تحضير سنن الترمذي
جمعه أحمد بن علي وسلطان الحمادي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وعبدالقادر الطيابي
____
بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ
568 – حَدَّثَنا محمد بن بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيانَ، عن حَبيبِ بن أبي ثَابتٍ، عن طاوُوسٍ
عن ابن عبَّاسٍ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أنه صلَّى في كُسُوفٍ، فقرأ ثُم رَكَعَ، ثُم قرأ ثم رَكَع، ثُم قرأَ ثُم رَكَعَ، ثلاثَ مراتٍ، ثم سَجَدَ سجدتين، والأخْرى مِثلُها.
وفي الباب عن عليًّ، وعائِشةَ، وعبد الله بن عمرٍو، والنُّعْمان بن بَشِيرٍ، والمُغيرة بن شُعْبَةَ، وأبي مسعودٍ، وأبي بَكْرَةَ، وسَمُرَةَ، وابنِ مسعودٍ، وأسماء ابنةِ أبي بكر، وابن عمَرَ، وقَبيصَةَ الهِلالِيِّ، وجابرِ بن عبد الله، وأبي موسى، وعبد الرحمن بن سَمُرَة، وأُبَيَّ بن كَعْبٍ
حديثُ ابنِ عباسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه صَلى في كُسوفٍ أرْبَعَ رَكعاتٍ في أرْبَعِ سَجَدَاتٍ.
وبه يقولُ الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.
قال: واختلف أهلُ العلم في القراءةِ في صلاة الكسوفِ، فرأى بعضُ أهل العلم أن يُسِرَّ بالقراءةِ فيها بالنهارِ.
ورأى بعضُهم أن يَجْهَرَ بالقراءةِ فيها، كنَحْوِ صلاة العيدين والجمعة، وبه يقول مالكٌ، وأحمدُ، وإسحاقُ: يَرَوْنَ الجهرَ فيها.
قال الشافعيُّ: لا يَجْهَرُ فيها.
وقد صَحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلْتا الروايتين، صَحَّ عنه: أنه صلَّى أرْبَعَ رَكَعَاتٍ في أربع سَجَدَات، وصَحَّ عنه: أنه صَلَّى سِتَّ ركعات في أربع سجَدات، وهذا عندَ أهلِ العلم جائزٌ على قَدْرِ الكسوفِ، إن تطاولَ الكسوف، فصلَّى سِتَّ ركعات في أربع سجَداتٍ، فهو جائز، وإن صلَّى أربعَ ركعاتٍ في أربعِ سجداتٍ وأطال القراءةَ، فهو جائز.
ويرى أصحابُنا أن تُصَلَّى صلاةُ الكسوفِ في جماعةٍ في كسوفِ الشمسِ والقمرِ.
569 – حَدَّثنا محمدُ بنُ عبد الملك بن أبي الشَّوَاربِ، قال: حَدَّثَنا يزيدُ بن زُرَيْعٍ، قال: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْريِّ، عن عُرْوةَ
عن عائشةَ أنها قالت: خَسَفَت الشَّمسُ على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالناسِ، فأطالَ القراءةَ، ثُمَّ ركع فأطال الركوعَ، ثم رَفعَ رأسَه فأطال القراءةَ، وهي دُونَ الأُولى، ثم ركع فأطال الركوعَ، وهو دونَ الأول، ثم رفع رأسَه فسجدَ، ثم فعل ذلك في الركعة الثانية.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وبهذا الحديث يقول الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ: يَرَوْنَ صلاةَ الكسوف أربعَ ركعاتٍ في أربع سَجَدَاتٍ.
قال الشافعيُّ: يَقْرَأُ في الركعةِ الأولى بأُمِّ القُرآن ونحوًا من سورة البقرةِ سِرًّا إن كان بالنهارِ، ثم ركعَ ركوعًا طويلًا نحوًا من قِراءته، ثم رَفَعَ رأسَه بتكبيرٍ وثَبَتَ قائمًا كما هو، وقرأ أيضًا بأم القُرآن ونحوًا من آل عِمْرانَ، ثم رَكَع ركوعًا طويلًا نحوًا من قِراءتهِ، ثم رَفع رأسَه، ثم قال: سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثم سجدَ سجدتين تامَّتَيْن، ويُقيمُ في كُلِّ سَجْدةٍ نحوًا مِمَّا أقامَ في ركوعه، ثم قامَ فقرأ بأُمِّ القُرآن ونحوًا من سورة النِّساء، ثم ركع ركوعًا طويلًا نحوًا من قراءته، ثُمَّ رفع رأسَه بتكبيرٍ ويثبت قائمًا، ثم قَرأ نحوًا مِن سورة المائدةِ، ثم ركع ركوعًا طويلًا نحوًا من قِراءته، ثم رَفَع فقال: سمعَ اللهُ لمَنْ حَمِدَهُ، ثم سَجَدَ سجدتين، ثم تَشَهَّدَ وسَلَّمَ.
[حكم الألباني]: صحيح
قال ابن عبدالبر:
فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ يُصَلَّى لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَفِيهِ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا كَسَفَتْ بِأَقَلِّ شَيْءٍ مِنْهَا وَجَبَتِ الصَّلَاةُ لِذَلِكَ عَلَى سُنَّتِهَا
أَلَّا تَرَى إِلَى قَوْلِ أَسْمَاءَ مَا لِلنَّاسِ وَأَشَارَتْ لَهَا عَائِشَةُ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ فَلَوْ كَانَ كُسُوفًا بَيِّنًا مَا خَفِيَ عَنْ أَسْمَاءَ وَلَا غَيْرِهَا حَتَّى تَحْتَاجَ أَنَّ يُشَارَ إِلَى السَّمَاءِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي سِرِّ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ
وَفِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّي إِذَا كُلِّمَ أَشَارَ وَسَبَّحَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ
وَفِيهِ أَنَّ النِّسَاءَ يُسَبِّحْنَ إِذَا نَابَهُنَّ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ
وَذَلِكَ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ سُنَّتَهُنَّ التَّصْفِيقُ
وَقَدْ مَضَى قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ فِي بَابِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَفِيهِ أَنَّ إِشَارَةَ الْمُصَلِّي بِرَاسِهِ وَبِيَدِهِ لَا بَاسَ بِهَا
وَأَمَّا قَوْلُهَا فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ بِمَعْنَى أَنَّهَا قَامَتْ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى طُولِ الْقِيَامِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ
وَمَضَى الْقَوْلُ فِي رُؤْيَتِهِ لِلْجَنَّةِ وَالنَّارِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ
[الاستذكار 2/ 422]
قال ابن قدامة:
بابُ صلاةِ الكُسُوفِ
الكُسُوفُ والخُسُوفُ شىْءٌ واحِدٌ، وكِلَاهُما قد وَرَدَتْ به الأخْبارُ، وجاءَ القُرْآنُ بِلَفْظِ الخُسُوفِ.
319 – مسألة؛ قال أبو القاسمِ: (وَإذَا خسَفَتِ الشَّمْسُ أو القَمَرُ، فَزِعَ النَّاسُ إلَى الصَّلَاةِ، إنْ أَحَبُّوا جَمَاعَةً، وإن أَحَبُّوا فُرَادَى)
صَلَاةُ الكُسُوفِ ثَابِتَةٌ بِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، على ما سَنَذْكُرُه، ولا نَعْلَمُ بين أهْلِ العِلْمِ في مَشْرُوعِيَّتِها لِكُسُوفِ الشَّمْسِ خِلَافًا، وأكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ على أنَّها مَشْرُوعَةٌ لِخُسُوفِ القَمَرِ، فَعَلَه ابنُ عَبَّاسٍ. وبه قال عَطَاءٌ، والحسنُ، والنَّخَعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ. وقال مالِكٌ: ليسَ لِكُسُوفِ القَمَرِ سُنَّةٌ. وحَكَى ابنُ عبدِ البَرِّ عنه، وعن أبي حنيفةَ أنَّهما قالا: يُصَلِّى النّاسُ لِخُسُوفِ القَمَرِ وُحْدَانًا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ولا يُصَلُّونَ جَمَاعَةً؛ لأنَّ في خُرُوجِهِمْ إليها مَشَقَّةٌ. ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّه، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولا لِحَيَاتِه، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا”. مُتَّفَقٌ عليه (1). فأمَرَ بالصلاةِ لهما أمْرًا واحدا. وعن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّه صَلَّى بأهلِ البَصْرَةِ في خُسُوفِ القَمَرِ رَكْعَتَيْنِ، وقال: إنَّما صَلَّيْتُ لأنِّى رَأيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى (2). ولأنَّه أَحَدُ الكُسُوفَيْنِ، فأشْبَهَ كُسُوفَ الشَّمْسِ.
ويُسَنُّ فِعْلُها جَماعَةً وَفُرادَى. وبهذا قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ. وحُكِىَ عن الثَّوْرِىِّ أنَّه قال: إنْ صَلَّاهَا الإِمامُ صَلُّوهَا معه، وإلَّا فلا تُصَلُّوا. ولَنا، قولُه عليه الصلاة والسلام: “فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا”. ولأنَّها نافِلَةٌ، فجازَتْ في الانْفِرَادِ، كَسائِرِ النَّوافِلِ.
