تفسير ابن كثير سورة الطور: الآيات 49 – 44
قام به سيف الكعبي وأحمد بن علي وصاحبهما
سورة الطور الآيات 49 – 44
——–
(وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم (44) فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون (45) يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون (46) وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون (47) واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم (48) ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم (49))
———
يقول تعالى مخبرا عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس: (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا) أي: عليهم يعذبون به، لما صدقوا ولما أيقنوا، بل يقولون: هذا (سحاب مركوم) أي: متراكم. وهذه كقوله تعالى: (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) [الحجر: 14، 15]. قال الله تعالى: (فذرهم) أي: دعهم – يا محمد – (حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون)، وذلك يوم القيامة، (يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا) أي: لا ينفعهم كيدهم ومكرهم الذي استعملوه في الدنيا، لا يجدي عنهم يوم القيامة شيئا، (ولا هم ينصرون)
ثم قال: (وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك) أي: قبل ذلك في الدار الدنيا، كقوله: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) [السجدة: 21]، ولهذا قال: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أي: نعذبهم في الدنيا، ونبتليهم فيها بالمصائب، لعلهم يرجعون وينيبون، فلا يفهمون ما يراد بهم، بل إذا جلي عنهم مما كانوا فيه، عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه.
وقوله: (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) أي: اصبر على أذاهم ولا تبالهم، فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا، والله يعصمك من الناس.
وقوله: (وسبح بحمد ربك حين تقوم) قال الضحاك: أي إلى الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.
وقد روي مثله عن الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهما.
وروى مسلم في صحيحه، عن عمر أنه كان يقول هذا في ابتداء الصلاة.
وقال أبو الجوزاء: (وسبح بحمد ربك حين تقوم) أي: من نومك من فراشك. واختاره ابن جرير: ويتأيد هذا القول بما رواه الإمام أحمد:
عن عبادة بن الصامت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: رب اغفر لي – أو قال: ثم دعا – استجيب له، فإن عزم فتوضأ، ثم صلى تقبلت صلاته “.
أخرجه البخاري في صحيحه
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وسبح بحمد ربك حين تقوم) قال: من كل مجلس.
وقال الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص: (وسبح بحمد ربك حين تقوم) قال: إذا أراد الرجل أن يقوم من مجلسه قال: سبحانك اللهم وبحمدك.
وقد وردت أحاديث مسندة من طرق – يقوي بعضها بعضا – بذلك …. وكذا رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو ; أنه قال: ” كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات، إلا كفر بهن عنه، ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن كما يختم بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ” وأخرجه الحاكم من حديث أم المؤمنين عائشة …. وقد أفردت لذلك جزءا على حدة بذكر طرقه وألفاظه وعلله، وما يتعلق به، ولله الحمد والمنة (1)
وقوله: (ومن الليل فسبحه) أي: اذكره واعبده بالتلاوة والصلاة في الليل، كما قال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) [الإسراء: 79].
وقوله: (وإدبار النجوم) قد تقدم في حديث ابن عباس أنهما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر، فإنهما مشروعتان عند إدبار النجوم، أي: عند جنوحها للغيبوبة.
ورد عن أبي هريرة مرفوعا (لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل) يعني ركعتي الفجر رواه أبو داود (ضعفه الألباني)
ومن هذا الحديث حكي عن بعض أصحاب الإمام أحمد القول بوجوبهما، وهو ضعيف لحديث: ” خمس صلوات في اليوم والليلة “. قال: هل علي غيرها؟ قال: ” لا إلا أن تطوع ” وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: لم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر وفي لفظ لمسلم: ” ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ”
آخر تفسير سورة الطور والله أعلم.
——-
(1) قلنا في تخريجنا لسنن ابي داود 4860 حديث السائب في الصحيح المسند 362، وكذلك حديث عائشة في الصحيح المسند 1598، وورد موقوفا على أبي سعيد وله حكم الرفع، وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً وإسناده صحيح كما في فوائد ابن خرشيد لكنه روي عن أبي الاحوص قوله، وهذه الطرق تقوي الأسانيد الضعيفة والمرسلة فيما وافقتها من الألفاظ.