الذب عن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى
1قال الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله تعالى في كتابه الانتصار لكتاب العزيز الجبار ص (402):ـ
1 – روى فلان في تفسيره المسمى بالصافي (2/ 108) عن محمد الباقر أنه قال: أما لو قام قائمنا ردت الحميراء (أي أم المؤمنين عائشة الصديقة -رضي الله عنها-) حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد صلى الله عليه وآله فاطمة -رضي الله عنها- منها، قيل: ولم يجلدها؟ قال: لفريتها على أمِّ إبراهيم، قيل: فكيف أخره الله للقائم؟ قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة، وبعث القائم عليه السلام نقمة (1) “.
أقول:
عائشة -رضي الله عنها- المؤمنة الصادقة أم المؤمنين الشريفة الطيبة النزيهة التي اختارها الله لرسوله فكانت أحب أزواجه إليه، ومات في بيتها وبين حاقنتها وذاقنتها؛ لحبه إياها وإكرامه لها، برأها الله من فوق سبع سماوات في عشر آيات يتلوها المؤمنون من عهد نزولها في مشارق الأرض ومغاربها.
قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) الآيات (11 – 20) من سورة النور.
فالمؤمنون من عهد الصحابة إلى يومنا هذا يُحسنون الظن بأم المؤمنين قبل أنفسهم، ويقولون فيما رُميت به: هذا إفك مبين، ويقولون عند تلاوة هذه الآيات ردّاً على الأفَّاكين: (سبحانك هذا بهتان عظيم).
أمَّا أعداء الله تعالى فيحبُّون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا، ويُؤكدونها بافتراءاتهم على عرض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
والمؤمنون من عهد نزول هذه الآيات إلى يومنا هذا يؤمنون ببراءة عائشة زوج رسول الله الطاهرة -رضي الله عنها-، ويحبونها ويعتبرونها أم المؤمنين وأفضل زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهن وأتقاهن، ويختلف العلماء أيهما أفضل عائشة أو خديجة -رضي الله عنهما-.
والله يقول في سورة النور: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة وأجر كريم) (سورة النور:26)، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الطيبين، وزوجه عائشة من أفضل السيدات الطيبات بشهادة الله لها وإبرائه إياها، والذي يطعن فيها إنما يقصد الطعن في رسول الله ويقصد تكذيب الله وما أنزل الله في شأنها من قرآن.
ولا يطعن في عرض رسول الله إلا المنافقون أخبث الخبثاء والخبيثات.
فانظر هذا الحط على رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن فيه، فعائشة -رضي الله عنها- طعن فيها المنافقون – وبرأها الله -، ووراثهم يطعنون فيها.
من سورة النُّور
2 – قال القمي في تفسيره (2/ 99):”وأما قوله: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) فإنَّ العامة – (ويقصد بهم الصحابة وأهل السنة) – رَوَوْا أنَّها نزلت في عائشة وما رُمِيَت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة.
قال: وأما الخاصة – (ويقصد بهم الروافض) – فإنَّهم رَوَوْا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة (والمنافقات) ” اهـ.
والظاهر أنه يقصد بالمنافقات زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وساق قصة مكذوبة على عائشة -رضي الله عنها- مدارها على زرارة الرافضي الأفاك فقال: حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال قال حدثنا عبد الله (محمد) بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر –رحمه الله- يقول: لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن عليه حزنا شديدا فقالت عائشة ما الذي يحزنك عليه فما هو إلا ابن جريح، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا و أمره بقتله فذهب علي -رضي الله عنه- إليه و معه السيف و كان جريح القبطي في حائط و ضرب علي -رضى الله عنه- باب البستان فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب فلما رأى عليا -رضى الله عنه- عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا و لم يفتح الباب فوثب علي -رضى الله عنه- على الحائط و نزل إلى البستان و اتبعه وولى جريح مدبرا فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة و صعد علي –رضى الله عنه- في أثره فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فإذا ليس له ما للرجال و لا ما للنساء فانصرف علي -رضى الله عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالمسمار المحمي في الوتر أم أثبت قال فقال لا بل اثبت، فقال والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال و لا ما للنساء فقال رسول الله صلى عليه وسلم الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت.
