(بحث مجموع من أجوبة الإخوة وممن شارك الأخ أحمد بن علي، وعبدالرحمن المزروعي، وحمد الكعبي)
[جمعها الأخ؛ سيف الكعبي]
هل تجب الصلاة على المغمى عليه وتلزمه الصلاة إذا أفاق؟
1 – ذهب المالكية والشافعية، وهو قول عند الحنابلة، إلى أن المغمى عليه لا يلزمه قضاء الصلاة إلا أن يفيق في جزء من وقتها، مستدلين بأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: ليس من ذلك قضاء، إلا أن يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها.
2 – وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن أغمي عليه خمس صلوات قضاها، وإن زادت سقط فرض القضاء في الكل، لأن ذلك يدخل في التكرار فأسقط القضاء كالجنون.
ودفعا للحرج.
3–وذهب الحنابلة في المشهور عندهم إلى أن المغمى عليه يقضي جميع الصلوات التي كانت في حال إغمائه، مستدلين بما روي أن عمارا غشي عليه أياما لا يصلي، ثم استفاق بعد ثلاث، فقال (أي عمار): هل صليت؟ فقالوا: ما صليت منذ ثلاث، فقال: أعطوني وضوءا فتوضأ ثم صلى تلك الليلة. وروى أبو مجلز أن سمرة بن جندب قال: المغمى عليه يترك الصلاة يصلي مع كل صلاة صلاة مثلها قال: قال عمران: زعم، ولكن ليصلهن جميعا، وروى الأثرم هذين الحديثين في سننه وهذا فعل الصحابة وقولهم، ولا يعرف لهم مخالف فكان إجماعا. ولأن الإغماء لا يسقط فرض الصيام، ولا يؤثر في استحقاق الولاية على المغمى عليه فأشبه النوم.
وراجع الموسوعة الفقهية الكويتية
وينظر: المغني (1/ 240)، المجموع (3/ 8).
الراجح؛
روى ابن حزم وابن المنذر عن ابن عمر وأنس وطاوس والحسن البصري وابن سيرين، وعاصم بن بهدلة عدم القضاء، ونقل ابن المنذر عن عمار وعمران بن حصين؛ وسمرة بن جندب؛ القضاء وساق الأسانيد إليهم،
ورجح ابن حزم؛ أنه لا دليل على القضاء (المحلى 1/ 856 لكنه ذكر أن المروي عن عمار إنما هو إغماء أربع صلوات وليس ثلاثة أيام، قلت: وكذلك رواه البيهقي في سننه، وكذلك ابن أبي شيبة وعبدالرزاق في مصنفيهما؛ وسنده ضعيف
قلت: روى ابن المنذر بسندين؛ أغماء عمار ثلاثة أيام، وفيه مولاة لعمار، قال الالباني في حديث آخر من طريقها؛ مجهولة (الصحيحة 3216)، وفي السند الآخر إليها محمد بن الحسن المخزومي وهو ابن زباله، وورد عند أبي يعلى بسندين اليها؛ لكن ليس فيه تحديد مدة، وفي السند الأول ضعيف. وفي الثاني عبدالكريم بن أميه.
قال ابن عبدالبر كما في التمهيد: (وأصح ما في هذا الباب في المغمى عليه يفيق أنه لا قضاء عليه لما فاته وقته وبه قال: ابن شهاب وأبو ثور … وهذا القياس عندي، والأصول مختلفة في قضاء ما يجب من الأعمال في أوقات معينة إذا فاتت أوقاتها … ثم ذكر أدلة اختياره وقال: ولقول أحمد بن حنبل وجوه من القياس أيضا مع الإحتياط واتباع رجلين من الصحابه)
وبوب البيهقي؛ باب المغمى عليه يفيق بعد ذهاب الوقتين فلا يكون عليه قضاؤهما؛ وروى عن مالك عن نافع أن عبدالله بن عمر أغمي عليه فذهب عقله فلم يقض الصلاة قال وقال مالك: وذلك أن الوقت قد ذهب، وأما من أفاق وهو في وقت فإنه يصلي.
هكذا في رواية جماعة عن نافع، وفي رواية عبيدالله بن عمر عن نافع: يوم وليلة، وفي رواية أيوب عن نافع: ثلاثة أيام.
ونقل كذلك عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم – يعني من تابعي أهل المدينة يقولون: فذكر أحكاما، وفيها؛ المغمى عليه لا يقضي الصلاة إلا أن يفيق وهو في وقت صلاة فليصلها وهو يقضي الصوم، والذي يغمى عليه فيفيق قبل غروب الشمس يصلي الظهر والعصر وإن أفاق قبل طلوع الفجر صلى المغرب والعشاء، قالوا وكذلك تفعل الحائض.
