تحضير سنن أبي داود 2133.2134. 2135. 2136. 2137.2138
جمع أحمد بن علي وسلطان الحمادي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
_______
بَابٌ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ
2133 – حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ»
[حكم الألباني]: صحيح
2134 – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي، فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي، فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا أَمْلِكُ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِي الْقَلْبَ
[حكم الألباني]: ضعيف يعني القلب
2135 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ، مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا» وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ: حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، قَالَتْ: نَقُولُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي أَشْبَاهِهَا أُرَاهُ قَالَ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء: 128]
[حكم الألباني]: حسن صحيح
2136 – حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُنَا إِذَا كَانَ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَمَا نَزَلَتْ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] قَالَتْ مَعَاذَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: «مَا كُنْتِ تَقُولِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟» قَالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسِي
[حكم الألباني]: صحيح
2137 – حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَى النِّسَاءِ، – تَعْنِي فِي مَرَضِهِ – فَاجْتَمَعْنَ، فَقَالَ: «إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدُورَ بَيْنَكُنَّ، فَإِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ تَاذَنَّ لِي فَأَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَعَلْتُنَّ فَأَذِنَّ لَهُ»
[حكم الألباني]: صحيح
2138 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا، وَلَيْلَتَهَا غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ»
[حكم الألباني]: صحيح
قال الخطابي:
في هذا دلالة على توكيد وجوب القسم بين الضرائر الحرائر وإنما المكروه من الميل هو ميل العشرة الذي يكون معه بخس الحق دون ميل القلوب فإن القلوب لا تملك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القسم بين نسائه ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تواخذني فيما لا أملك، وفي هذا نزل قوله تعالى {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولوحرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} [النساء: 129].
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حَدَّثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غيرأن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة.
قال الشيخ فيه إثبات القرعة وفيه أن القسم قد يكون بالنهار كما يكون بالليل وفيه أن الهبة قد تجري في حقوق عشرة الزوجية كما تجري في حقوق الأموال.
واتفق أكثر أهل العلم على أن المرأة التي تخرج بها في السفر لا يحسب عليها بتلك المدة للبواقي ولا تقاص بما فاتهن في أيام الغيبة إذا كان خروجها بقرعة.
وزعم بعض أهل العلم أن عليه أن يوفي للبواقي ما فاتهن أيام غيبته حتى يساوينها في الحظ. والقول الأول أولى لاجتماع عامة أهل العلم عليه، ولأنها إنما أرفقت بزيادة الحظ بما يلحقها من مشقة السفر وتعب السير والقواعد خليات من ذلك فلو سوى بينها وبينهن لكان في ذلك العدول عن الانصاف والله أعلم
[معالم السنن 3/ 218]
قال ابن قدامة:
1223 – مسألة؛ قال أبو القاسم: (وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِىَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِى القَسْمِ)
لا نعلمُ بينَ أهلِ العلمِ فى وُجوبِ التَّسوية بين الزَّوْجاتِ فى القَسْمِ خلافًا، وقد قال اللَّهُ تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1). وليس مع المَيْلِ مَعْروفٌ. وقال اللَّهُ تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} (2). ولَيس أبو هُرَيْرةَ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ”. وعن عائشةَ، قالت: كان رسولُ اللَّهِ يقْسِمُ بيْنَنا فيَعْدِلُ، ثمَّ يقول: “اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِىِ فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِى فِيمَا لَا أَمْلِكُ”. روَاهما أبو داود (3). إذا ثبت هذا، فإنَّه إذا كان عندَه نِسْوَةٌ، لم يجُز له (4) أن يبْتَدِئَ بواحدةٍ منهنُّ إِلَّا بقُرْعةٍ؛ لأنَّ البِدايةَ (5) بها، تفضِيلٌ لها؛ والتَّسويةُ واجبةٌ، ولأنَّهنَّ مُتَساوياتٌ فى الحقِّ، ولا يُمْكِنُ الجَمْعُ بينهنَّ، فوحبَ المَصِيرُ إلى القُرْعةِ، كما لو أرادَ السَّفرَ بإحْدَاهنّ. فإنْ كانتا اثْنَتيْنِ، كَفاه قرعةٌ واحدةٌ، ويصيرُ فى (6) اللَّيلةِ الثَّانيةِ إلى الثَّانيةِ بغيرِ قُرْعةٍ؛ لأنَّ حقَّها مُتعَيِّنٌ. وإن كنَّ ثلاثًا، أقْرَعَ فى اللَّيلةِ الثَّانيةِ للبدَايةِ بإحْدَى الباقيتَيْنِ. وإن كُنَّ أربعًا أقْرَعَ فى اللَّيلةِ الثَّالثةِ، ويصيرُ فى اللَّيلةِ الرَّابعةِ إلى الرَّابعةِ بغيرِ قُرعةٍ. ولو أقرعَ فى اللَّيلةِ الأُولى، فجعلَ سهمًا للأُولَى، وسهمًا للثَّانيةِ، وسهمًا للثَّالثةِ، وسهمًا للرَّابعةِ، ثمَّ أخرجَها عليهنَّ مَرَّةً واحدةً، جازَ، وكان لكلِّ واحدةٍ ما خرجَ لها.