أقول:
وحاشا أبا جعفر الشريف الهاشمي من هذه القرية.
وأهداف الروافض من هذه الفرية:
1 – أن عائشة ما زالت متهمة بالزنا عند الروافض؛ لأن هذه الآيات العشر لم تنزل في براءتها وإنما نزلت في براءة مارية التي قذفتها عائشة كما يفتري عليها الروافض.
2 – الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدرجة الأولى؛ لأن عائشة بقيت في عصمته ست سنوات بعد قصة الإفك إلى أن مات في بيتها وهي في عصمته، وهذا رمي من الخبثاء لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرفه وكرامته ورسالته ورجولته، إذ من عنده أدنى رجولة وشهامة لا يبقي في عصمته امرأة رميت بالزنا ولم تثبت براءتها، وهذا ما يهدف إليه الروافض، وهذا حالها عند الروافض، فأي طعن خبيث في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم يفوق هذا الطعن.
3 – وما اكتفى الخبثاء حتى افتروا على عائشة أنها قذفت مارية بالزنا؛ ليصوروا للناس -بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطهر بيت على وجه الأرض-بأنه شر بيت فيه شر النساء! ألا ساء ما يزرون وما يأفكون، فزوجات رسول الله قال الله فيهن: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن)، فكنّ رضوان الله عليهن أفضل النساء تقوى وأخلاقاً، وسماهن الله بأمهات المؤمنين تكريماً لهن، قال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وقال تعالى فيهن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّسَرَاحاً جَمِيلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإنَّ الله أعدَّ للمحسنات منكن أجرا عظيماً) (الأحزاب: 28 – 29).
4 – فما كان منهن -رضي الله عنهن- لما عرض عليهن رسول الله هذا التخيير إلا أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وعلى رأسهن وفي مقدمتهن عائشة -رضي الله عنها-.
والروافض تغيظهم هذه المكرمة العظيمة لزوجات رسول الله الشريفات المطهرات ولا يعترفون بها.
وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائل عائشة -رضي الله عنها- وأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وفضائلها كثيرة وكانت أعلم نساء العالمين، وكان الصحابة يعظمونها ويعترفون بمنزلتها العلمية ويرجعون إليها فيما يشكل عليهم ويختلفون فيه، ويثقون بحديثها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية الثقة.
5 – مما يبطل فرية الروافض – في أن قول الله تعالى في سورة النور: (إنَّ الذين جاؤُوا بالإفك عصبة منكم … ) الآيات العشر إنما نزلت في تبرئة مارية مما قذفتها به عائشة – (وحاشاها ألف مرة) – أن حديث الإفك ونزول هذه الآيات كان في غزوة بني المصطلق سنة أربع أو خمس أو ست على أقوال وأرجحها أنه كان في سنة خمس، وأن بعث المقوقس بمارية القبطية إلى رسول الله كان عام مكاتبة رسول الله ملوك الأرض سنة سبع أو ثمان أرجحهما أنه كان سنة ثمان وذلك بعد غزوة بني المصطلق التي حصل فيها القذف والتي سلف آنفاً تاريخها، فنزول الآيات في براءة عائشة كان قبل مجيء مارية بحوالي ثلاث سنوات، فكيف ينزل في شأنها قرآن وهي في مصر على دين قومها، وكيف حصل هذا القذف المزعوم وهي في بلادها من وراء السهوب والبحار.
