بحث للأخ حسين البلوشي، وشاركه نورس الهاشمي
قول أهل السنة والجماعة.
قول أهل السنة والجماعة هو أن القرآن كلام الله تكلم الله عز وجل به
وسمعه من الله جبريل عليه السلام ثم بلغه إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الطحاوي رحمه الله:
وإن القرآن الكريم كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولا وأنزله على رسوله وحيا وصدقه المؤمنون على ذلك حقا وأيقنوا أنه كلام الله بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر اهـ (راجع شرح الطحاوية:1/ 172)
والقرآن تكلم الله عز وجل به بمشيئته في أوقات معينه لا كما تقول أهل البدع أن الله تكلم به في الأزل فقط
ويدل على ما قلنا قوله تعالى
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}
فقوله تعالى قد سمع الله , دليل أن الله سمع ما حصل ثم تكلم لا أن الله عز وجل تكلم قبل حدوث المجادلة.
وهذا من أدلة أهل السنة والجماعة على حدوث أحاد كلام الله عز وجل.
ومثلها قول الله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)} فالله أخبر عن خروج نبيه صلى الله عليه وسلم أول النهار بلفظ الماضي قد غدوت، وهذا يدل على سبق التبوؤ للخبر يعني أن النبي خرج أول النهار وبوأ المؤمنين مقاعد للقتال ثم أنزل الله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} فالتبوؤ والخروج سابق لنزول الآية
· … أدلة أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة.
1 قوله تعالى: (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) من الآية (25/ 30)
قال الأشعري في الإبانة:
وأمر الله كلامه, فلما أمرهما بالقيام فقامتا لا يهويان؟ كان قيامهما بأمره اهـ
2 وقال عز و جل: (ألا له الخلق والأمر) الآية.
قال الإمام أحمد رحمه الله:
فأخبر تبارك وتعالى بالخلق ثم قال: {والأمر} فأخبر: أن الأمر غير الخلق (السنة لعبد الله:77)
قال الأشعري في الإبانة:
فالخلق جميع ما خلق داخل فيه لأن الكلام إذا كان لفظه عاما فحقيقته أنه عام ولا يجوز لنا أن نزيل الكلام عن حقيقته بغير حجة ولا برهان فلما قال (1/ 64): (ألا له الخلق) كان هذا في جميع الخلق ولما قال: (والأمر) ذكر أمرا غير جميع الخلق فدل ما وصفنا على أن أمر الله غير مخلوق اهـ.
ويدل على ما قررنا أن الخلق إنما يكون بالأمر، كما قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس/ 82.
فقوله تعالى: (كن) هو أمره، فلو كان مخلوقا لاحتاج خلقه إلى أمر، والأمر إلى أمر، إلى ما لا نهاية، وهذا باطل.
3 وقال سبحانه: (لله الأمر من قبل ومن بعد) الآية.
قال الأشعري رحمه الله:
يعني من قبل أن يخلق الخلق ومن بعد ذلك وهذا يوجب أن الأمر غير مخلوق اهـ.
4 قوله سبحانه: (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) الآية.
قال الأشعري رحمه الله في الإبانة:
فلو كان القرآن مخلوقا لوجب أن يكون مقولا له: (كن فيكون)
ولو كان الله عز و جل قائلا للقول: ” كن ” لكان للقول قولا وهذا يوجب أحد أمرين:
إما أن يؤول الأمر إلى أن قوله تعالى غير مخلوق
أو يكون كل قول واقع بقول لا إلى غاية وذلك محال وإذا استحال ذلك صح وثبت أن لله عز و جل قولا غير مخلوق. اهـ.
فأهل السنة والجماعة يقولون بأن الله خلق هذه المخلوقات الموجودة بكلامه.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقال: {بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أي: يأمر بالشيء أمرًا واحدًا، لا يحتاج إلى تكرار:
إذَا مَا أَرَادَ اللهُ أَمْرًا فَإِنَّمَا … يَقُولُ لَهُ “كُنْ” قَوْلَة فَيَكُونُ اهـ (تفسيره:6/ 582)
ولم يدخل الله كلامه في المخلوقات لأن كلامه صفة من صفاته وبه يخلق ما يشاء ولا يجوز أن تكون صفات الله مخلوقة.
5 قال تعالى: (الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ) الرحمن/ 1 – 3.
ففرَّق تعالى بين علمه وخلقه، فالقرآن علمه، والإنسان خلقه، وعلمه تعالى غير مخلوق.
قال تعالى: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة/ 120.
فسمى الله تعالى القرآن علمًا، إذ هو الذي جاءه من ربه؟ وهو الذي علمه الله تعالى إياه صلى الله عليه وسلم، وعلمه تعالى غير مخلوق، إذ لو كان مخلوقا لاتصف تعالى بضده قبل الخلق، تعالى الله عن ذلك وتنزه وتقدس.
وبهذا احتج الإمام أحمد رحمه الله، حيث قال في حكاية مناظرته للجهمية في مجلس المعتصم:
” قال لي عبد الرحمن القزاز: كان الله ولا قرآن. قلت له: فكان الله ولا علم! فأمسك، ولو زعم أن الله كان ولا علم لكفر بالله “. رواه حنبل في ” المحنة ” (ص: 45).
وقيل له رحمه الله:
قوم يقولون: إذا قال الرجل: كلام الله ليس بمخلوق، يقولون: من إمامك في هذا؟ ومن أين قلت: ليس بمخلوق؟
قال: ” الحجة قول الله تبارك وتعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم)، فما جاءه غير القرآن “.
وقال رحمه الله:
” القرآن علم من علم الله، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر” رواه ابن هانئ في ” المسائل ” (2/ 153، 154).
6 عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) رواه مسلم (2708).
ولو كانت كلماته مخلوقة لكانت الاستعاذة بها شركا؛ لأنها استعاذة بمخلوق، ومن المعلوم أن الاستعاذة بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته شرك، فكيف يصح أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أمته ما هو شرك ظاهر، وهو الذي جاءهم بالتوحيد الخالص!
فدل هذا على أن كلمات الله تعالى غير مخلوقة.
قال نعيم بن حماد: ” لا يستعاذ بالمخلوق، ولا بكلام العباد والجن والإنس والملائكة “.
وقال البخاري عقبه: ” وفي هذا دليل أن كلام الله غير مخلوق، وأن سواه خلق ” ينظر ” خلق أفعال العباد ” (ص: 143).
وقال العلامة العمراني في الانتصار:
ومن الدليل على ما قلناه أن يقال لهم: لو كان القرآن مخلوقا لم يخل إما أن تقولوا إنه خلقه في غير محل، أو خلقه في نفسه، أو خلقه في غيره. فبطل أن يكون خلقه في غير محل لأنه صفة والصفة لا تقوم بنفسها، وبطل أن يكون خلقه في نفسه إذ يستحيل أن تكون نفسه سبحانه محلا للمخلوقات. وبطل أن يكون خلقه في غيره إذ لو كان كذلك لوجب أن يشتق لذلك الجسم الذي خلق فيه الكلام اسم من أخص أوصاف الكلام اللازمة له لنفسه وأخص الكلام أنه كلام ذلك الجسم، ويكون ذلك الجسم هو القائل! (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني)! وإذا بطل ذلك كله ثبت أنه غير مخلوق، بل هو صفة لذات الله سبحانه اهـ.
ومما يدل على أن القرآن كلام الله
ما جاء عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ، فَيَقُولُ: «أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي» [رواه الإمام أحمد] برقم (15192)، [سنن ابن ماجه] برقم (201)، [الترمذي] برقم (2925)، [ابو داود] برقم (4734) [حكم الألباني] صحيح.
· … إجماع أهل السنة والجماعة.
وقال سفيان بن عيينة: “أدركت مشايخنا منذ سبعين سنة، منهم عمرو بن دينار يقولون: “القرآن كلام الله وليس بمخلوق”. (رواه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد ص117).
قَالَ مُحَمَّدٌهو المؤلف نفسه: وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ: أَنَّ اَلْقُرْآنَ كَلَامُ اَللَّهِ وَتَنْزِيلُهُ، لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَدَأَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ. (أصول السنة) لابن زمنين (ص 82)
قال أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله في اعتقاد أئمة الحديث:
اعلموا رحمنا الله وإياكم أن مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله تعالى، وصحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ……
ويقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، وإنما كيفما يصرف بقراءة القارئ له، وبلفظه، ومحفوظا في الصدور، متلوًا بالألسن، مكتوبًا في المصاحف، غير مخلوق، ومن قال بخلق اللفظ بالقرآن يريد به القرآن، فهو قد قال بخلق القرآن. اهـ.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله:
سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا:
أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ….
والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته. اهـ
قال العلامة الشيخ عبيد الجابري في شرحه:
فقولهم القرآن كلام الله، يعني حروفه ومعانيه سواءً تلي في المصاحف، سواءً
تُلي بالألسن أو كتب في الألواح أو دون في المصاحف لا يخرج عن كونه كلام
الله عزوجولهذا قال الإمامان من جميع جهاته، يعني تلاوةً وكتابةً وتدوينًا
في المصاحف، يعني كل التصرفات الجائزة في القرآن لا تخرجه عن كونه كلام
الله، وهذا الذي عليه أهل السنة، فتصبح المقالات غير هذا المعنى باطلة اهـ.
