بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة الوصايا العشركما جاءت في سورة الأنعام.
الوصية الثانية:
{الإحسان للوالدين}
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
-مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
-جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{الوصية الثانية: الإحسان للوالدين}
قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
{البحث اللغوي}
قوله: {إحسانا} نصب على المصدرية، وناصبه فعل مضمر من لفظه تقديره: وأحسنوا إحسانا.
{المفردات}
إحساناً: من أحسن وهو أعم أعمال الخير، قال الراغب رحمه الله:
الإحسان فوق العدل، وذلك أن العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ماله، والإحسان أن يعطَي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له.
قال تعالِى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}
المعنى أن مما وصىّ الله به عباده الإحسان إلى الوالدين إحساناً تاماً، لا يدخرون فيه وسعاً، والأمر بالإحسان إلى الوالدين جاء في أكثر من آية منها قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}
وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}
قال العلماء: إن {أحسن} يتعدى {بالباء، وبإلي} فيقال: أحسن به، وأحسن إليه، والأول أبلغ ولذلك قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} ولم يقل وأحسن إلى الوالدين، فالإحسان بالوالدين وذي القربى أليق، لأن من أحسنت به هو من يتصل به برك وحسن معاملتَك ويلتصق به مباشرة على مقربة منك وعدم انفصال عنك.
أما من أحسنت إليه، فهو الذي تسدي إليه برك، ولو على بعد أو بالواسطة، إذ هو شيء يساق إليه سوقاً، وقالوا: إن هذه التعدية لم ترد إلا في تعبيرين في مقامين:
(1) -التعبير بالفعل حكاية عن يوسف عليه السلام وهو قوله لأبيه وإخوته: {هَذَا تَاوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}.
(2) -التعبير بالمصدر المفيد للتوكيد والمبالغة في مقام الإِحسان بالوالدين جاء ذلك في أربع سور البقرة والنساء وقد عطف فيهما ذوى القربى على الوالدين بالتبع قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى}
وفي النساء قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى}.
وفي الأنعام التي نحن بصدد الكلام عنها، وفي الأحقاف هذا لبيان اهتمام الكتاب العزيز بشأن الوالدين وإلا لولم يرد فيه إلا قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} دون توكيد لكفى في الدلالة على عظم عناية الشرع بأمر الوالدين بما تدلى عليه الصيغة والتعدية، فكيف وقد قرنه بعبادته، وجعله ثانيهما في الوصايا، وأكده في سورة الإسراء، كما قرن شكرهما بشكره في سورة لقمان والأمر بالإحسان إلى الوالدين عام يشمل الأبوين المسلمين، والكافرين إلا إن أمرا بمعصية فلا طاعة لهما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} الآية.
وقال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} الآية.
فالآيتان ظاهرتان في عدم طاعة الوالدين في معصية الله وهما آمرتان ببر الوالدين ولو كانا كافرين، يوضح هذا سبب نزول الآيات قال الواحدي رحمه الله تعالى:
قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وذاك أنه لما أسلم قالت له أمه حمنة: “يا سعد بلغن أنك صبوت، فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح، ولا آكل ولا أشرب، حتى تكفر بمحمد، وترجع إلى ما كنت عليه”.
وكان أحب ولدها إليها، فأبى سعد رضي الله عنه، وصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب، ولم تستظل بظل، حتى خشي عليها، فأتى سعد النبي?وشكا ذلك إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف، وساق الواحدي رحمه الله القصة بسنده …..
وجاء في رواية أن سعدا رضي الله عنه قال لأمه: “لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء، قال فمكثت يوماً وليلة لا تأكل، فأصبحت وقد اشتد جهدها، قال فلما رأيت ذلك قلت: تعلمي والله يا أمه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً، ما تركت ديني هذا لشيء، إن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت”.
[وقد فرقت السنة بين حق الأب والأم]
قال أبو هريرة رضي الله عنه: “جاء رجل إلى رسول الله? فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من: قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك”.
نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال قوله: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر.
قال: “وكأن ذلك لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} فسوى بينهما في الوصاية وخصَ الأم بالأمور الثلاثة”.
قال القرطبي: “المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر، وتقدم في ذلك على حق الحب عند المزاحمة”.
وقال القاضي عياض: “وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب، وقيل: يكون برهما سواء.
ونقله بعضهم عن مالك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال ابن سعدي رحمه الله: في تفسيره:
{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
ثم بدأ بآكد الحقوق بعد حقه فقال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} من الأقوال الكريمة الحسنة، والأفعال الجميلة المستحسنة، فكل قول وفعل يحصل به منفعة للوالدين أو سرور لهما، فإن ذلك من الإحسان، وإذا وجد الإحسان انتفى العقوق.
قال العلامة محمد الأمين الهرري الشافعي:
والثاني: ما ذكره بقوله: {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا}
أي: وأن تحسنوا بالوالدين إحسانا تاما كاملا لا تدخرون فيه وسعا، ولا تألون فيه جهدا، وهذا يستلزم ترك الإساءة وإن صغرت، فما بالك بالعقوق الذي هو من أكبر الكبائر وأعظم الآثام، وقد جاء في القرآن غير مرة قرن التوحيد والنهي عن الشرك بالأمر بالإحسان إلى الوالدين.