وإذاً فالقرآن والسنة والواقع التاريخي وإجماع الأمة كلها تفضح الروافض وترد كيدهم وإفكهم على أفضل رسول وأفضل وأطهر بيت عرفه التاريخ وعرفته الدنيا، فهذا موقف الإسلام وما يدين به المسلمون من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامه وتنزيه عرضه مما يدنسه أو يمسه من قريب أو بعيد وإكرام أهل بيته وأزواجه وصحابته الكرام.
وذلك ضد وخلاف ما يرتكبه الروافض من بهت وإفك وتشويه بالطرق الواضحة والخفية والملتوية، واللهُ لهم ثم المؤمنون بالمرصاد، يفضحون مكائدهم وحربهم على الإسلام والمسلمين بشتى الطرق ومختلف الأساليب.
ولم يكتف الروافض بهذا البهتان العظيم، بل أضافوا إلى ذلك أن جعلوا عائشة -رضي الله عنها- طاعنة في عرض رسول الله الآخر مارية أم إبراهيم، ويهدفون من ذلك إلى رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يقر هذا الطعن ولا يقيم الحد؛ لأنه كما زعموا جاء بالرحمة لتمرير طعنهم فيه، وتناسوا أنه أشد الناس غيرة لمحارم الله، وأقوم الناس بحدود الله على من يستحق أن يقام عليه الحد، حتى قال لأسامة حِبه وابن حِبه: (أتشفع في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، ويزعم هؤلاء الروافض أن إمامهم المعدوم المزعوم أنه سيقيم الحد عليها الذي لم يقمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل ترى أشدَّ منهم حقداً وافتراءً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشد طعناً فيه وفي أهل بيته؟!
فقبح الله وأخزى الروافض الحاقدين على رسول الله والطاعنين فيه، ووالله ما يقصدون بالطعن في أصحاب رسول الله وزوجاته بل الطعن في القرآن إلا الطعن في رسول الله ورسالته العظيمة.
وأما العداوة التي يفتعلها الروافض بين فاطمة وعائشة -رضي الله عنهما- فيدحضها موقف عائشة -رضي الله عنها- البريء الشريف من فاطمة -رضي الله عنها- وروايتها لفضائلها.
قال الإمام البخاري -رحمه الله-: حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن فراس عن عامر الشعبي عن مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:”أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:”مرحباً يا ابنتي”، ثم أجلسها عن يمينه – أو عن شماله-، ثم أسر إليها حديثاً فبكت فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها، فقالت: أسر إليَّ إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، فبكيت فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة -أو نساء المؤمنين- فضحكت لذلك”، صحيح البخاري، المناقب (3623) (3624)، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة برقم (2450) وبالرقم الخاص 97 – 98 – 99 وأحمد في المسند (6/ص282).
فانظر إلى هذه الفضائل العظيمة التي ترويها لنا عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها ما تصف به فاطمة عن قناعة بها.
كما روت عائشة -رضي الله عنها- فضائل خديجة، ومن ذلك “بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ببيت بالجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب”، رواه الترمذي المناقب عن رسول الله – فضل خديجة -رضي الله عنها- (3876)، وقال هذا حديث صحيح، وقال عقبه: من قصب: إنما يعني به قصب اللؤلؤ.
فهذا من أعظم الأدلة على منزلة فاطمة وأمها عند عائشة وحبها وتقديرها لهما، ونقول مثل ذلك في فاطمة -رضي الله عنها- أنها تحب عائشة وتقدرها.
ولا يفتعل العداوة بينهما إلا الروافض كما يفتعلون العداوة بين أهل البيت وبين الصحابة، وتاريخ الجميع الصحيح يفضح الروافض أعداء الجميع، ويكفي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأزواجه تزكية الله وتزكية رسوله لهم وشهادة الله لهم بالجنة والرضوان وتعظيم المسلمين حقاً لهم، ولا يضرهم حقد وأكاذيب الأعداء ومن على نهجهم.