فصل: ويقْسِمُ المريضُ والْمَجْبوبُ (7) والعِنِّينُ والخُنْثَى (8) والخَصِىُّ، وبذلك قال الثَّوْرِىُّ، والشَّافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأى؛ لأنَّ القَسْمَ للأُنْسِ، وذلك حاصِلٌ مِمَّنْ لا يطَأُ. وقد روَت عائشةُ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لمَّا كان فى مَرَضِه، جعل يدُورُ فى نسائِه، ويقولُ: “أَيْنَ أنَا غَدًا؟ [أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ “] (9). روَاه البُخارىُّ (10). فإنْ شقَّ عليه ذلك، اسْتَأْذَنَهنَّ فى الكَوْنِ عندَ إحْداهُنَّ، كما فعل النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم، قالت عائشةُ: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعَثَ إلى النِّساء فاجتمَعْنَ، قال: “إنِّى لَا أسْتَطِيعُ أَنْ أَدُوْرَ بَيْنَكُنَّ، فَإِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ تَاذَنَّ لِى، فَأَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَعَلْتُنَّ”. فَأَذِنَّ لَهُ. روَاه أبو داودَ (11). فإنْ لم يأذَنَّ له، أقامَ عندَ إحْداهنَّ بالقُرْعةِ، أو اعْتزَلهنَّ جميعًا إنْ أحبَّ. فإن كان الزَّوجُ مَجْنونًا لا يُخافُ منه، طافَ به الوَلِىُّ عليهنَّ، وإن كان يُخافُ منه، فلا قَسْمَ عليه؛ لأنَّه لا يحْصُلُ منه أُنسٌ ولا فائدةٌ. وإِنْ لم يعْدِلِ الوَلِىُّ فى القَسْمِ بينهنَّ، ثمَّ أفاقَ المَجْنونُ، فعليه أن يقْضِىَ للمَظْلومةِ؛ لأنَّه حَقٌّ ثبتَ فى ذمَّتِه، فلَزِمَه إيفاؤُه حالَ الإِفاقةِ، كالمالِ.
فصل: ويُقْسَمُ للمَريضةِ، والرَّتْقاءِ، والحائضِ، والنُّفَساءِ، والمُحْرِمة والصَّغِيرةِ (12) المُمْكِنِ وَطْؤُها، وكلُّهنَّ سَواءٌ فى القَسْمِ. وبذلك قال مالكٌ، والشَّافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْى، ولا نعلمُ عن غيرِهم خلافَهم. وكذلك التى ظاهرَ منها؛ لأنَّ القَصْدَ الإِيوَاءُ والسَّكَنُ والأُنْسُ، وهو حاصلٌ لَهُنَّ، وأمَّا المَجْنُونةُ، فإن كانتْ لا يُخافُ منها، فهى كالصَّحِيحةِ، وإِنْ خافَ منها، فلا قَسْمَ لها؛ لأنَّه لا يَامَنُها على نفسِه، ولا يَحْصُلُ لها أُنسٌ ولا بها.
فصل: ويجبُ قَسْمُ الابتداءِ، ومَعْناه أَنَّه إذا كانت له امرأةٌ، لَزِمَه المَبيتُ عندَها ليلةً مِن كلِّ أربعِ ليالٍ، ما لم يكُنْ عُذْرٌ، وإن كان له نِسَاءٌ فلكلِّ واحدةٍ منهن لَيْلَةٌ مِن كلِّ أربع. وبه قال الثَّوْرِىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال القاضى، فى “المُجَرَّدِ”: لا يجبُ قسمُ الابتداءِ، إلَّا أن يَترُكَ الوَطْءَ مُصِرًّا، فإنْ ترَكَه غيرَ مُصِرٍّ لم يلزمْه قَسْمٌ، ولا وَطْءٌ (13)؛ لأنَّ أحمدَ قال: إذا وصلَ الرَّجلُ إلى امرأتِه مَرَّةً، بَطَلَ أن يكونَ عِنِّينًا. أى لا يُؤَجَّلُ. وقال الشَّافعىُّ: لا يجبُ قَسْمُ الابْتداءِ بحالٍ؛ لأنَّ القَسْمَ لحقِّه، فلم يجبْ عليه. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، لعبدِ اللَّهِ بن عمرِو بنِ العاصِ: “يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُوْمُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ ” قلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ. قال: “فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا”. مُتَّفَقٌ عليه (14). فأخْبَرَ أَنَّ للمرأةِ عليه حقًّا. وقد اشْتَهَرَتْ قصةُ كعبِ بنِ سُورٍ (15)، وروَاها (16) عمرُ بن شَبَّةَ (17) فى كتابِ “قُضَاةِ البصرةِ” مِن وُجُوهٍ (18)؛ إحداهنَّ عن الشَّعْبِىِّ، أَنَّ كعبَ بنَ سُورٍ كان جالسًا عندَ عمرَ بنِ الخطَّابِ، فجاءتِ امرأةٌ، فقالتْ: يا أميرَ المؤمنيْن، ما رأيتُ رجلًا قَطُّ أفْضَلَ مِن زوجى، واللَّهِ إنَّه لَيبِيتُ ليله قائمًا، ويظَلُّ نهارَه صائمًا. فاسْتَغْفَرَ لها، وأثنَى عليها.
واسْتَحْيَتِ المرأةُ، وقامتْ راجعةً، فقال كعبٌ: يا أميرَ المؤمنين، هلَّا أعْدَيتَ المرأةَ على زَوْجِها؟ [فقال: وما ذاك؟ فقال: إنَّها جاءتْ تَشْكُوهُ، إذا كانت حالُه هذه فى العبادةِ، متى يتفَرَّغُ لها؟ فبعَث عمرُ إلى زَوْجِها] (19)، فجاء، فقال لكعبٍ: اقْضِ بينهما، فإنَّك فهِمْتَ مِن أمرِهما ما لم أفْهَمْ. قال: فإنِّى أرَى كأنَّها امرأةٌ عليها ثلاثُ نِسْوَةٍ، هى رابعتُهنَّ، فأقْضِى له بثلاثةِ أيامٍ ولياليهِنَّ يتعبَّدُ فيهنَّ، ولها يومٌ وليلةٌ. فقال عمر: واللَّهُ ما رأيُك الأوَّلُ بأعجبَ إلىَّ مِن الآخِرِ، اذْهَبْ فأنتَ قاضٍ على أهلِ البصرةِ. وفى رواية، فقال عمر: نعْمَ القاضى أنتَ (20). وهذه قضيَّةٌ اشْتهرتْ (21) فلم تُنكرْ، فكانت إجماعًا. ولأنَّه لو لم يكُنْ حَقًّا، لم تسْتَحِقَّ فسخَ النِّكاحِ لتَعذُّرِه بالجَبِّ والعُنَّة، وامْتناعِه بالإِيلاءِ. ولأنَّه لو لم يكُنْ حقًّا للمرأةِ، لمَلكَ الزَّوجُ تخْصِيصَ إحْدَى زَوْجتَيْه به، كالزِّيادةِ فى النَّفقةِ على قدْرِ الواجبِ.
