الفوائد المنتقاه من شرح صحيح مسلم –
المقام في مسجد الشيخة /سلامة في مدينة العين
ألقاه الأخ : سيف الكعبي
بالتعاون مع الأخوة في مجموعات السلام والمدارسة والتخريج رقم 1
من عنده تعقيب أو تنبيه فليفدنا
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
باب : لكل داء دواء. واستحباب التداوي
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عزوجل )
الفوائد :
-ورد في سنن أبي داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه( إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام )
فالوسيلة إذا كانت موصلة إلى المقصود لكنها غير مأذون بها ؛ فإن الشارع يلغيها؛ قال ابن القيم( وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث ).
وقلت : ومنه تعلم بطلان قاعدة : الغاية تبرر الوسيلة.
وقال لي بعض الأفاضل : طهارة الغاية تستلزم طهارة الوسيلة.
– في حديث شريك زيادة( … علمه من علمه وجهله من جهله )، ويستثنى الموت؛ ففي الحديث (إلا داء واحداً، قالوا :يا رسول الله وما هو؟ قال :الهرم ).
– الجهل له دواء وهو سؤال العلماء؛ لكن من انغمس في الحماقة والعناد ، فلا علاج له إلا أن يشاء الله.
-فيه رد على القائلين أن السحر لا يفكه إلا السحر، قال ابن تيمية : وَفِي الِاسْتِشْفَاءِ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَا يُغْنِي عَنْ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ . وَالْمُسْلِمُونَ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَاتِ كَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يَتَنَازَعُونَ فِي أَنَّ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ بِحَالِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ حَالٍ وَلَيْسَ هَذَا كَالتَّكَلُّمِ بِهِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ . فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ، وَالتَّكَلُّمُ بِهِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا كَانَ بِقَلْبِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بِهِ مَعَ طُمَأْنِينَةِ قَلْبِهِ بِالْإِيمَانِ لَمْ يُؤَثِّرْ . وَالشَّيْطَانُ إذَا عَرَفَ أَنَّ صَاحِبَهُ مُسْتَخِفٌّ بِالْعَزَائِمِ لَمْ يُسَاعِدْهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُكْرَهَ مُضْطَرٌّ إلَى التَّكَلُّمِ بِهِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إبْرَاءِ الْمُصَابِ بِهِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَدْ لَا يُؤَثِّرُ أَكْثَرَ مِمَّا يُؤَثِّرُ مَنْ يُعَالِجُ بِالْعَزَائِمِ فَلَا يُؤَثِّرُ بَلْ يَزِيدُهُ شَرًّا . وَالثَّانِي : أَنَّ فِي الْحَقِّ مَا يُغْنِي عَنْ الْبَاطِلِ . مجموع الفتاوى 19/61.
– الأخذ بالأسباب، ففيه رد على الذين ينفون أن للأسباب تأثيرا، وأهل السنة يقولون أن لها تأثيرا بقدرة الله عزوجل.
– لكل مشكلة حل والفرج قريب؛ ومنه قوله تعالى( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ). وأعظم علاج للمصائب والملمات الإستعانة بالله والدعاء والصبر مع أخذ الأسباب.
وعلاج صاحب العداوة إن خشيت منه أو أحببت تأليف قلب أتباعه بالمداراة.
وعلاج الذنوب بالإستغفار.
-مشروعية التداوي وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها(الزاد لابن القيم 4/14)
– الخمر ليست علاج فقد ورد في الحديث؛ وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر؛ فقال 🙁 إنه ليس بدواء، ، ولكنه داء ) أخرجه مسلم 1984. فعلى هذا يمكن أن يفسر قوله تعالى( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) بالمنافع المالية. وعلى فرض أن فيها نوع شفاء فضررها يقيني خاصة على الدماغ. وعلى هذا يحرم تعاطي القات والمخدرات والسموم. والضرورات تبيح المحضورات.
وفيه رد على القائلين : بأن الموسيقى علاج للقلب.
واستدل من أجاز التداوي بالحرام؛ بأنه كأكل الميتة، قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى 3/5 : أنه فرق بين عدم الأكل من الميتة في حال الإضطرار وترك التداوي يعني بالمحرم؛ الأخير محتمل للبرأ بدون الدواء المحرم… إلى آخر كلامه رحمه الله.
– حديث( داووا مرضاكم بالصدقة ) ضعفه بعض الباحثين، وخالفه آخرون فصححوا بعض طرقه. لكن معناه صحيح؛ لأن الصدقة تعتبر دعاء بلسان الحال.
