الأجوبة المفيدة على مسائل العقيدة 2
(بإشراف؛ سيف بن دورة الكعبي)
جمع واختصار حسين البلوشي
وممن شارك خالد البريكي، وحمد الكعبي، وأبو عمر
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3،والمدارسة، والاستفادة، والسلف الصالح، وأهل الحديث همو أهل النبي
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
—————–
2 – مسألة الإيمان
نبحث في هذه المسائل وفقتم.
ماهو تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة
وما دليل قولهم
وما هو قول المخالفين وكيف الرد عليهم؟
وما يتعلق بالإيمان
—————
* تعريف الإيمان:
جواب أبو عمر نقلا عن الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
السؤال: ما تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهل يزيد وينقص؟
الإجابة: الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو “الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح”. فهو يتضمن الأمور الثلاثة:
1. إقرار بالقلب.
2. نطق باللسان.
3. عمل بالجوارح.
– (قلت حسين: من السلف من يقول:
هو قول وعمل ومنهم من يقول: قول وعمل ونية وتارة يقولون: قول وعمل ونية واتباع السنة وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.
وهل هذا مشكل؟ نقول لا قال شيخ الإسلام رحمه الله في بيان هذا:
(والمقصود هنا) أن من قال من السلف: الإيمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح
ومن أراد الاعتقاد أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب
ومن قال: قول وعمل ونية قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان
وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك, ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله إلا باتباع السنة
وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل إنما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين قالوا قولا فقط، فقالوا: بل هو قول وعمل.
والذين جعلوه (أربعة أقسام): فسروا مرادهم كما سئل سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو؟ قال:
قول وعمل ونية وسنة لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة اهـ. الفتاوى مجلد السابع / 172) –
وإذا كان كذلك فإنه سوف يزيد وينقص، وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين وهكذا، ….
فالإيمان يزيد من حيث إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، …
كذلك يزداد الإيمان من حيث القول فإن من ذَكَرَ الله عشر مرات ليس كمن ذَكَرَ الله مئة مرة، فالثاني أزيد بكثير …
وكذلك العمل فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر صار الأكثر أزيد إيماناً من الناقص،
وقد جاء ذلك في القرآن والسنة -أعني إثبات الزيادة والنقصان- قال تعالى: {وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً}، وقال تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول: أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهو كافرون} …
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلدالاول – باب الإيمان والإسلام.
التصنيف: العقيدة الإسلاميةتاريخ النشر: 10 ذو القعدة 1427 (1/ 12 /2006)
جواب خالد البريكي:
وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال: قال رجل للشافعي: أي الأعمال عند الله أفضل؟
قال الشافعي: ((ما لا يقبل عملا إلا به))
قال: وما ذاك؟
قال: ((الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو أعلى الأعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا))
قال الرجل: ألا تخبرني عن الإيمان قول وعمل أو قول بلا عمل؟
قال الشافعي: ((الإيمان عمل لله والقول بعض ذلك العمل))
قال الرجل: صف لي ذلك حتى أفهمه.
قال الشافعي: ((إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات فمنها التام المنتهي تمامه والناقص البين نقصانه والراجح الزائد رجحانه))
قال الرجل: وإن الإيمان لا يتم وينقص ويزيد؟
قال الشافعي: ((نعم))
قال: وما الدليل على ذلك؟
قال الشافعي: ((إن الله جل ذكره فرض الإيمان على جوارح بني آدم فقسمه فيها وفرقه عليها فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى: ……….
فأما فرض الله على القلب من الإيمان: فالإقرار والمعرفة والعقد والرضى والتسليم بأن الله لا إله إلا هو وحده لاشريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله [إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا] وقال: [ألا بذكر الله تطمئن القلوب] ..