وإذا ثَبَتَ هذا فإنَّ فِعْلَها في الجَماعَةِ أفْضَلُ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّاها في جَمَاعَةٍ، والسُّنَّةُ أنْ يُصَلِّيَها في المَسْجِدِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَها فيه. قالت عائشةُ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ في حَياةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فخَرَجَ إلى المَسْجِدِ، فَصَفَّ النّاسُ وَرَاءَه. رَوَاهُ البُخَارِىُّ (3). ولأنَّ وَقْتَ الكُسُوفِ يَضِيقُ، فلو خَرَجَ إلى المُصَلَّى احْتَمَلَ التَّجَلِّى قبلَ فِعلِها. وتُشْرَعُ في الحَضَرِ والسَّفَرِ، بإذْنِ الإِمامِ وغيرِ إذْنِه. وقال أبو بكرٍ: هي كصلاةِ العِيدِ، فيها رِوايتانِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: “فَإِذَا رَأَيتُمُوهَا فَصَلُّوا”. ولأنَّها نَافِلَةٌ أَشْبَهَتْ سَائِرَ النَّوَافِلِ.
وتُشْرَعُ في حَقِّ النِّساءِ؛ لأنَّ عائشةَ وأسْمَاءَ صَلَّتَا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاه البُخَارِيُّ (4). ويُسَنُّ أن يُنادَى لها: الصَّلَاةَ جَامِعَةً؛ لما رُوِىَ عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو، قال: لمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ على عَهْدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُودِىَ بالصَّلَاةِ جَامِعَةً. مُتَّفَقٌ عليه (5). ولا يُسَنُّ لها أذانٌ ولا إقامةٌ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا بغيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ، ولأنَّها مِن غيرِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، فأشْبَهَتْ سَائِرَ (6) النَّوَافِلِ.
320 – مسألة؛ قال: (يَقْرأُ في الأُولَى بِأُمِّ الكتَابِ وسُورَةٍ طَوِيلَةٍ، يَجْهَرُ بالقِرَاءَةِ، ثم يَرْكَعُ فَيُطِيلُ الرُّكُوعَ، ثم يَرْفَعُ فَيَقْرأُ ويُطِيلُ القِيَامَ، وهو دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثم يَرْكَعُ فَيُطِيلُ الرُّكُوعَ، وهو دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّل، ثم يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، فإذا قَامَ فَعَلَ مِثْلَ ذلك، فَيَكُونُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، ثم يَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ)
وجُمْلَتُه أنَّ المُسْتَحَبَّ في صلاةِ الكُسُوفِ أن يُصَلِّىَ رَكْعَتَيْنِ، يُحْرِمُ بالأُولَى، ويَسْتَفْتِحُ، ويَسْتَعِيذُ، ويَقْرأُ الفاتِحَةَ وسُورَةَ البَقَرَةِ، أو قَدْرَها في الطُّولِ، ثم يَرْكَعُ فَيُسَبِّحُ اللهَ تَعَالَى قَدْرَ مائة آيَةٍ (1)، ثم يَرْفَعُ فيَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ. ثم يَقْرَأُ الفَاتِحَةَ وآلَ عِمْرَانَ، أو قَدْرَها، ثم يَرْكَعُ بِقَدْرِ ثُلُثَىْ رُكُوعِهِ الأوَّل، ثم يَرْفَعُ فَيُسَمِّعُ ويُحَمِّدُ، ثم يَسْجُدُ فَيُطِيلُ السُّجُودَ فيهما، ثم يَقُومُ إلى الرَّكْعَةِ الثانيةِ، فَيَقْرَأُ الفاتِحَةَ وسُورَةَ النِّسَاءِ، ثم يَرْكَعُ فَيُسَبِّحُ بِقَدْرِ ثُلُثَىْ تَسْبِيحِه في الثانيةِ، ثم يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ الفَاتِحَةَ والمائِدَةَ، ثم يَرْكَعُ فَيُطِيلُ دونَ الذي قبلَه، ثم يَرْفَعُ فيُسَمِّعُ ويُحَمِّدُ، ثم يَسْجُدُ فيُطِيلُ، فيكونُ الجَمِيعُ رَكْعَتَيْنِ، في كُلِّ رَكْعَةٍ قِيامانِ وقِراءتانِ ورُكُوعانِ وسُجُودانِ.
ويَجْهَرُ بالقِراءَةِ لَيْلًا كان أو نَهَارًا. وليس هذا التَّقْدِيرُ في القِراءَةِ مَنْقُولًا عن أحمدَ، لكنْ قد نُقِلَ عنه أنَّ الأُولَى أَطْوَلُ من الثانِيةِ، وجاءَ التَّقْدِيرُ في حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، نَحْوًا من سُورَةِ البَقَرَةِ. مُتَّفَقٌ عليه (2). وفي حَدِيثٍ لعائشةَ: حَزَرْتُ قِرَاءَةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فرأيتُ أنَّه قَرَأَ في الرَّكْعَةِ الأُولَى سُورَةَ البَقَرَةِ، وفى الثانيةِ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ (3). وبهذا قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، إلَّا أنَّهما قالا: لا يُطِيلُ السُّجُودَ. حكاه عنهما ابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّ ذلك لم يُنْقَلْ. وقالا: لا يَجْهَرُ في كُسُوفِ الشَّمْسِ، ويَجْهَرُ في خُسُوفِ القَمَرِ. وَوَافَقَهم أبو حنيفةَ، لِقَوْلِ عائشةَ: حَزَرْتُ قِرَاءَةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ولو جَهَرَ بالقِرَاءَةِ لم تَحْتَجْ إلى الظَّنِّ والتَّخْمِينِ. وكذلك قال ابنُ عَبَّاسٍ: قامَ قِيامًا طَوِيلًا، نَحْوًا مِن سُورَةِ البَقَرَةِ. ورَوَى سَمُرَةُ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى في خُسُوفِ الشَّمْسِ، فلم أسْمَعْ له صَوْتًا. قال التِّرْمِذِىُّ (4): هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ (5) صَحِيحٌ. ولأنَّها صلاةُ نَهَارٍ، فلم يَجْهَرْ فيها كالظُّهْرِ. وقال أبو حنيفةَ: يُصَلِّى رَكْعتَيْنِ كصلاةِ التَّطَوُّعِ؛ لما رَوَى النُّعْمَانُ بن بَشِيرٍ، قال: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ على عَهْدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَخرَجَ فكان يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ ويُسَلِّمُ، ويُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ ويُسَلِّمُ، حتى انْجَلَتِ الشَّمْسُ. رَوَاه أحمدُ (6)، عنِ عبدِ الوَهَّابِ الثّقَفِىِّ، عن أيُّوبَ، عن أبي قِلَابَةَ، عن النُّعْمَانِ.
ورَوَى قَبِيصَةُ أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال: “فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا كَأحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنَ المَكْتُوبَةِ” (7). ولَنا، أنَّ عَبْدَ اللهِ بن عَمْرٍو قال في صِفَةِ صلاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الكُسُوفِ: ثم سَجَدَ، فلم يَكَدْ يَرْفَعُ. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (8). وفي حَدِيثِ عائشةَ: ثم رَفَعَ، ثم سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، ثم قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وهو دُونَ القِيَامِ الأوَّل، ثم رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وهو دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّل، ثم سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، وهو دُونَ السُّجُودِ الأوَّل. رَرَاه البُخَارِىُّ (9). وتَرْكُ ذِكْرِه في حَدِيثٍ لا يَمْنَعُ مَشْرُوعِيَّتَه إذا ثَبَتَ عن (10) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وأمَّا الجَهْرُ فقد رُوِىَ عن عَلِىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه، وفَعَلَهُ عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ وبِحَضْرَتِه البَرَاءُ بن عَازِبٍ وزَيْدُ بنُ أرْقَمَ، وبه قال أبو يوسفَ، وإسحاقُ، وابِنُ المُنْذِرِ. ورَوَتْ عائشةُ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم [جَهَرَ في صلاةِ الخُسوفِ. مُتَّفَقٌ عليه (11). وعن عُرْوَةَ، عن عائشةَ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم] (12) صَلَّى صلاةَ الكُسُوفِ وجَهَرَ فيها بالقِرَاءَةِ. قال التِّرْمِذِىُّ (13): هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ولأنَّها نَافِلَةٌ شُرِعَتْ لها الجَمَاعَةُ، فكان من سُنَنِها الجَهْرُ كصلاةِ الاسْتِسْقاءِ والعِيدِ والتَّرَاوِيحِ. فأمَّا قَوْلُ عائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنها: حَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ. ففى إسْنَادِه مقَالٌ؛ لأنَّه من رِوَايَةِ ابن إسْحاقَ. ويَحْتَمِلُ أن تكونَ سَمِعَتْ صَوْتَهُ ولم تَفْهَمْ لِلْبُعْدِ، أو قَرَأَ من غيرِ أوَّلِ القُرْآنِ بِقَدْرِ البَقَرَةِ.
