إثبات صفة العجب لله عزوجل:
مشاركة حسين بالبحث وشارك عبدالله المشجري وسيف بن غدير بنقل كلام ابن عثيمين:
· … الدليل من القرآن على إثبات صفة العجب
1 – قراءة: {بل عجبتُ ويسخرون} بالضم وهي قراءة صحيحة متواترة، وهي قراءة حمزة، والكسائي، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود وصح عنه في البخاري:4692، واختارها أبو عبيد، والفراء.
قال الفراء: قرأها الناس بنصب التاء ورفعها والرفع أحب إلي لأنها قراءة علي وعبد الله وابن عباس رضي الله عنهم اهـ (أخرجه البيهقي بسند صحيح (992)
قال إمام المفسرين الطبري رحمه الله:
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قرَّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ؛ فمصيب.
فإن قال قائل: وكيف يكون مصيباً القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟! قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما؛ فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجِب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركونَ مما قالوه اهـ.
2 – وقوله تعالى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد: 5]
نقل ابن جرير في (تفسير) هذه الآية بإسناده إلى قتادة قوله: قوله: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ: إن عجِبت يا محمد؛ فعجب قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ: عجِب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت اهـ وفي إسناده كلام
قال ابن زنجلة في ((حجة القراءت)) (ص 607) بعد ذكر قراءة بالضم للآية الأولى:
قال أبو عبيد: والشاهد لها مع هذه الأخبار قوله تعالى: فأخبر جل جلاله أنه عجيب. (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قولهمْ)
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الواسطية:
{إِن تَعْجَبْ} أنت {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} يعني تعجب من عدم إيمانهم أو إنكارهم البعث إلى آخره مما قالوه {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} فالمتعجب هو الله جل وعلا في هذه الآية أيضا إثبات صفة العَجَبْ لله جل وعلا اهـ.
· … الأدلة من السنة:
1 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل] أخرجه البخاري
2 – وقال صلى الله عليه وسلم: [قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة] أخرجه الإمام مسلم: 3829 والبخاري بلفظ آخر
3 – ومن حديث علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله ليعجب إلى العبد إذا قال: لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: عبدي عرف أن له ربا يغفر و يعاقب] السلسلة الصحيحة: 1653
4 – وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: ” إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع ” السلسلة الصحيحة: 1652
5 – وعن مرة عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجب ربنا تبارك وتعالى من رجلين رجل قام من فراشه ولحافه فذكر الحديث (ظلال الجنة في تخريج السنة: حسن)
6 – عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجب ربنا عز وجل من رجل غزا في سبيل الله فانهزم يعني أصحابه فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه فيقول الله تعالى لملائكته انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه. سنن أبي داود:2536 حسنه الألباني
7 – عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ).رواه أحمد (28/ 600) وحسنَّه محققوه وضعفه بعضهم
· … أقوال العلماء:
1 – قال شريح: إنَّ الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم
قال الأعمش: فذكرت لإبراهيم، فقال: إنَّ شريحاً كان يعجبه رأيه، إنَّ عبد الله –اي ابن مسعود- كان أعلم من شريح، وكان عبد الله يقرأها: {بَلْ عَجِبْتُ}.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (في المستدرك: (430/ 2
2 – قول الإمام سفيان ابن عيينه رحمه الله
قال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثني أحمد بن نصر قال: سألت ابن عيينة وجعلت ألح عليه، فقال: دعني أتنفس.
فقلت: كيف حديث عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن الله يحمل السماوات على إصبع ”
وحديث: ” إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن “.
وحديث: ” إن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الاسواق “.
فقال سفيان: هي كما جاءت نقر بها ونحدث بها بلا كيف. (ذكره الذهبي في السير:8/ 467)
قال صاحبنا هشام: ونفي السلف للكيف، فيه أنهم يثبتون المعنى.
3 – قال أبو يعلى الفراء في (إبطال التأويلات) بعد أن ذكر ثلاثة أحاديث في إثبات صفة العَجَب: اعلم أنَّ الكلام في هذا الحديث (يعني: الثالث) كالكلام في الذي قبله، وأنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه وحمله على ظاهره؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأنا لا نثبت عَجَبَاً هو تعظيم لأمر دَهَمَه استعظمه لم يكن عالماً به؛ لأنه مما لا يليق بصفاته، بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته.
4 – وقال قوَّام السُّنَّة الأصبهاني: وقال قوم: لا يوصف الله بأنه يَعْجَبُ؛ لأن العَجَب ممَّن يعلم ما لم يكن يعلم، واحتج مثبت هذه الصفة بالحديث، وبقراءة أهل الكوفة: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ؛ على أنه إخبار من الله عَزَّ وجلَّ عن نفسه.
