تحضير سنن أبي داود 2139
جمع أحمد بن علي وسلطان الحمادي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
_______
سنن أبي داود
بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا
2139 – حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»
[حكم الألباني]: صحيح
———–
قال الكوسج:
[900 – ] قلت: الشرط في النكاح أن لها كذا وكذا إذا أخرجها من دارها ونحو ذلك؟
قال: لها شرطها.1
1 إذا شرط لها إذا أخرجها من دارها أن لها كذا وكذا فإن هذا الشرط صحيح يلزم الوفاء به، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج”.
متفق عليه، ويأتي تخريجه في آخر المسألة.
ولعمومات الوفاء بالعقود والعهود، ولأن الشارع حرم مال الغير إلا عن تراض منه، ولا شك أن المرأة إذا لم ترض ببذل فرجها إلا بهذا الشرط فلها ذلك، لأن شأن الفرج أعظم من المال، فإذا حرم المال إلا بالتراضي فالفرج أولى.
ولما روي أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر رضي الله عنه، فقال: لها شرطها. فقال الرجل: إذا يطلقننا، فقال عمر رضي الله عنه: “مقاطع الحقوق عند الشروط”.
ويأتي تخريجه في آخر المسألة.
ولأنه شرط لها فيه نفع ومقصوده لا ينافي مقصود النكاح، فصح كالزيادة في المهر، فإن لم يفِ به فلها فسخ النكاح لأنه شرط لازم في عقد، فثبت حق الفسخ بفواته كشرط الرهن في البيع.
وعن الإمام أحمد رواية أنه لا يلزم الوفاء بهذا الشرط لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل”.
أخرجه: البخاري: 3/ 29.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: “المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرّم حلالاً”.
[] أخرجه الترمذي: 3/ 625 – 626 وقال: حديث حسن صحيح
قال إسحاق:1 كما قال سواء، لقول2 عمر رضي الله عنه: “مقاطع الحقوق عند الشروط”.
ولقول3 النبي صلى الله عليه وسلم: “أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به
_________
1 انظر: عن قول الإمام إسحاق: سنن الترمذي: 3/ 425، الإشراف: 4/ 72.
2 تقدم نص قول عمر هذا في أول التعليق على قول الإمام أحمد في هذه المسألة.
أما تخريجه فقد علقه البخاري في باب الشروط في النكاح: 6/ 138. وأخرجه ابن أبي شيبة في [] مصنفه: 4/ 199، والبيهقي في سننه: 7/ 249، وسعيد بن منصور في سننه: 1/ 211 – 212.
3 هذا الحديث أخرجه: البخاري في النكاح، باب الشروط في النكاح: 6/ 138.
ومسلم في النكاح، باب الوفاء بالشروط، حديث رقم: 1418 ج 2/ 1035.
وأبو داود تحت باب في الرجل يشترط لها دارها: 2/ 604.
والترمذي في النكاح، باب الشرط عند عقد النكاح: 3/ 424.
والنسائي في النكاح، باب الشروط في النكاح: 6/ 92.
وابن ماجة في النكاح، باب الشروط في النكاح: 1/ 628.
والإمام أحمد في المسند: 4/ 144، 150، 152
[مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 4/ 1528]
قال ابن قدامة:
1141 – مسألة؛ قال: (وَإذَا تَزَوَّجَها، وشَرَطَ لَهَا أنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أو بَلَدِهَا (1)، فَلَهَا شَرْطُهَا؛ لِمَا رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ: “أحَقُّ مَا أَوْفَيْتُم بِهِ مِنَ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُم بِهِ الفُرُوجَ”. وإن تزَوَّجَها، وشَرَطَ لَهَا أنْ لَا يتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَلَهَا فِرَاقُهُ إذَا (2) تَزَوَّجَ عَلَيْهَا)
وجملةُ ذلك أَنَّ الشروطَ فى النِّكاحِ تنْقَسِمُ أقْساما ثلاثةً؛ أحدها، ما يَلْزَمُ الوفاءُ به، وهو ما يَعُودُ إليها نَفْعُه وفائِدَتُه، مثل أن يَشْتَرِطَ لها أن لا يُخْرِجَها من دارِها أو بَلَدِها، أو لا يُسافِرَ بها، أو لا يتَزَوَّجَ عليها، ولا يتَسَرَّى عليها، فهذا يَلْزَمُه الوفاءُ لها به، فإن لم يَفْعَلْ فلها فَسْخُ النكاحِ. يُرْوَى هذا عن عمرَ بن الخطابِ، وسعدِ بن أبى وَقّاصٍ، ومعاويةَ، وعمرِو بن العاصِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. وبه قال شُرَيْحٌ، وعمرُ بن عبد العزيزِ، وجابرُ بن زيدٍ، وطاوُسٌ، والأوْزاعىُّ، وإسحاقُ.