إذا ثبتَ هذا، فقال أصحابنا: حقُّ المرأةِ لَيْلَةٌ من كلِّ أربعٍ، وللأمَةِ لَيْلَةٌ من كلِّ سَبْعٍ؛ لأنَّ أكثرَ ما يُمْكِنُ أن يَجْمَعَ معها ثلاثَ حَرائرَ، ولها السابعةُ، والذى يَقْوَى عندى، أَنَّ لها ليلةً من ثمانٍ، لتكونَ على النِّصفِ ممَّا للحُرَّةِ، فإنَّ حقَّ الحُرَّةِ من كلِّ ثمانٍ ليلتانِ، ليس لها أكثرُ من ذلك، فلو كان للأمَةِ لَيْلَةٌ من سَبْعٍ، لَزادَ على النِّصفِ، ولم يكُنْ للحُرَّةِ لَيْلتانِ وللأمَةِ لَيْلَةٌ، ولأنَّه إذا كان تحتَه ثلاثُ حرائرَ وأمَةٌ، فلم يُرِدْ أن يَزِيدهنَّ على الواجبِ لهنَّ، فقَسَمَ بيهن سَبْعًا، فماذا يصْنعُ فى الليلةِ الثامِنة؟ إنْ أوجبنا عليه مَبِيتَها عند حُرَّةٍ، فغد زادَها على ما يجبُ لها، وإن باتَها عندَ الأمةِ جعَلها كالحُرَّةِ، ولا سبيلَ إليه، وعلى ما اخْتَرْتُه (22) تكونُ هذه الليلةُ الثامنةُ له، إن أحبَّ انفردَ فيها، وإِنْ أحبَّ باتَ عندَ الأُولَى مُسْتأنِفًا للقَسْمِ. وإن كان عندَه (23) حُرَّةٌ وأمَةٌ، قسَمَ لهنَّ ثلاثَ ليالٍ من ثمانٍ، وله الانْفِرادُ فى خمسٍ. وإن كان تحتَه حُرَّتانِ وأمَةٌ، فلهنَّ خمسٌ وله ثلاثٌ. وإن كان حُرَّتانِ وأُمتَانِ، فلهنَّ سِتٌّ وله اثنتانِ (24). وإن كانت أمَةً واحدةً، فلها لَيْلَةٌ وله سبعٌ، وعلى قولِهم لها لَيْلَةٌ وله سِتٌّ
[المغني لابن قدامة 10/ 235]
قال ابن حجر:
ووقع في رواية مسلم من طريق عقبة بن خالد، عن هشام: لما أن كبرت سودة وهبت، وله نحوه من رواية جرير، عن هشام، وأخرج أبو داود هذا الحديث وزاد فيه بيان سببه أوضح من رواية مسلم، فروى عن أحمد بن يونس، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة بالسند المذكور: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم الحديث، وفيه: ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يومي لعائشة، فقبل ذلك منها، ففيها وأشباهها نزلت: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا} الآية، وتابعه ابن سعد، عن الواقدي، عن ابن أبي الزناد في وصله، ورواه سعيد بن منصور، عن ابن أبي الزناد مرسلا لم يذكر فيه عن عائشة، وعند الترمذي من حديث ابن عباس موصولا نحوه، وكذا قال عبد الرزاق، عن معمر بمعنى ذلك، فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت، وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم، ابن أبي بزة مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها فقعدت له على طريقه فقالت: والذي بعثك بالحق ما لي في الرجال حاجة، ولكن أحب أن
أبعث مع نسائك يوم القيامة، فأنشدك بالذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها علي؟ قال: لا. قالت: فأنشدك لما راجعتني، فراجعها. قالت: فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة) في رواية جرير، عن هشام عند مسلم: فكان يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة
[فتح الباري لابن حجر 9/ 313 ط السلفية]
قال ابن عثيمين:
فَصْلٌ
وَعَلَيْهِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي القَسْمِ، لَا فِي الوَطْءِ.
قوله: «وعليه أن يساوي بين زوجاته في القسم».
«وعليه» الضمير يعود على الزوج، فعليه أن يساوي بين زوجاته في القسم، سواء كن اثنتين، أم ثلاثاً، أم أربعاً، ودليل ذلك من القرآن، والسنة، والنظر، أما القرآن فقال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وليس من المعروف أن يقسم لهذه ليلتين، ولتلك ليلة واحدة، فالجور في هذا ظاهر، وأما من السنة فقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل»، والعياذ بالله، وهذا دليل على تحريم الميل إلى إحداهما، وأما من النظر، فكل منهما زوجة وقد تساوتا في الحق على هذا الرجل، فوجب أن تتساويا في القسم، كالأولاد يجب العدل بينهم في العطية.
وقوله: «بين زوجاته في القسم» ظاهر كلامه سواءٌ كن حرَّات أم إماء؛ لأنه لم يستثنِ، لكن قال بعض العلماء ـ وهو المذهب ـ: إن للحرة مع الأمة ليلتين وللأمة ليلة؛ لأنها على النصف، وفي هذا نظر، والصواب أنه يجب العدل في القسم حتى بين الحرة والأمة.