وكفى دلالة على عظم عناية الشارع بأمر الوالدين أن قرنه بعبادته، وجعله ثانيها في الوصايا، وأكده بما أكده به في سورة الإسراء، كما قرن شكرهما بشكره في سورة لقمان في قوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ} وما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله
?أي العمل أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟
قال: «الجهاد في سبيل الله».
[تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن.]
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
فجعل الله تعالى حق الوالدين بعد حقه ومن هما الوالدان؟
هما الأم والأب، وحق الأم آكد من حق الأب، ولهذا سُئِل الرسول -عليه الصلاة والسلام -: ” من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال النبي -?- أمك قال: ثم من؟
قال: أمك.
قال: ثم من؟
قال: أمك.
قال: ثم من؟
قال: أبوك” وذلك لأن الأم تعاني من الولد أشد مما يعاني الأب.
قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [سورة لقمان 14]
والإحسان إلى الوالدين يكون بالقول ويكون بالفعل ويكون بالمال.
الإحسان بالقول أن يقول لهما قولاً ليناً لطيفاً كريماً بحيث يناديهما مناداة إجلال وتعظيم حتى إن بعض العلماء قال: يُكره أن ينادي الإنسان أباه باسمه مثلاً إن كان أبوك اسمه محمد لا تقول: يا محمد قل: يا أبتي، إبراهيم -عليه السلام- يقول لأبيه وأبوه كافر يقول له: يا أبتِ لم تعبد، لأن هذا من باب الإكرام، حتى إذا بلغ الوالدان سناً كبيراً يحصل منه شيء من التعب فإن الله تعالى يقول: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) [سورة الإسراء، الآية: 23].
بعض الناس إذا كبر الوالد عنده أو الأم ملَّ منهما وصار ينهرهما وصار يقول لهما قولاً خشناً الله ينهى عن ذلك {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} معنى {أف} يعني أتضجر منكما {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} بالقول في الصراخ أو العتاب أو ما أشبه ذلك {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} ليناً لطيفاً تقرُّ به أعينهما.
هذا الإحسان بالقول إننا نرى بعض الناس يلين بقوله مع زوجته ولا يلين بقوله مع أمه، وهذا مشاهد، تجده مع الزوجة يلين لها ويخضع لها ولا ينهرها لكنه مع أمّه بالعكس بل مع أبيه إن تمكن وهذا خلاف ما أمر الله به. الإحسان بالفعل يكون بالخدمة والقيام بمصالحهما.
الخدمة البدنية إذا عجزا ساعدهما حتى عند المنام وعند القيام وعند الجلوس يجب على الإنسان أن يقوم ببر الوالدين عند العجز فيعينهما بكل ما يحتاجان إليه من عون.
الإحسان بالمال يجب أن يحسن إليهما بالمال بأن يبذل لهما كل ما يحتاجان إليه من نفقة، كسوة طعام، شراب، سكن إذا كان يقدر على هذا.
فصار الإحسان إلى الوالدين يتضمن ثلاثة أمور:
الإحسان بالقول،
الإحسان بالفعل،
والإحسان بالمال.
وبر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله قال ابن مسعود رضي الله عنه: سألت النبي -?-: “أي العمل أحب إلى الله؟
قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟
قال: بِرُّ الوالدين. قلت: ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله “.
واعلم أن البر بالوالدين، كما هو واجب فإن الله تعالى يثيب البار في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا نجد -حسب ما علمنا بالسماع والمشاهدة -، نجد أن الذي يبر والديه ييسر الله له أولاداً يبرونه وأن الذي لا يبر والديه يسلط عليه أولاده فيعقونه -والعياذ بالله- إذاً عرفنا الوصية الثانية الإحسان بالوالدين.
فما ضد الإحسان؟
ضده أمران، إساءة، وموقف سلبي بين الإحسان والإساءة.
أما المسيء: فلا شك في أنه ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب لأنه عاق، وأما السلبي الذي لا يبر ولا يسيء فقد ترك واجباً مما أوجب الله عليه وهو الإحسان إلى الوالدين.
قد يقول قائل: لماذا لم يذكر الله حق الرسول -?-، ومن المعلوم أن حق الرسول مُقدم على حق الوالدين بل مُقدم على النفس ولهذا يجب أن يكون رسول الله -?- أحب إليك حتى من نفسك وأبيك وأمك وابنك والناس أجمعين.