وأبْطَلَ هذه الشروطَ الزُّهْرِىُّ، وقَتَادَةُ، وهشامُ بن عُرْوَةَ، ومالكٌ، واللَّيْثُ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وابنُ الْمُنْذِرِ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. قال أبو حنيفةَ، والشافعىُّ: ويَفْسُدُ المَهْرُ دون العَقْدِ، ولها مَهْرُ المِثْلِ. واحْتَجُّوا بقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فى كِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ” (3). وهذا ليس فى كِتابِ اللَّه؛ لأنَّ الشَّرْعَ لا يَقْتَضِيه. وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: “المُسْلِمونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطًا أحَلَّ حَرَامًا، أو حَرَّمَ حَلَالًا” (4). وهذا يُحَرِّمُ الحَلالَ، وهو التَّزْويجُ والتَّسَرِّى والسَّفَرُ، ولأنَّ هذا شَرْطٌ ليس من مَصْلحةِ العَقْدِ ولا مُقْتَضاه، ولم يُبْنَ على التَّغْلِيبِ والسِّرَايةِ، فكان فاسِدًا، كما لو شَرَطَتْ أن لا تُسَلِّمَ نَفْسَها.
ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أحَقَّ ما وَفَّيْتُمْ (5) بِهِ مِنَ الشُّرُوطِ (6) مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ”. روَاه سعيدٌ (7). وفى لَفْظٍ (8): “إنَّ أحَقَّ الشَّرُوطِ أنْ تُوفُوا بِهَا، مَا اسْتَحْلَلْتُم بِهِ الفُرُوجَ”. مُتَّفَقٌ عليه (9). وأيضا قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: “المُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ”. ولأنَّه قولُ مَنْ سَمَّيْنا من الصَّحابةِ، ولا نعلمُ لهم مُخالِفًا فى عَصْرِهم، فكان إجماعًا.
ورَوَى الأثْرَمُ بإسْنادِه، أَنَّ رَجُلًا تزَوَّجَ امرأةً، وشَرَطَ لها دارَها، ثم أراد نَقْلَها، فخاصَمُوه إلى عمرَ، فقال: لها شَرْطُها. فقال الرجلُ: إذًا تُطَلِّقِينَا. فقال عمرُ: مَقَاطِعُ الحُقُوقِ عندَ الشُّرُوطِ (10). ولأنَّه شَرْطٌ لها فيه مَنْفعةٌ ومَقْصُودٌ لا يَمْنَعُ المَقْصُودَ من النِّكاحِ، فكان لازِمًا، كما لو شَرَطَتْ عليه زِيادةً فى المَهْرِ أو غيرَ نَقْدِ البَلَدِ. وقولُه عليه السلام: “كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فى كِتَابِ اللَّه، فَهُوَ باطِلٌ”. أى ليس فى حُكْمِ اللَّه وشَرْعِه، [وهذا مَشْرُوعٌ] (11)، وقد ذكرْنا ما دَلَّ على مَشْرُوعِيَّتِه، على أَنَّ الخِلافَ فى مَشْرُوعيَّتِه وعلى مَنْ نَفَى ذلك الدليلُ. وقولُهم: إنَّ هذا يُحَرِّمُ الحَلَالَ. قُلْنا: لا يُحَرِّمُ حلالًا، وإنما يُثْبِتُ للمَرْأةِ خِيارَ الفَسْخِ إن لم يَفِ لها به. وقولُهم: ليس من مَصْلَحَتِه. قُلْنا: لا نُسَلِّمُ ذلك؛ فإنَّه من مصلحةِ المرأةِ، وما كان من مصلحةِ العاقدِ كان من مصلحةِ عَقْدِه، كاشْتِراطِ الرَّهْنِ والضَّمِين فى البَيْعِ، ثم يَبْطُلُ بالزِّيادةِ على مَهْرِ المِثْلِ، وشَرْطِ غيرِ نَقْدِ البَلَدِ. إذا ثَبَتَ أنَّه شَرْطٌ لازمٌ فلم يَفِ لها به، فلها الفَسْخُ؛ ولهذا قال الذى قَضَى عليه عمرُ بلُزُومِ الشَّرْطِ: إذًا تُطَلِّقِينَا. فلم يَلْتَفِتْ عمرُ إلى ذلك، وقال: مقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ. ولأنَّه شَرْطٌ لازمٌ فى عَقْدٍ، فيَثْبُتُ (12) حَقُّ الفَسْخِ بتَرْكِ الوَفاءِ به، كالرَّهْنِ والضَّمِينِ فى البَيْعِ.
