر فلا ينسى, وقال ابن عباس {ذي الجلال والإكرام} ذي العظمة والكبرياء.”
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
و (الإكرام) له معنيان:
إكرام الطائعين من عباده،
وإكرام عباده له،
فهو ذو كرم على عباده، وعباده مكرمون له عزوجل، قال تعالى: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) يكرمهم الله، وقال عزوجل (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَامًا كَاتِبِينَ) وهو سبحانه وتعالى مكرم لمن يستحق الإكرام من عباده، فكل أوصاف الجلال له محققة بلا
بطلان.
شرح الكافية الشافية: (3/ 85)
وهو من الأسماء المضافة، وهي معدودة عند جماعة من أهل العلم من أسماء الله الحسنى ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
وهو من الأسماء الدّالة على جملة أوصاف عديدة لا على معنى مفرد كما نبَّه على ذلك ابن القيم رحمه الله في القواعد المتعلقة بأسماء الله الحسنى التي ساقها في كتابه ((بدائع الفوائد)) ..
والإضافة في قوله: {ذُوالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: (27)] هي من باب إضافة صفاته القائمة به إليه سبحانه وتعالى، كقوله: {ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام: (133)]، و {ذُو الْقُوَّةِ} [الذاريات: (58)].
فالجلال والإكرام والرّحمة والقوة كلّها صفات لله عز وجل مختصة به، دالة على عظمته وكماله سبحانه، بخلاف قوله تعالى {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: (15)]، فإنه من باب إضافة المخلوق إلى خالقه على وجه التشريف ..
وفي قوله: {ذُوالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: (27)]، جمع بين نوعين من الوصف؛ كثيرًا مايقرن بينهما في القرآن الكريم، كقوله: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ [هود: 73] ..
وقوله تعالى: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل: 40] ..
وقوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء: 149] ..
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الممتحنة: 7] ..
وقوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ [البروج: 14]، وهو كثير في القرآن.
قال ابن القيِّم رحمه الله في أثناء كلام له عن اسمي الحميد المجيد، وأنهما إليهما يرجع الكمال كله: ((وأما المجد فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال ….. ، والحمد يدل على صفات الإكرام، والله سبحانه ذوالجلال والإكرام، وهذا معنى قول العبد: لا إله إلا الله، والله أكبر، فلا إله إلا الله دالٌّ على ألوهيته وتفرده فيها، فألوهيته تستلزم محبته التامة، والله أكبر دالّ على مجده وعظمته، وذلك يستلزم تمجيده وتعظيمه وتكبيره، ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النوعين في القرآن كثيرًا)) ..
فالجلال يتضمن:
التعظيم، والإكرام يتضمن الحمد والمحبة ..
قال الخطابي رحمه الله في بيان المعاني التي يحتملها هذا الاسم: ((والمعنى: أنّ الله جلّ وعز مستحقٌّ أن يُجلَّ ويُكْرَم فلا يُجْحَد ولا يُكْفَر به، وقد يحتمل أن يكون المعنى: أنه يُكْرِم أهلَ ولايته ويرفع درجاتهم بالتوفيق لطاعته في الدنيا، ويُجلُّهُم بأن يتقبّل أعمالهم ويرفع في الجنان درجاتهم، وقد يحتمل أن يكون أحد الأمرين – وهو الجلال – مضافا إلى الله سبحانه بمعنى الصفة له، والآخر مضافا إلى العبد بمعنى الفعل منه، كقوله سبحانه: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [المدثر: 56]،
فانصرف أحد الأمرين، وهو المغفرة إلى الله سبحانه، والآخر إلى العباد وهو التقوى)) ..
نقل هذه الاحتمالات الثلاثة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ثم قال: القول الأول أقربها إلى المراد .. ثم قال: وإذا كان مستحقًّا للإجلال والإكرام لزم أن يكون متَّصفًا في نفسه بما يوجبُ ذلك، كما إذا قال: الإله هو المستحق لأن يُؤْلَه، أي: يُعبَد؛ كان هو في نفسه مستحقًّا لما يوجب ذلك، وإذا قيل: هو أهل التّقوى؛ كان هو في نفسه متصفا بما يوجب أن يكون هو المتقَى ..
ومنه قول النبي ? إذا رفع رأسه من الركوع بعدما يقول: ((ربنا ولك الحمد)): ((ملء السموات وملء الأرض، وملء مابينهما، وملء ماشئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ماقال العبد، وكلُّنا لك عبد، اللهمّ لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد))، أي: هو مستحقٌّ لأن يثنى عليه وتمجَّد نفسُه.
والعباد لا يحصون ثناءً عليه، وهو كما أثنى نفسه، كذلك هو أهل أن يجلِّ وأن يكرم، وهو سبحانه يجلُّ نفسه ويكرم نفسه، والعباد لا يُحصون إجلاله وإكرامه ..
والإجلال من جنس التعظيم، والإكرام من جنس الحب والحمد، وهذا كقوله: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ [التغابن: 1]، فله الإجلال والملك، وله الإكرام والحمد .. ثم قال: قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 27]،
وقوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 78]، وهو في مصحف أهل الشام: ((تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام))، وهي قراءة ابن عامر، فالاسم نفسه يُذوَّى بالجلال والإكرام، وفي سائر المصاحف وفي قراءة الجمهور: {ذِي الْجَلَالِ}، فيكون المسمى نفسه، وفي الأولى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} فالمذوَّى وجهه سبحانه، وذلك يستلزم أنه هوذو الجلال والإكرام، فإنه إذا كان وجهه ذا الجلال والإكرام كان هذا تنبيها كما أنه اسمه إذا كان ذا الجلال والإكرام كان تنبيها على المسمى.
وهذا يبين أن المراد أنه يستحق أن يُجلّ ويُكرم)) …
فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبدالرزاق البدر.
*قال أحد الباحثين:
*ذوالجلال والإكرام ” اسم لله ثبت به النص.
ومن هذه النصوص:
-أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس بن مالك قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا في الحلقة ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك فقال النبي صلى الله عليه و سلم: “لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي ”
على خلاف بين العلماء في أيها الاسم الأعظم.
-وأخرج أحمد والنسائي وابن مردويه عن ربيعة بن عامر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: ” ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام ”
صححه الشيخ الألباني.
-أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
قال أبو داود سمع سفيان من عمرو بن مرة قالوا ثمانية عشر حديثا.
قال الشيخ الألباني: صحيح.
فمن أثبت هذا الاسم اعتمد هذه النصوص مع آثار أخرى ضعيفة كالحديث الذي رواه ابن مردويه – كما هو في الدر المنثور: (ألظو ا بيا ذا الجلال والإكرام فإنهما اسمان من أسماء الله عظيمان).، على أنه هناك من لم يجعل (ذو الجلال والإكرام) اسما وجعله من الصفات، كما ذهب إلى ذلك الشيخ ابن العثيمين رحمه الله في ” القواعد المثلى”اهـ.
*قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (ذو الجلال والإكرام)
وردت في القرآن مقرونة في عدة مواضع. وقال صلى الله عليه وسلم: «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام».
وهذان الوصفان العظيمان للرب يدلان على كمال العظمة والكبرياء والمجد والهيبة، وعلى سعة الأوصاف وكثرة الهبات والعطايا، وعلى الجلال والجمال، ويقتضيان من العباد أن يكون الله هو المعظَّم المحبوب الممجَّد المحمود المخضوع له المشكور، وأن تمتلئ القلوب من هيبته وتعظيمه وإجلاله ومحبته والشوق إليه.