-نقل النووي؛ أن المازري رد على بعض من في قلبه مرض حيث ادعى فقال: الأطباء مجمعون على أن العسل مسهل فكيف يوصف لمن به الإسهال، ومجمعون أيضا أن استعمال المحموم الماء البارد مخاطرة قريب من الهلاك لأنه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم فيكون سببا للتلف، وينكرون أيضا مداواة ذات الجنب بالقسط مع ما فيه من الحرارة الشديدة ويرون ذلك خطرا. قال المازرى وهذا الذى قال هذا المعترض جهالة بينة وهو فيها كما قال الله تعالى( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) ونحن نشرح الأحاديث المذكورة فى هذا الموضع فنقول قوله صلى الله عليه وسلم ( لكل داء دواء فاذا أصيب دواء الداء برئ باذن الله ) فهذا فيه بيان واضح لأنه قد علم أن الأطباء يقولون المرض هو خروج الجسم عن المجرى الطبيعى والمداواة رده إليه وحفظ الصحة بقاؤه عليه فحفظها يكون باصلاح الأغذية وغيرها ورده يكون بالموافق من الأدوية المضادة للمرض وبقراط يقول الأشياء تداوى بأضدادها ولكن قد يدق ويغمض حقيقة المرض وحقيقة طبع الدواء فيقل الثقة بالمضادة ومن ها هنا يقع الخطأ من الطبيب فقط فقد يظن العلة عن مادة حارة فيكون عن غير مادة أو عن مادة باردة أو عن مادة حارة دون الحرارة التى ظنها فلا يحصل الشفاء فكأنه صلى الله عليه و سلم نبه بآخر كلامه على ما قد يعارض به أوله فيقال: قُلتَ: لكل داء دواء ونحن نجد كثيرين من المرضى يداوون فلا يبرءون فقال انما ذلك لفقد العلم بحقيقة المداواة لا لفقد الدواء وهذا واضح والله أعلم( شرح النووي )
قلت : وتكلم ابن القيم عن حديث الرجل الذي قال في العسل: ما زاده إلا استطلاقا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:( صدق الله وكذب بطن أخيك؛ اسقه عسلا، فسقاه، فاستمسك )كذا حفظي للحديث ، وبين ابن القيم كيف أن العسل في أول جرعة نظف جدار المعدة من الأخلاط الرديئة التي جعلته أملس لا يمسك الطعام ثم كذا الجرعة الثانية نظفت أكثر ثم الجرعة الثالثة هي التي أخرجت بقية الأخلاط فاستمسك بإذن الله.
وتكلم ابن القيم في الزاد بكلام نفيس حول الطبيب الحاذق وأنه الذي يعرف العلة ويعرف الدواء المناسب لها ومقداره وزمنه . (انظر زاد المعاد)
– أحاديث الأمر بالتداوي لا تعارض حديث المرأة التي كانت تصرع فأوصاها النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر، فبعض الأمراض ترك مداواته يفضي إلى تلف الشخص أو أحد أعضائه أو عجزه أو يكون المرض من الأمراض المعدية، فهنا يجب التداوي، ويكون مندوبا إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن( راجع بحوث المجمع الفقهي ).
ويمكن أن يوجه حديث المرأة التي تصرع ؛ بأنها سألت الإسترقاء
بل نقل وجوب التداوي عن أصحاب الشافعي وبعض الحنابلة.
قلت :خاصة بمن يعول أسرة، أو قائم بتدريس الناس أو موكل له شئ من شؤون الأمة لا يقوم به غيره، وما نقل عن بعض الأئمة أنه فضّل عدم التداوي يمكن أن يوجه كلامه بأن يكون تعاطي هذا النوع من الدواء ظني.
وإلا ثبتت النقولات الكثيرة عن تداوي الأنبياء والعلماء والصالحين؛ فمنها :
هذا الحديث؛ وحديث أنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن زرارة من الشوكة ) وحسم سعد بن معاذ، وكان صلى الله عليه وسلم يرقي أصحابه ويأمرهم بالتداوي، ورقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا لسعد بن أبي وقاص بالشفاء. وكذا عائشة رضي الله عنها؛ لما سألت؛ من أين تعلمت الطب؟ قالت :كان يأت الناس فيصفون الدواء للنبي صلى الله عليه وسلم.
أما ما ورد في النهي عن التداوي؛ فلا يصح فيه حديث، وما نقل عن بعض الصحابة؛ أنه قيل له ألا نأتي لك بطبيب؛ قال : الطبيب أمرضني. فيمكن أن يحمل أنه كان في مرض الموت. وحديث المرأة التي تصرع سبق توجيهه.
– بالنسبة لحديث الباب( لكل داء دواء…) يحتمل أنه من باب العام الذي يراد به الخصوص، ومنه حديث( إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام… )، ويمكن أن يبقى على عمومه وأن يكون دواء لكن قد يحتاج أحيانا إلى أن يضاف إلى غيره.