[المغني لابن قدامة 9/ 483]
قال ابن تيمية:
ويجوز أحمد أيضا في النكاح عامة الشروط التي للمشترط فيها غرض صحيح؛ لما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن أحق الشروط أن توفوا به: ما استحللتم به الفروج} ومن قال بهذا الحديث قال: إنه يقتضي أن الشروط في النكاح أوكد منها في البيع والإجارة. وهذا مخالف لقول من يصحح الشروط في البيع دون النكاح. فيجوز أحمد أن تستثني المرأة ما يملكه الزوج بالإطلاق فتشترط أن لا تسافر معه ولا تنتقل من دارها، وتزيد على ما يملكه بالإطلاق فتشترط أن تكون مخلية به فلا يتزوج عليها ولا يتسرى. ويجوز – على الرواية المنصوصة عنه المصححة عند طائفة من أصحابه – أن يشترط كل واحد من الزوجين في الآخر صفة مقصودة كاليسار والجمال ونحو ذلك ويملك الفسخ بفواته. وهو من أشد الناس قولا بفسخ النكاح وانفساخه فيجوز فسخه بالعيب كما لو تزوج عليها وقد شرطت عليه أن لا يتزوج عليها وبالتدليس كما لو ظنها حرة فظهرت أمة وبالخلف في الصفة على الصحيح كما لو شرط الزوج أن له مالا فظهر بخلاف ما ذكر. وينفسخ عنده بالشروط الفاسدة المنافية لمقصوده كالتوقيت واشتراط الطلاق.
[مجموع الفتاوى 29/ 135]
قال ابن حجر:
قوله: (ما استحللتم به الفروج)؛ أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح؛ لأن أمره أحوط، وبابه أضيق. وقال الخطابي: الشروط في النكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث. ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال طلاق أختها، وسيأتي حكمه في الباب الذي يليه.
ومنها ما اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله. وعند الشافعية الشروط في النكاح على ضربين: منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به، وما يكون خارجا عنه فيختلف الحكم فيه …..
وقال الترمذي بعد تخريجه: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة منهم عمر قال: إذا تزوج الرجل المرأة، وشرط أن لا يخرجها لزم، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، كذا قال، والنقل في هذا عن الشافعي غريب، بل الحديث عندهم محمول على الشروط التي لا تنافي مقتضى النكاح بل تكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراطه العشرة بالمعروف، والإنفاق، والكسوة، والسكنى وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها، وكشرطه عليها ألا تخرج إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك، وأما شرط ينافي مقتضى النكاح، كأن لا يقسم لها، أو لا يتسرى عليها، أو لا ينفق أو نحو
ذلك فلا يجب الوفاء به؛ بل إن وقع في صلب العقد كفى، وصح النكاح بمهر المثل، وفي وجه يجب المسمى ولا أثر للشرط، وفي قول للشافعي يبطل النكاح.
وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشرط مطلقا. وقد استشكل ابن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح قال: تلك الأمور لا تؤثر الشروط في إيجابها، فلا تشتد الحاجة إلى تعليق الحكم باشتراطها، وسياق الحديث يقتضي خلاف ذلك؛ لأن لفظ: أحق الشروط يقتضي أن يكون بعض الشروط يقتضي الوفاء بها وبعضها أشد اقتضاء، والشروط هي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء بها. قال الترمذي: وقال علي: سبق شرط الله شرطها، قال: وهو قول الثوري وبعض أهل الكوفة، والمراد في الحديث الشروط الجائزة لا المنهي عنها اهـ.
وقد اختلف عن عمر، فروى ابن وهب بإسناد جيد، عن عبيد بن السباق: أن رجلا تزوج امرأة فشرط لها أن لا يخرجها من دارها، فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط، وقال: المرأة مع زوجها قال أبو عبيد: تضادت الروايات عن عمر في هذا، وقد قال بالقول الأول عمرو بن العاص، ومن التابعين طاوس، وأبو الشعثاء، وهو قول الأوزاعي، وقال الليث، والثوري والجمهور بقول علي حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت بخمسين على أن لا يخرجها فله إخراجها، ولا يلزمه إلا المسمى، وقالت الحنفية: لها أن ترجع عليه بما نقصته له من الصداق. وقال الشافعي: يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه مهر المثل، وعنه يصح وتستحق الكل.
وقال أبو عبيد: والذي نأخذ به أنا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن يحكم عليه بذلك. قال: وقد أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك الشرط فكذلك هذا ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب ما سيأتي في حديث عائشة في قصة بريرة: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، والوطء والإسكان وغيرهما من حقوق الزوج إذا شرط عليه إسقاط شيء منها كان شرطا ليس في كتاب الله فيبطل، وقد تقدم في البيوع الإشارة إلى حديث: المسلمون عند شروطهم، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، وحديث: المسلمون عند شرطهم ما وافق الحق، وأخرج الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت: إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا لا يصلح، وقد ترجم المحب الطبري على هذا الحديث استحباب تقدمة شيء من المهر قبل الدخول، وفي انتزاعه من الحديث المذكور غموض، والله أعلم
[فتح الباري لابن حجر 9/ 217 ط السلفية]
قال ابن رسلان:
(أن توفوا به) قال الفارابي: يقال: أوفيته حقه، ووفيته إياه بالتثقيل (4). قال الشافعي وأكثر العلماء: هذا محمول على الشروط المباحة في النكاح، وهو ما لا ينافي مقتضى النكاح، بل يكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط المعاشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها، ووصية أن لا يقصر في شيء من حقوقها ويقسم لها كغيرها، وأنها لا تخرج من بيته إلا بإذنه ولا تنشز عليه، ولا تصوم تطوعًا بغير إذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك، فأما شرط يخالف مقتضى العقد كشرط أن لا يقسم أو لا يتسرى عليها ولا ينفق عليها أو لا يسافر بها، وأن يفرق بينها وبين ولدها الذي من غيره، وما أشبه ذلك، فلا يجب الوفاء به، بل النكاح صحيح والشرط باطل؛ لأنه لم يستحل به شيء من الفروج، ولقوله عليه السلام: “كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط” (1). وقال أحمد: يجب الوفاء بالشرط مطلقًا لحديث الباب: “أحق ما أوفيتم بالشروط” (2) (ما استحللتم) أي: ما حل فهو مما جاء فيه استفعل بمعنى فعل المجرد عن الزوائد كاسترجع بمعنى رجع، واستحيى بمعنى حيي (به) والمعنى: إن أحق الشروط بالوفاء شروط حل لكم بها وطء (الفروج) لأن الأبضاع أمرها أحوط وبابها ضيق
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 9/ 462]
قال ابن عثيمين في تفسير سورة المائدة:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)} [المائدة: 1]
الفائدة السابعة: وجوب الوفاء بالشروط المشترطة في العقد، فإذا عقد رجلان بينهما عقد بيع أو غيره واشترطا شروطًا فالأصل وجوب الوفاء بالشروط، وذلك لأن قوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} يشمل الوفاء بالعقد نفسه وبأوصافه التي هي شروطه؛ لأن الشروط في العقد في الحقيقة أوصاف للعقد، والأمر بالوفاء بالعقد أمر بالوفاء به وبما يتضمنه من الأوصاف.