من سورة الحجرات
وقال القمي (2/ 318 – 319):
“وقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ فإنها نزلت في مارية القبطية أم إبراهيم ع
وكان سبب ذلك أن عائشة قالت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إن إبراهيم ليس هو منك و إنما هو من جريح القبطي فإنه يدخل إليها في كل يوم، فغضب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم و قال لأمير المؤمنين -رضي الله عنه- خذ السيف وأتني برأس جريح فأخذ أمير المؤمنين -رضي الله عنه- السيف ثم قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنك إذا بعثتني في أمر أكون فيه كالسفود المحماة في الوبر فكيف تأمرني أثبت فيه أو أمضي على ذلك فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بل تثبت، فجاء أمير المؤمنين -رضي الله عنه- إلى مشربة أم إبراهيم فتسلق عليها فلما نظر إليه جريح هرب منه وصعد النخلة فدنا منه أمير المؤمنين -رضي الله عنه- و قال له انزل، فقال له يا علي اتق الله ما هاهنا أناس، إني مجبوب ثم كشف عن عورته، فإذا هو مجبوب، فأتى به إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما شأنك يا جريح فقال يا رسول الله إن القبط يجبون حشمهم و من يدخل إلى أهليهم و القبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين فبعثني أبوها لأدخل إليها و أخدمها وأؤنسها فأنزل الله
عزو جل» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ «الآية
وفي رواية عبد الله [عبيد الله] بن موسى عن أحمد بن رشيد [راشد] عن مروان بن مسلم عن عبد الله بن بكير قال قلت لأبي عبد الله -رحمهم الله-جعلت فداك كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمر بقتل القبطي و قد علم أنها قد كذبت عليه، أ و لم يعلم و إنما دفع الله عن القبطي القتل بتثبت علي -رضي الله عنه- فقال بلى قد كان و الله أعلم و لو كانت عزيمة من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم القتل ما رجع علي -رضي الله عنه- حتى يقتله، و لكن إنما فعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لترجع عن ذنبها، فما رجعت ولا اشتد عليها قتل رجل مسلم بكذبها”.
أقول:
1 – إن الخطاب في الآية لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الدرجة الأولى.
فهذه شهادة من الله لهم بالإيمان، وتربية لهم على مواجهة أخبار الفاسقين حتى لا يظلموا بها أحداً، والروافض لا يؤمنون بتزكيات الله ورسوله لهؤلاء الصحابة النبلاء، وهم أشد الناس تقبلاً لأخبار الكذابين الفاسقين!
2 – إن الحادثة التي نزلت هذه الآية بسببها قد ذكرها كثير من المفسرين، وأنها نزلت في الوليد بن عقبة لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ الصدقة من بني المصطلق فخافهم ورجع مدعياً أنهم منعوا الزكاة، وإن كان لبعض العلماء نظر في هذا النبأ، وعلى كل حال فإن نسبتها إلى الوليد بن عقبة أهون ملايين المرات من نسبتها إلى الشريفة الطاهرة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم البريئة المبرئة مما رماها المنافقون أسلاف هؤلاء الزنادقة الحاقدين.
3 – إن عائشة –رضي الله عنها– بريئة من قذف أي مؤمن أو مؤمنة، بل قذف أي كافر أو كافرة، فكيف تقذف سرية سيد الأنبياء وأم إبراهيم ابن محمد صلى الله عليه وسلم.
4 – إن الروافض هم أشد الناس فسقاً وكذباً وفجوراً، فلا يجوز لمسلم أن يقبل لهم شهادة ولو في أتفه الأشياء، ولا يجوز أن يقبل لهم خبراً ولو في أخس الأشياء، فكيف بأخبارهم عن الصحابة؟! بل كيف بطعنهم في الصحابة وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وزوجاته صلى الله عليه وسلم؟! لأن من طعن فيهن فإنما يطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من سورة التَّحريم
وقال القمي (2/ 377):
“قال علي بن إبراهيم في قوله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا ثم ضرب الله فيهما مثلا فقال ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فقال والله ما عنى بقوله فَخانَتاهُما إلا الفاحشة وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق وكان فلان يحبها فلما أرادت أن تخرج إلى … قال لها فلان لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم فزوجت نفسها من فلان”.
