50 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
————–
مسند أحمد 14529 – حدثنا روح، حدثنا زكريا، حدثنا أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها، وذلك في رمضان، فصام رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فضعف ضعفا شديدا، وكاد العطش أن يقتله، وجعلت ناقته تدخل تحت العضاه، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ” ائتوني به “، فأتي به، فقال: ” ألست في سبيل الله، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أفطر “، فأفطر
قلت سيف : على الشرط وأخرجه البخاري 1946، ومسلم 1115 والسياق عند أحمد فيه بعض الاختلاف
-_-_-_-_-__-_-_
الصيام في السفر
الحديث يبين أن للصائم له الفطر اذا كان يشق عليه سواء كان في رمضان أو غيره ، و بين أهل العلم في مصنفاتهم ، هل الأفضل له الفطر أم الصوم أم الأمر متماثل؟ ، فأليكم أقوالهم
اختلف أهل العلم على ثلاثةأقوال
قال الصنعاني : وأما الأفضل فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن الصوم أفضل للمسافر حيث لا مشقة عليه ولا ضرر فإن تضرر فالفطر أفضل.
وقال أحمد وإسحاق وآخرون الفطر أفضل مطلقا واحتجوا بالأحاديث التي احتج بها من قال: لا يجزئ الصوم قالوا: وتلك الأحاديث وإن دلت على المنع لكن حديث حمزة بن عمرو الآتي وقوله «ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» أفاد بنفيه الجناح أنه لا بأس به لا أنه محرم ولا أفضل واحتج من قال بأن الصوم الأفضل أنه كان غالب فعله – صلى الله عليه وسلم – في أسفاره ولا يخفى أنه لا بد من الدليل على الأكثرية وتأولوا أحاديث المنع بأنه لمن شق عليه الصوم.
وقال آخرون: الصوم والإفطار سواء لتعادل الأحاديث في ذلك وهو ظاهر حديث أنس «سافرنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم» وظاهره التسوية. سبل السلام ( 1/ 574 – 575 )
و جاء عند ابن خزيمة في صحيحه :
باب ذكر تخيير المسافر بين الصوم والفطر، إذ الفطر رخصة، والصوم جائز ” مع الدليل على أن قوله: «ليس البر» ، و «وليس من البر الصوم في السفر» على ما تأولت؛ لأن الصوم في السفر ليس من البر، إذ ما ليس من البر، فمعصية، ولو كان الصوم في السفر معصية، لما جعل للمسافر الخيار بين الطاعة والمعصية، والنبي صلى الله عليه وسلم خير المسافر بين الصوم والإفطار ”
بوب البخاري( قوله باب الصوم في السفر والافطار )
قال الحافظ في الفتح ( 4 / 179 ): أي إباحة ذلك وتخيير المكلف فيه سواء كان رمضان أو غيره.
و قال أيضا ( 4 / 180 ) : قوله أأصوم في السفر الخ قال ابن دقيق العيد ليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان فلا يكون فيه حجة على من منع صيام رمضان في السفر، قلت : وهو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب لكن في رواية أبي مراوح التي ذكرتها عند مسلم أنه قال : يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة وذلك أن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال : يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وأنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون علي من أن اؤخره فيكون دينا علي فقال : أي ذلك شئت يا حمزة.
قال النووي على شرح مسلم ( 7/ 211): وفي هذا الحديث جواز الصوم في السفر وتفضيله على الفطر لمن لا تلحقه بالصوم مشقة ظاهرة .
قال العثيمين : وأما السفر فإنه ينقسم كالمرض أيضا إلى ثلاثة أقسام قسم يضره الصوم ويشق عليه مشقة شديدة بسبب سفره مثل أن يسافر في أيام الحر والأيام الطويلة ويعلم أن لو صام لتضرر به وشق عليه مشقة غير محتملة فهذا يكون عاصيا إذا صام والدليل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصوم وهم في سفر فدعا بماء فشربه والناس ينظرون إليه حتى لا يكون في صدورهم حرج إذا أفطروا وكان ذلك بعد العصر ولكن بعض الصحابة رضي الله عنهم بقوا على صومهم فجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له : إن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة فوصفهم بالعصيان لأنهم لم يقبلوا رخصة الله مع مشقة ذلك عليهم مشقة شديدة.