قال محمد بن سليمان لوين: القرآن كلام الله غير مخلوق ما رأيت أحدا يقول: القرآن مخلوق أعوذ بالله [السنة لعبد الله:94]
قال أبو معمر رحمه الله: أدركت الناس يقولون: القرآن كلام الله عز وجل وليس بمخلوق [السنة لعبد الله:96]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فإنه لما اشتهر عند الخاص والعام أن مذهب السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنهم أنكروا على الجهمية المعتزلة وغيرهم من الذين قالوا القرآن مخلوق حتى كفروهم اهـ. الفتاوى الكبرى 6/ 632.
حكى الإمام اللالكائي في كتابه السنة 1/ 216،234، إلى آخر الجزء الثاني الإجماع على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وذكر خمسمائة وخمسين من أسماء العلماء من شتى البلدان والأمصار القائلين بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وكذا حكى الإجماع على ذلك الإمام الصابوني في عقيدة أصحاب الحديث ص 7.
· … من أقوال السلف أن القرآن كلام الله لا كما تقوله طائفة من المبتدعة أنه عبارة عن كلام الله.
َقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: رَأَيْتُ ابْنَ إِدْرِيسَ قَائِمًا عِنْدَ كُتَّابٍ قُلْتُ: مَا تَفْعَلُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هُنَا؟ قَالَ: «أَسْمَعُ كَلَامَ رَبِّي مِنْ فِي هَذَا الْغُلَامِ». خلق أفعال العباد [ص 33].
· … أصل القول بخلق القرآن
قال ابن الأثير في ” الكامل ” (7/ 75):
“وفي سنة أربعين ومائتين توفى القاضي أبوعبدالله أحمد بن داود في المحرم بعد ابنه أبي الوليد بعشرين يوماً، وكان داعية إلى القول بخلق القرآن وغيره من مذاهب المعتزلة.
وأخذ ذلك عن بشر المريسي، وأخذه بشر من الجهم بن صفوان، وأخذه جهم من الجعد بن درهم، وأخذه الجعد من أبان بن سمعان، وأخذه أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم وختنه، وكان لبيد يقول بخلق القرآن”.
· … من الأدلة التي تدل على أن كلام الله بصوت وحرف.
1 … عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقول الله تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار) متفق عليه واللفظ للبخاري
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان)
وفي رواية لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه (إذا تكلم الله عز وجل سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان) وهو في تعظيم قدر الصلاة
قال عبدالله بن أحمد: سألت أبي رحمه الله عن قومٍ يقولون لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت، قال أبي: بلى، إن ربك عز وجل تكلم بصوت، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت، وقال أبي رحمه الله: حديث ابن مسعود رضي الله عنه (إذا تكلم الله عز وجل سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان) قال أبي: وهذا الجهمية تنكره (السنة:2/ 280) [1]
وقال البخاري رحمه الله تعالى: (وأن الله عز وجل ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، فليس هذا لغير الله عز وجل، وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق لأن صوت الله جل ذكره يسمع من بعد كما يسمع من قرب، وأن الملائكة يصعقون من صوته) اهـ. (خلق أفعال العباد:137)
2 قول الله لموسى (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى)
قال العلامة العمراني في الانتصار:
والدليل على إثبات الصوت قول الله لموسى (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى). والله سبحانه كلمه من وراء حجاب ولا ترجمان بينهما واستماع البشر في الحقيقة لا يقع إلا للصوت، ومن زعم أن غير الصوت يجوز في المعقول أن يسمعه من كان على هذه البنية يحتاج إلى دليل …….
وحد الصوت عندنا: هو ما يتحقق سماعه، فكل ما يتحقق سماعه صوت، ومالا يتأتى سماعه فليس بصوت. اهـ.
3 وروي أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال: ‘ يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلا بهما فيناديهم الله بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان ‘
أخرجه البخاري في صحيحه معلقا وهو في مسند الإمام أحمد: قال المحقق: إسناده حسن.
4 وأيضا مما يدل على أن الكلام يكون بصوت قول الله عز وجل: [وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله] وهذا يدل على أن الله عز وجل يخاطب عيسى ويسمع عيسى عليه السلام كلام ربه سبحانه وتعالى ويفهم ما يقول سبحانه وتعالى
5 من أدلة أهل السنة أيضا على ذلك أن الكلام لا يكون إلا بحرف وصوت، وأما ما في القلب فلا يسمى كلاما.
6 ألفاظ النداء الواردة في الكتاب والسنة؛ نحو: قوله تعالى: (يا إبراهيم أعرض عن هذا) هود: 76، وقوله تعالى: (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) النمل: 9، وقوله تعالى: (يا يحيي خذ الكتاب بقوة) مريم: 12
قال ابن تيمية رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) 6/ 351: ((وَالنِّدَاءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ صَوْتٌ رَفِيعٌ؛ لَا يُطْلَقُ النِّدَاءُ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَوْتِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا)).
7 التصريح بلفظ الصوت و الحرف , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ”
وأخرج أحمد في ((المسند))، (16042)، والبخاري في ((خلق أفعال العباد))، (40)، وفي ((صحيحه)) 9/ 141معلقا بصيغة الجزم،
والله سبحانه تكلم بالقرآن حروفه ومعانيه، وقد ورد إثبات الحروف للقرآن مرفوعاً، فقد روى الترمذي وصححه من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، قال أبو نصر السجزي رحمه الله تعالى: (فقول خصومنا إن أحداً لم يقل إن القرآن كلام الله حرف وصوت كذب وزور، بل السلف كلهم كانوا قائلين بذلك) اهـ. الرد على من أنكر الحرف والصوت) ص169.
وقال أبو محمد بن قدامة رحمه الله تعالى: (وأما إثبات حروف القرآن فإن القرآن هو هذا الكتاب العربي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو سور وآيات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، فمن أقر بهذا وعلمه فقد أقر بالحروف، فلا وجه لإنكاره ولمجمجته، ومن أنكر هذا ففي القرآن أكثر من مائة آية ترد عليه، فإجماع المسلمين يكذبه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه رضي الله عنهم ومن بعدهم يكفره إلى أن قامع أن لفظ الحروف قد نطق به النبي صلى الله عليه وسلم في أخباره، وجاء عن أصحابه كثيراً وعن من بعدهم، وأجمع الناس على عد حروف القرآن وآيه وكلماته، وأجمعوا على أن من جحد حرفاً متفقاً عليه فهو كافر، فما الجحد له بعد ذلك إلا العناد) تحريم النظر في كتب الكلام: ص 66.
وقال أيضاً رحمه الله تعالىعن الحروف: (ولم تزل هذه الأخبار، وهذه اللفظةيعني الحروفمتداولة منقولة بين الناس، لا ينكرها منكر، ولا يختلف فيها أحد، إلى أن جاء الأشعري فأنكرها، وخالف الخلق كلهم مسلمهم وكافرهم، ولا تأثير لقوله عند أهل الحق، ولا تترك الحقائق وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة لقول الأشعري إلا من سلبه الله التوفيق، وأعمى بصيرته، وأضله عن سواء السبيل ثم تكلم رحمه الله على إثبات الصوت والرد على الأشاعرة في ذلك) اهـ، حكاية المناظرة في القرآن) ص40.
ويدل على أن القرآن حروف قول الله (آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) (آلمص كتاب أنزل إليك) (آلر تلك آيات الكتاب المبين) (آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير).
فذكر الحروف المتصلة المقطعة في أول السور، وأخبر أنها الكتاب والقرآن وأنها منزلة. وهذا كله يبطل قول الأشعري ومن قال بقوله.
ومن ذلك حديث: ((إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف))
رواه (مسلم) (821) من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه.
وحديث ((أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب, وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته))
رواه مسلم (806) , من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
… قول العلماء في الصوت والحرف.
قال شيخ الإسلام 6/ 527
” وليس في الائمة والسلف من قال: إن الله لا يتكلم بصوت، بل قد ثبت عن غير واحد من السلف والأئمة: أن الله يتكلم بصوت، وجاء في ذلك آثار مشهورة عن السلف والأئمة، وكان السلف يذكرون الآثار التي فيها ذكر تكلم الله بالصوت، ولا ينكرها منهم أحد حتى قال عبد الله بن أحمد قلت لأبي … ” وسيأتي نقل كلام الإمام أحمد
وقال شيخ الاسلام: ” وكما أنه المعروف عند أهل السنة والحديث، فهو قول جماهير فرق الأمة، فإن جماهير الطوائف يقولون: إن الله يتكلم بصوت، مع نزاعهم في أن كلامه هل هو مخلوق أو قائم بنفسه؟ قديم أو حادث؟ ….. وليس من طوائف المسلمين من أنكر أن الله يتكلم بصوت إلا ابن كلاب ومن اتبعه، كما أنه ليس في طوائف المسلمين من قال: إن الكلام معنى واحد قائم بالمتكلم إلا هو ومن اتبعه “.
وقال 12/ 304
” واستفاضت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة السنة: أنه سبحانه ينادي بصوت: نادى موسى، وينادي عباده يوم القيامة بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت أو بلا حرف، ولا أنه أنكر أن يتكلم الله بصوت أو حرف “.
وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: إن ههنا من يقول: إن الله لا يتكلم بصوت، فقال: يابني هؤلاء جهمية زنادقة، إنما يدورون على التعطيل “. الفتاوى 12/ 368
وقال الخلال: وأنبأنا أبو بكر المروزي: سمعت أبا عبد الله وقيل له: إن عبد الوهاب قد تكلم وقال: من زعم أن الله كلم موسى بلا صوت فهو جهمي عدو الله وعدو الإسلام، فتبسم أبو عبد الله وقال:
ما أحسن ما قال، عافاه الله “.