قوله: «لا في الوطء» فلا يجب أن يساوي بينهن في الوطء لأن الوطء له دوافع من أعظمها المحبة، والمحبة أمرٌ لا يملكه المرء، فقد يكون إذا أتى إلى هذه الزوجة أحب أن يتصل بها، وتلك لا يحب أن يتصل بها، فلا يلزمه أن يساوي بينهن في الوطء، وقد قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين زوجاته ويعدل ويقول: «هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك» وهذا حق؛ لأنه إذا كان لا يرغب إحداهما، فإنه لا يملك أن يجامعها إلا بمشقة، ثم إن تكلف الإنسان للجماع يلحقه الضرر.
وقال بعض العلماء: بل يجب عليه أن يساوي بينهن في الوطء إذا قدر، وهذا هو الصحيح والعلة تقتضيه؛ لأننا ما دمنا عللنا بأنه لا يجب العدل في الوطء بأن ذلك أمرٌ لا يمكنه العدل فيه، فإذا أمكنه زالت العلة، وبقي الحكم على العدل، وعلى هذا فلو قال إنسان: إنه رجل ليس قوي الشهوة إذا جامع واحدةً في ليلة لا يستطيع أن يجامع الليلة الثانية ـ مثلاً ـ أو يشق عليه ذلك، وقال سأجمع قوتي لهذه دون تلك، فهذا لا يجوز؛ وذلك لأن الإيثار هنا ظاهر، فهو يستطيع أن يعدل، فالمهم أن ما لا يمكنه القسم فيه فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وما يمكنه فإنه يجب عليه أن يقسم.
مسألة: هل يجب أن يعدل بين زوجاته في الهبة والعطية؟ يقول الفقهاء رحمهم الله: أما في النفقة الواجبة فواجب، وما عدا ذلك فليس بواجب؛ لأن الواجب هو الإنفاق، وقد قام به، وما عدا ذلك فإنه لا حرج عليه فيه، لكن هذا القول ضعيف.
والصواب أنه يجب أن يعدل بين زوجاته في كل شيء يقدر عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل»
[الشرح الممتع على زاد المستقنع 12/ 427]
قال العباد:
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) قال أبو داود: يعني القلب].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين النساء فيعدل بينهن ويقول: [(اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)].
وقوله: [قال أبو داود: يعني القلب] يعني: ما يكون في القلب من زيادة المودة لإحدى الزوجات على غيرها من الزوجات، فإن هذا لا يملكه إلا الله عز وجل، وهذا وإن كان موجوداً في قلوب الرجال إلا أن الواجب عليهم مع ذلك العدل، وأن يحذروا من أن يقعوا في الميل الذي يؤدي إلى بخس الحقوق وإلى الجور وعدم القسط والعدل.
والحديث أورده أبو داود بهذا الإسناد وهو إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، والشيخ الألباني رحمه الله جود إسناده في التعليق على المشكاة، وفي الإرواء ضعفه وقال: إنه من رواية حماد بن سلمة، وقد جاء من رواية حماد بن زيد وإسماعيل بن علية من طريق مرسلة، قال: وهذان مقدمان على حماد بن سلمة.
فيكون الحديث مرسلاً.
لكن القاعدة أنه إذا تعارض الوصل والإرسال وكان من وصل ثقةً، فإن الوصل زيادة من الثقة وهي مقبولة.
فالذي يظهر صحة الحديث وثبوته، ولا يؤثر كون بعض الرواة أرسلوه؛ لأنه ما دام قد جاء من طريق صحيحة مستقيمة مسنداً ومتصلاً فإنه يعتبر صحيحاً، وعلى القاعدة المشهورة عند المحدثين أنه إذا تعارض الوصل والإرسال فإن الوصل من الثقة مقدم؛ لأن مع الواصل زيادة ليست مع المرسل، وتكون مقبولة، وهي زيادة من ثقة.
وقد ذكر الحافظ في البلوغ أن ابن حبان والحاكم صححاه، وذكر أن الترمذي صحح إرساله، والحديث مستقيم لا إشكال فيه ولا خفاء في معناه.
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد – عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (يا ابن أختي! كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة رضي الله عنها حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا رسول الله! يومي لـ عائشة: فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها.
قالت: نقول: في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها -أراه قال- {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء:128]).
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لـ عروة بن الزبير يا ابن أختي.
وعروة بن الزبير بن العوام هو أخو عبد الله بن الزبير، وهي خالتهما.
قالت: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم)] أي: في القسم بين النساء في المبيت والمكث، كان يسوي بينهن، فالواحدة لها يومها وليلتها، وكان في اليوم الذي يكون عند واحدة يطوف على نسائه، فيدنو منهن ويتحدث إليهن من غير مسيس، أي: من غير أن يحصل جماع أو استمتاع، وإنما كان يؤنسهن ويدخل السرور عليهن ويتفقد أحوالهن، فكان نساؤه لا يفقدنه، بل يرينه في كل يوم، حتى يأتي إلى صاحبة النوبة فيستقر عندها ويعطيها ما تستحق في نوبتها صلى الله عليه وسلم.
فـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها بينت أنه كان يقسم بين نسائه، وأنه لم يكن يفضل بعضهن على بعض.
ولما أسنت سودة بنت زمعة رضي الله عنها -وكان النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل الهجرة بعدما ماتت خديجة وهاجرت معه- فلما أسنت وفرقت -أي: خشيت- أن النبي صلى الله عليه وسلم يفارقها، أرادت أن تبقى في عصمته وأن تظفر بهذا الشرف والفضل الذي هو كونها أماً للمؤمنين وزوجة من زوجات سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أهب نوبتي لـ عائشة.
فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن المرأة إذا تنازلت عن حقها في القسم لواحدة من الزوجات فإن ذلك يصح، ولكن بشرط أن يقبل الزوج، وليس معنى ذلك أنها تهب نوبتها لمن لا يرتضيها الزوج ولا يريد أن يكون لها ذلك الحق الذي هو المبيت عندها ليلتين، وإنما يكون ذلك بالاتفاق، فهي تهب وهو يقبل.
فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقسم لـ عائشة ليلتين.
فـ سودة بنت زمعة رضي الله عنها تنازلت عن حقها في مبيته عندها وقسمه صلى الله عليه وسلم، ولكنها بقيت في عصمته، وكان يؤنسها ويدخل عليها كما يدخل على سائر نسائه، ولكن الليلة التي تنازلت عنها لـ عائشة كان يعطيها لـ عائشة، فكان يقسم لـ عائشة ليلتين ولكل واحدة من زوجاته الباقيات ليلة واحدة صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قالت نقول: في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها -أراه قال- {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء:128]].
أي: أن هذه الآية نزلت في مثل هذه الحال، وهي قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [النساء:128].
والمقصود من ذلك أن المرأة إذا خافت النشوز من زوجها وأرادت أن تبقى في عصمته وأن لا يطلقها فإنه يمكن أن تتفق معه على أن تتنازل عن حقها لغيرها وأن تبقى في عصمته.
ومعلوم أن هذه مصلحة وفائدة قد تختارها المرأة وتقدمها على أن تكون مطلقة، أو تكون ذات أولاد ثم يطلقها فتتزوج وتتشتت وتبتعد عن أولادها، فتتنازل عن حقها وترضى بأن تبقى في عصمته ولا يكون لها نصيب في القسم، ولا بأس بذلك.
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين ومحمد بن عيسى المعنى، قالا: حدثنا عباد بن عباد عن عاصم عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا بعدما نزلت {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب:51] قالت معاذة: فقلت لها: ما كنت تقولين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذلك إلي لم أؤثر أحداً على نفسي)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه بعدما نزل قول الله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب:51] كان يستأذنهن إذا كان في يوم الواحدة منهن، فقالت لها معاذة: ما كنت تقولين إذا استأذنك؟ قالت: كنت أقول: (إن كان ذلك إلي لم أؤثر أحداً على نفسي)].
أي أنها لا تؤثر برسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً على نفسها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
ولم يكن القسم واجباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يقسم بينهن إحساناً منه وإكراماً لهن، والآية تدل على ذلك
شرح حديث استئذان النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه في مكثه عند عائشة في مرضه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار قال: حدثني أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى النساء -تعني في مرضه- فاجتمعن، فقال: إني لا أستطيع أن أدور بينكن، فإن رأيتن أن تأذنّ لي فأكون عند عائشة فعلتن.
فأذنَّ له)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصابه المرض ولم يتمكن من الطواف على نسائه في بيوتهن والقسم بينهن استأذنهن في أن يبقى في بيت عائشة فأذنَّ له بذلك صلى الله عليه وسلم.
وكان من حقه صلى الله عليه وسلم أن يكون عند من يريد، ولكن هذا من كرمه ومن حسن عشرته لنسائه وإحسانه إليهن وتطييب نفوسهن رضي الله عنهن وأرضاهن، فأذنَّ له، فكان في بيت عائشة حتى توفي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في بيتها
[شرح سنن أبي داود للعباد 245/ 18 بترقيم الشاملة آليا]
قال الإتيوبي:
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في وجوب القسم بين الزوجات على النبيّ صلى الله عليه وسلم:
قال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: وهل كان القسم منه صلى الله عليه وسلم على جهة الوجوب، كما هو على غيره بالاتفاق، أو هو مندوبٌ إلى ذلك، لكنّه أخذ نفسه بذلك، رغبةً في تحصيل الثواب، وتطييبًا لقلوبهنّ، وتحسينًا للعِشْرة على مقتضى خُلُقه الكريم، ولِيُقْتَدَى به في ذلك؟ قولان لأهل العلم، مستند القول بالوجوب التمسّك بعموم القاعدة الكليّة في وجوب العدل بينهنّ، وبقوله: “اللَّهمّ هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك، ولا أملك” -يعني الحبّ والبغض. ومُستند نفيه قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51]. ولم يُختَلف في حقّ غير النبيّ صلى الله عليه وسلم ممن له زوجات أن العدل واجبٌ عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “من كانت له امرأتان، فلم يعدل … ” الحديث. ولقوله تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} الآية [النساء: 129] انتهى
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن الأرجح قول من قال بعدم وجوب القسم عليه صلى الله عليه وسلم، لوضوح دلالة الآية المذكورة في ذلك، وإنما كان يَقسم من عنده إيثارًا لمكارم الأخلاق، وحسن العشرة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 28/ 183]
وقال أيضا:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان جواز هبة المرأة نوبتها لضَرّتها، قال النوويّ رحمه الله: فيه جواز هبتها نوبتها لضرّتها؛ لأنه حقها، لكن يشترط رضا الزوج بذلك؛ لأن له حقًّا في الواهبة، فلا يفوته إلا برضاه، ولا يجوز أن تأخذ على هذه الهبة عوضًا، ويجوز أن تَهَب للزوج، فيجعل الزوج نوبتها لمن شاء، وقيل: يلزمه توزيعها على الباقيات، ويجعل الواهبة كالمعدومة، والأول أصحّ، وللواهبة الرجوع متى شاءت، فترجع في المستقبل دون الماضي؛ لأن الهبات يُرجَع فيما لم يُقْبَض منها دون المقبوض. انتهى.