وفرض الله على اللسان: القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقر به فقال في ذلك: [قولوا آمنا بالله] وقال: [وقولوا للناس حسنا] فذلك ما فرض الله على اللسان من القول والتعبير عن القلب وهو عمله والفرض عليه من الإيمان
وفرض الله على السمع: أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله وأن يغض عن ما نهى الله عنه فقال في ذلك: [وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم] ثم استثنى موضع النسيان فقال جل وعز
[وإما ينسينك الشيطان] أي: فقعدت معهم [فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين] ….
فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له وهو عمله وهو من الإيمان
((وفرض على العينين)): ألا ينظر بهما ما حرم الله وأن يغضهما عما نهاه عنه فقال تبارك وتعالى في ذلك: [قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم] الآيتين ……
فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر وهو عملها وهو من الإيمان ….
وفرض على الفرج: أن لا يهتكه بما حرم الله عليه: [والذين هم لفروجهم حافظون] …..
فذلك ما فرض الله على الفروج من حفظهما عما لا يحل له وهو عملها.
((وفرض على اليدين)): ألا يبطش بهما إلى ما حرم الله تعالى وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلوات ….
((وفرض على الرجلين)): ألا يمشي بهما إلى ما حرم الله جل ذكره فقال ذلك: [ولا تمشي في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض لن تبلغ الجبال طولا]
((وفرض على الوجه)): السجود لله بالليل والنهار ومواقيت الصلاة فقال في ذلك: [يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون] …..
فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح وسمى الطهور والصلوات إيمانا في كتابه وذلك حين صرف الله تعالى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة إلى البيت المقدس وأمره بالصلاة إلى الكعبة وكان المسلمون قد صلوا إلى بيت المقدس ستة عشرا شهرا فقالوا يا رسول أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها إلى بيت المقدس ما حالها وحالنا؟ فأنزل الله تعالى: [وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم] فسمى الصلاة إيمانا فمن لقي الله حافظا لصلواته حافظا لجوارحه مؤديا بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها – لقي الله مستكمل الإيمان من أهل الجنة ومن كان لشيء منها تاركا متعمدا مما أمر الله به – لقي الله ناقص الإيمان)).
قال: وقد عرفت نقصانه وتمامه فمن أين جاءت زيادته؟
قال الشافعي: ((قال الله جل ذكره: [وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون] وقال: [إنهم فتية آمنوا برهم وزدناهم هدى] …
{مناقب الشافعي} للبيهقي (ج1/ 387 – 393)
*أسباب زيادة الإيمان ونقصانه:
جواب أبو عمر نقلا عن الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
للزيادة أسباب:
السبب الأول: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وبأسمائه وصفاته ازداد إيماناً بلا شك ..
السبب الثاني: النظر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات ازداد إيماناً قال تعالى: {وفي الأرض آيات للموقنين. وفي أنفسكم أفلا تبصرون}. ..
السبب الثالث: كثرة الطاعات فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً …
أما أسباب النقصان فهي على العكس من ذلك:
فالسبب الأول: الجهل بأسماء الله وصفاته، يوجب نقص الإيمان؛ لأن الإنسان إذا نقصت معرفته بأسماء الله وصفاته نقص إيمانه.
السبب الثاني: الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده وعدم نموه.
السبب الثالث: فعل المعصية فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب وعلى الإيمان، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”. الحديث.
السبب الرابع: ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتَرَكَها بلا عذرٍ فهو نقص يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبةٍ أو واجبةً لكن تركها بعذر فإنه نقص لا يلام عليه …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلدالاول – باب الإيمان والإسلام.
التصنيف: العقيدة الإسلاميةتاريخ النشر: 10 ذو القعدة 1427 (1/ 12 /2006)
*المخالفين لأهل السنة والجماعة في هذا الباب:
قلت (حسين) وأما المخالفين لأهل السنة في هذا الباب على طرفين:
1 – المرجئة
2 – الخوارج والمعتزلة وسيأتي التفصيل.