نقله شيخ الإسلام في درء التعارض 2/ 38·
سيف الكعبي: · … أٌقوال السلف رحمهم الله.
قول الإمام أحمد رحمه الله.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي وسأله عبد الله بن عمر المعروف بمُشكُدَانَةَ: عن القرآن فقال: كلام الله عز وجل وليس بمخلوق. (السنة لعبد الله: 69)
عن أحمد بن إبراهيم قال سمعت يحيى بن معين , وأبا خيثمة يقولان: القرآن كلام الله عز وجل وهو غير مخلوق [السنة لعبد الله:95]
قال الحسين بن إبراهيم بن إشكاب: القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق ومن قال: مخلوق فهو كافر (السنة لعبد الله:69)
قال هارون الفروي: القرآن كلام الله وليس بمخلوق (السنة لعبد الله:70)
قال عبد الوهاب بن الحكم الوراق: القرآن كلام الله عز وجل وليس بمخلوق (السنة لعبد الله:70)
قال سفيان بن وكيع: القرآن كلام الله عز وجل وليس مخلوق (السنة لعبد الله:70)
قال جعفر بن محمد: ليس بخالق ولا مخلوق وهو كلام الله [السنة لعبد الله:86]
قال علي بن الحسين: إنه ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله [السنة لعبد الله:86]
عن إبراهيم بن سعد وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ووهب بن جرير وأبي النضر هاشم بن القاسم وسليمان بن الحرب قالوا: القرآن كلام الله ليس بمخلوق [السنة لعبد الله:87]
قال سفيان بن عيينة: لا نحسن غير هذا: القرآن كلام الله {فأجره حتى يسمع كلام الله} {يريدون أن يبدلوا كلام الله} [السنة لعبد الله:88]
وقيل له: إنه يروى عنك أن القرآن مخلوق؟ قال: ما قلته , القرآن كلام الله عز وجل المصدر السابق.
عن عبد الله بن المبارك رحمه الله قال: القرآن كلام الله عز وجل ليس بخالق ولا مخلوق [السنة لعبد الله:59]
قال الإمام ابن أبي داود رحمه الله في الحائية:
وقل غيرُ مخلوقٍ كلام مليكنا بذلك دان الأتقياء , وأفصحوا
ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاًكما قال أتْباعٌ لجهمٍ وأسجحُوا
قال أبو بكر بن عياش: من زعم أن القرآن مخلوق فقد افترى على الله عز وجل [السنة لعبد الله:90]
قال وكيع بن الجراح: القرآن كلام الله عز وجل ليس بالمخلوق [السنة لعبد الله:90]
وعن وكيع قال: القرآن كلام الله عز وجل وهو منه جل وتعالى المصدر السابق.
قال يحيى بن سعيد: كيف يصنعون ب {قل هو الله أحد}؟ كيف يصنعون بهذه الآية {إني أنا الله}؟! يكون مخلوقا؟! [السنة لعبد الله:91]
قال وهب بن جرير: القرآن كلام الله عز وجل ليس بمخلوق [السنة للخلال:7/ 2037]
قال يزيد بن هارون: القرآن كلام الله وهو غير مخلوق [السنة لعبد الله:92]
قال ابن إدريس: القرآن كلام الله ومن الله وما كان من الله عز وجل فليس بمخلوق [السنة لعبد الله:92]
قال عثمان ابن أبي شيبة: القرآن كلام الله وليس بمخلوق [السنة لعبد الله:93]
قول الأشعري في الإبانة كما سبق معنا
· … حكم من قال أن القرآن مخلوق.
قال ابن أبي عاصم: “والقرآن كلام الله تبارك وتعالى تكلم الله به ليس بمخلوق، ومن قال مخلوق ممن قامت عليه الحجة فكافر بالله العظيم، ومن قال من قبل أن تقوم عليه الحجة فلا شيء عليه”. (انظر السنة لابن أبي عاصم 2/ 645).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فإنه لما اشتهر عند الخاص والعام أن مذهب السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنهم أنكروا على الجهمية المعتزلة وغيرهم من الذين قالوا القرآن مخلوق حتى كفروهم اهـ. الفتاوى الكبرى 6/ 632.
قال العمراني في كتابه الانتصار:
فمن قال بخلقه فهو كافر كفرا يخرجه عن الملة اهـ.
يقول ابن القيم رحمه الله:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان
واللالكائي الإمام حكاه عنهم بل قد حكاه قبله الطبراني
· … أقوال المخالفين.
… الأشاعرة.
أولا: اعتقاد الأشاعرة في القرآن الكريم وفي كلام الله تعالى.
أثبت الاشاعرة صفة الكلام لله تعالى.
والمقصود به الكلام النفسي، وهو المعنى القائم بالنفس
وقالوا: إنه معنى واحد لا يتعدد ولا يتبعض ولا يتفاضل، يستوي فيه الأمر والنهي والخبر والاستخبار. إن عبربالبناء للمجهول عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة.
وقالوا: كلام الله ليس بحرف ولا صوت. منزه عن التقديم والتأخير والكل والبعض وليس متلبسا بالترتيب المألوف من تقديم وتأخير.
والكلام يطلق في الحقيقة على المعنى القائم بالنفس. ويطلق على الكلام اللفظي كالقرآن باعتبارين:
باعتبار المجاز، أو باعتبار الاشتراك.
وقالوا: إن القرآن الذي نقرؤه مخلوق، ألفاظه وحروفه وآياته وسوره.
وإنه لا يجوز التصريح بذلك إلا في مقام التعليم
وإن القرآن يقال له كلام الله بمعنى أنه خلقه في اللوح المحفوظ.
وبينوا أنه لا خلاف بينهم وبين المعتزلة في خلق هذا القرآن المشتمل على الحروف والترتيب والتقديم والتأخير. وإنما الخلاف في الكلام النفسي، هل هو ثابت لله أم لا.
قال ابن تيمية: وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْقَوْلِ بِالْعِبَارَةِ ” أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ ” هُوَ أَوَّلُ مَنْ قَالَ فِي الْإِسْلَامِ: إنَّ مَعْنَى الْقُرْآنِ كَلَامُ اللَّهِ. وَحُرُوفُهُ لَيْسَتْ كَلَامَ اللَّهِ فَأَخَذَ بِنِصْفِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَة وَنِصْفِ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ إلَى إثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَخَالَفَ الْمُعْتَزِلَةَ فِي ذَلِكَ وَأَثْبَتَ الْعُلُوَّ لِلَّهِ عَلَى الْعَرْشِ وَمُبَايَنَتَهُ الْمَخْلُوقَاتِ وَقَرَّرَ ذَلِكَ تَقْرِيرًا هُوَ أَكْمَلُ مِنْ تَقْرِيرِ أَتْبَاعِهِ بَعْدَهُ. وَكَانَ النَّاسُ قَدْ تَكَلَّمُوا فِيمَنْ بَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ هَلْ يُقَالُ لَهُ حِكَايَةٌ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ قَالُوا: هُوَ حِكَايَةٌ عَنْهُ فَقَالَ ابْنُ كُلَّابٍ: الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ حِكَايَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ؛ لَيْسَ بِكَلَامِ اللَّهِ. فَجَاءَ بَعْدَهُ ” أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ ” فَسَلَكَ مَسْلَكَهُ فِي إثْبَاتِ أَكْثَرِ الصِّفَاتِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ أَيْضًا وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ إنَّ هَذَا حِكَايَةٌ وَقَالَ: الْحِكَايَةُ إنَّمَا تَكُونُ مِثْلَ الْمَحْكِيِّ فَهَذَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ قَوْلَنَا أَنْ نَقُولَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعِبَارَةِ فَأَنْكَرَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَيْهِمْ عِدَّةَ أُمُورٍ.
… كيف عرف جبريل ما في نفس الله؟
ولهم أقوال في ذلك بعضهم يقول: إن الله اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه اضطرارًا فعبر عنه فهذا عبارة عبر بها جبريل، الله اضطره ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر عنه يعني مثل، مثال ذلك أن يكون عندك أخرس لا يتكلم فيشير إليك بالإشارة ثم تكتب إشارته تفهم إشارته وتكتبها هذا، والعياذ بالله، جعل الله كالأخرس نسأل الله العافية عاجز عن الكلام.
وبعضهم يقول: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ (شرح الطحاوية للراجحي)
لذلك فالأشاعرة يقولون بأن الألفاظ والحروف التي بين أيدينافي المصحفمخلوقة وهو نفس كلام المعتزلةوقد اعترف علماؤهم بأن الخلاف بينهم وبين المعتزلة لفظي، كما قال الرازي في (المحصل): (فالحاصل أن الذي ذهبوا إليه يعني المعتزلة فنحن لا ننازعهم فيه) وقال: (واعلم أننا لا ننازعهم في المعنى) انظر (المحصل) ص 172،173،و (درء التعارض) 7/ 237، و (الفتاوى الكبرى) 6/ 495.
، ولهذا قال أبو محمد بن قدامة رحمه الله تعالى: (ومدار القوم يعني الأشاعرة على القول بخلق القرآن ووفاق المعتزلة، ولكنهم أحبوا أن لا يعلم بهم فارتكبوا مكابرة العيان، وجحد الحقائق، ومخالفة الإجماع، ونبذ الكتاب والسنة وراء ظهورهم، والقول بشئ لم يقله قبلهم مسلم ولا كافر، ومن العجب أنهم لا يتجاسرون على إظهار قولهم ولا التصريح به إلا في الخلوات ولو أنهم ولاة الأمر وأرباب الدولة). حكاية المناظرة في القرآن) ص 34،وانظر (الرد على من أنكر الحرف والصوت) ص137،181.