وقال في “الفتح”: قال العلماء: إذا وهبت يومها لضرتها قَسَم الزوج لها يوم ضرتها، فإن كان تاليًا ليومها فذاك، وإلا لم يُقَدِّمه عن رتبته في الْقَسْم إلا برضا من بقي، وقالوا: إذا وهبت المرأة يومها لضرتها، فإن قَبِل الزوج لم يكن للموهوبة أن تمتنع، وإن لم يَقْبَل لم يُكْرَه على ذلك، وإذا وهبت يومها لزوجها، ولم تتعرض للضرّة، فهل له أن يخص واحدة إن كان عنده أكثر من اثنتين، أو يوزعه بين من بقي؟ وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبّت، لكن فيما يُستقبَل، لا فيما مضى، وأطلق ابن بطال أنه لم يكن لسودة الرجوع في يومها الذي وهبته لعائشة رضي الله عنها. انتهى.
2 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله: فيه دليلٌ على أن الْقَسْم حقّ للزوجة ذات الضرائر، وأنه يجوز لا بذله لغيرها بعوض، وغير عوض إذا رَضِي الزوج، ويشهد لهذا كلّه قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} الآية [النساء: 128]، وفي هذه القصّة نزلت هذه الآية على ما قيل، لكن عند مالك لها الرجوع في مثل هذا إذا شاءت؛ لأنها حقوقٌ متجدّدة آنًا فآنًا، فلكل متجدّد حكمه، بخلاف الحقوق الثابتة، تلك التي لا يَرجِع في شيء منها من أسقطها، مثل ما يترتّب في الذمم، أو في الأبدان، وهذا أحد قَوْلَي مالك، وقيل: يلزم ذلك دائمًا. انتهى.
3 – (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، من حسن الخلق، وكمال العشرة، حيث نزل عند رغبة سودة رضي الله عنها لَمّا ناشدته أن يراجعها بعد ما طلّقها، فلم يخيّب رجاءها في ذلك – كما سبق في رواية أبي داود -.
4 – (ومنها): بيان فضيلة سودة رضي الله عنها، حيث أثنت عليها عائشة رضي الله عنها بهذا الثناء الجميل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 25/ 773]
مسائل:
وجوب العدل بين الزوجات
س (107): أنا رجل متزوج زوجتين ولم أقدر أعدل بينهما، وكثرت علي المشكلات، فما رأي فضيلتكم جزاكم الله خيرا، وهل علي ذنب إذا سرحت واحدة مع العلم أن لديها أطفالا؟ ((1)). ج: الواجب عليك العدل يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ((2))». وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين زوجاته ويعدل، ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ((3))». فالواجب عليك أن تعدل بينهما حسب الطاقة في القسم ليلا ونهارا، في النفقة، إذا كانتا مستويتين، أما إذا كانت واحدة عندها عيال، والأخرى ما عندها عيال، تعطي كل واحدة حسب حاجتها، أما المحبة والجماع فغير لازمة، وهذا من عند الله، لكن تعدل في القسم، هذه لها ليلة، وهذه لها ليلة، وكذلك النهار. أما كونك تحب هذه أكثر أو تجامع هذه أكثر لا يضرك. وننصحك أن لا تعجل في الطلاق إلا إذا طابت نفسك من إحداهما فطلقها، ولا تظلمها إلا إذا رضيت بحيفك، وعدم عدلك، إذا رضيت فقالت: أنا راضية تأتيني متى شئت، تفعل متى شئت إذا كانت راضية فلا بأس.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة – ابن باز (21) / (235) – (236)
فَصْلٌ فِى الْقَسْمِ: وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِىَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِى الْقَسْمِ.
ــ
تنبيهان؛ أحدُهما، مُرادُه بقَوْلِه: وعلى الرَّجُلِ أَنْ يُساوِىَ بينَ نِسائِه فى القَسْمِ. غيرَ الزَّوْجِ ((1)) الطِّفْلِ. وهو واضِحٌ. الثَّانِى، ظاهِرُ قوْلِه: وعلى الرَّجُلِ أَنْ يساوِىَ بين نِسَائِهِ فِى الْقَسْمِ. أنَّه لا يجِبُ عليه التَّسْويَةُ فى النَّفَقَةِ والكُسْوَةِ، إذا كَفَى الأُخْرَى. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ،: يجِبُ عليه التَّسْويَةُ فيهما أيضًا. وقال: لمَّا علَّلَ القاضى عدَمَ الوُجوبِ بقَوْلِه: لأَنَّ حقَهُّنَّ فى النَّفَقَةِ والكُسْوَةِ والقَسْمِ، وقد سوَّى بينَهما، وما زادَ على ذلك فهو مُتَطَوِّعٌ، فله أَنْ يفْعَلَه إلى مَن شاءَ وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ، إلَّا لِمَنْ مَعِيشتُهُ بِاللَّيْلِ، كَالْحَارِسِ.
وَلَيْسَ لَهُ الْبِدَايَةُ بِإِحْدَاهُنَّ وَلَا السَّفَرُ بِهَا إِلَّا بِقُرْعَةٍ،
فَإِذَا بَاتَ عِنْدَهَا بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، لَزِمَهُ الْمَبِيتُ عِنْدَ الثَّانِيَةِ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِى الْوَطْءِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ،
———-
الصَّحيحُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، منهم القاضى فى «الجامعِ». وقدَّمه فى «المُغْنِى»، و «الشَّرْحِ»، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»، و «الفُروعِ»، وغيرِهم. وقال القاضى، وغيرُه: له أَنْ يقْسِمَ ليْلتَيْن ليْلتَيْن، وثَلاثًا ثلاثًا، ولا تجوزُ الزِّيادةُ إلَّا برِضاهُنَّ؛ لأَنَّ الثَّلاثَ فى حدِّ القِلَّةِ، فهى كاللَّيْلَةِ، ولكِنَّ الأُوْلَى ليْلَةٌ وليْلَةٌ. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه». وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ»، و «البُلْغَةِ»، وأَطْلَقَهما الزَّرْكَشِىُّ.
تنبيه: قولُه: وليس له البداءَةُ بإحْداهُنَّ ولا السَّفَرُ بها إلَّا بقُرْعَةٍ. يُسْتَثْنَى مِن ذلك، إذا رَضِىَ الزَّوْجاتُ بسَفَرِ واحدةٍ معه، فإنَّه يجوزُ بلا قُرْعَةٍ، نعم إذا لم يَرْضَ الزَّوْج بها، وأرادَ غيرَها، أقْرَعَ.