فإذا اشترط المتعاقدان شرطًا وحصل نزاع في هذا الشرط فالصواب أن هذا الشرط يصح حتى يقيم المانع دليلًا على المنع،
مثال: امرأة اشترطت إن جاز لها المقام مع أهله وإلا فلها الفسخ؛ لأنها سمعت أن أمه شريرة طويلة اللسان سريعة الغضب، فقالت: سأقع في مشاكل فالشرط صحيح، فإذا جاز لها المقام عند أهله وإلا فلها الفسخ، ولكن ينبغي في مثل هذه الحال أن يُجعل الباب مفتوحًا، فتقول: لها الفسخ أو المطالبة بأن تسكن في مكان وحدها.
مثال آخر: رجل باع أمَةً واشترط على المشتري أن يطأها سنة حتى يتزوج، هذا شرط باطل؛ لأنه ليس في كتاب الله، وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، بل في القرآن ما يدل على تحريم ذلك قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون: 5 – 7]، وأيضًا لأن هذه الأمة خرجت عن ملكه.
مثال آخر: رجل باع أمَةً واشترط أن تخدمه سنة، أي: باعها واستثنى منفعتها يصح، ويدل له حديث جابر لما باع جمله للنبي صلى الله عليه وسلم واستثنى حملانه.
ويدخل في الوفاء بالشروط شروط النكاح بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به من الفروج” فإذا اشترطت المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها صح الشرط ويجب الوفاء به، وإذا اشترطت الزوجة أن يطلق زوجته التي معه لا يصح الشرط
والفرق ظاهر: لأن الثاني فيه عدوان على الزوجة الأولى، والأول لا عدوان فيه، بل الزوج امتنع عما أباح الله له باختياره ورضاه، ولكن لو أراد الزوج أن يتزوج وتزوج، فالزوجة لها الخيار إن شاءت بقيت وإن شاءت فسخت، ولا مهر للزوج؛ لأنه هو الذي أخل بالشرط، فنقول له: تزوج، ولا نحجر عليه إذا لم يفِ بالشرط، إن اضطرته الحاجة لذلك وإلا فإن ذمته لا تبرأ وهو للإثم أقرب؛ لأن المرأة مكرهة على الفسخ وقد غرر بها، وهي ربما تبقى وهي مكرهة.
تنبيه:
إذا استثنى الواعد، أي: قال إن شاء الله ولم يفِ بالوعد فالظاهر أنه لا شيء عليه؛ لأن صاحبه الذي سمعه يقول: إن شاء الله يعرف أنه لم يُردِ الوفاء التام، إلا إذا فهم المخاطب من قوله: إن شاء الله، التحقيق كان يكون أشار إليه بيده أثناء وعده له فيجب عليه الوفاء بالوعد حينئذٍ؛ لأن الوعد عقد أو معاقدة بين الواعد والموعود
[تفسير العثيمين: المائدة 1/ 12]
بَابُ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ وَقَالَ عُمَرُ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ وَقَالَ الْمِسْوَرُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ قَالَ حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي
صحيح البخاري – ط السلطانية (7) / (20) — البخاري (ت (256))
كتاب النكاح صلى الله عليه وسلم باب الشروط في النكاح
(680) – حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي رَجُلٍ شَرَطَ لِامْرَأَةٍ دَارَهَا، فَقَالَ: «لَا يُخْرِجُهَا إِلَّا أَنْ تَشَاءَ لِأَنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ الشُّرُوطُ» وَكَانَ مَكْحُولٌ يَرَاهُ
سنن سعيد بن منصور – الفرائض إلى الجهاد – ت الأعظمي (1) / (216) — سعيد بن منصور (ت (227))