وقال شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله:
فالمقصود أنكم لم يمكنكم أن تقولوا ما يقوله المسلمون لأن حروف القرآن ليس هو عندكم كلام الله، بل ذلك مخلوق إما في الهواء وإما في نفس جبريل وإما في غير ذلك، فاتفقتم أنتم والمعتزلة على أن حروف القرآن ونظمه مخلوق، لكن قالوا هم: ذلك كلام الله، وقلتم أنتم: ليس كلام الله .. فصارت المعتزلة خير منكم في هذا الموضع راجع (الفتاوى الكبرى) 6/ 632 639، وانظر في إبطال شيخ الإسلام لمذهب الأشاعرة هذا (الكبرى) 6/ 492 584.
… الرد على الأشاعرة
قولهم: أن الكلام كلام نفسي:
نقول:
أولا: أن الكلام في لغة العرب: هو النطق المفهم وهو الذي تبنى عليه الأحكام وليس حديث النفس.
راجع: (معجم مقاييس اللغة) 5/ 131.
ويدل على ذلك الأحاديث الصحيحة التي تفرق في الحكم بين حديث النفس وبين الكلام المسموع المنطوق به. ومنها:
1_ قوله صلى الله عليه وسلم: [إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس] أخرجه مسلم.
و قوله صلى الله عليه وسلم: [إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة] أخرجه أحمد وغيره.
واتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم في الصلاة عامدا لغير عذر بطلت صلاته.
واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة وإنما يبطلها التكلم بذلك فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام.
2_ منها ما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به].
فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم به ففرق بين حديث النفس وبين الكلام وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به.
والمراد حتى ينطق به باللسان باتفاق العلماء.
فعلم أن هذا هو الكلام في اللغة لأن الشارع إنما خاطبنا بلغة العرب.
3_ وقول الأشعري: إن المفهوم من هذا الكلام كلام الله فغير صحيح لأن مفهوم كل إنسان معه ولا سبيل للخلق إلى العلم بفهم ما في نفس الباري سبحانه، قال الله تعالى! (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك)!.
4 ومن الأدلة على التفريق بين حديث النفس والكلام أن رجلا لو حلف بطلاق امرأته أن لا يتكلم فحدث نفسه بشيء أو نظم في نفسه كلاما لم تطلق امرأته بإجماع الفقهاء، فدل ذلك على أن حقيقة الكلام هو المسموع المفهوم، ولا يكون ذلك إلا بحروف وصوت.
5 ويقال للأشعري: قد أقررت بأن لله سمعا وبصرا وعلما وقدرة وحياة وكلاما لتنفى عنه ضد هذه الصفات، فلما كان السمع الذي أثبته لله هو السمع المعهود في لغة العرب، وهو إدراك المسموعات وكذلك ضده المنفي عنه هو المعهود في كلام العرب وهو الصمم، وكذلك البصر الذي أثبته لله هو المعهود في كلام العرب وهو إدراك المبصرات، والعلم هو إدراك المعلومات، وجب أن يكون الكلام لله هو الكلام المعهود في كلام العرب، وهو ما كان بحرف وصوت، كما أن ضده المنفي عنه وهو الخرس المعهود عندهم، فأما إثبات كلام لا يفهم ولا يعلم فمحال.
6 ومما يبطل قولهم إن الله تعالى قال لزكريا: ” آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ”
فلم يسم إشارته كلاما.
قلت: وقد قام بنفسه ما شاء الله من المعاني حين أشار إليهم. ولم يكن ذلك كلاما
وقال لمريم ” فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ”
فالحجة فيه مثل الحجة الأولى.
قلت: فهل نذرت مريم الامتناع عن ورود المعاني والخواطر التي تقوم بالنفس، أم عن الألفاظ والحروف
قولهم: أن القرآن الموجود ليس هو كلام الله وإنما هو عبارة عن كلام الله وإنما كلام الله هو ما في نفس الله ويقال انه كلام الله مجازا.
والرد عليهم نقول:
1_ الدليل على أن هذا القرآن هو كلام الله قوله تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)! ولا خلاف أنه أراد حتى يسمع منك هذا القرآن فإن قبله ودخل في الإسلام فهو منكم، وإلا فأبلغه مأمنه.
2_ ومن الأدلة على ذلك أيضا قوله تعالى! (يريدون أن يبدلوا كلام الله)!. ومعلوم أن المشركين لا سبيل لهم إلى سماع ما في نفس الله من الكلام ولا إلى تبديله فتقرر بهذا أن المراد بهذا كله هو القرآن المتلو المسموع.
3_ ويدل على ما قلناه قوله تعالى! (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه)!، والمراد بكلام الله في هذه الآية التوراة، ويدل على هذا أن المتلو يسمى كلام الله
4_ وقوله تعالى:! (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله)!. فالذي تحدى الله العرب أن يأتوا بمثله وجعله معجزة لنبيه [صلى الله عليه وسلم] وأخبر أنهم لا يأتون بمثله هو هذا القرآن والسور والآيات، فأما ما في نفس الباري من الكلام فلا سبيل للعرب، ولا لأحد من الخلق إلى سماعه، ولا إلى معارضته.
5_ وقوله تعالى (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) وعند الأشعري أن الله ما أنزل على نبيه القرآن، وإنما أنزل عليه مفهوم القرآن ومعنى القرآن.
6_ وقول الله سبحانه (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) وقوله تعالى (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان). فذكر الله أنه أنزل القرآن والتوراة والإنجيل، ولم يقل أنزل مفهوم القرآن ولا معناه.
7_ وأيضا يدل على أن القرآن هو كلام الله لا عبارة عن كلام الله او ما شابه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [إن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي]
وأيضا يرد عليهم بالآثار الصحيحة:
- … قال خباب لفروة: يا هناه تقرب إلى الله عز وجل ما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه. يعني: القرآن (السنة لعبد الله:79 والشريعة:157)
2. … عن أم المؤمنين الطاهرة عائشة رضي الله عنه أنها قالت: والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا يتلى وأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري …. (متفق عليه)
3. … عن عبد الله أنه قال: إن أحسن الكلام كلام الله عز وجل (أخرجه البخاري بلفظ مقارب)
قولهم أن الكلام لا يتبعض بل هو شيء واحد.
والرد عليهم نقول:
1_ قوله تعالى (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) (فاقرءوا ما تيسر منه) يدل على أن القرآن هو هذه السور وأنه متبعض، لأنه قال! (ما تيسر منه)
2_ ومن الأدلة قوله تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) وعند الأشعرية، أن القرآن لا يتبعض.
3_ الله تعالى أخبر أن موسى سمع كلام الله فهل سمع موسى جميع المعنى أو بعض المعنى إن قلتم سمع جميع المعنى فقد زعمتم أن موسى سمع جميع كلام الله، وهذا باطل، وإن قلتم سمع بعض كلام الله فقد قلتم بالتبعض وأبطلتم مذهبكم بأنفسكم، لا محيد لكم عنهما.
قال شيخ الاسلام: 12/ 49
” وجمهور العقلاء يقولون: قول هؤلاء معلوم الفساد بالضرورة.
وهؤلاء يقولون: تكليمه لموسى ليس إلا خلق إدراك يفهم به موسى ذلك المعنى. فقيل لهم: أفهم كل الكلام أم بعضه؟
إن كان فهمه كله فقد علم علم الله!
وان كان فهم بعضه فقد تبعض. وعندهم كلام الله لا يتبعض ولا يتعدد.
وقيل لهم: قد فرق الله بين تكليمه لموسى وإيحائه لغيره، وعلى أصلكم لا فرق ” انتهى.
4_ يلزم على قولكم: إن الكلام معنى قائم بالنفس وأنه لا يتعدد ولا يتبعض أن يكون معنى قوله {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} هو معنى قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}
وأن يكون معنى آية الدين هو معنى آية الربا، وأن يكون معنى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} هو معنى {تَبَّتْ يَدَا} وهذا باطل.
قولهم: إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا أو بالعبرانية كان توراة من أفسد الأقوال.
فلو ترجمت التوراة إلى العربية فهل يتفق المعنى؟!
قال شيخ الاسلام: (وجمهور العقلاء يقولون: إن فساد هذا معلوم بالضرورة بعد التصور التام، فإنا إذا عربنا التوراة والإنجيل لم يكن معناهما معنى القرآن، بل معاني هذا ليست معاني هذا. وكذلك (قل هو الله أحد) ليس هو معنى (تبت يدا أبي لهب) ولا معنى آية الكرسي ولا آية الدين ” انتهى.
… أيهما أفضل: النبي أم القرآن؟
من ” توابع ” البدعة التي سقط فيها الأشاعرة حين قالوا بخلق القرآن: أنهم اختلفوا في المفاضلة بين النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن!!!!!!
قال البيجوري في شرح جوهرة التوحيد ص 94
” وهل القرآن بمعنى اللفظ المقروء أفضل، أو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
تمسك بعضهم بما يروى: كل حرف خير من محمد وآل محمد. لكنه غير محقق الثبوت.
والحق أنه صلى الله عليه وسلم أفضل؛ لأنه أفضل من كل مخلوق، كما يؤخذ من كلام الجلال المحلي على البردة، ويؤيده أنه فعل القارئ، والنبي صلى الله عليه وسلم افضل من القاريء وجميع أفعاله.
والأسلم الوقف عن مثل هذا؛ فإنه لا يضر خلو الذهن عنه اه ملخصا من حاشية الأمير ” انتهى.
وقوله: إنه فعل القارئ: تخبط!!!