قوله: وليس عليه التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فى الوَطْءِ، بل يُسْتَحَبُّ. وقد قال الإِمامُ أحمدُ، صلى الله عليه وسلم ، فى الجِماعِ: لا يَنْبَغِى أَنْ يَدَعَه عَمْدًا، يُبقِى نفْسَه لتلك.
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف جزء (21) ((430) – (434)) – ت التركي
الفتوى رقم ((20516))
س: أعرض لسماحتكم سؤال سائل يقول فيه: إن عنده زوجتين: إحداهما موظفة تتقاضى راتبا شهريا، وهو بيدها تتصرف فيه حيث تشاء، ولا تعطي زوجها منه شيئا، ونفقة البيت وتسديد الكهرباء وتسديد التلفون على الزوج، يقوم به وحده، ولا تساعده بشيء من راتبها سوى أنها تشري بعض الأوقات قماشا لتلبسه من راتبها، ويقوم الزوج بأجرة الخياطة، والمرأة الأخرى ليس لها راتب، ولا عمل سوى بيتها فقط، وقد تحصل على بعض النقود من بعض بناتها الموظفات، ولكنه لا يسد حاجتها ومطالبها وخروجها مع الناس، أما النفقة وتسديد الكهرباء وتسديد التلفون فهو على الزوج.
فهل إذا أعطى الزوج امرأته الثانية التي ليس لها راتب بعض النقود أو غيرها لسد حاجتها ومطالبها وخروجها مع الناس، فهليلزمه هنا العدل بين الزوجتين في العطية أم لا؟ وهل يلزمه كلما أعطى المرأة التي بدون وظيفة يعطي المرأة الموظفة؟
أفيدونا فيما ترونه حتى نتمكن من إفادته، وفقكم الله للخير والصلاح، والله يحفظكم.
ج: يجب على الزوج العدل بين زوجاته في النفقة والكسوة والمسكن والقسم والهدايا وغير ذلك من الأمور الظاهرة، ولا يجوز له أن يعطي واحدة ويمنع الأخرى إلا برضاها وعفوها عن حقها، ولا يلزم الزوجة أن تعطي زوجها شيئا من مالها، لكن لو بذلت له شيئا بطيب نفس منها إعانة لزوجها المحتاج على القيام بأعباء البيت والأولاد- فهو أمر حسن، وبه تحسن العشرة، وتقوى المودة، والزوجة مأجورة على ذلك مرتين: أجر الصدقة، وأجر الصلة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس
بكر بن عبد الله أبو زيد … عبد الله بن غديان … عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فتاوى اللجنة الدائمة – 1 — اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (معاصر)
التسوية بين الزوجات في القسم:
(8) – اتفق الفقهاء على أن القسم بين الزوجات واجب على الرجل وإن كان مريضا أو مجبوبا أو عنينا، لأن من مقاصد القسم الأنس، وهو حاصل ممن لا يطأ. فقد روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور على نسائه، ويقول: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟.
ويقسم للمريضة، والحائض، والنفساء، والرتقاء، والقرناء، والمحرمة، ومن آلى منها أو ظاهر، والشابة، والعجوز، والقديمة، والحديثة.
لقوله تعالى: {فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة} الآية.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعدل بين نسائه في القسم ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك أنت ولا أملك.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كان له امرأتان، فمال إلى إحداهما دون الأخرى، جاء يوم القيامة وشقه مائل.
ويسوي في القسم بين المسلمة والكتابية لما ذكرنا من الدلائل من غير فضل، ولأنهما يستويان في سبب وجوب القسم وهو النكاح، فيستويان في القسم.
وتفصيل القسم بين الزوجات في الحضر والسفر، وفي بدء القسم، وما يختص به العروس عند الدخول وغير ذلك، يرجع فيه إلى مصطلح (القسم بين الزوجات).
الموسوعة الفقهية الكويتية — مجموعة من المؤلفين
باب القسم بين الزوجات
وسئل – رحمه الله تعالى -:
عن رجل متزوج بامرأتين وإحداهما يحبها ويكسوها ويعطيها ويجتمع بها أكثر من صاحبتها؟
فأجاب:
الحمد لله، يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين؛ وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل}. فعليه أن يعدل في القسم. فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا بات عند الأخرى بقدر ذلك ولا يفضل إحداهما في القسم؛ لكن إن كان يحبها أكثر ويطؤها أكثر: فهذا لا حرج عليه فيه؛ وفيه أنزل الله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} أي: في الحب والجماع وفي السنن الأربعة عن عائشة قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ويعدل فيقول: هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك} يعني: القلب.
وأما العدل في «النفقة والكسوة» فهو السنة أيضا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة؛ كما كان يعدل في القسمة؛ مع تنازع الناس في القسم: هل كان واجبا عليه؟ أو مستحبا له؟ وتنازعوا في العدل في النفقة: هل هو واجب؟ أو مستحب؟ ووجوبه أقوى وأشبه بالكتابوالسنة. وهذا العدل مأمور له ما دامت زوجة؛ فإن أراد أن يطلق إحداهما فله ذلك فإن اصطلح هو والتي يريد طلاقها على أن تقيم عنده بلا قسم وهي راضية بذلك جاز؛ كما قال تعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} وفي الصحيح عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في المرأة تكون عند الرجل فتطول صحبتها فيريد طلاقها؛ فتقول: لا تطلقني وأمسكني وأنت في حل من يومي: فنزلت هذه الآية. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يطلق سودة فوهبت يومها لعائشة فأمسكها بلا قسمة} وكذلك رافع بن خديج جرى له نحو ذلك ويقال إن الآية أنزلت فيه.