ثم حَدِيثُنَا صَحِيحٌ صَرِيحٌ، فكيف يُعَارَضُ بمِثْلِ هذا! وحَدِيثُ سَمُرَةَ يجوزُ أنَّه لم يَسْمَعْ لِبُعْدِه؛ فإنَّ في حَدِيثِه: دُفِعْتُ إلى المَسْجِدِ، وهو بِأُزَزٍ (14). يعني مُغْتَصًّا بالزِّحامِ. قالَه الخَطَّابِىُّ (15). ومَنْ هذا حَالُه لا يَصِلُ مكانًا يَسْمَعُ منه. ثم هذا نَفْىٌ مُحْتَمِلٌ لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ، فكيف يُتْرَكُ من أجْلِه الحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ! وقِياسُهم مُنْتَقِضٌ بالجُمُعَةِ والعِيدَيْنِ والاسْتِسْقاءِ، وقِياسُ هذه الصلاةِ على هذه الصَّلَوَاتِ أوْلَى من قِياسِها على الظُّهْرِ؛ لِبُعْدِها منها، وشَبَهِها بهذه. وأمَّا الدَّلِيلُ على صِفَةِ الصلاةِ، فرَوَتْ عائشةُ، قالت: خَسِفَتِ الشَّمْسُ في حَيَاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فخَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى المَسْجِدِ، فقَامَ، وكبَّرَ، وصَفَّ النّاسُ وَرَاءَهُ، فاقْتَرَأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثم كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثم رَفَعَ رَأْسَه، فقال: “سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ”. ثم قَامَ فَاقْتَرأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هي أدْنَى من القِراءَةِ الأُولَى، ثم كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، هو أدْنَى من الرُّكُوعِ الأوَّل، ثم قال: “سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ”، ثم سَجَدَ، ثم فَعَلَ في الرَّكْعَةِ الأُخْرَى (16) مِثْلَ ذلك، حتى اسْتَكْمَلَ أرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وأرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وانْجَلَتِ الشَّمْسُ قبلَ أن يَنْصَرِفَ. وعن ابنِ عَبَّاسٍ مثلُ ذلك، وفيه أنَّه قامَ في الأُولَى قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا من سُورَةِ البَقَرَةِ. مُتَّفَقٌ عليهما (17).
ولأنَّها صلاةٌ يُشْرَعُ لها الاجْتِماعُ، فخالَفَتْ سَائِرَ النَّوافِلِ، كصلاةِ العِيدَيْنِ والاسْتِسْقاءِ، فأمَّا أحَادِيثُهم فمَتْرُوكَةٌ غيرُ مَعْمُولٍ بها باتِّفَاقِنا، فإنَّهم قالوا: يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ. وحَدِيثُ النُّعْمانِ (18) فيه أنَّه يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ ثم رَكْعَتَيْنِ، حتى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، وحَدِيثُ قَبِيصَةَ (19) فيه أنَّه يُصَلِّى كأحْدَثِ صَلاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا. وأحَدُ الحَدِيثَيْنِ يُخالِفُ الآخَرَ. ثم حَدِيثُ قَبِيصَةَ مُرْسَلٌ. ثم يَحْتَمِلُ أنَّه صَلَّى رَكْعَتَيْنِ في كلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ، ولو قُدِّرَ التَّعارُضُ لَكان الأخْذُ بأحادِيثِنا أَوْلَى؛ لِصِحَّتِها وشُهْرَتِها، واتّفَاقِ الأَئِمَّةِ على صِحَّتِها، والأَخْذِ بها، واشْتِمالها على الزِّيادَةِ، والزِّيادَةُ من الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، ثم هي نَاقِلَةٌ عن العادَةِ، وقد رُوِىَ عن عُرْوَةَ أنَّه قِيلَ له: إنَّ أخاك صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. فقال: إنَّه أخْطَأَ السُّنَّةَ (20)
فصل: ومَهْمَا قَرَأَ به جازَ سَوَاءٌ كانت القِراءَةُ طَوِيلَةً أو قَصِيرَةً. وقد رُوِىَ عن عائشة، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّى في كُسُوفِ الشَّمْسِ والقَمَرِ أرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وأرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وقَرَأَ في الأُولَى بالعَنْكَبُوتِ والرُّومِ، وفى الثَّانِيَةِ بيس. أخْرَجَه الدَّارَقُطْنِىُّ (21).
فصل: ولم يَبْلُغْنَا عن أحمدَ، رحمه الله أنَّ لها خُطْبَةً، وأصْحابُنا على أنَّها لا خُطْبَةَ لها. وهذا مذهبُ مالِكٍ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ. وقال الشَّافِعِىُّ: يَخْطُبُ كَخُطْبَتَىِ الجُمُعَةِ؛ لما رَوَتْ عائشةُ، رَضِىَ اللهُ عنها، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ وقد انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فخَطَبَ النَّاسَ، وحَمِدَ اللهَ، وأثْنَى عليه، ثم قال: “إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِه، فَإذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ، وكَبِّرُوا، وصَلُّوا، وتَصَدَّقُوا” ثم قال: “يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، واللهِ مَا أحَدٌ أغْيَرُ مِنَ اللهِ أن يَزْنِىَ عَبْدُهُ أو تَزْنِىَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لو تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ولبَكَيْتُمْ كَثِيرًا”. مُتَّفَقٌ عليه (22). ولنَا، هذا الخَبَرُ، فإن النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهم بالصَّلَاةِ والدُّعَاءِ والتَّكْبِيرِ والصَّدَقَةِ، ولم يَأْمُرْهم بخُطْبَةٍ، ولو كانت سُنَّةً لأمَرَهم بها، ولأنَّها صلاةٌ يَفْعَلُها المُنْفَرِدُ في بَيْتِه، فلم يُشْرَعْ لها خُطْبَةٌ، وإنَّما خَطَبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ الصلاةِ لِيُعَلِّمَهُمْ حُكْمَها، وهذا مُخْتَصٌّ به، وليس في الخَبَرِ ما يَدُلُّ على أنَّه خَطَبَ كخُطْبَتَىِ الجُمُعَةِ.
فصل: ويُسْتَحَبُّ ذِكْرُ اللَّه تعالى، والدُّعَاءُ، والتَّكْبِيرُ، والاسْتِغْفارُ والصَّدَقَةُ، والعِتْقُ، والتَّقَرُّبُ إلى اللَّه تعالى بما اسْتَطاعَ؛ لخَبَرِ عائشةَ هذا. وفى خَبَرِ أبى موسى: “فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَدُعَائِه، واسْتِغْفَارِه” (23). ورُوِىَ عن أسْمَاء، أنَّها قالتْ: إنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بالعِتْقِ في الكُسُوفِ (24). ولأنَّه تَخْوِيفٌ من اللَّه تعالى، فَيَنْبَغِى أنْ يُبَادِرَ إلى طَاعَةِ اللهِ تعالى، لِيكْشِفَه عن عِبادِه.