واعتقاد أهل السنة والجماعة أنه لا مفاضلة بين المخلوق وصفات الخالق.
فالقرآن بألفاظه وحروفه هو كلام الله تعالى منه بدأ واليه يعود، ليس بمخلوق من جميع الجهات، وحيثما تصرف. هو المحفوظ في الصدور، والمقروء بالألسنة، والمكتوب في المصاحف.
… قول المعتزلة والجهمية.
قالوا بأن القرآن مخلوق وكلامه مخلوق.
وأما كلام الله عز وجل مع موسى عليه السلام فمعناه أنه خلق صوت مسموع ينبئ عن مراد الله وبعضهم يقول خلق الصوت في مخلوق من المخلوقات كالشجرة.
والرد عليهم نقول:
1_ موسى كان يخاطب من يسمع كلامه فقال له {رب أرني أنظر إليك} فهل يقال أن نبي الله موسى عليه السلام يقول للشجرة أو للاشيء هذا الكلام!!.
2_ هل يقول غير الله عز وجل {يا موسى إني أنا الله رب العالمين} فهل هذا يقوله غير الله!
وهل يقول مخلوق من المخلوقات {يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك}
وأيضا هل يقول الشجرة أو الحجر أو اللاشي!! {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني}.
وإن قالوا إذاً كيف يقول جبريل القرآن نقول لا يقول جبريل عليه السلام هذا الكلام إنما الله عز وجل هو الذي تكلم بالقرآن إنما جبريل عليه السلام يبلغ كلام الله ويقول يقول الله عز وجل.
ولا قال جبريل عليه السلام لموسى هذا الكلام بل كلم الله موسى حقا وصدقا.
3_ كيف يصح أن يكون متكلما بكلام يقوم بغيره؟!
ولو صح ذلك للزم أن يكون ما أحدثه الله من الكلام في المخلوقات كلامه ولا يفرق حينئذ بين نطق وأنطق.
وهذا يرده ويبطله قول الجلود {أنطقنا الله} ولم تقل: نطق الله
بل يلزم أن يكون متكلما بكل كلام خلقه في غيره زورا كان أو كفرا أو هذيانا تعالى الله عن كفركم وقد طرد ذلك الاتحادية فقال ابن عربي:
وكل كلام في الوجود كلامه .. سواء علينا نثره ونظامه.
4_ ولو صح أن يوصف أحد بصفة قامت بغيره لصح أن يقال للبصير: أعمى وللأعمى: بصير لأن البصير قام وصف العمى بغيره.
وأيضا لصح أن يقال للأخرس متكلما لأن صفة الكلام قامت في غيره.
5_ أن الكلام لا يقوم بنفسه فلا يصح أن يقال الكلام في اللاشيء أو أنه قائم بنفسه بل الكلام صفة للموصوف والكلام صفة لمن يتكلم لا بمن لا يتكلم.
فالمضاف نوعان:
النوع الأول: أعيان قائمة بذاتها كالبيت والعبد والرسول والروح قال عبد الله، روح الله
هذه إضافة مخلوق إلى خالقه لأنها أعيان قائمة البيت عين قائم بنفسه، الناقة عين قائمة بنفسها، فإذا أضيفت إلى الله فهي إضافة مخلوقة إلى خالقه، وهذه الإضافة للتشريف والتكريم وتقتضي هذه الإضافة التشريف والتكريم لما امتاز به ذلك المضاف من الصفات.
النوع الثاني: إضافة معاني وأوصاف لا تقوم بنفسها, كالعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام هل هذه تقوم بنفسها؟ هل الكلام ذات قائم بنفسه؟ هل العلم ذات قائم بنفسه؟، هذه إضافة صفة إلى موصوف إضافة معاني إلى الموصوف وتقتضي هذه الإضافة اتصاف الموصوف بهذه الصفات وقيامها به وهذا فرق بديهي لا ينكره إلا من أنكر المحسوسات.
· … أدلة المخالفين.
… أدلة الأشاعرة والرد على أدلتهم.
1 قالت الأشاعرة الكلام النفسي معروف من لغة العرب واستدلوا بقول الأخطل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما .. جعل اللسان على الفؤاد دليلا.
والجواب على هذا نقول:
1_ هذا الشاعر نصراني كافر ومعلوم أن النصارى انحرفوا في باب الكلام ولم يفرقوا بين كن وما يكون بكن.
2_ ثم إن هذا لا يمكن قوله مع تصريح الآية [إنما (قولنا) لشيء إذا أردناه أن (نقول) له (كن) فيكون] فالآية تدل صراحة أن الكلام بالحروف وبالقول.
3_ وعلى هذا البيت يكون الأخرس متكلما لقيام الكلام بقلبه وإن لم ينطق به ولم يسمع منه.
4_ أنا لا نسلم أن هذا البيت للأخطل فهذا البيت لا يوجد في ديوان الأخطل وأنكره بعض علماء اللغة.
5_ فرضا سلمنا لكم أنه للأخطل نقول هذا قول واحد من أهل اللغة فلا يقبل حتى يوافقه أهل اللغة.
6_ سلمنا صحة البيت وسلمنا نسبته إلى الأخطل سلمنا قبول أهل اللغة له لكن ليس مقصود الشاعر بقوله: إن الكلام لفي الفؤاد.
الكلام العاري عن الألفاظ والحروف والكلمات بل مقصود الشاعر أن الكلام الحقيقي هو الذي يهيئه الإنسان في نفسه ويزنه بعقله قبل أن ينطق به
ولهذا روي البيت برواية أخرى وهي أقرب إلى الصحة.
إن البيان لفي الفؤاد وإنما ………………..
وهذا أقرب للصحة.
7 نقول الله عز وَجل أصدق من النَّصْرَانِي إِذْ يَقُول عز وَجل {يَقُولُونَ بأفواههم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم} فقد أخبر عز وَجل بِأَن من النَّاس من يَقُول بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي فُؤَاده بِخِلَاف قَول الأخطل لَعنه الله أَن الْكَلَام لفي الْفُؤَاد وَاللِّسَان دَلِيل على الْفُؤَاد فَأَما نَحن فنصدق الله عز وَجل ونكذب الأخطل.
2 قالت الأشاعرة وغير الأشاعرة إثبات الكلام بحرف وصوت يلزم منه الفم والضرس وما شابه ذلك.
والرد عليهم نقول:
1_ لا يلزم على ما قلنا إذا أثبتنا لله كلاما بحرف وصوت أن يثبت له آلة الكلام لأنا قد أثبتنا نحن والأشعري لله السمع وإن لم نصفه بأن له آلة ذلك.
2_ وايضا يدل على بطلان قولهم أن الله سبحانه قد أخبر أن السموات والأرض قالتا (أتينا طائعين)، وأخبر أن جهنم تقول: (هل من مزيد)
وأخبر أن الجوارح تنطق يوم القيامة بالشهادة.
وأخبر النبي [صلى الله عليه وسلم] أن الذراع المشوية أخبرته أنها مسمومة.
وشيء من هذا كله لا يوصف بأن له آلة الكلام فبطل قوله بذلك.
3 من أدلة الأشاعرة على أن القرآن معنى قائم بالنفس لا يُسْمَع ليس بحرف ولا صوت ولا لفظ استدلوا بقول الله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)}.
قالوا: وجه الدلالة أن الله قال: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} فدل على أن القول إنما يكون في النفس وأما الألفاظ والحروف والأصوات فليست من القول؛ لأن الله قال: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} فدل على أن كلام الله معنى قائم بنفسه.
وأجيب عن هذا الاستدلال بجوابين:
الجواب الأول جواب بالمنع والجواب الثاني جواب بالتسليم.
الجواب الأول: جواب بالمنع، وهو أن نقول: نمنع أن يكون المراد في الآية في قوله: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} المعنى القائم بالنفس، وإنما المراد القول سرًا {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} يعني يقولون سرا يتكلمون بألسنتهم سرا كما قاله أكثر المفسرين، وذلك أن اليهود كانوا يأتون النبي ويقولون سام عليك، والسام الموت، وهم يظهرن أنهم يلقون السلام فيحلفون لله ويقولون سام عليك يعني الموت ثم إذا خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم البعض سرًا لو كان نبيًا عذبنا بقولنا له ما نقول، فأنزل الله {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} يعني يقولون سرًا فيما بينهم وبين بعضهم إذا خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم لو كان نبيًا لعذبنا بقولنا؛ لأننا نقول سام عليك وهذا هو الذي عليه أكثر المفسرين
ويؤيده ما ثبت في الصحيحين في الحديث القدسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم من ذكرني في نفسه) معناه تكلم سرًا ذكر الله سرًا بدليل قوله: (ومن ذكرني في ملأ) (من ذكرني في نفسه) يعني سرًا ذكرته في نفسي (ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه).
الجواب الثاني: جواب بالتسليم وهو أن نقول سلمنا جدلًا ومعنى التسليم أن توافق الخصم من هذه الجهة لترد عليه من جهة أخرى
سلمنا أن قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} قول في النفس وأنه ليس فيه حروف ولا كلمات.
سلمنا جدلًا لكن الآية مقيدة بأنه قول في النفس، وإذا قيد القول بأنه في النفس تقيد، ونظيره الحديث الصحيح: (إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل) فإذا قيد القول بأنه في النفس تقيد هل قيد كلام الله أنه في النفس {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} هل قال الله: وكلم الله موسى في نفسه {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} هل قال: وكلمه في نفسه، فإذا قيد القول بأنه في النفس تقيد أما إذا لم يتقيد فلا يكون القول في النفس، وإنما يكون قولًا يتكلم به المتكلم حروف وألفاظ وكلمات.