جواب الأخ حمد الكعبي نقلا عن الشيخ الراجحي:
من أعظم بدع المرجئة مخالفتهم في الإيمان، فإنه يؤدي إلى مفاسد دينية اعتقادية مخالفة للكتاب والسنة، ولذلك فطوائف المرجئة كلها تعد مخالفة لأهل السنة والجماعة.
أقسام المرجئة
المرجئة أربع طوائف: الطائفة الأولى: الجهمية، ومذهبهم في الإيمان أن الإيمان معرفة الرب بالقلب, والكفر: جهل الرب بالقلب.
والجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان السمرقندي الراسبي الذي نشر مذهب الجهمية
وتعريفهم هذا أفسد ما قيل في تعريف الإيمان وأبطلها وأشدها كفرا وضلالا وبعدا عن الحق.
وألزمهم العلماء على هذا التعريف أن إبليس مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، قال الله عنه: {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون} [الحجر: (36)]
وألزموهم بأن فرعون أكفر أهل الأرض مؤمن؛ لأن فرعون يعرف ربه بقلبه، قال الله تعالى عن فرعون وقومه: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل: (14)]، وقال الله عن موسى أنه قال لفرعون: {لقد علمت} [الإسراء: (102)] والعلم هو يقين القلب، {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر} [الإسراء: (102)] فعلى هذا يكون فرعون مؤمنا على مذهب الجهم.
واليهود مؤمنون أيضا على مذهب الجهم؛ لأن اليهود يعرفون صدق النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} [البقرة: (146)] ….
الطائفة الثانية: الكرامية، ومذهبهم أن الإيمان هو النطق باللسان والإقرار به.
فإذا أقر الإنسان فشهد أن لا إله إلا الله بلسانه فإنه يكون مؤمنا ولو كان مكذبا بقلبه.
وهذا يلي مذهب الجهم في الفساد, فيقولون: إن الإنسان إذا نطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان، وإن كان مكذبا بقلبه فهو مخلد في النار، فيجمعون بين الأمرين المتناقضين …
الطائفة الثالثة: الماتريدية والأشاعرة, ويقولون: إن الإيمان تصديق القلب فقط, وأما نطق اللسان وعمل الجوارح فهما وإن كانا مطلوبين وجوبا إلا أنهما ليسا من الإيمان.
فهذا هو مذهب الماتريدية والأشعرية .. ).
قلت (حسين) الطائفة الرابعة هم مرجئة الفقهاء كما ذكرهم الشيخ الراجحي وغيره وقولهم هو كما نقل الأخ حمد عن الشيخ الراجحي: أن الإيمان هو التصديق والقول وأما الاعمال فليست من الإيمان.
هذه أشهر فرق المرجئة وإلا هناك غيرهم.
جواب حسين البلوشي:
*الأدلة على إدخال العمل في مسمى الإيمان
1 قال الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} البقرة.
قال الإمام الآجري رحمه الله: يعني صلاتكم إلى بيت المقدس اهـ. (مختصر الشريعة:90)
وقال إسماعيل الأصبهاني رحمه الله: يعني صلاتكم فأطلق عليها اسم الإيمان وهي أفعال اهـ. الحجة في بيان المحجة: (1/ 438)
وفي الصحيحين عن البراء رضي الله عنه قال: مات قوم كانوا يصلون نحو البيت المقدس فقال الناس: ما حالهم في ذلك فأنزل الله عز وجل: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} (م:525, خ:4486)
2 وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان] رواه الآجري والبخاري ليس بتمامه ورواه مسلم.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: فأشار إلى أن خصال الإيمان منها ما هو قول باللسان ومنها ما هو عمل بالجوارح ومنها ما هو قائم بالقلب ولم يزد في شيء من هذه الروايات على هذه الخصال اهـ. الفتح المجلد الأول.