فصل: ومُقْتَضَى مذهبِ أَحمدَ أنَّه يجوزُ أن يُصَلِّىَ صلاةَ الكُسُوفِ على كلِّ صِفَةٍ رُوِيَتْ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، كقَوْلِه في صلاةِ الخَوْفِ، إلَّا أنَّ اخْتِيارَهُ من ذلك الصلاة على الصِّفَةِ التي ذَكَرْنا …
فصل: وصَلَاةُ الكُسُوفِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَها، وأمَرَ بها، وَوَقْتُها مِن حين الكُسُوفِ إلى حين التَّجَلِّى، فإن فاتَتْ لم تُقْضَ …
فصل: وإذا اجْتَمَعَ صلاتانِ، كالكُسُوفِ مع غيرِه من الجُمُعَةِ، أو العِيدِ، أو صلاةٍ مَكْتُوَبةٍ، أو الوِتْرِ، بَدَأ بأخْوَفِهما فَوْتًا، فإن خِيفَ فَوْتُهما بَدَأَ بالصلاةِ الوَاجِبَةِ، وإن لم يَكُنْ فيهما (29) وَاجِبَةٌ كالكُسُوفِ والوِتْرِ أو التَّرَاوِيحِ، بَدَأ بآكَدِهما، كالكُسُوفِ والوِتْرِ، بَدَأَ بالكُسُوفِ؛ لأنَّه آكَدُ، ولهذا تُسَنُّ له الجَماعَةُ، ولأنَّ الوِتْرَ يُقْضَى، وصلاةُ الكُسُوفِ لا تُقْضَى. فإن اجْتَمَعَتِ التَّرَاوِيحُ والكُسُوفُ، فبأَيِّهِما يَبْدَأُ؟ فيه وَجْهانِ. هذا قولُ أصْحابِنَا. والصَّحِيحُ عندى أنَّ الصَّلَوَاتِ الوَاجِبِةَ التي تُصَلَّى في الجَمَاعَةِ مُقَدَّمَةٌ على الكُسُوفِ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ تَقْدِيمَ الكُسُوفِ عليها يُفْضِى إلى المَشَقَّةِ، لإِلْزَامِ الحَاضِرِينَ بِفِعْلِها مع كَوْنِها ليست وَاجِبَةً عليهم، وانْتِظَارِهم لِلصلاةِ الوَاجِبَةِ، مع أنَّ فيهم الضَّعِيفَ والكَبِيرَ وذَا الحاجَةِ. وقد أمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِتَخْفِيفِ الصلاةِ الوَاجِبَةِ، كَيْلا يَشُقَّ على المَامُومِينَ، فإلْحَاقُ المَشَقَّةِ بهذه الصلاةِ الطَّوِيلَةِ الشَّاقّةِ، مع أنَّها غيرُ وَاجِبَةٍ، أوْلَى، وكذلك الحُكْمُ إذا اجْتَمَعَتْ مع التَّرَاوِيحِ، قُدِّمَت التَّرَاوِيحُ لذلك، وإن اجْتَمَعَتْ مع الوِتْرِ في أَوَّل وَقْتِ الوَتْرِ، قُدِّمَتْ؛ لأنَّ الوِتْرَ لا يَفُوتُ، وإن خِيفَ فَوَاتُ الوَتْرِ قُدِّمَ؛ لأنَّه يَسِيرٌ يُمْكِنُ فِعْلُه وإدْرَاكُ وَقْتِ الكُسُوفِ، وإن لم يَبْقَ إلَّا قَدْرُ الوِتْرِ، فلا حاجَةَ بالتَّلَبُّسِ بِصلاةِ الكُسُوفِ؛ لأنَّها إنَّما تَقَعُ في وَقْتِ النَّهْىِ. وإن اجْتَمَعَ الكُسُوفُ وصلاةُ الجِنازَةِ، قُدِّمَت الجِنازَةُ وَجْهًا واحِدًا؛ لأن المَيِّتَ يُخافُ عليه، واللهُ أعلمُ
فصل: إذا أدْرَكَ المَامُومُ الإِمامَ في الرُّكُوعِ الثَّانِى، احْتَمَلَ أنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ. قال القاضي: لأنَّه قد فاتَهُ من الرَّكْعَةِ رُكُوعٌ، أشْبَهَ ما لو فاتَهُ الرُّكُوعُ مِن غيرِ هذه الصلاةِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ صلاتَهُ تَصِحُّ؛ لأنَّه يجوزُ أن يُصَلِّىَ هذه الصلاةَ بِرُكُوعٍ واحِدٍ، فاجتُزِئَ به في حَقِّ المَسْبُوقِ. واللهُ أعلمُ
321 – مسألة؛ قال: (وَاذَا كَانَ الْكُسُوفُ فِى غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ (1)، جَعَلَ مَكَانَ الصَّلَاةِ تَسْبِيحًا، هذَا ظَاهِرُ المَذْهَبِ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ لا تُفْعَلُ في أَوْقَاتِ النَّهْىِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا سَبَبٌ أو لَمْ يَكُنْ)
رُوِىَ ذلك في الحسنِ، وعَطاءٍ، وعِكْرِمَةَ بن خالدٍ، وابنِ أبي مُلَيْكَةَ، وعَمْرِو بن شُعَيْبٍ، وأبى بَكْرِ بن محمدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ، ومالِكٍ، وأبى حنيفةَ، خِلَافًا لِلشَّافِعِىِّ. وقد مَضَى الكلامُ في هذا. ونَصَّ عليه أحمدُ …
[المغني لابن قدامة 3/ 321]
قال ابن رجب:
296 – صلاة الكسوف
فيه أربعة أحاديث:
أولًا: حديث عائشة رضي الله عنها: أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات وأربع سجدات (1).
ثانيًا: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات، وعن علي مثل ذلك (2).
ثالثًا: حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف نحوًا من صلاتكم يركع ويسجد (3).
قال الإمام أحمد: لا تصح كل هذِه الصور وأراه غلطًا (4).
وقال مرة: فيه اختلاف كثير (5).
وقال مرة: الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف كلها حسان، وبأيها عمل الناس جاز عنهم، إلا أن الاختيار عندهم على حديث ابن عباس هذا وما كان مثله (6)
وقال مرة على حديث ابن عباس: كان وكيع يقول: ست ركعات في أربع سجدات، قلت له: إن إسماعيل بن علية ويحيى بن سعيد قالا: ثمان ركعات في أربع سجدات، فلما كان بعد ذلك رجع إلى ثمان (1).
رابعًا: حديث جابر: صلى ست ركعات في أربع سجدات (2).
قال الإمام أحمد: خالف عبد الملك بن جريج، عن عطاء فقال: عن عبيد بن عمير قال: أخبرني من أصدق، يريد عائشة (3).
ثم قال: رواه قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها.
ثم قال: أقضي بابن جريج على عبد الملك في حديث عطاء (4)
[الجامع لعلوم الإمام أحمد – علل الحديث 14/ 326]
قال ابن حجر:
قوله: (فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا) بكسر الزاي صفة مشبهة، ويجوز الفتح على أنه مصدر بمعنى الصفة.
قوله: (يخشى أن تكون الساعة) بالضم على أن كان تامة أي يخشى أن تحضر الساعة، أو ناقصة والساعة اسمها والخبر محذوف، أو العكس. قيل وفيه جواز الإخبار بما يوجبه الظن من شاهد الحال، لأن سبب الفزع يخفى عن المشاهد لصورة الفزع فيحتمل أن يكون الفزع لغير ما ذكر، فعلى هذا فيشكل هذا الحديث من حيث إن للساعة مقدمات كثيرة لم تكن وقعت كفتح البلاد واستخلاف الخلفاء وخروج الخوارج. ثم الأشراط كطلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وغير ذلك. ويجاب عن هذا باحتمال أن تكون قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات، أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات، أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك وكانت لغيره كعقوبة تحدث كما كان يخشى عند هبوب الريح. هذا حاصل ما ذكره النووي تبعا لغيره، وزاد بعضهم أن المراد بالساعة غير يوم القيامة، أي الساعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور، كموته صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك، وفي الأول نظر لأن قصة الكسوف متأخرة جدا، فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك. وأما الثالث فتحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف.
وأما الرابع فلا يخفى بعده. وأقربها الثاني فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء مما ذكر وتقع متتالية بعضها إثر بعض مع استحضار قوله تعالى: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} ثم ظهر لي أنه يحتمل أن يخرج على مسألة دخول النسخ في الأخبار فإذا قيل بجواز ذلك زال الإشكال.
وقيل لعله قدر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط تعظيما منه لأمر الكسوف ليتبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها. وقيل لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرط لم يتقدم ذكره فيقع المخوف بغير أشراط لفقد الشرط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (هذه الآيات التي يرسل الله) ثم قال (ولكن يخوف الله بها عباده) موافق لقوله تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} وموافق لما تقدم تقريره في الباب الأول، واستدل بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلى الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك، وقد تقدم القول في ذلك في أواخر الاستسقاء. ولم يقع في هذه الرواية ذكر الصلاة، فلا حجة فيه لمن استحبها عند كل آية.
قوله: (إلى ذكر الله) في رواية الكشميهني إلى ذكره والضمير يعود على الله في قوله: يخوف الله بها عباده، وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع به البلاء …
قوله: (باب الصلاة في كسوف القمر) أورد فيه حديث أبي بكرة من وجهين مختصرا ومطولا، واعترض عليه بأن المختصر ليس فيه ذكر القمر لا بالتنصيص ولا بالاحتمال، والجواب أنه أراد أن يبين أن المختصر بعض الحديث المطول، وأما المطول فيؤخذ المقصود من قوله: وإذا كان ذلك فصلوا بعد قوله: إن الشمس والقمر وقد وقع في بعض طرقه ما هو أصرح من ذلك، فعند ابن حبان من طريق نوح بن قيس، عن يونس بن عبيد في هذا الحديث فإذا رأيتم شيئا من ذلك وعنده في حديث عبد الله بن عمرو فإذا انكسف أحدهما وقد تقدم حديث أبي مسعود بلفظ كسوف أيهما انكسف وفي ذلك رد على من قال: لا تندب الجماعة في كسوف القمر، وفرق بوجود المشقة في الليل غالبا دون النهار ووقع عند ابن حبان من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف القمر ولفظه من طريق النضر بن شميل، عن أشعث بإسناده في هذا الحديث صلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم، وأخرجه الدارقطني أيضا، وفي هذا رد على من أطلق كابن رشيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه، ومنهم من أول قوله صلى أي أمر بالصلاة، جمعا بين الروايتين، وقال صاحب الهدى: لم ينقل أنه صلى في كسوف القمر في جماعة، لكن حكى ابن حبان في السيرة له أن القمر خسف في السنة الخامسة فصلى النبي – صلى الله
عليه وسلم – بأصحابه صلاة الكسوف وكانت أول صلاة كسوف في الإسلام، وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور، وقد جزم به مغلطاي في سيرته المختصرة وتبعه شيخنا في نظمها.
(تنبيه): حكى ابن التين أنه وقع في رواية الأصيلي في حديث أبي بكرة هذا انكسف القمر بدل الشمس، وهذا تغيير لا معنى له، وكأنه عسرت عليه مطابقة الحديث للترجمة فظن أن لفظه مغير فغيره هو إلى ما ظنه صوابا، وليس كذلك
[فتح الباري لابن حجر 2/ 545 ط السلفية]
قال الراجحي:
وصلاة الكسوف مشروعة إذا وُجد السبب، وهو كسوف الشمس، أو خسوف القمر، سواء ذهب ضوء الشمس كاملًا، أو بعض ضوئها، وسواء أذهب ضوء القمر، أو بعض ضوئه.