وروي فيه حديث مسند، في إسناده ضعف. والله أعلم انتهى السنن الكبرى 1/ 570
قلت ثم ذكر حديث عائشه وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله
قال ابن قدامه في المغني؛ فأما حديثهم فباطل يرويه الحاكم بن سعد وقد نهى أحمد رحمه الله عن حديثه وضعفه ابن المبارك وقال البخاري: تركوه وفي إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف أيضا ولا يصح قياسه على المجنون لأن المجنون تتطاول مدته غالبا وقد رفع القلم عنه ولا يلزمه صيام ولا شيء من أحكام التكليف وتثبت الولاية عليه ولا يجوز على الأنبياء عليهم السلام والأغماء بخلافه وما لا يؤثر في اسقاط الخمس لا يؤثر في اسقاط الزائد عليها كالنوم.
قلت: بل ذكر ابن عبدالهادي؛ متعقبا لابن الجوزي في قوله أن الحكم؛ متروك (كلام الأئمة الذي ساقه ابن الجوزي؛ إنما هو في الحكم بن عبدالله البلخي أما راوي الحديث فهو الحكم بن عبد الله ابن سعد الايلي: قال أحمد: أحاديثه موضوعه، وكذبه ابوحاتم … ثم ساق كلام الأئمة
قال الشيخ ابن عثيمين: المغمى عليه؛ الصحيح أنه لا قضاء عليه، ولا يمكن أن يقاس الإغماء على النوم؛ لأن النائم يمكن أن يستيقظ إذا أوقظ، والمغمى عليه لا يمكن، فهو في حال بين الجنون وبين النوم، والأصل براءة الذمة، وعلى هذا فيكون من أغمي عليه لمرض أو حادث فإنه لا يقضي الصلوات قلّت أو كثرت، أما إذا أغمي عليه للبنج الذي استعمله باختياره ولكنه لم يصح بعد البنج إلا بعد يومين أو ثلاثة فعليه أن يعيد الصلاة؛ لأن هذا حصل باختياره ” انتهى من “اللقاء الشهري”. وينظر: الشرح الممتع (2/ 18).
وقال الشيخ ابن عثيمين في نور على الدرب؛ أن المغمى عليه لا يقاس على النائم في وجوب القضاء، ولكن الاحتياط والأولى أن يقضي إبراءً لذمته، ثم إن كان هذا واجباً عليه بمقتضى الشرع فقد أبرأ ذمته وإن لم يكن واجباً عليه فإن ذلك يكون تطوعاً يؤجر به عند الله.
نور على الدرب للعثيمين
وأفتى الشيخ ابن باز رحمه الله بمقتضى أثر عمار، وقال: إن كان الإغماء ثلاثة أيام أو أقل: قضى، وإن كان أكثر من ذلك لم يقض.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة؛
المغمى عليه بسبب التبنيج مثلا لعملية جراحية أو نحوها له حكم من أغمي عليه لعلة في بدنه لا يسقط عنهما قضاء الصلاة إذا استيقظا كالنائم، سواء استيقظا في وقتها، أو بعد خروج وقتها.
قال في “الإنصاف” (1/ 390): ” وأما إذا زال عقله بشرب دواء , يعني مباحا , فالصحيح من المذهب: وجوب الصلاة عليه. وعليه جماهير الأصحاب. وقيل: لا تجب عليه … وقال المصنف في المغني , ومن تبعه: من شرب دواء فزال عقله به: فإن كان زوالا لا يدوم كثيرا , فهو كالإغماء , وإن تطاول فهو كالمجنون ” انتهى.
قلت: القول بعدم القضاء أقوى؛ لكن القضاء أحوط كما قال ابن عثيمين.
مسألة: هل يقضي المجنون ما فاته من الصلوات إذا أفاق؟
جاء في “الموسوعة الفقهية” (11/ 110): ” لا تدارك لما فات من صلاة حال الجنون أو الإغماء عند المالكية والشافعية لعدم الأهلية وقت الوجوب ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ , وعن الصبي حتى يشب , وعن المعتوه حتى يعقل). وعند الحنفية: إن جن أو أغمي عليه خمس صلوات – أو ستا على قول محمد – قضاها , وإن جن أو أغمي عليه أكثر من ذلك فلا قضاء عليه نفيا للحرج … وفرق الحنابلة بين الجنون والإغماء , فلم يوجبوا القضاء على ما فات حال الجنون , وأوجبوه فيما فات حال الإغماء ; لأن الإغماء لا تطول مدته غالبا …
الراجح: لا قضاء على المجنون سواء قل زمن الجنون أو كثر – (المجموع) (2/ 6 – 7) وهو مذهب ابن حزم (2/ 233 – 234) واختاره شيخ الإسلام
قال ابن قدامه في المغني (2/ 50) و المجنون غير مكلف، ولا يلزمه قضاء ما ترك في حال جنونه؛ إلا أن يفيق في وقت الصلاة، فيصير كالصبي يبلغ، ولا نعلم في ذلك خلافا.
ثم استدل بحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يعقل … ) أنتهى، وهذا الحديث رجح النسائي والدارقطني أنه لا يصح مرفوعا.
والعمل على الحديث لعموم الأدلة الدالة على عدم تكليف المذكورين.