أقول:
قاتل الله هذا الباطني كيف يرمي زوجتي نوح ولوط بالفاحشة ليتوصل بذلك إلى الطعن في زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة الطاهرة التي برأها الله في عشر آيات من كتابه، إن هذا لهو الكفر الغليظ و هو طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وزوجات الأنبياء لا يزنين بالإجماع، وخيانة زوجة نوح هي قولها عن نوح: إنه مجنون، وخيانة زوجة لوط بدلالتها على ضيوفه لا بالزنا، وانظر إلى هذه الافتراءات على أم المؤمنين -رضي الله عنها-.
1 – قوله:” وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت “في طريق”.
أي أنها – برأها الله- ارتكبت الفاحشة في طريق، ما أدري ماذا يريد: أطريق البصرة حينما ذهبت للصلح بين المسلمين أو أي طريق؟!
2 – قوله:”وكان فلان يحبها فلما أرادت أن تخرج إلى “يعني الخبيث إلى البصرة” قال لها فلان لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم فزوجت نفسها من فلان “.
لا ندري من هو هذا المفتي الذي أفتاها بعدم الخروج، والظاهر أنه يعني الصحابي الجليل الزبير بن العوام -رضي الله عنه- وبرأه الله.
ويقصد الخبيث الأفاك بالذي يحبها وتزوجت به الصحابي الجليل طلحة، برأه الله وأخزى قاذفه وقاذف أم المؤمنين الطاهرة المبرأة.
فوالله ما وصل اليهود وخبثاء المنافقين إلى هذه الدركة من الإفك والبهت، وانظر إلى هذه الهمهمات والزمزمات الدالة على أنه أفاك:” ليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق”!
فمن هو الذي يقيم الحد؟ ومن هي التي يقام عليها الحد؟ وفي أي طريق أتت ما يوجب الحد؟ إنها لزمزمات وهمهمات المجرمين.
ما هذا الإفك والبهت على زوجات الأنبياء؟! أليس هذا طعناً في سيد الرسل صلى الله عليه وسلم وفي أخويه النبيين الكريمين: نوح ولوط الذي أهلك الله قومه بدعوته لما كذبوه وأصروا على ارتكاب فاحشة اللواط.
ثم أقول:
لماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم عائشة -رضي الله عنها- ويحبها إلى أن مات وهي هذا حالها؟!! أليس هذا طعناً في شرفه ورسالته ورجولته؟
ولماذا يكرمها علي –رضي الله عنه- بعد وقعة الجمل ويعيدها مكرمة معززة وقد فعلت ما فعلت وزوجت نفسها كما يفتري عليها هذا الأفاك، والله يقول: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)، ويقول تعالى: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما).
إن هذا الزواج والله لم يقع؛ لأنه كفر كبير يحجز عنه إيمان زوجات رسول الله المتين، ويحجز عنه إيمان الصحابة وسيوفهم –رضي الله عنهم-.
ثم لماذا يقر عليٌّ هذه الأفعال العظيمة فلا يغضب لله ولا لرسوله ولا لدينه وهو الخليفة الذي يخضع لخلافته وحكمه معظم العالم الإسلامي في وقته؟!! ألا يدل عدم هذا على إفك الروافض.
ثم أليس هذا طعناً في علي -رضي الله عنه- بل طعن في أهل البيت وفي الصحابة جميعاً.؟!!
وبعد فهذا هو دين الروافض وتعظيمهم لكتاب الله تعالى ولرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولعلي رضي الله عنه الذي يتظاهرون بحبه وتعظيمه.
(1) بواسطة كتاب “الشيعة وأهل البيت” للشيخ إحسان إلهي ظهير (ص220).