وصلاة الكسوف لها سببان:
سبب شرعي: وهو تخويف الله لعباده، فهي من الآيات التي يخوف الله عز وجل بها عباده: كالزلازل والبراكين، والرياح، والعواصف.
وقال كثير من العلماء: يصلَّى عند الزلزلة، وروي عن علي رضي الله عنه أنه صلى لما حصلت زلزلة في الكوفة.
وسبب حسي: وهو أن الكسوف والخسوف يُدرَك بالحساب، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والعلامة ابن القيم رحمه الله.
وصلاة الكسوف جاءت فيها أخبار متعددة، منها: حديث عائشة رضي الله عنها وهو أول حديث في الباب، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، كما سيأتي قريبًا، وحديث جابر رضي الله عنهما، وجماعة من الصحابة.
وفي هذا الحديث: وصفت صلاة الكسوف بأنها صلاة طويلة جدًّا، قيامها طويل، وركوعها طويل، وسجودها طويل، إلا أن كل قيام يكون أقل من القيام الذي قبله، وكل ركوع يكون أقل من الركوع الذي قبله، وكل سجود يكون أقل من السجود الذي قبله.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ركعتين: في كل ركعة ركوعان، وسجودان، فتكون أربع ركوعات في أربع سجدات، هذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي اتفق عليه الشيخان: البخاري، ومسلم في حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم جميعًا.
وفيه: مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف، وليس من شروط هذه الخطبة أن يقف الإمام على المنبر.
وفيه: رد على معتقَد أهل الجاهلية الذين كانوا يزعمون أن الكسوف والخسوف إنما يكونان لموت عظيم، أو ولادة عظيم، وقد صادف كسوف الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم الناسَ وبيَّن الحكمة من الكسوف والخسوف في حديث آخر، فقال: ((وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ))
وفيه: مشروعية التكبير، والإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله، والصلاة والصدقة، وعتق الرقاب
وفيه: إثبات الغيرة لله عز وجل، والغيرة من الصفات الفعلية على ما يليق بجلاله وعظمته سبحانه، فهو عز وجل لا يشابه المخلوقين في صفاتهم؛ خلافًا للجهمية، والأشاعرة، الذين أنكروا وصف الله تعالى بالغيرة وبالصفات الفعلية
وفيه: الرد على من عبد الشمس والقمر من دون الله؛ ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يُكَوَّرَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، وقال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}، وهذا زيادة في النكال بالكفرة الذين عبدوا الشمس والقمر- نسأل الله العافية والسلامة …
مشروعية النداء لصلاة الكسوف، فينادى لها: ((الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ))، ويكرر هذا على حسب الحاجة.
وفيه: أن صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات في ركعتين.
وفيه: جواز الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، على الصحيح، وكذلك في خسوف القمر، خلافًا للنووي رحمه الله …
[توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم 2/ 668]
===
: الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: توجيه الخَلْقِ أنَّهم إذا رأوا في هذه الآياتِ؛ السَّمَواتِ والأَرْضِ، إذا رَأَوْا ما يُزْعِجُهم ويُقْلِقُهم ألَّا يَرْجِعوا إلى أَحَدٍ إلا إلى الله عزوجل
فالزَّلازِلُ والبَراكينُ والكسوفُ والصَّواعِقُ وغَيْرُها مِمَّا يُخَوِّفُ العالَم لا نرجع فيه إلا إلى الله؛ لأَنَّه هو الذي يُمْسِكُ السَّمَواتِ والأَرْضَ أن تزولا، ولا أَحَد يُمْسِكُهُما إذا زالتا إلا اللهُ.
ولكن كيف نلجأ إلى الله في هذه الأُمُور؛ هل نلجأ إليه بالصِّفَة التي أَرْشَدَنا إليها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف؟ أو نلجأ إلى الله تعالى بالصِّفَة التي أَرْشَدَنا إليها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الكُسُوفِ فقط وما عداه فإننا نلجأ إلى الله تعالى بالدُّعَاء المُطْلَق؟
هذا مَحَلُّ خلافٍ بين العُلَماء صلى الله عليه وسلم؛ فمنهم من قال إنَّه إذا وُجِدَتْ آياتٌ أُفُقِيَّة تُخيفُ العبادَ فإنَّه يُشْرَعُ للعباد أن يُصَلُّوا صلاة الكُسُوفِ حتى يَذْهَبَ ما بهم.
فالذين قالوا بالأَوَّلِ؛ أنَّه يُصَلَّى لِكُلِّ آيَةٍ تُخَوِّفُ العبادَ، اسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِمَا عِبَادَهَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا – يَعْنِي كاسِفَتَيْنِ – فَصَلُّوا وادْعُوا … » ((1)) إلخ.
قالوا: وتخويفُ العبادِ بالصَّواعِقِ والزَّلازِلِ أَشَدُّ وَقْعًا في نُفُوسِهِم من الكُسُوفِ، فإذا شُرِعَتِ الصَّلاةُ للكُسُوفِ فَمْشُروعِيَّتُها لهذه الآياتِ من بابِ أولى.
وهذا اختيارُ شَيْخِ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ ((2)) واسْتَدَلَّ بفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه حين صلَّى صلاةَ الكُسوفِ في زَلْزَلَةٍ ((3)).
ولكنْ في المذهب ((4)) يقولونَ: إنَّه لا تُصَلَّى صلاةُ الكُسوفِ إلا لِكُسوفٍ أو للزلزلة؛ احتجاجًا بفِعْلِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما
ولكنَّ الصَّوابَ ما اختاره شيخُ الإِسْلام ابْنُ تَيْمِيَةَ؛ فإنَّ هذا الذي ذهب إليه يدلُّ عليه التَّعْليلُ في الحديث: «آيتانِ مِنْ آياتِ الله يُخَوِّفُ الله بهما عِبادَهُ».
تفسير العثيمين: فاطر (1) / (290) – (292) — ابن عثيمين (ت (1421))
: رد دعوى الإجماع على عدم وجوب صلاة الكسوف
قال الإمام: ولا تصح دعوى الإجماع هذه [أي على عدم وجوب صلاة الكسوف]، فقد ترجم أبو عوانة في «صحيحه» «(2) / (366)»: «بيان وجوب صلاة الكسوف»، ثم ساق فيه بعض الأحاديث المتضمنة للأمر بها، وقد ذكر الحافظ اختلاف العلماء في حكمها، قال «(2) / (421)»: «فالجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرح أبو عوانة في «صحيحه» بوجوبها، ولم أره لغيره؛ إلا ما حكي عن مالك، أنه أجراها مجرى الجمعة، ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل بعض مصنفي الحنفية أنها واجبة».
التعليقات الرضية ((1) / (410))
حكم صلاة الكسوف
السائل: ما حكم صلاة الكسوف؟
الشيخ: أما صلاة الخسوف أو بالأحرى صلاة الكسوف فهو واجب لتوارد أوامر النبي صلى الله عليه وسلم عليها، ولا دليل هناك يحمل الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب.
(فتاوى جدة-موقع أهل الحديث والأثر- (26))
جامع تراث العلامة الألباني في الفقه (7) / (284)
السؤال الأول والثاني من الفتوى رقم ((18957))
س (1): حدث في صباح يوم الجمعة من شهر ربيع الثاني كسوف كلي للقمر، وذلك بعد صلاة الفجر، ووجد فيه أئمة أقاموا صلاة الكسوف وغيرهم لم يصل واحتج أن الصلاة بعد الفجر منهي عنها. نرجو منكم التوضيح؟
ج (1): صلاة الكسوف من ذوات الأسباب والراجح أن الصلاة ذات السبب غير داخلة في النهي عن الصلاة في أوقات النهي، وإنما يراد بذلك النهي عن الصلاة التي لا سبب لها خاصا، وبناء على ذلك فإذا كسفت الشمس بعد العصر فإنه يشرع للمسلمين أن يبادروا بصلاة الكسوف مع الذكر والدعاء والاستغفار والصدقة، وكذلك إذا كسف القمر بعد طلوع الفجر، فيشرع لكسوفه صلاة الكسوف لظاهر الأدلة؛ ولأن سلطانه لم يذهب بالكلية، ولكن تخفف صلاة الكسوف إن صليت قبل صلاة الفجر حتى لا يضيق الوقت على صلاة الفجر.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس
بكر أبو زيد … عبد الله بن غديان … عبد العزيز آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية (7) / (167)
: باب: صلاة الكسوف
(599) – مشروعية صلاة الكسوف
قال عبد اللَّه: رأيت أبي إذا كان ريح، أو ظلمة، أو أمر يفزع الناس منه، يفزع إلى الصلاة كثيرًا والدعاء حتى ينجلي ذلك، وأحسب أني رأيته فعل ذلك في الكسوف.
«مسائل عبد اللَّه» ((492))
قال إسماعيل بن سعيد:
قال أحمد: صلاة الآيات وصلاة الكسوف واحد.
«فتح الباري» لابن رجب (9) / (249)
قال حرب: نا إسحاق: نا جرير، عن الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة قال: إذا فزعتم من أفق من آفاق السماء فافزعوا إلى الصلاة ((1)).