*الأدلة على اعتقاد القلب
وقال تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} الآية
قال الإمام الآجري رحمه الله: فهذا مما يدلك على أن على القلب الإيمان وهو التصديق والمعرفة ولا ينفع القول إذ لم يكن القلب مصدقا بما ينطق به اللسان مع العمل اهـ. (مختصر الشريعة:82)
*أقوال أئمة أهل السنة
وأما أقوال الأئمة فهي كثيرة إلا أننا نذكر بعضا منها
عن يحيى بن سليم قال: سألت سفيان الثوري (ت:161): عن الإيمان؟ فقال: (قول وعمل)
وسألت ابن جريج فقال: (قول وعمل)
وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فقال: (قول وعمل)
وسألت نافع بن عمر الجمحي فقال: (قول وعمل)
وسألت مالك بن أنس فقال: (قول وعمل)
وسألت فضيل بن عياض فقال: (قول وعمل)
وسألت سفيان بن عيينه (ت:198) فقال: (قول وعمل)
قال الحميدي سمعت وكيعا يقول: (أهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل والمرجئة يقولون: الإيمان قول والجهمية يقولون: الإيمان المعرفة) (مختصر الشريعة:88)
*الإجماع على أن الأعمال من الإيمان
الإمام الشافعي
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وحكى غير واحد الاجماع على ذلك وقد ذكرنا عن الشافعي-رضي الله عنه- ما ذكره من الإجماع على ذلك قوله في (الأم): وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن أدركناهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر اهـ.
*الاستثناء في الإيمان:
قال الإمام الآجري رحمه الله:
من صفة أهل الحق ممن ذكرنا من أهل العلم: الاستثناء في الإيمان لا على جهة الشك -نعوذ بالله من الشك في الإيمان-ولكن خوف التزكية لأنفسهم من الاستكمال للإيمان لا يدري أهو ممن يستحق حقيقة الإيمان أم لا؟ وذلك أن أهل العلم من أهل الحق إذا سئلوا: أمؤمن أنت؟ قال: آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار وأشباه هذا اهـ. (مختصر الشريعة:90 – 91)
وقال الإمام ابن بطة العكبري في الشرح والإبانة:
ثم الاستثناء في الإيمان وهو أن يقول الرجل: (أنا مؤمن إن شاء الله) كذا كان يقول عبد الله بن مسعود وبه أخذ العلماء من بعده مثل: علقمة والأسود وأبي وائل ومسروق ومنصور ومغيرة وإبراهيم النخعي والأعمش وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وبشر بن المفضل ومعاذ بن معاذ وسفيان بن حبيب وسفيان الثوري وابن المبارك والفضيل بن عياض في جماعة سواهم يطول الكتاب بذكرهم وهذا استثناء على يقين اهـ. (الشرح والإبانة بشرح الراجحي:2/ 467)
قال الله تعالى: {لتدخلنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} الفتح
قال الإمام أحمد رحمه الله:
إذا كان يقول إن الإيمان: قول وعمل واستثنى مخافةً واحتياطاً ليس كما يقولون على الشك إنما تستثني للعمل قال الله عز وجل: {لتدخلنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} فهذا استثناء بغير شك وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله عز وجل] اهـ. (مختصر الشريعة: 92)
قال الإمام الآجري رحمه الله: وقد علم الله عز وجل أنهم داخلون اهـ (مختصر الشريعة:91)
فالله عز وجل علم أنهم داخلون لكن قال إن شاء الله فهذا ليس للشك
*حكم سؤال الناس هل أنت مؤمن؟
بدعة كما قاله غير واحد من الأئمة قال سفيان بن عيينة إذا سئل: أمؤمن أنت؟ إن شاء لم يجبه وإن شاء قال: سؤالك إياي بدعة .. اهـ. (مختصر الشريعة:92 وهو صحيح)
