تهذيب تفسير ابن كثير [سورة ق (50): الآيات 41 الى 45]
قام به سيف بن محمد الكعبي وأحمد بن علي وصاحبهما
[سورة ق (50): الآيات 41 الى 45]
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45)
———-
يَقُولُ تَعَالَى: وَاسْتَمِعْ يا محمد يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ يَامُرُ اللَّهُ تَعَالَى مَلَكًا أَنْ يُنَادِيَ عَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَيَّتُهَا الْعِظَامُ البالية والأوصال المتقطعة، إن الله تعالى يَامُرُكُنَّ أَنْ تَجْتَمِعْنَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ يَعْنِي النَّفْخَةَ فِي الصُّورِ الَّتِي تَاتِي بِالْحَقِّ الَّذِي كَانَ أَكْثَرُهُمْ فِيهِ يَمْتَرُونَ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ أَيْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ أَيْ هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ مَصِيرُ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ، فَيُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
وقوله تعالى: (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً) وَذَلِكَ أَنَّ الله عز وجل ينزل مطرا من السماء ينبت به أجساد الخلائق كلها فِي قُبُورِهَا، كَمَا يَنْبُتُ الْحَبُّ فِي الثَّرَى بالماء …. (1)
(مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) [الْقَمَرِ: 8] وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 52].
وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» (2)
وقوله عز وجل: (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) أَيْ تِلْكَ إِعَادَةٌ سهلة علينا، يسيرة لدينا كما قال جل جلاله: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [الْقَمَرِ: 50].
وقال سبحانه وتعالى: (مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [لقمان: 28]
وقوله جل وعلا: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) أَيْ نَحْنُ عِلْمُنَا مُحِيطٌ بِمَا يَقُولُ لَكَ الْمُشْرِكُونَ مِنَ التَّكْذِيبِ فلا يهولنك ذلك كقوله: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَاتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 97 – 99].
وقوله تبارك وتعالى: (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أَيْ وَلَسْتَ بِالَّذِي تجبر هؤلاء على الهدى، وليس ذلك مما كُلِّفْتَ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ أَيْ لَا تَتَجَبَّرُ عَلَيْهِمْ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَلَوْ أَرَادَ مَا قَالُوهُ لَقَالَ: وَلَا تَكُنْ جَبَّارًا عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا قَالَ:
وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ بِمَعْنَى وَمَا أَنْتَ بمجبرهم على الإيمان إنما أنت مبلغ، وقال الْفَرَّاءُ:
سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ جَبَرَ فُلَانٌ فُلَانًا على كذا بمعنى أجبره، ثم قال عز وجل: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ أَيْ بَلِّغْ أَنْتَ رِسَالَةَ رَبِّكَ فَإِنَّمَا يَتَذَكَّرُ مَنْ يَخَافُ اللَّهَ وَوَعِيدَهُ وَيَرْجُو وَعْدَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ [الرَّعْدِ: 40] وَقَوْلِهِ جل جلاله: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الْغَاشِيَةِ: 21 – 22] لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [الْبَقَرَةِ: 272] إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [الْقِصَصِ: 56] ولهذا قال تعالى هَاهُنَا: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَخَافُ وَعِيدَكَ وَيَرْجُو مَوْعُودَكَ يَا بَارُّ يَا رَحِيمُ.
آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ ق وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
——-
(1) ذكر ابن كثير زيادات ضعيفة، فحذفناها والوارد حديث آبي هريرة في الصحيح ما بين النفختين أربعون قيل لأبي هريرة أربعين يوما قال: … ثم ينزل الله مطر فينبتون كما تنبت البقلة … .
(2) حديث أول من تنشق ليس في مسلم وإنما في مسند أحمد وهو على شرط المتمم. والذي في الصحيحن إنما من حديث أبي هريرة في قصة المسلم الذي لطم اليهودي وفيه (فأكون أول من يفيق. .. ) من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 3408، مسلم 2373