«فتح الباري» لابن رجب (9) / (249)
قال أبو بكر المروذيُّ: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: سألني إنسان عن الرجفة؛ فكتبت له هذا الحديث -وقال: ما أحسنه: أنا أبو المغيرة قال: أصاب الناس رجفة بحمص سنة أربع وتسعين، ففزع الناس إلى المسجد، فلما صلَّى أيفع بن عبد الكلاعي صلاة الغداة قام في الناس فأمرهم بتقوى اللَّه، وحذرهم وأنذرهم ونزع القوارع من القرآن وذكر الذين أهلكوا بالرجفة قبلنا، ثم قال: واللَّه ما أصابت قومًا قطُّ قبلكم إلا أصبحوا في دراهم جاثمين فاحمدوا اللَّه الذي عافاكم ودفع عنكم ولم يهلكم بما أهلك به الظالمين قبلكم، وكان أكثر دعائه: لا إله إلا اللَّه،
——
((1)) رواه ابن أبي شيبة (2) / (221) ((8318)) عن جرير به.
—–
واللَّه أكبر، والحمد للَّه، وسبحان اللَّه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، واستغفر اللَّه، ويقول: يا أيها الناس عليكم بهؤلاء الكلمات؛ فإنهن القرآن، وهي الباقيات الصالحات.
ثم إن أيفع قال لأبي ضمرة القاضي: قم في الناس، فقام فصنع كما صنع أيفع، فلما قضى موعظته انصرف، ثم صنع ذلك دبر الصلوات ثلاثة أيام، فاستحسن ذلك المسلمون.
قال حرب: وسألت إسحاق بن راهويه عن الرجل يكونُ في بيته فتصيبه الزلزلة، هل يقوم فيخرج من البيت؟
قال: إن فعل فهو أحسن.
«فتح الباري» لابن رجب (9) / (151) – (152)
(600) – هل يشترط إذن الإمام لصلاة الكسوف؟
روى عنه يعقوب ابن حسان: لا بأس به.
وقال المروذي: قلت لأبي عبد اللَّه: ابن مهدي عن حماد بن يزيد قال: بلغ أيوب أن سليمان التيمي لما انكسفت الشمس صلى في مسجده، فبلغ أيوب فأنكر عليه، فقال: إنما هذا للأئمة.
فقال أبو عبد اللَّه: إلى هذا نذهب في كسوف الشمس، الأئمة يفعلون ذلك.
«بدائع الفوائد» (4) / (101)
(601) – صلاة الكسوف جماعة وفرادى
قال أبو داود: قلت لأحمد: يصلي الرجل وحده صلاة الكسوف؟
قال: نعم.
«مسائل أبي داود» ((508))
قال أبو داود: قلت: يصلي بأهل مسجده؟
قال: نعم.
«مسائل أبي داود» ((509))
قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن صلاة كسوف الشمس والقمر والزلازل؟
قال: تصلى جماعة ثمان ركعات وأربع سجدات، وكذلك الزلزلة.
قال: وبذلك قال أبو أيوب -يعني: سليمان بن داود الهاشمي- وأبو خيثمة.
«فتح الباري» لابن رجب (8) / (246)
(602) – صفة صلاة الكسوف
قال إسحاق بن منصور: قُلْتُ: القراءةُ في صلاةِ الكُسوف: يُعلن أو يُسِر؟
قال: في حديث الزهري أنه جَهرَ ((1)).
قال إسحاق: كما قال، يجهرُ.
«مسائل الكوسج» ((360))
——–
((1)) روى ابن شهاب عن عروة عن عائشة صلى الله عليه وسلم : جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته. . . الحديث مطولًا، رواه الإمام أحمد (7) / (76)، والبخاري ((1065))، ومسلم ((901)).
——–
قال إسحاق بن منصور: سُئِلَ: عن صلاةِ الكسوفِ؟
قال: فيه اختلاف كثير، وما يُروى عن عائشة صلى الله عليه وسلم حديث الزهري- ركعتان وسجدتان في كل ركعة ((1)).
«مسائل الكوسج» ((408))
قال أبو داود: قلت: كيف يصلي؟
قال: أربع ركعات في أربع سجدات.
فقلت: يركع ركعتين، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم فيركع ركعتين، ثم يسجد سجدتين؟
قال: نعم، أختار هذا.
«مسائل أبي داود» ((510))
قال أبو داود: قيل له: يجهر بقراءته -يعني: في صلاة الكسوف؟
قال: نعم.
«مسائل أبي داود» ((511))
قال ابن هانئ: سألت أبا عبد اللَّه عن الصلاة في الكسوف؟
قال: فيه اختلاف: أما ابن عباس وعائشة فيقولان: أربع ركعات في أربع سجدات ((2))، ويطيل فيهن القراءة، ويقرأ بما شاء من القرآن. وأمَّا علي بن أبي طالب، فإنه يقول: ست ركعات في أربع سجدات ((3)).
———
((1)) يراجع التخريج السابق.
((2)) رواه الإمام أحمد (6) / (87)، والبخاري ((1046))، ومسلم ((902)).
((3)) رواه البيهقي (3) / (343) عن الشافعي.
قال الشافعي: بلاغًا، عن عباد، عن عاصم الأحول، عن قزعة، عن علي أنه صلى في زلزلة ست ركعات في أربع سجدات. .
———-
وأذهب إلى قول عائشة وابن عباس: أربع ركعات في أربع سجدات.
«مسائل ابن هانئ» ((537))
قال ابن هانئ: سألته عن صلاة الكسوف؟
فقال: أرى أن تصلى أربع ركعات وأربع سجدات، إلى حديث عائشة.
«مسائل ابن هانئ» ((538))
قال ابن هانئ: سألته عن الصلاة في الآيات؟
قال: يصلي أربع ركعات، في أربع سجدات، يطيل فيه من القراءة، ويكون قيامه في الأول أطول من الثانية، وهي ركعتان فيهما أربع ركعات، وأربع سجدات.
«مسائل ابن هانئ» ((539))
قال عبد اللَّه: قال أبي: كان وكيع يقول في حديث الكسوف حديث سفيان عن حبيب، عن طاوس: أن النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف ست ركعات في أربع سجدات ((1)).
قلت له: إن إسماعيل بن علية ويحيى بن سعيد قالا: ثمان ركعات في أربع سجدات ((2)) فلما كان بعد ذلك رجع إلى ثمان.
«العلل» برواية عبد اللَّه ((633))
ثقل إسماعيل بن سعيد عنه: ثمان ركعات، وأربع سجدات.
«الروايتين والوجهين» (1) / (193)
قال الميموني: سمعت أحمد يقول: يجهر بالقراءة في كسوف الشمس والقمر.
«طبقات الحنابلة» (2) / (96)
قال المروذي: قال أحمد: وأذهب إلى أن صلاة الكسوف أربع ركعات، وأربع سجدات، وفي كل ركعة ركعتان وسجدتان، وأذهب إلى حديث عائشة، وأكثر الأحاديث على هذا.
«زاد المعاد» (1) / (456)
(603) – العتاقة عند الكسوف
ونقل عنه محمد بن الحكم: يستحب العتاقة في صلاة الكسوف.
«بدائع الفوائد» (4) / (101)
الجامع لعلوم الإمام أحمد – الفقه (6) / (536) – (541)
حكم من فاته الركوع الأول من صلاة الكسوف
السؤال
من فاته الركوع الأول في صلاة الكسوف ماذا يفعل؟
الجواب
يقضي ركعة؛ لأن صلاة الكسوف إنما تدرك بإدراك ركوعيها، فإذا فاته الركوع الأول فإنه إذا سلم الإمام يقضي ركعة بركوعين.
شرح سنن أبي داود للعباد (149) / (40) —
الفتوى رقم ((16267))
س: إذا فاتت ركعة من صلاة الكسوف وصلى المسبوق مع الإمام ثلاث ركعات فهل يقضي الركعة الفائتة أم يسلم مع الإمام؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا
ج: يجب على المسبوق بركعة من صلاة الكسوف أن يقضي ركعة كاملة؛ لأن الركعة الأولى في صلاة الكسوف لا تدرك إلا بإدراك ركوعها الأول.
فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية (7) / (168)
أما أخبار الحسابيين عن أوقات الكسوف فلا يعول عليها، وقد صرح بذلك جماعة من أهل العلم، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما؛ لأنهم يخطئون في بعض الأحيان في حسابهم، فلا يجوز التعويل عليهم، ولا يشرع لأحد أن يصلي صلاة الكسوف بناء على قولهم، وإنما تشرع صلاة الكسوف عند وقوعه ومشاهدته.
فينبغي لوزارات الإعلام منع نشر أخبار أصحاب الحساب عن أوقات الكسوف حتى لا يغتر بأخبارهم بعض الناس؛ ولأن نشر أخبارهم قد يخفف وقع أمر الكسوف في قلوب الناس، والله صلى الله عليه وسلم إنما قدره لتخويف الناس وتذكيرهم؛ ليذكروه ويتقوه ويدعوه ويحسنوا إلى عباده، والله ولي التوفيق.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة – ابن باز (13) / (36)
السؤال
فضيلة الشيخ! أدركت صلاة الكسوف في الركوع الثاني في الركعة الأولى، فهل تحسب لي ركعة؟
الجواب
في صلاة الكسوف ركعتان، وفي كل ركعة ركوعان، وإذا أدرك الركوع الأول فقد أدرك الركعة، وإن فاته الركوع الأول فاتته الركعة، وعلى هذا فلو دخل مع الإمام بعد أن رفع من الركوع الأول فاتته الركعة، فيقضيها إذا سلم الإمام، يقضيها بركوعين وسجودين.
