بيان الوسيلة في آيات القرآن الكريمة
قال تعالى
رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53).سورة آل عمران
التوسل بالإيمان واتباع الرسول ثم طلبوا أن يكونوا مع الشاهدين وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الألوسي:
{رَبَّنا آمَنّا بِما أنْزَلْتَ} عَرْضٌ لِحالِهِمْ عَلَيْهِ تَعالى بَعْدَ عَرْضِها عَلى رَسُولِهِ اِسْتِمْطارًا لِسَحائِبِ إجابَةِ دُعائِهِمُ الآتِي، وقِيلَ: مُبالَغَةٌ في إظْهارِ أمْرِهِمْ {واتَّبَعْنا الرَّسُولَ} أيِ اِمْتَثَلْنا ما أتى بِهِ مِنكَ إلَيْنا {فاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ} [53] أيْ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأُمَّتِهِ، لِأنَّهم يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِالتَّبْلِيغِ ومُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- يَشْهَدُ لَهم بِالصِّدْقِ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما ورَوى أبُو صالِحٍ عَنْهُ أنَّهم مَن آمَنَ مِنَ الأُمَمِ قَبْلَهُمْ، وقِيلَ: المُرادُ مِن {الشّاهِدِينَ} الأنْبِياءُ لِأنَّ كُلَّ نَبِيٍّ شاهِدٌ لِأُمَّتِهِ وعَلَيْها، وقالَ مُقاتِلٌ: هُمُ الصّادِقُونَ، وقالَ الزَّجّاجُ: هُمُ الشّاهِدُونَ لِلْأنْبِياءِ بِالتَّصْدِيقِ، وقِيلَ: أرادُوا مَعَ المُسْتَغْرِقِينَ في شُهُودِ جَلالِكَ بِحَيْثُ لا نُبالِي بِما يَصِلُ إلَيْنا مِنَ المَشاقِّ والآلامِ فَيَسْهُلُ عَلَيْنا الوَفاءُ بِما اِلْتَزَمْنا مِن نُصْرَةِ رَسُولِكَ، وقِيلَ: أرادُوا اُكْتُبْ ذِكْرَنا في زُمْرَةِ مَن شَهِدَ حَضْرَتَكَ مِنَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ كَقَوْلِهِ تَعالى: {إنَّ كِتابَ الأبْرارِ لَفي عِلِّيِّينَ} ولا يَخْفى ما في هَذا الأخِيرِ مِنَ التَّكَلُّفِ، والمَعْنى عَلى ما عَداهُ أدْخِلْنا في عِدادِ أُولَئِكَ، أوْ في عِدادِ أتْباعِهِمْ،
إنتهى من تفسير الآلوسي.
قال البقاعي:
{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران (53)]
ثُمَّ لَمّا خاطَبُوا الرَّسُولَ أدَبًا تَرَقَّوْا إلى المُرْسِلِ في خِطابِهِمْ إعْظامًا لِلْأمْرِ وزِيادَةً في التَّاكِيدِ فَقالُوا مُسْقِطِينَ لِأداةِ النِّداءِ اسْتِحْضارًا لِعَظَمَتِهِ بِالقُرْبِ لِمَزِيدِ القُدْرَةِ وتَرَجِّي مَنزِلَةِ أهْلِ الحُبِّ: {رَبَّنا آمَنّا بِما أنْزَلْتَ} أيْ عَلى ألْسِنَةِ رُسُلِكَ كُلِّهِمْ {واتَّبَعْنا الرَّسُولَ} الآتِيَ إلَيْنا بِذَلِكَ مُعْتَقِدِينَ رِسالَتَهُ مِنكَ وعُبُودِيَّتَهُ لَكَ {فاكْتُبْنا} لِتَقَبُّلِكَ شَهادَتَنا واعْتِدادِكَ بِها {مَعَ الشّاهِدِينَ} أيِ الَّذِينَ قَدَّمْتَ أنَّهم شَهِدُوا لَكَ بِالوَحْدانِيَّةِ مَعَ المَلائِكَةِ،
قال ابن عاشور:
وقَوْلُهُ رَبَّنا آمَنّا مِن كَلامِ الحَوارِيِّينَ بَقِيَّةُ قَوْلِهِمْ، وفَرَّعُوا عَلى ذَلِكَ الدُّعاءِ دُعاءً بِأنْ يَجْعَلَهُمُ اللَّهُ مَعَ الشّاهِدِينَ أيْ مَعَ الَّذِينَ شَهِدُوا لِرُسُلِ اللَّهِ بِالتَّبْلِيغِ، وبِالصِّدْقِ، وهَذا مُؤْذِنٌ بِأنَّهم تَلَقَّوْا مِن عِيسى – فِيما عَلَّمَهم إيّاهُ – فَضائِلَ مَن يَشْهَدُ لِلرُّسُلِ بِالصِّدْقِ. (التحرير والتنوير)
قال أبو السعود:
{رَبَّنا آمَنّا بِما أنْزَلْتَ} تَضَرُّعٌ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ و عَرْضٌ لِحالِهِمْ عَلَيْهِ تَعالى بَعْدَ عَرْضِها عَلى الرَّسُولِ مُبالَغَةً في إظْهارِ أمْرِهِمْ.
{واتَّبَعْنا الرَّسُولَ} أيْ: في كُلِّ ما يَاتِي و يَذَرُ مِن أُمُورِ الدِّينِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الِاتِّباعُ في النُّصْرَةِ دُخُولًَا أوَّلِيًَّا.
{فاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ} أيْ: مَعَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ بِوَحْدانِيَّتِكَ أوْ مَعَ الأنْبِياءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لِأتْباعِهِمْ أوْ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَإنَّهم شُهَداءُ عَلى النّاسِ قاطِبَةً، وهو حالٌ مِن مَفْعُولِ “اكْتُبْنا”. (إرشاد العقل السليم)
قال ابن عثيمين:
: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.
* من فوائد هذه الآية: فضيلة الحواريين في لجوئهم إلى الله عز وجل، حيث قالوا: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ}، فإنه بعد أن أشهدوا نبيهم لجؤوا إلى ربهم عز وجل.
* ومن فوائد الآية: التوسل إلى الله تعالى بربوبيته؛ لأن الربوبية تدور على ثلاثة أشياء وهي: الخلق والملك والتدبير، وإجابة الدعاء داخل في هذه الثلاثة؛ فلذلك كان كثيرًا ما يتوسل الدعاة -دعاة الله- بالربوبية كما جاء في الحديث الصحيح: «يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ» ((8)).
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب أن يكون الإيمان شاملًا لكل ما أنزل الله {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ}. (تفسير ابن عثيمين)