… أدلة المعتزلة والجهمية والرد عليهم.
1 قالوا أليس القرآن شيئا فإن قلتم نعم فقلنا لكم كل شيء مخلوق.
والجواب على قولهم هذا يقال:
1_ أن الله عز وجل أطلق على نفسه بأنه شيء فهل تقولون بأن الله عز وجل سبحانه وتعالى مخلوق!! قال تعالى: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم}. فدل على نفسه أنه شيء ليس كالأشياء.
2 قالوا نقول القرآن مخلوق وأن الله عز وجل لم يتكلم به لأن لو قلنا: إن الله يتكلم والمخلوق يتكلم تشابه الخالق والمخلوق والله ليس كمثله شيء.
والجواب عن هذه الشبهة أن نقول:
إن الله يتكلم ليس ككلام المخلوق يتكلم، ولا نعلم كيف يتكلم الله ليس له مثيل لا في ذاته، ولا في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله
ونحن نرى بعض المخلوقات تتكلم، ولا نرى كيف تتكلم فهذه الجلود تنطق يوم القيامة والأرجل والأيدي تشهد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ نختمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)} وقال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} هل الجلود والأيدي والأرجل لها لسان ولها شفتان ولها أضراس؟ قال تتكلم بلا بدون شيء بدون أضراس وأسنان ولا شفة ولا رئة كيف تتكلم؟ كيف تتكلم الجلود كيف تتكلم الأرجل؟ ما نعلم.
كذلك ثبت تسبيح الحصا والطعام بين يدي النبيصلى الله عليه وسلميسبح الحصا والطعام كيف يتكلم الحصا والطعام هل لها أضراس وأسنان، وقال: (إني أعرف الحجر يسلم علي بمكة عليه الصلاة والسلام) كذلك الجذع حنَّ وصاح وبكى مثل بكاء الصبي وجعل يهدئه فجعل يهدأ شيئًا فشيئًا كما يهدأ الصبي، الجذع له لسان؟.
إذا كانت بعض المخلوقات تتكلم، ولا نعلم كيف تتكلم فمن باب أولى أن الله يتكلم ولا نعلم كيف يتكلم، وعلى هذا تبطل هذه الشبهة. (راجع شرح الطحاوية للراجحي).
3 قالوا يدل على أن القرآن مخلوق قوله تعالى: {الله خالق كل شيئ}
فوجه الاستدلال أنهم قالوا: إن (كل) من صيغ العموم فتعم كل شيء {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ويدخل في هذا العموم صفة الكلام، فيكون الكلام مخلوقًا فيكون القرآن مخلوقًا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} والقرآن شيء من الأشياء، وكلام الله شيء من الأشياء فيكون مخلوقًا.
والجواب نقول:
1 أن الخالق سبحانه وتعالىاسم (الخالق) يشمل الذات والصفات فصفاته ليست خارجة عن مسمى ذاته فالله سبحانه وتعالىبذاته وصفاته هو الخالق، وما سواه مخلوق، فهو الخالق بذاته وصفاته.
2 ويقال للمعتزلة: كيف أدخلتم كلام الله الذي هو صفة من صفاته في هذا العموم وأخرجتم أفعال العباد فقلتم: إن الله لم يخلقها مَن الذي أخرج أفعال العباد عن هذا العموم هذا يدل على أنكم أهل هوى، كيف أخرجتم من هذا العموم أفعال العباد {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} للذوات والصفات والأفعال وأفعال العباد داخلة في هذا العموم فتكون مخلوقة، فكيف أخرجتموها عن عموم الكل وأدخلتم في هذا العموم الكلام الذي هو صفة من صفاته.
3 أن عموم كل في كل موضع بحسبه فلما قال الله عز وجل في الريح التي أهلك الله بها عاد {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} تدمر كل شيء هذه من صيغ العموم؛ لكن العموم في كل موضع بحسبه بدليل أن هناك بعض الأشياء ما دمرتها؛ ولهذا قال سبحانه: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} فالمساكن ما دمرتها الريح ولا دمرت الريح السماوات والأرض فالمعنى والله أعلم{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} يصلح للتدمير أو يستحق التدمير عادة.
ومثل قول الله عز وجل عن ملكة سبأ: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} هناك أشياء ما أوتيتها، والمعنى والله أعلموأوتيت من كل شيء يصلح للملوك، فكذلك عموم كل في هذه الآية الكريمة المراد الله خالق كل شيء مخلوق كل شيء المراد به المخلوقات، ولا يدخل في ذلك صفات الله، لا يدخل في ذلك الكلام؛ لأنه صفة من صفاته داخل في مسمى اسمه.
ومما يدل على ذلك أيضا قول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] ولله عز وجنفس لا تدخل في هذا الكل، وكذلك كلامه شيء لا يدخل في الأشياء المخلوقة، كما قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] فإن زعمت أن الله لا نفس له، لقد أكذبك القرآن ورد عليك قولك، قال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]، وقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] وقال: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41]، وقال فيما حكاه عن عيسى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] فقد علم من آمن بالله واليوم الآخر أن كتاب الله حق، وما قاله فيه حق، وأن لله نفسًا وأن نفسه لا تموت، وأن قوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] لا تدخل في هذا نفس الله.
4 أن فرض مذهب المعتزلة أن تكون جميع الصفات مخلوقة من العلم والقدرة والحياة، وهذا صريح الكفر يعني فرض مذهبهم أن يقولوا كل الصفات مخلوقة، أليس الكلام صفة من صفات الله، فإذا كان الكلام مخلوقًا إذاً يلزمكم أن تقولوا: جميع الصفات مخلوقة: العلم، والقدرة، والحياة ومن قال: إن حياة الله مخلوقة فهو كافر كفرًا صراح، إذن فرض مذهبهم يوصل إلى الكفر
4 قالوا عندنا دليل آخر الا وهو قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} قالوا: “جعل” بمعنى خلق والمعنى إنا خلقناه قرآنا عربيا وهذا يدل على أن القرآن مخلوق.
والجواب نقول:
جعل إنما تكون بمعنى خلق إذا تعدت إلى مفعول واحد لا إلى مفعولين إذا تعدت إلى مفعول واحد جعل تصدر عن خلق كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)}
{وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}
{وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)}
{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}
{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}
أما إذا تعدت إلى مفعولين فلا تكون بمعنى خلق وفي هذه الآية تعدت إلى مفعولين {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} المفعول الأول الهاء في جعلناه والثاني قرآنًا وعربيًا وصف صفة له، المفعول الأول الهاء الضمير في جعلناه والمفعول الثاني قرآنًا.
قوله تعالى: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} فلو فسرت جعل بمعنى خلق لفسد المعنى بل كان المعنى عين الكفر.
{وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} هل يستطيع معتزلي أن يقول المعنى وقد خلقتم الله كفيلا
{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91)} هل يقول المعتزلي الذين خلقوا القرآن عضين
{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} هل يمكن أن تفسر جعل بمعنى خلق لا يمكن، وكذلك في هذه الآية {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} لا تكون بمعنى خلق، وبهذا يبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية.
5 استدلوا أيضا بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)} قالوا: هذا وجه الدلالة أن الله أخبر أن القرآن قول رسول، ودل على أن القرآن مخلوق، وليس كلام الله؛ لأن الله نسبه إلى الرسول قال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ} وهو مخلوق، والله خلق الرسول، وخلق كلامه فيكون القرآن مخلوقًا.
والجواب نقول:
1_ أن الله تعالى قال: {لَقَوْلُ رَسُولٍ} والرسول إنما يبلغ عن المرسل فلم يقل: إنه قول نبي، بل قال قول رسول الرسول لا ينشئ الكلام، وإنما يبلغ كلام غيره، فدل على أن الكلام كلام الله.
2_ أن الرسول جاء في موضعين من كتاب الله عز وجل في موضع في سورة التكوير: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)} وهذا المراد به الرسول الملكي وهو جبريل، وجاء في سورة الحاقة {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42)} وهذه المراد به الرسول البشري وهو محمد عليه الصلاة والسلام أي الرسولين أحدث نظم القرآن إن أحدثه محمد امتنع أن يحدثه جبريل، وإن أحدثه جبريل امتنع أن يحدثه محمد.
3_ أنه قال في وصفه {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} في سورة التكوير والأمين ووصفه بالأمانة يدل على أنه يبلغ ما أرسل به كما أنزل لا يزيد ولا ينقص
4_ أن قولكم: إن محمد أحدث نظم القرآن هذا القول يجعله داخلًا في الوعيد الذي توعد الله به الوليد بن المغيرة الذين قال الله عنه {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)} الله قال توعد من قال بأن هذا القرآن قول البشر بأن يصليه سقر فمن قال إن القرآن قول محمد ومحمد بشر عليه الصلاة والسلام فهو داخل في هذا الوعيد
6 قالوا عندنا دليل آخر وهو تصريح الله عز وجل بأنه أنزله وأنه أنزل كما أن المخلوقات أنزلت مثل الحديد والماء
فالله تعالى قال عن الحديد: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} فالله أخبر عن الحديد أنه منزل؛ ومع ذلك فهو مخلوق؛ وأنتم توافقوننا على هذا.
وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أخبر الله عن الأنعام بأنها منزلة وهي مخلوقة وأنتم توافقننا على هذا قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أخبر الله أنه أنزل من السماء ماء، والمطر مخلوق وأنتم توافقننا على هذا، الحديد والأنعام والمطر مخلوقة مع أن الله أخبر أنها منزلة فكذلك القرآن مخلوق، ولو أخبر الله بأنه منزل، فلا يمنع أن يكون مخلوقًا.