اللقاء الشهري (77) / (17)
====
حديث علي أنه صلى الكسوف فقرأ يس
قال محققو المسند إسناده ضعيف، حنش- وهو ابن المعتمر، ويقال: ابن ربيعة الكوفي- الأكثرون على تضعيفه، وقال ابن حبان في “المجروحين” (1) / (269): كان كثيرَ الوهم في الأخبار، ينفرد عن علي بأشياء لا تشبه حديثَ الثقات، حتى صار ممن لا يحْتَج بحديثه. قلنا: وقد انفرد هنا بهذا الخبر عن علي. زهير: هو ابنُ معاوية الجُعفي.
(عن قبيصة الهلالي قال: كسفت الشمس إلخ) قال السندي في حاشية النسائي: وقوله: وصلوا كأحدث صلاة. فيه أنه ينبغي أن يلاحظ وقت الكسوف فيصلي لأجله صلاة هي مثل ما صلاها من المكتوبة قبيلها، ويلزم منه أن يكون عدد الركعات على حسب تلك الصلاة وأن يكون الركوع واحدا.
ومقتضى هذا الحديث أنه يجب على الناس العمل بهذا وإن سلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى بركوعين لأن هذا أمر للناس وذلك فعل. انتهى كلامه.
حديث فصلو كأحدث صلاة
قال محققو المسند: “إسناده ضعيف، فإن أبا قلابة- وهو عبد الله بن زيد الجَرْمي- كان كثير الإرسال، ولم يصرِّح هنا بسماعه من قبيصة بن مخارق، وذكر البيهقي في “السنن” (3) / (334) أنه لم يسمعه منه إنما، رواه عن رجل عنه، وهذا الرجل هو هلال بن عامر- وقيل: عمرو- البصري، كما سيأتي في التخريج، وهو لا يعرف كما قال الذهبي في “الميزان”. وروي هذا الحديث أيضًا من طريق أيوب وغيره عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير فيما سلف برقم ((18392))، وأبو قلابة لم يسمع من النعمان أيضًا فيما قاله يحيى بن معين وغيره، فهذا يفيد أن في الحديث اضطرابًا أيضًا.
: حديث عثمان عندما صلى الكسوف
قال محققو المسند إسناده ضعيف لضعف سفيان بن أبي العوجاء السلمي، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق – وهو محمد – فقد روى له مسلم متابعة، والبخاري تعليقًا، وأصحاب السنن، وهو حسن الحديث، يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد الزهري. وأبو شريح الخزاعي: هو صحابي أسلم يوم الفتح
: حديث أنه ركع خمس ركعات وسجد سجدتين ….
قال الألباني إسناده ضعيف لضعف سفيان بن أبي العوجاء السلمي، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق – وهو محمد – فقد روى له مسلم متابعة، والبخاري تعليقًا، وأصحاب السنن، وهو حسن الحديث، يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد الزهري. وأبو شريح الخزاعي: هو صحابي أسلم يوم الفتح
: قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: وأما قوله – أي: النبي صلى الله عليه وسلم – “أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة” فالمراد بذلك ما لم تشرع له الجماعة؛ وأمَّا ما شرعت له الجماعة كصلاة الكسوف فَفِعْلُها في المسجد أفضل بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة واتفاق العلماء. أ. هـ “منهاج السنَّة النَّبوية” (8/ 309).
====
: بيان ما تدرك به الركعة في صلاة الكسوف
س: إذا جاء رجل ليصلي صلاة الكسوف فوجدهم في الركعة الأولى في الركوع الثاني، هل يحسب له ركعة أم لا؟
ج: إذا جاء المأموم والإمام في الركوع الثاني في صلاة الكسوف، فإنه يكبر معهم ويصلي معهم، ولكن لا يحتسب الركعة؛ لأن العمدة على الركوع الأول، فعليه أن يقضيها يقضي ما فاته، يقضي الركعة الأولى بركوعها وسجدتيها فيكون الركوع الثاني الذي أدركه له نافلة وفائدة، لكنه عند القضاء يقضي الركعة الأولى بركوعيها وسجدتيها.
فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (392) / (13)
: بيان ما يقدم إذا وافق الخسوف وقت العشاء
س: إذا دخل وقت العشاء وخسوف القمر، أيهما نصلي؛ الخسوف أم العشاء؟ ((1))
ج: السنة يبدأ بالعشاء الفريضة؛ لأن صلاة الخسوف تطول، قد يفوت الوقت، فالسنة أن يبدأ بالفريضة، ثم الصلاة صلاة الخسوف، وهكذا لو كسفت الشمس وقت العصر، يبدأ بالعصر، ثم يصلى الكسوف.
فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (393) / (12)
: حكم صلاة الخسوف في أوقات النهي
س: السائل إ. ع. أ. يسأل ويقول: سماحة الشيخ في حالة خسوف القمر بعد صلاة الفجر وشوهد، هل تصلى صلاة الخسوف في هذا الوقت أم لا؟ وكذلك بعد صلاة العصر؟ وجهونا يا سماحة الشيخ ((1))
ج: نعم، إذا خسفت الشمس بعد العصر شرعت الصلاة والذكر والدعاء والصدقة والتكبير؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم ((2))» وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم : «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره ((3))» وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى الكسوف أمر بالصدقة والتكبير والعتق، هذا هو السنة ولو بعد العصر على الصحيح. وقال بعض أهل العلم: إنه لا يصلى لها بعد العصر؛ لأنه وقت نهي، والصواب أنه يصلى لها؛ لأن صلاة الكسوف من ذوات الأسباب، وذوات الأسباب تفعل ولو في وقت النهي مثل صلاة الطواف إذا طاف بعد العصر، ومثل تحيةالمسجد إذا دخل المسجد، ومثل أن يدخل قبل المغرب يصلي ركعتي التحية، ومثل الوضوء لو توضأ بعد العصر يصلي ركعتين، هذا هو الصواب. ذوات الأسباب لا بأس بها في وقت النهي، وصلاة الكسوف من ذوات الأسباب، هذا هو الصواب والراجح من قولي العلماء. وهكذا إذا كسف القمر في آخر الليل، أو في أول النهار يصلي لكسوفه أفضل، ومن ترك فلا حرج؛ لأن وقته قد ذهب، قد ذهب سلطانه بعد الفجر، ولم يبق إلا الشيء اليسير من سلطانه، فمن صلى فهو أفضل، ويخفف حتى يصلي الفجر بعد ذلك في وقتها، ومن لم يصل فلا حرج؛ لأن القمر إذا طلع الفجر ذهب سلطانه ولم يبق منه إلا اليسير، فمن صلى بعد طلوع الفجر له ذلك؛ لعموم الحديث فلا بأس، وهو أفضل، ومن ترك ذلك فلا حرج، وإن صلى فليخفف، يبدأ بصلاة الكسوف قبل الفجر، ثم يصلي صلاة الفجر في وقتها قبل الشمس.
فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (394) / (13)
: حكم تصديق الفلكيين في توقعاتهم للخسوف
س: سماحة الشيخ، توقعات الحسابيين وإخبارهم عن أوقات الكسوف والخسوف هل يعمل به، وما حكم ذلك؟ ((1))
ج: أخبار الحسابيين والفلكيين عن خسوف القمر وكسوف الشمس، القمر يخسف في كذا، والشمس تكسف في كذا، قد يصدقون وقد يخطئون، مثل ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، فهم قد يخطئون وقد يصيبون، لكن لا يعمل بأقوالهم إلا إذا شاهدنا الكسوف بأعيننا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يكسفان لموت أحد ولا لحياة أحد، ولكن الله يرسلها يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ((2))» فإذا رأيتم ذلك فافزعوا لله ودعائه. والسنة الفرار. فأنتم مأمورون أن تفزعوا للصلاة والذكر والدعاء عند المشاهدة، عندما تشاهدون الكسوف والخسوف، أما إخبار الفلكيين والحسابيين أنها تكسف الشمس يوم كذا أو صباح كذا، أو القمر في ليالي كذا، فهذا لا يعمل به إلا إذا رئي، إذا وجد فإن الناس يصلون ويعملون ما شرع الله جل وعلا، وهكذا لو كسف في أمريكا وإنجلترا وفي مصر ما نعمله، يعمله الذين كسفت عندهم، إذا شاهدوا في مصر شرع لهم أن يصلوا هناك، وإذا شاهدوا الكسوف في لندن شرع لهم الصلاة هناك، وإذا وجد الكسوف عندهم في أمريكا شرع لهم الصلاة، وهكذا، أما البلد التي ما فيها كسوف ولكن يبلغه الخبر أنه وقع في أمريكا أو في كذا لا يشرع لهم، وهكذا قول الحسابيين: إن القمر يكسف في ليلة أربع عشرة الساعة كذا، أو في ليلة خمس عشرة الساعة كذا، أو الشمس تكسف يوم ثمانية وعشرين، أو في تسعة وعشرين، أو في ثلاثين. كل هذا لا يقبل منه ولا ينبغي أن يعمل به ولا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالمشاهدة، قال: «إذا رأيتم ذلك ((1))» وينبغي التنبيه لهذا، ونسأل الله لأولئك الحسابيين الهداية، ونسأل الله لنا ولهم الهداية، فاشتغلوا بأشياء لا تعنيهم ولا تهمهم ولا تترتب عليها مصالح.
فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (396) / (13)
====
: حكم من دخل مع الإمام بنية صلاة الفجر ثم تبين له أنها صلاة الكسوف
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل دخل مع الإمام في صلاة الكسوف وهو لا يعلم بالكسوف، فصلى وظنها صلاة الفجر، فماذا يصنع: أتكفيه هذه الصلاة أم عليه الإعادة؟
الجواب
أما إذا كان ذلك قبل طلوع الفجر؛ لأن بعض الناس رأى الكسوف قبل الفجر بنحو ثلث ساعة وصلى، فهذا إذا كان قبل طلوع الفجر فصلاته غير صحيحة، لا تصح فرضًا، يستمر مع الإمام أو يقطعها أحسن، يقطع صلاة الفجر التي نواها ويدخل مع الإمام في صلاة الكسوف.
وأما إذا كان ذلك بعد طلوع الفجر كما هو غالب الناس الذين صلوا بعد طلوع الفجر، فهنا إذا دخل معهم على أنها الفجر ثم تبين له أنها صلاة الكسوف فإنه ينوي الإنفراد عن الإمام ويكملها على أنها صلاة الفجر.
مثال ذلك: دخل معه وهو يقرأ ثم ركع الركوع الأول، فلما قام شرع في القراءة، سوف يعلم هذا المسبوق أن هذه صلاة كسوف وهو قد نوى الفجر، نقول: الآن انوِ الانفراد وأتمها على أنها صلاة فجر ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة الكسوف.
الخلاصة الآن: إذا كان الإمام قد شرع في صلاة الكسوف قبل دخول الوقت، وهذا دخل بنية الفجر، ماذا نقول له إذا علم أنها كسوف؟ اقطع النية، لأنه لا يمكن أن تبني صلاة الكسوف على الفريضة، اقطع النية الآن وادخل من جديد مع الإمام، إذا كان ذلك بعد طلوع الفجر وعرفت أن هذه صلاة كسوف فانوِ الانفراد ولا تقطع الصلاة، انوِ الانفراد وأتمها على أنها صلاة الفجر ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة الكسوف.
اللقاء الشهري (38) / (19) — ابن عثيمين (ت (1421))
: قوله: «آكدها كسوف» أي: أن آكدَ صلاة التَّطوُّع صلاةُ الكسوف؛ لأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بها ((1))، وخَرَجَ إليها فَزِعًا ((2))، وصَلَّى صلاةً غريبةً، وعُرِضت عليه في صلاتِهِ هذه الجنَّةُ والنَّارُ ((3))، وخَطَب بعدها خُطبةً بليغةً عظيمةً ((4))، وشَرعَ لها الجماعةَ، فأَمَرَ مناديًا أن يُنادي «الصلاةُ جامعةً» ((5))، فهي آكدُ صَلاةِ التطوُّع.
وفُهِمَ من كلام المؤلِّف: أَنَّ صلاة الكُسُوفِ نافلةٌ من باب التطوُّعِ، وفيها خِلاف بين أهل العلم.
والصحيح: أَنَّ صلاة الكُسُوف فرضٌ واجب، إِمَّا على الأعيان؛ وإِمَّا على الكفاية، وأَنَّه لا يمكن للمسلمين أن يَرَوا إنذارَ الله بكسُوف الشمسِ والقمرِ، ثم يَدَعوا الصَّلاةَ؛ مع أنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بها، وأَمَرَ بالصدقة والتكبير والاستغفار والعتق والفزع إلى الصلاة، وحصل منه شيءٌ لم يكن مألوفًا مِنْ قبلُ، فكيف تقترنُ بها هذه الأحوالُ مع الأمر بها، ثم نقول: هي سُنةٌ؛ لو تركها المسلمون لم يأثموا. فأقلُّ ما نقول فيها: إنها فرضُ كفاية.
الشرح الممتع على زاد المستقنع (4) / (7) — ابن عثيمين (ت (1421)):
فَإِنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ لَا تُصَلَّى إلَّا إذَا شَاهَدْنَا ذَلِكَ، وَإِذَا جَوَّزَ الْإِنْسَانُ صِدْقَ الْمُخْبِرِ بِذَلِكَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، فَنَوَى أَنْ يُصَلِّيَ الْكُسُوفَ وَالْخُسُوفَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَاسْتَعَدَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِرُؤْيَةِ ذَلِكَ، كَانَ هَذَا حَثًّا مِنْ بَابِ الْمُسَارَعَةِ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ الْكُسُوفِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ بِهَا السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهَا أَهْلُ الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ، وَالْمَسَانِيدِ، مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. وَاسْتَفَاضَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ يَوْمَ مَاتَ ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ، وَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ ظَنَّ أَنَّ كُسُوفَهَا كَانَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ مَاتَ، فَخَطَبَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ». وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ: «وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ». وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا سَبَبٌ لِنُزُولِ عَذَابٍ بِالنَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا يُخَوِّفُ عِبَادَهُ بِمَا يَخَافُونَهُ إذَا عَصَوْهُ وَعَصَوْا رُسُلَهُ، وَإِنَّمَا يَخَافُ النَّاسُ مِمَّا يَضُرُّهُمْ. فَلَوْلَا إمْكَانُ حُصُولِ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْخُسُوفِ مَا كَانَ ذَلِكَ تَخْوِيفًا، قَالَ تَعَالَى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: (59)].
وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَا يُزِيلُ الْخَوْفَ: أَمَرَ بِالصَّلَاةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ حَتَّى يَكْشِفَ مَا بِالنَّاسِ، وَصَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْكُسُوفِ صَلَاةً طَوِيلَةً.
وَقَدْ رُوِيَ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَنْوَاعٌ، لَكِنَّ الَّذِي اسْتَفَاضَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَهُوَ الَّذِي اسْتَحَبَّهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ «أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ، يَقْرَأُ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلًا دُونَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ قِرَاءَةً طَوِيلَةً دُونَ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يَرْكَعُ رُكُوعًا دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ» وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا.
وَالْمَقْصُودُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ وَقْتَ الْكُسُوفِ إلَى أَنْ يَتَجَلَّى. فَإِنْ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ التَّجَلِّي ذَكَرَ اللَّهَ وَدَعَاهُ إلَى أَنْ يَتَجَلَّى، وَالْكُسُوفُ يَطُولُ زَمَانُهُ تَارَةً، وَيَقْصُرُ أُخْرَى، بِحَسَبِ مَا يُكْسَفُ مِنْهَا، فَقَدْ يُكْسَفُ كُلَّهَا، وَقَدْ يُكْسَفُ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا، فَإِذَا عَظُمَ الْكُسُوفُ طَوَّلَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَقْرَأَ بِالْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ، وَبَعْدَ الرُّكُوعِ الثَّانِي يَقْرَأُ بِدُونِ ذَلِكَ.
وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَا ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ، مِثْلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَإِلَى الصَّلَاةِ». وَفِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُهَا اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ».
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ».
وَفِي رِوَايَةٍ لِعَائِشَةَ «فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ مَا بِكُمْ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ وَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسَ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَاسَهُ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا هُوَ أَدْنَى مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ».
وَقَدْ جَاءَ إطَالَتُهُ لِلسُّجُودِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ، وَكَذَلِكَ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ، لَكِنْ رُوِيَ فِي الْقِرَاءَةِ الْمُخَافَتَةُ، وَالْجَهْرُ أَصَحُّ، وَأَمَّا تَطْوِيلُ السُّجُودِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ الْحَدِيثُ، لَكِنْ فِي كُلِّ حَدِيثٍ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي الْآخَرِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ.
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4) / (427)
نقَل الإجماعَ على أنَّ صلاةَ الكُسوفِ لا أذانَ لها ولا إقامةَ
قال ابنُ بطَّال: (فيه «أي: حديث ابن عمر»: أنَّ صلاة الكسوفِ لا أذانَ لها ولا إقامة، وإنَّما يُنادَى لها بـ (الصَّلاة جامعة) عند باب المسجد، وكذلك سائرُ الصلوات المسنونات لا أذانَ لها ولا إقامة، وإنُما ينادى لها: الصَّلاة جامعة عند باب المسجد، ولا خِلافَ في ذلِك بين العُلماء) ((شرح صحيح البخاري)) (3/ 34).
قال ابنُ عبد البَر: (أجمَع العلماء على أنَّ صلاة الكسوف ليس فيها أذانٌ ولا إقامةٌ، إلَّا أنَّ الشافعيَّ قال: لو نادَى منادٍ لصلاة؛ ليخرج الناس إلى المسجد، لم يكن بذلك بأس) ((الاستذكار)) (2/ 414
قال النوويُّ: (لا يُشرَع الأذان ولا الإقامة لغير الخَمْس، بلا خلاف، سواء كانت منذورةً، أو جنازةً، أو سُنَّةً، وسواء سُنَّ لها الجماعةُ كالعِيدين والكسوفين والاستسقاء، أم لا كالضُّحى) ((المجموع)) (3/ 77