تفْسِيرُ سُورَةِ النَّجْمِ الآيات 4 – 1
تهذيب ابن كثير
سيف الكعبي
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
روى الْبُخَارِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ وَالنَّجْمِ قَالَ: فَسَجَدَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ، إِلَّا رَجُلًا رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُمْتَنِعِ إِنَّهُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النجم (53): الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (4))
—-
قَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ: الْخَالِقُ يُقْسِمُ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَالْمَخْلُوقُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقْسِمَ إِلَّا بِالْخَالِقِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: واختلف المفسرون في معنى قوله: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى فَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عن مجاهد: يعني بالنجم الثريا إذا سقط مَعَ الْفَجْرِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِير، وَزَعَمَ السُّدِّيُّ أَنَّهَا الزُّهْرَةُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) إِذَا رُمِيَ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَهَذَا الْقَوْلُ لَهُ اتِّجَاهٌ. وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تعالى:
(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) يَعْنِي الْقُرْآنُ إِذَا نَزَلَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الْوَاقِعَةِ: 75 – 80].
وقوله تعالى: (مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) هَذَا هُوَ المقسم عليه، وهو الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ لَيْسَ بِضَالٍّ، وَهُوَ الْجَاهِلُ الَّذِي يَسْلُكُ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَالْغَاوِي هُوَ الْعَالِمُ بِالْحَقِّ، الْعَادِلُ عنه قصدا إلى غيره، فنزه الله رَسُولَهُ وَشَرْعَهُ، عَنْ مُشَابَهَةِ أَهْلِ الضَّلَالِ كَالنَّصَارَى وَطَرَائِقِ الْيَهُودِ. وَعَنْ عِلْمِ الشَّيْءِ وَكِتْمَانِهِ، وَالْعَمَلِ بِخِلَافِهِ، بَلْ هُوَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وما بعثه بِهِ مِنَ الشَّرْعِ الْعَظِيمِ فِي غَايَةِ الِاسْتِقَامَةِ والاعتدال والسداد، ولهذا قال تعالى: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) أَيْ مَا يَقُولُ قَوْلًا عَنْ هَوًى وَغَرَضٍ (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) أَيْ إِنَّمَا يَقُولُ مَا أُمِرَ به يبلغه إلى الناس كاملا موفورا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ
وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تسمعه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ. فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «اكتب فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقٌّ» «1» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَروى البزار الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ» ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ (2)
وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ»
: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: فإنك تداعبنا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ إلا حقا» (3).
——–
(1) هو في الصحيح المسند 794.
(2) في عبدالله بن صالح كاتب الليث لكنه متابع فالحديث في الصحيحين بلفظ (ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم. … ) وزاد ابن حبان من طريق شعيب بن الليث عن أبيه (أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي لَا شَكَّ فِيه)
(3) أخرجه أحمد 2/ 340 ومحمد بن عجلان تابعه أسامة بن زيد عن سعيد المقبري أخرجه أحمد 2/ 360 والترمذي 1990 وقال حسن صحيح. وصححه الألباني.