وقال الإمام الآجري رحمه الله: إذا قال لك رجل: أنت مؤمن؟ … وإن أحببت أن لا تجيبه تقول له: سؤالك إياي بدعة فلا أجيبك .. اهـ. (مختصر الشريعة:94)
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله: في الرجل سئل: أمؤمن أنت؟ فقال: إن المسألة عما سئل بدعة والشهادة به تعمق لم نكلفه في ديننا ولم يشرعه نبينا، ليس لمن يسأل عن ذلك فيه إمام القول به؛ جدل، والمنازعة فيه حدث … إلى أن قال .. لو كان هذا خيرا ما خصصتم به دون أسلافكم فإنه لم يدخر عنهم خير خبئ لكم دونهم لفضل عندكم وهم أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام والذين اختارهم الله عز وجل وبعثه فيهم ووصفه بهم اهـ. (مختصر الشريعة:96 وهو صحيح عنه ورواه ابن بطة وغيره)
*أصل ضلال الفرق في باب الإيمان
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما قول القائل: أن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله فهذا ممنوع وهذ هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله لم يبق منه شيء. ثم قالت (الخوارج والمعتزلة): هو مجموع ما أمر الله به ورسوله وهو الإيمان المطلق كما قاله أهل الحديث ; قالوا: فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء فيخلد في النار وقالت (المرجئة) على اختلاف فرقهم: لا تذهب الكبائر وترك الواجبات الظاهرة شيئا من الإيمان إذ لو ذهب شيء منه لم يبق منه شيء اهـ. الفتاوى
*تحذير السلف من المرجئة
عن سعيد بن جبير قال: مثل المرجئة مثل الصابئين. اهـ.
عن الأوزاعي قال: قد كان يحيى وقتادة يقولان: ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء اهـ.
عن حجاج قال: سمعت شريكا: وذكر المرجئة قال: هم أخبث قوم وحسبك بالرافضة خبثا ولكن المرجئة يكذبون على الله عز وجل اهـ.
والمرجئة هم الذين قالوا أن الإيمان قول دون العمل وأما مرجئة الجهمية فهم أشد بل كفرهم السلف كما مر معنا
وسيأتي ما ذكرته بعد قليل.
وقال الإمام أحمد رحمه الله عندما سئل عن المرجئ: من قال: إن الإيمان قول. اهـ. أي بلا عمل وهم مرجئة الفقهاء وليس المقصود مرجئة الكرامية لأنهم إنما ظهروا فيما بعد والله تعالى أعلم.
هذه الاثار كلها من كتاب الشريعة للآجري.
*تبديع السلف لمرجئة الفقهاء:
نقل الاخ حمد الكعبي عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قال (قلت حسين اخذت موضع الشاهد):
وأنكر حماد بن أبي سليمان ومن اتبعه تفاضل الإيمان ودخول الأعمال فيه والاستثناء فيه، وهؤلاء (من مرجئة الفقهاء)
وأما إبراهيم النَّخعِيّ ـ إمام أهل الكوفة شيخ حماد بن أبي سليمان ـ وأمثاله، ومن قبله من أصحاب ابن مسعود؛ كعلقمة، والأسود فكانوا من أشد الناس مخالفة للمرجئة، وكانوا يستثنون في الإيمان، لكن حماد ابن أبي سليمان خالف سلفه، واتبعه من اتبعه ودخل في هذا طوائف من أهل الكوفة، ومن بعدهم.
((ثم إن السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء وتبديعهم، وتغليظ القول فيهم))، ولم أعلم أحدًا منهم نطق بتكفيرهم، بل هم متفقون على أنهم لا يكفرون في ذلك)
قلت (سيف) قال الشيخ عبدالرزاق، ونقل كلام ابن تيمية السابق: وهل يكون هذا القول من بدع الألفاظ، رغم أن السلف أنكروه بتلك الشدة.
ثم أنكر على من يجعل المخالف في مسائل جوهرية في العقيدة، مخالف في أمور شكلية (زيادة الإيمان ونقصانه، المبحث الثالث في الكلام عن الخلاف في هذه المسألة هل هو لفظي أو حقيقي)