بحث في استلحاق ابن الزنا إذا لم يكن لم يعرف له فراش (ملخص من بحث لبعض الأخوة):
• القول الأول: أن ولد الزنا لا يلحق بالزاني بأي حال من الأحوال، و هذا مذهب الأئمة الأربعة و أهل الظاهر.
وانتصر له ابن عبد البر كما سبق النقل عنه.
و أدلتهم:
– حديث عائشة رضي الله عنه الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: ” الولد للفراش وللعاهر الحجر “، و هو في الصحيحين.
و معنى الحديث؛ أن الزاني لا حظ له فى الولد و لا يلحق به نسبه. و العرب تقول لمن طلب شيئا ليس له: بفيك الحجر، تريد الخيبة. و قال بعضهم: للعاهر الحجر أي: للزاني الرجم بالحجر إذا كان محصنا، و العاهر: الزاني. و ضُعف بأنه ليس كل زان مرجوما، و لأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد. فالمعنى؛ له الخيبة لا النسب. قال الطيبي: أي الولد منسوب لصاحب الفراش أي المرأة، لأنه يفترشها الزوج. و الصاحب؛ السيد أو الزوج أو الواطئ بشبهة.
و وجه الإستدلال بالحديث أن إلحاق ولد الزنا بالزاني إلحاق للولد بغير الفراش، ومخالفة لحرمان العاهر.
قال ابن حزم الظاهري: نفى صلى الله عليه وسلم أولاد الزنا جملة بقوله عليه الصلاة والسلام ” وللعاهر الحجر ” فالعاهر – أي الزاني – عليه الحد فلا يلحق به الولد، و الولد يلحق بالمرأة إذا أتت به، ولا يلحق بالرجل، و يرث أمه و ترثه، لأنه عليه الصلاة والسلام ألحق الولد بالمرأة في اللعان ونفاه عن الرجل ”
قلت: إنما ألحقه بأمه في اللعان، لأنها كانت فراشا لزوج. و هذا لا خلاف فيه بين العلماء. و إنما البحث فيمن ليست بفراش.
– ما رواه عبداللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما أنه لما فتحت مكة على عهد رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قام رجل فقال إن فلاناً ابني عاهرت بأمه في الجاهلية فقال رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لا دِعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش و للعاهر الأثلب، قالوا: و ما الأثلب قال: الحجر “.
قالوا: أن النبي صلى الله عليه و سلم أنكر استلحاق ولد الزنا و عده من أمور الجاهلية ولم يستفسر عن حال الولد: هل هو على فراش أم لا.
و هذا يرده ما جاء في الحديث من التصريح بذكر الفراش، مما يدل على أن أم المستلحق كانت فراشا. قال عطاء: إنما ذلك لأن الناس في الإسلام ادعوا أولادا ولدوا على فرش رجال فقالوا: هم لنا. قال النبي صلى الله عليه و سلم: ” الولد للفراش وللعاهر الحجر ” رواه عبد الرزاق في ” مصنفه ” (12369)
– عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا مساعاة في الإسلام من ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته، و من ادعى ولداً من غير رشدة فلا يرث و لا يورث “.
أخرجه أبو داود (2/ 279، رقم 2264)، والبيهقي (6/ 259، رقم 12283). وأخرجه أيضًا: أحمد (1/ 362، رقم 3416)،
قالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم ألغى المساعاة في الإسلام: و هي الزنا عموماً و قيل في الإماء خاصة كن يسعين لمواليهن فيكسبن لهم بضرائب كانت عليهن، يقال ساعت الأمة: فجرت وساعاها فلان إذا فجر بها.
ثم إنه بيّن صلى الله عليه و سلم حكم ادعاء ولد الزنا أنه لا يرث ولا يورث، والإرث من لوازم النسب فيدل على أنه لا يلحق بالمدعي ولم يفصِّل في كون الأم فراشاً أو عدمه بل هو عام؛ لأن الشرط من ألفاظ العموم.
و يجاب عن هذا؛ أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة؛ قال الحافظ الهيثمي في ” مجمع الزوائد ” (4/ 227): فيه عمرو بن الحصين العقيلى وهو متروك. و لذلك قال الحافظ الذهبي في ” تلخيص المستدرك ” (4/ 380): لعله موضوع! و رواه أبو داود من وجه آخر بسند فيه مجهول. قلت: و هذا يغني عن الكلام فيه و الإشتغال به!
– الدليل الرابع:
عن عبداللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما ” أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى أن كل مستحلق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته، فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه، وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء وما أدرك من ميراث فله نصيبه، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره، و إن كان من أمة لا يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق ولا يرث – وإن كان الذي يدعي له هو ادعاه – فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة “، و في رواية: ” و هو ولد زنا لأهل أمه من كانوا حرة أو أمة “.