أجاب أهل الحق أن هناك فرق بين إنزال القرآن وإنزال الحديد والأنعام والمطر. فإنزال القرآن صريح في الآيات أنه منزل من عند الله لا من غيره منزل من عند الله، تنزيل الكتاب من الله العزيز الحميد من الله {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)} {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} فهو صريح بأنه منزل من عند الله.
أما الحديد فإن إنزاله مطلق ما أخبر الله أن الحديد منزل من عنده قال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} فهو مطلق
والأنعام أخبر الله أنها منزلة {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ}
وأما إنزال المطر قال الله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} هو مقيد بأنه من السماء والسماء العلو من جهة العلو وأنزلنا من السماء ماء طهورًا، وفي الآية الأخرى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)} والمعصرات السحاب الآية الأخرى {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} والمزن هو السحاب فتبين بهذا الفرق بين إنزال القرآن وإنزال الحديد والأنعام والمطر، وذلك أن إنزال القرآن صريح بأنه منزل من عنده سبحانه بخلاف الحديد والأنعام والمطر.
7 قالوا عندنا دليل آخر وهو قول الله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} [النساء: 171]. وعيسى مخلوق.
فقلنا: إن الله منعك الفهم في القرآن، عيسى تجرى عليه ألفاظ لا تجري على القرآن، لأنه يسميه مولودًا وطفلا وصبيًّا وغلامًا، يأكل ويشرب، وهو مخاطب بالأمر والنهي، يجري عليه اسم الخطاب والوعد والوعيد، ثم هو من ذرية نوح، ومن ذرية إبراهيم، ولا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى: هل سمعتم الله يقول في القرآن ما قال في عيسى؟ ولكن المعنى من قول الله جل ثناؤه: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} [النساء: 171].
فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: كن، فكان عيسى: بكن
وليس عيسى هو الكُنُّ، ولَكِنْ بالكُنِّ كَانَ، فالكُنُّ من الله قول، وليس الكن مخلوقًا.
وكذبت النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى، وذلك أن الجهمية قالوا: عيسى روح الله وكلمته، لأن الكلمة مخلوقة، وقالت النصارى: عيسى روح الله من ذات الله. وكلمته من ذات الله. كما يقال: إن هذه الخرقة من هذا الثوب، وقلنا نحن: إن عيسى بالكلمة كان، وليس عيسى هو الكلمة –كما قالت الجهمية
وأما قول الله: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] يقول: من أمره كان الروح فيه كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13].
يقول من أمره وتفسير روح الله إنما معناها أنها روح بكلمة الله خلقها الله، كما يقال: عبد الله وسماء الله وأرض الله.
[الرد على الجهمية والزنادقة (126 9]
قال الدارمي في “رده على المريسي الجهمي العنيد” “674/ 2 685”:
فيقال لهذا المعارض: أو يحتاج في هذا إلى تفسير ومخرج؟ قد عقل تفسيره عامة من آمن بالله: أنه إذا أراد شيئًا قال له: {كن فيكون} ومتى لا يقول له: كن لا يكون. فإذا قال: “كن” كان، فهذا المخرج من أنه كان بإرادته وبكلمته، لا أنه نفس الكلمة التي خرجت منه، ولكن بالكلمة كان، فالكلمة من الله “كن” غير مخلوقة، والكائن بها مخلوق.
· … اللفظية
قال الإمام أحمد [أصول السنة] [23]: وَمن قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيره وَمن وقف فِيهِ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَخْلُوق أَو لَيْسَ بمخلوق وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام الله فَهَذَا صَاحب بِدعَة مثل من قَالَ هُوَ مَخْلُوق وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق.
… براءة الإمام البخاري رحمه الله من اللفظية.
قال نصر بن محمد: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: (من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله)سيف الكعبي: طبقات الحنابلة 1/ 277، سير أعلام النبلاء 12/ 457.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الخَفَّافُ: فَأَتَيْتُ البُخَارِيَّ، فَنَاظرتُهُ فِي شِيءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ فَقُلْتُ: يا أبا عبد الله هاهنا أحد يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة. فقال: يا أبا عمرو أحفظ ما أقول لك: من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله، إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة) تاريخ بغداد 2/ 32 مقدمة فتح الباري 492، سير أعلام النبلاء 12/ 457 458.
· … الواقفة.
والواقفة هم الذين يقولون: القرآن كلام الله لا نقول مخلوق او غير مخلوق
وقد صرح الإمام أحمد رحمه الله: بعد وقوع الفتنة من لم يصرح بأن القرآن غير مخلوق فهو جهمي.
لأن الجهمية كانوا يقولون: القرآن كلام الله
أي أن الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى الخالق كناقة الله وبيت الله
عن عبد الله قال سمعت أبي رحمه الله يقول: من كان من أصحاب الحديث أو من أصحاب الكلام فأمسك عن أن يقول: القرآن ليس بمخلوق فهو جهمي [السنة لعبد الله:85]
· … هل يقال أن القرآن قديم.
لا يقال بأن القرآن قديم إنما يقال أن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد أي أن الله متصف بصفة الكلام منذ الأزل كان الله بأسماءه وصفاته وهذا معنى قولنا قديم النوع
حادث الآحاد أي افراد صفة الكلام متجدده يتكلم الله متى يشاء والقرآن من آحاد الكلام فلا يقال أن القرآن قديم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” السلف قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وقالوا لم يزل متكلما إذا شاء. فبينوا أن كلام الله قديم، أي: جنسه قديم لم يزل.
ولم يقل أحد منهم: إن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم القرآن قديم.
بل قالوا: إنه كلام الله منزل غير مخلوق.
وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته، كان القرآن كلامه، وكان منزلا منه غير مخلوق، ولم يكن مع ذلك أزليا قديما بقدم الله، وإن كان الله لم يزل متكلما إذا شاء؛ فجنس كلامه قديم.
فمن فهم قول السلف وفرق بين هذه الأقوال زالت عنه الشبهات في هذه المسائل المعضلة التي اضطرب فيها أهل الأرض ” انتهى مجموع الفتاوى (12/ 54)
وقال ـ رحمه الله ـ أيضا:
” وكلام الله: تكلم الله به بنفسه، تكلم به باختياره وقدرته، ليس مخلوقا بائنا عنه. بل هو قائم بذاته، مع أنه تكلم به بقدرته ومشيئته، ليس قائما بدون قدرته ومشيئته.
والسلف قالوا: لم يزل الله تعالى متكلما إذا شاء؛ فإذا قيل: كلام الله قديم ; بمعنى أنه لم يصر متكلما بعد أن لم يكن متكلما، ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته ; بل لم يزل متكلما إذا شاء فهذا كلام صحيح.
ولم يقل أحد من السلف: إن نفس الكلام المعين قديم. وكانوا يقولون: القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
ولم يقل أحد منهم: إن القرآن قديم، ولا قالوا: إن كلامه معنى واحد قائم بذاته، ولا قالوا: إن حروف القرآن أو حروفه وأصواته قديمة أزلية قائمة بذات الله، وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلما بها إذا شاء ; بل قالوا: إن حروف القرآن غير مخلوقة وأنكروا على من قال: إن الله خلق الحروف ” انتهى من الفتاوى (12/ 566 567)
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
” وأتباع السلف يقولون: إن كلام الله قديم، أي: لم يزل متكلما إذا شاء، لا يقولون: إن نفس الكلمة المعينة قديمة كندائه لموسى ونحو ذلك.
لكن هؤلاء [يعني: الأشاعرة ومن وافقهم] اعتقدوا أن القرآن وسائر كلام الله قديم العين، وأن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته. ثم اختلفوا:
فمنهم من قال: القديم هو معنى واحد، هو جميع معاني التوراة والإنجيل والقرآن؛ وأن التوراة إذا عبر عنها بالعربية صارت قرآنا، والقرآن إذا عبر عنه بالعبرية صار توراة: قالوا: والقرآن العربي لم يتكلم الله به، بل إما أن يكون خلقه في بعض الأجسام، وإما أن يكون أحدثه جبريل أو محمد؛ فيكون كلاما لذلك الرسول، ترجم به عن المعنى الواحد القائم بذات الرب، الذي هو جميع معاني الكلام.
ومنهم من قال: بل القرآن القديم هو حروف، أو حروف وأصوات، وهي قديمة أزلية قائمة بذات الرب أزلا وأبدا … ؛ إذا كلم موسى أو الملائكة أو العباد يوم القيامة فإنه لا يكلمه بكلام يتكلم به بمشيئته وقدرته حين يكلمه، ولكن يخلق له إدراكا يدرك ذلك الكلام القديم اللازم لذات الله أزلا وأبدا.
وعندهم لم يزل ولا يزال يقول: {يا آدم اسكن أنت وزوجك} و: {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك} و {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ونحو ذلك وقد بسط الكلام على هذه الأقوال وغيرها في مواضع.
والمقصود أن هذين القولين لا يقدر أحد أن ينقل واحدا منهما عن أحد من السلف؛ أعني الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين المشهورين بالعلم والدين، الذين لهم في الأمة لسان صدق، في زمن أحمد بن حنبل ولا زمن الشافعي ولا زمن أبي حنيفة ولا قبلهم. وأول من أحدث هذا الأصل هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب … ” الفتاوى (17/ 85)
وقال كما في شرح العقيدة الأصفهانية:
والفصل الثاني أن القرآن غير قديم فان الكلابية وأصحاب الاشعرى زعموا أن الله كان لم يزل يتكلم بالقرآن وقال أهل الجماعة بل أنه إنما تكلم بالقرآن حيث خاطب به جبرائيل وكذلك سائر الكتب.
