سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى (11)
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
=======================
(السميع، البصير، العليم، الخبير)
(السميع)
وهو اسم تكرر وروده في القرآن فيما يقرب من خمسين موضعًا، منها قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}،
وقوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
*وسمعه تعالى نوعان:
أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة الخفية والجلية، وإحاطته التامة بها.
الثاني: سمع الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهم ويثيبهم، ومنه قوله تعالى: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء وقول المصلي (سمع الله لمن حمده) أي استجاب.
-الشيخ السعدي رحمه الله: (الحق الواضح المبين) (ص: 35).
(البصير)
وهو اسم تكرر وروده في القرآن الكريم في مواضع تزيد على الأربعين، منها قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}،
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)
[سورة آل عمران 15]
*قال ابن كثير: (({وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) أي: هو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة، وهو الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وما ذلك إلا لحكمته ورحمته))
وقال الألوسي: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) أي خبير بهم وبأحوالهم وأفعالهم.
قال ابن رجب-رحمه الله-: ((راود رجل امرأة في فلاة ليلًا، فأبت، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، قالت: فأين مكوكبُها؟!)) أي: ألا يرانا. قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} وكفى بهذا زاجرًا و رادعًا.
-مختصر فقه الأسماء الحسنى
للشيخ عبد الرزاق البدر.
(العليم)
وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في أكثر من مائة وخمسين موضعًا، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنفال:75].
وقال سبحانه: (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم) ُ [البقرة: 32].
*قال ابن جرير: إنك أنت يا ربنا العليم من غير تعليم بجميع ما قد كان وما هو كائن، والعالم للغيوب دون جميع خلقك.
*وقال: إن الله ذو علم بكل ما أخفته صدور خلقه من إيمان وكفر، وحق وباطل، وخير وشر، وما تستجنه مما لم تجنه بعد.
قال ابن القيم رحمه الله في (النونية):
وهو العليم أحاط علما بالذي
في الكون من سر ومن إعلان
وبكل شيء علمه سبحانه
فهو المحيط وليس ذا نسيان
وكذاك يعلم ما يكون غداً وما
قد كان والموجود في ذا الآن
وكذاك أمر لم يكن لو كان كيـ
ـــف يكون ذاك الأمر ذا إمكان.
*قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي-رحمه الله-: ((أجمع العلماء على أنه أكبر واعظ وأعظم زاجر نزل من السماء إلى الأرض، ….. ولا تكاد تقلب ورقة واحدة من أوراق المصحف الكريم إلا وجدت فيها هذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم، {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، {وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، {يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ}، {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا}، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}، {وَمَا تَكُونُ فِي شَانٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}.
(الخبير)
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِير) ٌ [فاطر: 31].
وقوله تعالى: (قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِير) ُ [التحريم: 3].
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (الخبير): الذي انتهى علمه إلى الإحاطة ببواطن الأشياء وخفاياها كما أحاط بظواهرها.
((الصواعق المرسلة)) (2/ 492).
وفي السنة ورد عند البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنّا مع النبيِّ صلي الله عليه وسلم في سَفَر، فكنا إذا عَلونا كبَّرنا، فقال النبيُّ صلي الله عليه وسلم: (أيها الناس أربَعوا على أنفُسِكم فإنكم لا تَدْعونَ أصمَّ ولا غائباً، ولكنْ تدعون سميعاً بصيراً)
وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يستفتح في صلاته قبل القراءة بقوله: (أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ)
*قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (السميع البصير، العليم الخبير)
أي السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، سرها وجهرها، {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد].
(البصير) الذي أبصر كلَّ شيء دقَّ وجلَّ، فيبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في ظلمة الليل، ويبصر جريان الأغذية في عروق الحيوانات وأغصان النباتات. ولقد أحسن من قال:
يا مَنْ يرى مدَّ البعوضِ جناحَها
في ظلمةِ الليلِ البهيمِ الأليلِ
ويرى نياطَ عروقِها في نحرها
والمخَ من بين العظامِ النحلِ
امنن عليَّ بتوبةٍ تمحو بها
ما كان مني في الزمانِ الأولِ
(العليم) بكلِّ شيء، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يعزب عن علمه شيء، أحاط علمه بالواجبات والمستحيلات والجائزات، وبالماضيات والحاضرات والمستقبلات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالخفيات والجليات، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام]. يعلم السر وأخفى، ويعلم ما أكنته الصدور وما توسوس به النفوس، وما فوق السموات العلى وما تحت الثرى.
(الخبير) الذي أدرك علمه السرائر، واطّلع على مكنون الضمائر، وعلم خفيات البذور ولطائفَ الأمور، ودقائق الذرات في ظلمات الديجور.
(فالخبير) يرجع إلى العلم بالأمور الخفية التي هي في غاية اللطف والصغر، وفي غاية الخفا ومن باب أولى وأحرى علمه بالظواهر والأمور الجلية، والعليم يدل بالمطابقة على الأمرين، وكثيراً ما يأتي ذكر هذه الأسماء الكريمة في سياق الأعمال وجزائها، ليوقظ القلوب وينبهها على إكمالها وإحسانها وإتقانها وإخلاصها وليرغبهم ويُرهبهم.