وسئل – رحمه الله -:
عن رجل له امرأتان؛ ويفضل إحداهما على الأخرى في النفقة وسائر الحقوق حتى إنه هجرها: فما يجب عليه؟
فأجاب: يجب عليه أن يعدل بين المرأتين وليس له أن يفضل إحداهما في القسم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما أكثر من الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل}. وإن لم يعدل بينهما: فإما أن يمسك بمعروف؛ وإما أن يسرح بإحسان. والله أعلم.
وسئل – رحمه الله -:
عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر والشهرين لا يطؤها: فهل عليه إثم أم لا؟ وهل يطالب الزوج بذلك؟
فأجاب:
يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف؛ وهو من أوكد حقها عليه: أعظم من إطعامها. «والوطء الواجب» قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة. وقيل: بقدر حاجتها وقدرته؛ كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته. وهذا أصح القولين. والله أعلم
مجموع الفتاوى — ابن تيمية (ت (728))
قال السعدي:
يخبر تعالى أن الأزواج لا يستطيعون وليس في قُدرتهم العدل التامُّ بين النساء، وذلك لأن العدل يستلزم وجود المحبَّة على السَّواء، والداعي على السواء، والميل في القلب إليهنَّ على السواء، ثم العمل بمقتضى ذلك، وهذا متعذِّر غير ممكن؛ فلذلك عفا الله عمّا لا يستطاع ونهى عما هو ممكنٌ بقوله: {فلا تميلوا كلَّ الميل فتذروها كالمعلَّقة}؛ أي: لا تميلوا ميلاً كثيراً بحيث لا تؤدُّون حقوقَهن الواجبة، بل افعلوا ما هو باستطاعتكم من العدل؛ فالنفقة والكسوة والقَسْم ونحوها عليكم أن تعدِلوا بينهنَّ فيها؛ بخلاف الحبِّ والوطء ونحو ذلك؛ فإنَّ الزوجة إذا ترك زوجها ما يجب لها؛ صارت كالمعلقة التي لا زوج لها فتستريح وتستعدُّ للتزوج، ولا ذات زوج يقوم بحقوقها. {وإن تُصْلِحوا} ما بينكم وبين زوجاتِكم بإجبار أنفسكم على فعل ما لا تهواه النفس احتساباً وقياماً بحقِّ الزوجة، وتصلحوا أيضاً فيما بينكم وبين الناس، وتصلحوا أيضاً بين الناس فيما تنازعوا فيه، وهذا يستلزم الحثَّ على كلِّ طريق يوصل إلى الصُّلح مطلقاً كما تقدم. {وتَتَّقوا}: الله بفعل المأمور وترك المحظور والصَّبر على المقدور، {فإنَّ الله كان غفوراً رحيماً}: يَغْفِرُ ما صَدَرَ منكم من الذُّنوب والتقصير في الحقِّ الواجب، ويرحمكم كما عطفتم على أزواجكم ورحمتموهنَّ.
– تيسير الكريم الرحمن
قال ابن كثير:
{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ((129))}.
وقوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} أي: لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة، فلا بدّ من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع كما قاله ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد والحسن البصري والضحاك بن مزاحم [(1)].
وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبو زرعة، حَدَّثَنَا ابن أبي شيبة، حَدَّثَنَا حسين الجعفي، عن زائدة، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، قال: نزلت هذه الآية {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} في عائشة [(2)]. يعني: أن النَّبِيّ – صلى الله عليه وسلم – كان يحبها أكثر من غيرها، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن يزيد، عن عائشة قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: “اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك” يعني: القلب، هذا لفظ أبي داود، وهذا إسناد صحيح، لكن قال الترمذي: رواه حماد بن زيد وغير واحد عن أيوب، عن أبي قلابة مرسلًا، قال: وهذا أصح [(3)].
وقوله: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} أي: فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} أي: فتبقى هذه الأخرى معلقة.
قال ابن عَبَّاس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن والضحاك والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان: معناها: لا ذات زوج ولا مطلقة [(4)].
وقال أبو داود الطيالسي: أنبأنا همام، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط” [(5)]، وهكذا رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث همام بن يحيى، عن قتادة به. وقال الترمذي: إنما أسنده همام ورواه هشام الدستوائي، عن قتادة، قال: كان يقال: ولا يعرف هذا الحديث مرفوعًا إلا من حديث همام [(6)].
وقوله: {وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} أي: وإن أصلحتم في أموركم وقسمتم بالعدل فيما تملكون واتقيتم الله في جميع الأحوال غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض.
[
– تفسير القرآن العظيم
{وَإِنِ امرَأَةٌ خافَت مِن بَعلِها نُشوزًا أَو إِعراضًا فَلا جُناحَ عَلَيهِما أَن يُصلِحا بَينَهُما صُلحًا وَالصُّلحُ خَيرٌ وَأُحضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحسِنوا وَتَتَّقوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعمَلونَ خَبيرًا} [النساء: (128)]
تفسير السعدي:
أي: إذا خافت المرأة نشوزَ زوجِها؛ أي: ترفُّعه عنها وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها؛ فالأحسن في هذه الحالة أن يُصلحا بينهما صلحًا؛ بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللاَّزمة لزوجِها على وجهٍ تبقى مع زوجِها إمّا أن ترضى بأقلَّ من الواجب لها من النفقة أو الكسوة أو المسكن أو القَسْم؛ بأن تُسْقِطَ حقَّها منه أو تَهَبَ يومَها وليلتها لزوجها أو لضرَّتها؛ فإذا اتَّفقا على هذه الحالة؛ فلا جناح ولا بأس عليهما فيها، لا عليها ولا على الزوج، فيجوز حينئذٍ لزوجها البقاء معها على هذه الحال، وهي خير من الفرقة، ولهذا قال: {والصُّلْحُ خيرٌ}.