وحديث الباب كذلك يمكن أن يبقى على عمومه وأن لكل داء دواء لكن يكون الله عزوجل طوى علمها عن البشر وقد لا يعرفه الناس في زمان، ويعرفه آخرون، وكم من أمراض لم يكن يعرف الناس لها علاج، وجد لها المتأخرون أدوية.
-الحديث فيه تقوية لنفس المريض إذا علم أن لمرضه دواء، ومنه( التلبينة مجمة لفؤاد الحزين )، ولا يخفى أهمية العلاج النفسي للمريض، فإذا أجتمع لدى الطبيب هذان العلاجان النفسي والبدني، كان طبيبا حاذقا.
ومن حذق الطبيب في العلاج البدني؛ أن لا يسرع إلى إستفراغ العلة قبل إنضاجها، بل يعالجها بالأدوية حتى تنضج فإذا نضجت يستطيع بعد ذلك إخراجها أو يبقي الجسم مستقرا إذا لم يعرف العلة حتى يستطيع الجسم مقاومة العلة … وانظر بحوث مطولة في زاد المعاد حول علاج العلة.
– فيه فضيلة البحث عن العلاجات لأمراض القلوب والأبدان.
– الحث على البحث العلمي، وتعلم العلوم الدنيوية ونفع الآخرين، فمنه حديث( أنتم أعلم بأمور دنياكم ).
ومن أفضلها علم الطب ومنه قوله تعالى (فلينظر الإنسان مم خلق ) وكذلك علم الفلك قال تعالى (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ) وكذلك العلوم الحربية ومنه قوله تعالى( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ومنه حديث ( ألا إن القوة الرمي ) وعلوم الزراعة والحيوان والبحار وغيرها من العلوم الشريفة.
وكلما كان العلم أنفع للأمة الإسلامية كان هو أفضل، لكن لا بد أن تصاحبه نية حسنة.
– لخلق الأمراض حكمة؛ فهي للمسلم كفارة وأجر، وللمقصر تكفير وتذكير.
– فيه ذكر دليل على وحدانية الخالق من تقلب أحوال العبد وأنه المدبر لذلك من حال الصحة والمرض، والموت والحياة، والنوم والانتباه، والفقر والغنى، والعجز والقدرة. قال تعالى( ألا له الخلق والأمر ) وقال تعالى (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) وقال تعالى (الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين والذي يميتني ثم يحين ) الشعراء 78
-خلق الله عزوجل لكل شئ ما يناسبه، فإذا لم يوضع الشئ المناسب في الشخص المناسب وفي المكان المناسب وفي الوقت المناسب لم ينفع . ومنه العلة التي خلقها الله عزوجل إذا عولجت بدواء غير دوائها كيفاً وكماً لم تبرأ.
– فيه معنى إسم الله عزوجل الشافي والحكيم والقدير.
– فيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فقد ذكرنا أن الطب الحديث ما زال يكتشف أدوية لأمراض لم يعرف لها علاج، بل بعضها لم يكن يعرف فيه نوع العلة والمرض.
– فيه الرد على الجبرية ومن شبههم قوله تعالى( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا).
فإن قال :قدَّر الله عزوجل عليَّ عدم طاعته وعصيانه ، قيل له :قدَّر الله عزوجل له سبب فإن أتيت بالسبب نجحت، فإن قال : إن قدَّر الله عزوجل أن آتي بالسبب أتيت به، ولم يقدِّر الله عزوجل لي ذلك.
نقول : هل تقبل ذلك في أمور دنياك وتحصيل الأموال؟ وهل تقبل ذلك من أجيرك، بأن لا يعمل لك وقد أخذ أجرته، ويقول لك لم يقدر الله لي العمل؟
– إثبات القدر ومنه؛ قال أبوعبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟. أخرجه البخاري ومسلم.
– ورد من حديث أبي هريرة قال( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث ) أخرجه أحمد 8048 وهو في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ولا في الصحيح المسند.
فاختلف الأئمة في جواز التداوي بالنجاسات
قال النووي في المجموع : إذَا اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الدَّمِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَائِعَةِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ، جَازَ لَهُ شُرْبُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ اُضْطُرَّ وَهُنَاكَ خَمْرٌ وَبَوْلٌ لَزِمَهُ شُرْبُ الْبَوْلِ، وَلَمْ يَجُزْ شُرْبُ الْخَمْرِ بِلَا خِلَافٍ.انتهى
فعلى هذا الترجيح يجوز زراعة شريان خنزير للقلب أو بنكرياس إذا لم يجد بديل.
أما مادة الجلاتين المستخرجة من الخنزير أو الميتة فلا يجوز استعمالها، لأنه يمكن تستخرج من مأكول اللحم ذكي ذكاة شرعية.
– قال نصراني للمسلمين :ليس في كتابكم شئ من الطب.
فقال له علي بن الحسين بن واقد :جمع الله الطب في نصف آية قال تعالى( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ). الآداب لابن مفلح