كلام الشيخ العثيمين رحمهالله كما في شرح السفارينية:
قوله: (قديم) أي أن القرآن قديم، وهذا ليس بصحيح، فالقرآن ليس بقديم بل إن الله عز وجل تكلم به حين إنزاله صحيح أن الكلام جنسه قديم ولكن آحاده حادثة وليست قديمة، الله عز وجل يحدث من أمره ما شاء {ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٌ إلا استمعوه وهم يلعبوه} (الأنبياء 2)
فالقرآن ليس بقديم، أما كلام الله من حيث هو كلام الله فهو قديم النوع فإن الله لم يزل ولا يزال متكلماً
و قال أيضاً:
يقول المؤلف: إن القرآن كلام الله القديم يعني الأزلي، أي أن القرآن قديم بقدم الله عز وجل أزلي، فلم يزل هذا القرآن على زعمه موجوداً من قبل كل شيء، ولا شك أن هذا القول باطل، لأن القرآن يتكلم الله به حيث إنزاله، والدليل على هذا: أن الله سبحانه وتعالى يتحدث عن أشياء وقعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بصيغة الماضي، وهذا يدل على أن كلامه بها كان بعد وقوعها، قال الله تعالى: {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم} (آل عمران 121) {غدوت}: ماضي، إذن هذا القول قاله الله بعد غدو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} (المجادلة 1)، فقال: {قد سمع} وهل يمكن أن يخبر الله عن شيء أنه سمعه وهو لم يقع؟ هذا لا يمكن،
فقوله: {قد سمع} يدل على أن هذا الكلام كان بعد وقوع الحادثة وهذا هو الحق أن الله تكلم بالقرآن حديثاً، كما قال تعالى: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه} (الأنبياء 2)
والقول بأن المراد (محدث (أي محدث إنزاله خطأ بل هو محدث هذا الذكر لأن الله يتكلم متى شاء ما شاء،
وعلى هذا فنقول: لو أن المؤلف – عفا الله عنه – قال بدل قوله: (قديم) لو قال: (كلامه سبحانه عظيم) لكان أنسب وأبعد عن الخطأ.
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد هل يقال بأن القرآن قديم فأجاب حفظه الله:
لا يقال عن القرآن بأنه قديم، ولكن يقال عن كلام الله بأن نوعه قديم، بمعنى: أن الله لم يكن غير متكلم ثم تكلم، بل هو متكلم بلا ابتداء، ويتكلم بلا انتهاء، فنوع كلامه قديم، وآحاده حادثة.
فالكلام الذي كلم الله به موسى عليه السلام حصل في زمن موسى، وسمع موسى كلام الله من الله، فهذا من آحاد الكلام التي وجدت في زمن موسى، والكلام الذي سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله ليلة المعراج حصل ليلة المعراج، وسمعه عندما تكلم الله به في ليلة المعراج، لذلك عند أهل السنة: أن نوع الكلام قديم، وأن آحاده حادثة، وكلام الله القرآن من آحاد الكلام، لكن لا يوصف بأنه قديم.
· … الرد على من زعم أن قول السلف القرآن غير مخلوق ردة فعل فقط لمخالفة المعتزلة.
قال بعض أهل البدع من المعاصرين:
لَمَّا قام تيار جهم بن صفوان بنفي الصفات قام الحنابلة والسلفية فجسَّموا، كما رأيتم في الفقرة الخاصة بالإسرائيليات والتجسيم، ولَمَّا مدح المعتزلةُ العقلَ قام الحنابلة وذمُّوا العقل، ولَمَّا توسَّع الأحناف في الرأي والقياس جاء الحنابلة بأحاديث وآثار في ذمِّ الرأي والقياس، وكان أحمد بن حنبل يقول: القرآن كلام الله، لا يزيد على ذلك، فلمَّا قال المعتزلة بخلق القرآن، قال أحمد: القرآن كلام الله غير مخلوق، وقال الحنابلة: إذا قلنا: القرآن كلام الله، ثم لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق، لم يكن بيننا وبين هؤلاء الجهمية خلاف، أقول: وكأنَّ الخلاف مطلب وفضيلة نبحث عنها! اهـ”
وأجيب عن ذلك بما يلي:
أنَّ ما حصل من أهل السنَّة عند ظهور البدع من مقاومة لها ليس هو مجرَّد كلام في مقابلة كلام، وإنَّما هو من قبيل بيان الحقِّ عند ظهور الباطل، وهذا واجب على أهل السنَّة،
قال ابن القيم في تهذيب السنن مع عون المعبود (12/ 298 ـ 299): ((والذي صحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذمُّهم من طوائف أهل البدع هم الخوارج، فإنَّه قد ثبت فيهم الحديث من وجوه كلّها صحاح؛ لأنَّ مقالتَهم حدثت في زمن النَّبيِّ وكلمة رئيسهم، وأمَّا الإرجاء والرفض والقدر والتجهم والحلول وغيرها من البدع، فإنَّها حدثت بعد انقراض عصر الصحابة، وبدعة القدر أدركت آخر عصر الصحابة، فأنكرها مَن كان منهم حيًّا، كعبد الله بن عمر وابن عباس وأمثالهما رضي الله عنهم، وأكثرُ ما يجيء من ذمِّهم فإنَّما هو موقوف على الصحابة، من قولهم فيه، ثم حدثت بدعة الإرجاء بعد انقراض عصر الصحابة، فتكلَّم فيها كبار التابعين الذين أدركوها كما حكيناه عنهم، ثم حدثت بدعة التجهم بعد انقراض عصر التابعين، واستفحل أمرُها واستطار شرُّها في زمن الأئمَّة كالإمام أحمد، ثم حدثت بعد ذلك بدعةُ الحلول، وظهر أمرُها في زمن الحسين الحلاج، وكلَّما أظهر الشيطانُ بدعةً من هذه البدع وغيرها أقام اللهُ له من حزبه وجنده مَن يردُّها ويُحذِّر المسلمين منها؛ نصيحةً لله ولكتابه ولرسوله ولأهل الإسلام، وجعله ميراثاً يعرف به حزب رسول الله وولي سننه من حزب البدعة وناصرها)).
وهذه مقتطفات من كلام الخطيب البغدادي في أوصاف أهل السنَّة والحديث من كتاب شرف أصحاب الحديث، قال في (ص:8 ـ 9): ((وقد جعل الله تعالى أهلَه (أي الحديث) أركان الشريعة، وهدم بهم كلَّ بدعة شنيعة، فهُم أمناءُ الله من خليقته، والواسطة بين النبيِّ وأمَّته، والمجتهدون في حفظ ملَّته … وكلُ فئة تتحيَّز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأياً تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإنَّ الكتابَ عُدَّتُهم، والسنَّةَ حجَّتُهم، والرسولَ فئتُهم، وإليه نسبتهم، لا يعرِّجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يُقبل منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه والعدول، حفظة الدِّين وخزنته، وأوعية العلم وحملتُه)).
وقال في (ص:10): ((وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذُبُّ بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفَّاظ لأركانها، والقوَّامون بأمرها وشأنها، إذا صدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله، ألا إنَّ حزب الله هم المفلحون)).
وعلى هذا، فإنَّ ردودَ أهل السنَّة على أهل البدع عند ظهور البدع هو من قَبيل بيان الحقِّ عند ظهور الباطل، وليس مجرَّد ردود أفعال كما هو التعبير العصري. راجع الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي للإمام عبد المحسن العباد حفظه الله.
· … الإباضية وخلق القرآن.
ذهب المتأخرون من الإباضية إلى القول بخلق القرآن وقد أنكره منهم بعض علماء الإباضية
ومن هؤلاء العالم الإباضي أحمد بن النضر العماني صاحب الدعائم في قصيدته وعنوانها:
[الرد على من يقول بخلق القرآن]
ومطلعها:
يا من يقول بفطرة القرآن … جهلا ويثبت خلقه بلسان
لا تنحل القرآن منك تكلفا … ببدائع التكليف والبهتان
هل في الكتاب دلالة من خلقه .. أو في الرواية فأتنا ببيان.
إلى آخر القصيدة وراجع: الرد القويم البالغ: 157
ومن مشايخ الإباضية علي بن محمد البسوي صاحب كتاب الجامع فقد رد على من يقول بخلق القرآن ويراجع المصدر السابق.
وبعضهم ينكر القصيدة لكنها ثابتة بلا شك يراجع المصدر السابق.
والمتأخرون يخالفون القواعد المتفق عليها بين علماء الأمة ومن تلك القواعد أن المتأخرين يرجعون إلى سلفهم الذين سبقوهم علما وزمنا فالأصل قول العلماء السابقين لاعتبارات كثيرة منها:
1 العلماء السابقون أرسخ علما وأصح منهجا وأصفى قريحة من المتأخرين الذين اختلطت الأمور على كثير منهم لكثرة الأهواء وتشتت الآراء.
2 وثانيا فإننا نجد ما يؤيد ذلك الاعتبار وهو أن آراء العلماء السابقين واجتهاداتهم في هذه المسألة وهي القول بأن القرآن كلام الله تكلم به حقيقة وسمعه منه جبريل عليه السلام ونزل به على محمد صلى الله عليه وسلم متفقة مع نصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة.
ولذلك فأقوالهم أولى بالقبول من أقوال المتأخرين المخالفة للأصل الذي يحتكم إليه عند الاختلاف وهو الكتاب والسنة واتباع سبيل المؤمنين راجع: الرد القويم البالغ:225 226