فإذا قال قائل: لماذا لم يذكر الله حق رسوله؟
فالجواب أن حق الله متضمن لحق الرسول -?- ولهذا جعل النبي -?- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، جعلهما ركناً واحداً من أركان الإسلام فقال: ” بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت” فيكون حق الرسول مقدماً على حق الوالدين، لأنه متضمن في حق الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سئل الشيخ: صالح الفوزان حفظه الله: عن حكم عقوق الوالدين وما السبيل للتوبة؟
فأجاب بقوله:
عقوق الوالدين كبيرة من كبائر الذنوب يأتي بعد الشرك بالله -عز وجل-لأن حق الوالدين يأتي بعد حق الله {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
فعقوقهما كبيرة من كبائر الذنوب فإن كانا حيين فإنه يستسمحهما ويتوب إلى الله ويبر بهما وإن كانا ميتين وقد عقّهُما فإنه يستغفر الله لهما ويدعوا الله لها ويتصدق عنهما لعل الله أن يخفف عنه ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{من صور بر الوالدين}
أورد القرطبي- رحمه الله- في تفسيره كلاما كثيرا مفاده:
(1) – أنّ الله أمر بعبادته وتوحيده، وجعل برّ الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره، فقال: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانا} ً (الإسراء/ 23)، وقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير} ُ (لقمان/ 14).
وقد أخبر رسول الله? أنّ برّ الوالدين أفضل الأعمال بعد الصّلاة الّتي هي أعظم دعائم الإسلام.
(2) – من البرّ بهما والإحسان إليهما ألّا يتعرّض لسبّهما ولا يعقّهما.
(3) – وعقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أنّ برّهما موافقتهما على أغراضهما.
وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المندوب.
(4) – أنّ برّ الوالدين متساو عند بعض الفقهاء الشّافعيّة، والمالكيّة، وبعض الفقهاء يرجّح الأمّ على الأب، وإلى هذا ذهب اللّيث بن سعد والمحاسبيّ في كتابه (الرّعاية).
(5) – لا يختصّ برّ الوالدين بأن يكونا مسلمين بل إن كانا كافرين يبرّهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد.
(6) – من الإحسان إليهما والبرّ بهما إذا لم يتعيّن الجهاد ألّا يجاهد إلّا بإذنهما.
(7) -ومن تمام البرّ صلة أهل ودّ الوالدين، وكان?يهدي لصدائق خديجة برّا بها، ووفاء لها وهي زوجته- رضي الله عنها- فما ظنّك بالوالدين؟
(8) – وخصّ ربّ العزّة حالة الكبر؛ لأنّها الحالة الّتي يحتاجان فيها إلى البرّ لتغيّر الحال عليهما بالضّعف والكبر، فألزم في هذه الحالة مراعاة أحوالهما أكثر ممّا ألزمها من قبل؛ لأنّهما في هذه الحالة قد صارا كلّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج إليه في صغره أن يليا منه، فلذلك خصّ هذه الحالة بالذّكر.
(9) – ومن برّهما والإحسان إليهما أن لا يقول لهما ما يكون فيه أدنى تبرّم، يقول الحقّ- تبارك وتعالى-: {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ} (الإسراء/ 23) وقوله: أفّ للأبوين أردأ شيء لأنّه رفضهما رفض كفر النّعمة، وجحد التّربية وردّ الوصيّة الإلهيّة.
(10) – أن يتلطّف معهما بقول ليّن لطيف، كريم، وأن يجعل نفسه مع أبويه في خير ذلّة، في أقواله، وسكناته ونظره، ولا يحدّ إليهما بصره؛ فإنّ تلك نظرة الغاضب. وهذا من برّ الوالدين.
(11) – ومن برّهما التّرحّم عليهما والدّعاء لهما، وأن ترحمهما كما رحماك، وترفق بهما كما رفقا بك، إذ ولياك صغيرا، جاهلا، محتاجا، فاثراك على أنفسهما وأسهرا ليلهما، وجاعا وأشبعاك، وتعرّيا وكسواك، فلا تجزهما إلّا ببرّهما وطاعتهما وحين يبلغان من الكبر الحدّ الّذي كنت فيه من الصّغر، فعليك أن تلي منهما ماوليا منك، ويكون لهما حينئذ فضل التّقدّم.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/ 155 – 161)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نظم حقوق الوالدين في القرآن وأنها ذكرت في سبع مواضع:
أَتَتْكَ حُقُوقُ الوَالِدَينِ وَصيَّةً
مِنَ الله في سَبْعِ المَواضِعِ فَاعْتَبِرْ
(نِسَاءٍ) وَ (أَنْعَامٍ) وَ (إسراءٍ) وَعنكبوت
وَ (لُقْمَانِ) (أَحْقَافٍ) وَسَابِعُهَا (بَقَرْ)
نظمه شيخ الحنابلة عبدالله بن عبدالعزيز العقيل رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من فوائد (بر الوالدين)
((1)) من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
((2)) من أفضل العبادات وأجلّ الطّاعات.
((3)) طريق موصّل إلى الجنّة.
((4)) الزّيادة في الأجل والنّماء في المال والنّسل.
((5)) رفع الذّكر في الاخرة وحسن السّيرة في النّاس.
((6)) من برّ آباءه برّه أبناؤه والجزاء من جنس العمل.
((7)) برّ الوالدين يفرّج الكرب.
((8)) من حفظ ودّ أبيه لا يطفأ الله نوره.