والقسم الثاني : من يشق عليه مشقة ولكنها محتملة فهذا يكره له الصوم وليس من البر أن يصوم ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، قال: ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصيام في السفر.
والقسم الثالث: من لا يتأثر بالسفر إطلاقا يعني صائم ولا يتأثر لأن النهار قصير والجو بارد ولا يهمه فهذا اختلف فيه العلماء أيهما أفضل يفطر أو يصوم أو يخير والصحيح أن الأفضل أن يصوم؛ لأن ذلك أشد اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أيسر على المكلف فإن الصيام مع الناس أيسر من القضاء ولأنه أسرع في المبادرة في إبراء الذمة ولأنه يوافق الزمن الذي يكون فيه الصوم أفضل وهو شهر رمضان فمن أجل هذه الأربعة كان الصوم أفضل.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في حر شديد حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وكان الصيام في السفر وأكثرنا ظلا صاحب الكساء وما فينا صائم إلى رسول الله وعبد الله بن رواحة) .
هذا حكم الصوم في السفر والسفر عام فيمن يسافر للعمرة أو يسافر لغير ذلك وفيمن سفره دائم وسفره عارض وعلى هذا فإن أصحاب سيارات الحمولة يفطرون ولو كان سفرهم مستمرا لأن لهم وطنا يأوون إليه فإذا فارق الرجل الوطن فهو مسافر فإن سأل سائل متى يصومون قلنا يصومون في أيام الشتاء أو إذا قدموا إلى بلدهم. شرح رياض الصالحين ( 5/ 264 – 265 ).
سئل العلامة العباد حفظه الله
السؤال: أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالإفطار عام الفتح، هل كان لكونهم في سفر أم لكونهم ذهبوا في الغزو؟
الجواب: لكونهم ذهبوا للغزو، وأما الصوم في السفر فجائز، فيجوز للإنسان أن يصوم في السفر ويجوز له أن يفطر، وهذا إذا كان يترتب عليه مشقة فالفطر أولى، وإذا كان لا يترتب عليه مشقة فالصيام أولى؛ لأنه إبقاء على الوقت وتخلص من الدين أن يقع في ذمته، لأنه قد ينشغل عنه، وقد يترتب عليه تأخيره، فيبادر بالصيام ما دام أنه ليس عليه فيه مشقة. شرح سنن ابي داود
إذا تبين هذا فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ” و من أحب أن يصوم فلا جناح عليه ” ، لا يدل إلا على رفع الإثم عن الصائم ، و ليس فيه ما يدل على ترجيح الإفطار على الصيام ، و لكن إذا كان من المعلوم أن صوم رمضان في السفر عباد بدليل صيامه صلى الله عليه وسلم فيه ، فمن البدهي حينئذ أنه أمر مشروع حسن و إذا كان كذلك فإن وصف الإفطار في الحديث بأنه حسن ، لا يدل على أنه أحسن من الصيام ، لأن الصيام أيضا حسن كما عرفت ، و حينئذ فالحديث لا يدل على أفضلية الفطر المدعاة ، بل على أنه و الصيام متماثلان .
و يؤكد ذلك حديث حمزة بن عمرو من رواية عائشة رضي الله عنها : أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم ، فأصوم في السفر ؟ قال: ” صم إن شئت ، و أفطر إن شئت ” . [ السلسلة الصحيحة ، 1 / 193 ]
قال الجامع ( العلامة محمد ادم الأثيوبي ) – عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الأرجح في هذه المسألة قول من قال: إن ما كان أيسر على المسافر من الصوم أو الفطر هو الأفضل، كما تقدّم عن عمر بن عبد العزيز، وابن المنذر –رحمهما اللَّه تعالى–؛ لأن اللَّه تعالى شرع الفطر للمرض، والسفر، بقوله: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ثم أتبعه بقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، بيانا لحكمة تشريع الفطر للأمرين المذكورين، فكلّ ما كان أيسر على المكلّف كان هو محلّ إرادة الشارع.
والحاصل أن من يكون الصوم أيسر عليه من الفطر في حال السفر، ويشقّ عليه قضاؤه بعده يكون الصوم في حقّه أفضل، ومن كان الصوم عليه أشقّ فالفطر في حقّه أفضل، وكذا من ثقل على قلبه قبول الرخصة، فإن الفطر في حقّه أفضل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل. شرح المجتبى ( 21/ 141).