قلت: و هذا الحديث لايسعف أصحابه من وجهين:
الوجه الأول: أن في سنده مقالا؛ …. وبين الباحث انه تفرد به رواه لا يتحمل تفردهم بهذا الحكم
الوجه الثاني: على تقدير صحته، فإنه يحتمل أن المراد به أن تكون الزانية فراشًا لزوج أو سيد، فيكون خارجًا عن محل النزاع، ومؤكدًا للأحاديث التي استند عليها ما سبق من الإجماع. و الدليل إذا تطرق إليه الإحتمال بطل به الإستدلال!
– حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ” أيما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا، لا يرث ولا يورث”.
وهذا مثل الذي قبله؛ مداره على (عمرو بن شعيب)، رواه عنه (ابن لهيعة) قال الإمام أحمد: كان ابن لهيعة كتب عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، فكان بعد يحدث بها عن عمرو نفسه. اهـ ” الميزان ” للذهبي (2/ 476)
• القول الثاني: أن ولد الزنا يلحق بالزاني إذا استلحقه، ولم تكن أمه فراشًا لزوج أو سيد،
و رجح هذا القول ابن تيمية رحمه الله، فقد جاء في الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية تأليف البعلي (ص400) ما نصه: و إن استلحق ولده من الزنا ولا فراش لحقه، و هو مذهب الحسن و ابن سيرين و النخعي و إسحاق.
و تبعه تلميذه ابن القيم رحمه فقال في ” الزاد ” (5/ 374): و هذا المذهب كما تراه قوة و وضوحا، و ليس مع الجمهور أكثر من ” الولد للفراش “. و صاحب هذا المذهب أول قائل به، و القياس الصحيح يقتضيه؛ فإن الأب أحد الزانيين، و هو إذا كان يلحق بأمه و ينسب إليها و ترثه و يرثها و يثبت النسب بينه و بين أقارب أمه مع كونها زنت به، و قد وجد الولد من ماء الزانيين، و قد اشتركا فيه و اتفقا على أنه ابنهما، فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدعه غيره. اهـ
و ارتضاه بعض الحنابلة، كما في ” الفروع ” لابن مفلح (5/ 402):
و دليل هؤلاء:
– قصة جريج الراهب: قالوا: فهنا نسب ابن الزنا للزاني و صدّق الله نسبته بأن أنطق الصبي بذلك وأخبر بذلك النبي في معرض المدح و إظهار الكرامة. فالنسبة صحيحة شرعا، وهو من شرع من قبلنا، و هو حجة في شرعنا ما لم يرد ما يخالفه. قال ابن القيم في ” الزاد ” (5/ 426): و هذا إنطاق من الله لا يمكن فيه الكذب. اهـ
– قياس نسبة ولد الزنا لأبيه على نسبته لأمه فهو ينسب لأمه باتفاق أهل العلم فكذا ينسب لأبيه فهما مشتركان في الزنا ولا فرق.
الترجيح:
الأصل هو تقدير السلامة، و تشوف الشارع لإلحاق الأنساب – يترتب عليه أن ينسب كل ولد مجهول النسب إلى مدعيه مطلقاً و يعتبر هو الأصل إلا إن امتنع إلحاقه بذلك المدعي عقلاً أو شرعاً، فالذي يمتنع عقلا هو استلحاق الشخص لمن هو أكبر منه أو مساوٍ له أو أصغر منه بقدر يسير أقل من عمر من يتصور منه الوطء والإنزال.
أما الذي يمتنع شرعاً فهو ما ورد به النص الصحيح بمنع النسب صريحاً كمنع استلحاق الزاني للولد في حالة الفراش.
كذا رجح واستدل بعضهم له باستلحاق معاوية لزياد، وعارضه آخرون بأن معاوية نفسه حكم في واقعة بعدم الاستلحاق فلما عورض باستلحاقه زياد، قال: قضاء النبي صلى الله عليه وسلم يقدم على قضاء معاوية، وأبو بكرة كذلك ما زال هاجرا لزياد منكرا عليهم هذا الاستلحاق، وكذلك انكر عليهم صحابه آخرون.
ولا أدري وجه الدلالة في قصة زياد لهذا القول لأنه كان له فراش. فقد يكون علم معاوية أن أباه أتى ام زياد، ومن اعترض عليه رأوا انه لم يأتها، ثم هو كان في الجاهلية.
المهم قول ابن تيمية قوي، وقول الجمهور احوط.