4 – وقال ابن أبي عاصم في (السنة): باب: في تَعَجُّبِ ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه، ثم سرد جملة من الأحاديث التي تثبت هذه الصفة لله عَزَّ وجلَّ.
5 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ” التَّعَجُّبُ اسْتِعْظَامٌ لِلْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ “. فَيُقَالُ: نَعَمْ. وَقَدْ يَكُونُ مَقْرُونًا بِجَهْلِ بِسَبَبِ التَّعَجُّبِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَا خَرَجَ عَنْ نَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْلَمَ سَبَبَ مَا تَعَجَّبَ مِنْهُ؛ بَلْ يَتَعَجَّبُ لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظَائِرِهِ تَعْظِيمًا لَهُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يُعَظِّمُ مَا هُوَ عَظِيمٌ؛ إمَّا لِعَظَمَةِ سَبَبِهِ أَوْ لِعَظَمَتِهِ. فَإِنَّهُ وَصَفَ بَعْضَ الْخَيْرِ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ. وَوَصَفَ بَعْضَ الشَّرِّ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ فَقَالَ تَعَالَى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وَقَالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} وَقَالَ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا} وَقَالَ: {وَلَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} وَقَالَ: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} عَلَى قِرَاءَةِ الضَّمِّ فَهُنَا هُوَ عَجَبٌ مِنْ كُفْرِهِمْ مَعَ وُضُوحِ الْأَدِلَّةِ. اهـ (مجموع الفتاوى:123 – 124/ 6)
6 – قال الإمام ابن القيم رحمه الله في اجتماع الجيوش الإسلامية: قول شيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي الذي اتفقت الطوائف على قبوله وتعظيمه وإمامته خلا جهمي أو معطل قال في كتاب إثبات صفة العلو أما بعد فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء ….
وقال في عقيدته ومن السنة قول النبي ينزل ربنا إلى سماء الدنيا وقوله لله أفرح بتوبة عبده وقوله يعجب ربك اهـ.
7 – قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أجمع السلف على ثبوت العجب لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل اهـ (شرح اللمعة:45)
· … قبول أهل المعرفة لأحاديث الصفات منها العجب
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ وَتُبَيِّنُهُ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُعَبِّرُ عَنْهُ؛ وَمَا وَصَفَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الَّتِي تَلَقَّاهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقَبُولِ وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهَا كَذَلِكَ. مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” {يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ}؟ ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ …. وَقَوْلُهُ: {عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غَيْرِهِ يَنْظُرُ إلَيْكُمْ أزلين قنطين فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ} حَدِيثٌ حَسَنٌ اهـ (مجموع الفتاوى:3/ 139)
وقال رحمه الله: وكذلك في الأحاديث المستفيضة الصحيحة المتلقاة بالقبول كقوله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه [ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه] ….. وفي لفظ: [إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري] اهـ (درء التعارض:2/ 242 – 243)
· … والعَجَبُ نوعان:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إحداهما: أن يكون صادرا عن خفاء الأسباب على المتعجب فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه وهذا النوع مستحيل على الله لأن الله لا يخفى عليه شيء.
الثاني: أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب وهذا هو الثابت لله تعالى. (شرح اللمعة:45) وقد سبق معنا تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية.
· … وهي من الصفات الفعلية التي يفعلها متى شاء سبحانه وتعالى.
· … فائدة:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
– … التعجب كما يدل على محبة الله لفعل نحو “عجب ربك من شاب ليست له صبوة” “ويعجب ربك من رجل ثار من فراشه ووطائه إلى الصلاة” ونحو ذلك
– … وقد يدل على بغض الفعل نحو قوله: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} وقوله: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} وقوله: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} وقد يدل على امتناع الحكم وعدم حسنه نحو: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ} وقد يدل على حسن المنع منه وأنه لا يليق به فعله نحو: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ}. اهـ (بدائع الفوائد:4/ 8)
· وفسره أهل التعطيل بالرضا لأن العجب يلزم منه الجهل والله منزه عن الجهل
والجواب عليهم:
أن العجب الذي يثبت لله تعالى ليس كعجب المخلوقين؛ لا في حقيقته، ولا في سببه؛ فإن عجب المخلوق يكون لخفاء السبب كما قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب، أما العجب من الله تعالى فإنه واقع مع كمال العلم، لكنه يقتضي أن الشيء الذي عجب الله منه قد تميز عن نظائره.
وتفسير العجب بالرضا لا يصح
فإن الله يعجب من بعض ما يحب ويرضى
ويعجب من بعض ما يبغض ويسخط كما سبق