*سلسلة التسهيل لأسماء الله الحسنى (10)
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
==================
(الحكيم)
وقد ورد اسم الله (الحكيم) في القرآن الكريم ما يقرب من مائة مرة، قال تعالى: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}، {وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
-والاسم ورد مقترنا في أغلب المواضع باسمه العزيز كقوله تعالى: (لا إِلَهَ إِلا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [آل عمران:6]،
وورد أيضا مقترنا باسمه الخبير وكذلك العليم، وعند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا: ( .. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شيء شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيم)
قال: فَيُقَالُ لِي إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ)
-وقال ابن جرير: الحكيم الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل.
-وقال في موضع: حكيم فيما قضى بين عباده من قضاياه.
-قال ابن كثير: الحكيم في أفعاله وأقواله فيضع الأشياء في محالها بحكمته وعدله.
*قال ابن القيّم رحمه الله في “النّونيّة”:
وهو الحكيم، وذاك من أوصافه
نوعان أيضا ما هما عدمان
حُكم وإحكام فكلّ منهما
نوعان أيضا ثابتا البرهان
ويقصد بقوله ” الإحكام نوعان أيضا “، ما ذكره السّعدي رحمه الله فقال:
” وحكمته عزّ وجلّ نوعان:
أحدهما: الحكمة في خلقه: فإنّه خلق الخلق بالحقّ، وكان غايته والمقصود به الحقّ، خلق المخلوقات كلّها بأحسن نظام، ورتّبها أكمل ترتيب، وأعطى كلّ مخلوق خلقه اللاّئق به، بل أعطى كلّ جزء من أجزاء المخلوقات، وكلّ عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته، فلا يرى أحد من خلقه خللا ولا نقصا ولا فطورا.
فلو اجتمعت عقول الخلق من أوّلهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرّحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا، وأنّى لهم القدرة على شيء من ذلك ..
وقد تحدّى عباده أن ينظروا ويكرّروا النّظر والتأمّل هل يجدون في خلقه خللا أو نقصا؟ وأنّه لا بدّ أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من مخلوقاته.
النّوع الثّاني: الحكمة في شرعه وأمره: فإنّه تعالى شرع الشّرائع وأنزل الكتب، فهل هناك كرم أعظم من هذا؟!
قال الشّيخ خليل هرّاس رحمه الله في ” شرح النّونية ” (2/ 75):
” ومن أسمائه الحسنى سبحانه (الحكيم)، وهو إمّا:
فعيل بمعنى فاعل، أي: ذو الحكم، وهو القضاء على الشّيء بأنّه كذا أو ليس كذا.
أو فعيل بمعنى مُفعِل، وهو الّذي يُحكم الأشياء ويُتقنها “اهـ.
*قال الشيخ زيد المدخلي-رحمه الله:
في منظومته في (أسماء الله الحسنى)
22 – وَقَدْ أَتَى الدَّيَّانُ والخَبِيرُ
وَهَكَذا (الحَكِيم) ُ يا بَصِيرُ
*قال ابن سعدي _رحمه الله في فتح الرحيم الملك العلام: (الحكيم)
أي: الموصوف بكمال الحكمة، وبكمال الحكم بين عباده. فالحكمة هي سعة العلم والاطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها، وعلى سعة الحمد حيث يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها، ولا يتوجه إليه سؤال ولا يقدح في حكمته مقال، فله الحكمة في خلقه وأمره.
أما الحكمة في خلقه فإنَّه خلق الخلق بالحق، ومشتملاً على الحق، وكان غايته ونهايته الحق، خلقها بأحسن نظام، ورتَّبها بأكمل إتقان، وأعطى كلَّ مخلوق خلقه اللائق به، بل أعطى كلَّ جزء من أجزاء المخلوقات، وكلَّ عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته اللائقة به، بحيث لا يرى الخلقُ في خلق الرحمن تفاوتاً ولا فطوراً، ولا خللاً ولا نقصاً، بل لو اجتمعت عقول الخلق ليقترحوا مثلاً وأحسن من هذه الموجودات لم يقدروا.
وهذا أمر معلوم قطعاً من العلم بصفاته، فإذا كان من المعلوم لكلِّ منصف مؤمن أنَّ الله له الكمال الذي لا يحيط به العباد، وأنَّه ما من كمال تفرضه الأذهان ويقدِّره المقدرون إلا والله أعظم من ذلك وأجلّ، كانت
أفعاله ومخلوقاته وجميع ما أوصله إلى الخلق أكملَ الأمور وأحسنها، وأنظمها وأتقنها، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88].
فالفعل يتبع في كماله وحسنه فاعله، والتدبير منسوب إلى مدبِّره، والله تعالى كما لا يشبهه أحد في صفاته في العظمة والحسن والجمال، فكذلك لا يشبهه أحد في أفعاله. وقد تحدَّى عباده في مواضع كثيرة من كتابه، هل يجدون أو يشاهدون في مخلوقاته نقصاً وخللاً، ومن ادّعى شيئاً من ذلك بسفاهة عقله وعظم جراءته، فقد نادى على عقله بين العقلاء بالحمق والجنون.
وأما الحكمة في شرعه وأمره، فإنَّه تعالى شرع الشرائع وأنزل الكتب، وأرسل الرسل ليعرفه العبادُ ويعبدوه، فأيُّ حكمة أجلّ من هذا، وأيُّ فضل وكرم أعظم من هذا.
فإنَّ معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص العمل له، وحمده وذكره، وشكره والثناء عليه أفضلُ العطايا منه لعباده على الإطلاق، وأجلُّ المناقب لمن يمنُّ الله عليه بها، وأكمل السعادة والفلاح والسرور للقلوب والأرواح، كما أنَّها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والفلاح السرمدي.
فلو لم يكن في أمره وشرعه إلا هذه الحكمة التي هي أصل الخيرات، وأكمل اللذات، وأكبر الوسائل والمقاصد، ولأجلها خلقت الخليقة، ولأجلها حق الجزاء، ولأجلها خلقت الجنة والنار، ولأجلها جرت على الخليقة أحكامُ الملكِ الجبارِ الشرعيةُ والجزائيةُ لكانت كافيةً شافيةً.
هذا وقد اشتمل شرعه على كلِّ خير، فأخباره تملأ القلوب علماً وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها، ويحصل لها من المعارف أفضل الغنائم والمكاسب. وأوامره كلُّها منافع ومصالح، وتثمر
الأخلاقَ الجميلة والمناقب الثمينة، والأعمال الصالحة، والهدي الكامل، والأجر العظيم، والثواب الجسيم. ونواهيه كلُّها موافقة للعقول الصحيحة والفطر المستقيمة، لأنَّها لا تنهى إلا عما يضر الناس في عقولهم وأخلاقهم وأعراضهم وأبدانهم وأموالهم.
وبالجملة فالمصالح الخالصة أو الراجحة تأمر بها، والمفاسد الخالصة أو الراجحة تنهى عنها، فهو الحكيم في خلقه وأمره. وكذلك أحكام الجزاء على الأعمال في غاية المناسبة والموافقة للحكمة جملة وتفصيلاً، والله أعلم.