51 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3
—————
مسند أحمد ،
14860 – حدثنا عبيدة، حدثني الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر بن عبد الله، قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحضرت الصلاة، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما في القوم من طهور؟» قال: فجاء رجل بفضلة في إداوة، قال: فصبه في قدح، قال: فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن القوم أتوا بقية الطهور، فقالوا: تمسحوا تمسحوا، قال: فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «على رسلكم»، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في القدح في جوف الماء، قال:، ثم قال: «أسبغوا الوضوء الطهور»، قال: فقال جابر بن عبد الله: والذي أذهب بصري – قال: وكان قد ذهب [ص:147] بصره – لقد رأيت الماء يخرج من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرفع يده حتى توضئوا أجمعون، قال الأسود: حسبته قال: «كنا مائتين أو زيادة»
اصله في البخاري ومسلم لكن هنا زيادات
إسناده حسن رجاله ثقات عدا عبيدة بن حميد الليثي وهو صدوق يخطئ
من رجال البخاري
قلت سيف: حديث رقم 14860 هو على شرط الذيل على الصحيح المسند.
فقد اخرجه البخاري ومسلم 3013 لكن هنا بعض الالفاظ زائدة مثل (اسبغوا الوضوء) وعبيدة بن حميد تابعه ابو عوانه كما في دلائل النبوة للبيهقي
-_-_-_-_-_-_-_-
الحديث بين مسألتين
١- طهورية الماء المستعمل .
٢ – إثبات المعجزات للنبي صلى الله عليه وسلم ودلالة نبوته.
طهورية الماء المستعمل
طهورية الماء المستعمل جاء فيه عن جابر: جاء رسول الله يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب وضوءه علي فعقلت (دارمي: 1/ 187) (متفق عليه)
و بوب الإمام البخاري ( قوله باب استعمال فضل وضوء الناس )
قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 1/ 295): أي في التطهر والمراد بالفضل الماء الذي يبقى في الظرف بعد الفراغ.
وهو الماء الذي يقول له الفقهاء الماء المستعمل واختلف الفقهاء فيه فعن ابي حنيفة ثلاث روايات فروى عنه أبو يوسف أنه نجس مخفف وروى الحسن بن زياد أنه نجس مغلظ وروى محمد بن الحسن وزفر وعافية القاضي أنه طاهر غير طهور وهو اختيار المحققين من مشايخ ما وراء النهر وفي ( المحيط ) وهو الأشهر الأقيس وقال في ( المفيد ) وهو الصحيح وقال الأسبيجابي وعليه الفتوى وقال قاضيخان ورواية التغليظ رواية شاذة غير مأخوذ بها وبه يرد على ابن حزم قوله الصحيح عن ابي حنيفة نجاسته وقال عبد الحميد القاضي أرجو أن لا تثبت رواية النجاسة فيه عن ابي حنيفة
وعند مالك طاهر وطهور وهو قول النخعي والحسن البصري والزهري والثوري وأبي ثور
وعند الشافعي طاهر غير طهور وهو قوله الجديد وعند زفر إن كان مستعمله طاهرا فهو طاهر وطهور وإن محدثا فهو طاهر غير طهور. استفدته من ( عمدة القاري )
قال ابن بطال :
ونقول: إن الإجماع حاصل على جواز استعمال الماء المستعمل، وذلك أن الماء إذا لاقى أول جزء من أجزاء العضو فقد صار مستعملا، ثم يمره على كل جزء بعده فيجزئه، ولو لم يجز الوضوء بالماء المستعمل لم يجز إمراره على باقى العضو، ولوجب عليه أن يأخذ لكل جزء من العضو ماء جديدا. فإن قالوا: الماء المستعمل عندنا هو إذا سقط عن جميع العضو، فأما ما دام على العضو فليس بمستعمل، قيل: يلزمكم أن لا يكون مستعملا الأعضاء كلها، لأنه لا يصح أن تكون متوضئا بغسل بعض الأعضاء وترك البعض مع القدرة، لأن الأعضاء كلها كالعضو الواحد فى حكم الوضوء. شرح صحيح البخاري ( 1/ 290 ) .
قال ابن دقيق العيد ( 1/ 80): وهو أنه في بعض الأحاديث التي استدل بها على أن الماء المستعمل طاهر: قول جابر ” فصب علي من وضوئه ” فإنا إن جعلنا ” الوضوء ” اسما لمطلق الماء لم يكن في قوله ” فصب علي من وضوئه ” دليل على طهارة الماء المستعمل.
؛ لأنه يصير التقدير: فصب علي من مائه.
ولا يلزم أن يكون ماؤه هو الذي استعمل في أعضائه.
؛ لأنا نتكلم على أن ” الوضوء ” اسم لمطلق الماء.
وإذا لم يلزم ذلك: جاز أن يكون المراد بوضوئه: فضلة مائه الذي توضأ ببعضه، لا ما استعمله في أعضائه.
فلا يبقى فيه دليل من جهة اللفظ على ما ذكر من طهارة الماء المستعمل.
وإن جعلنا ” الوضوء ” بالفتح: الماء مقيدا بالإضافة إلى الوضوء – بالضم ” أعني استعماله في الأعضاء، أو إعداده لذلك: فهاهنا يمكن أن يقال: فيه دليل.
؛ لأن ” وضوءه ” بالفتح متردد بين مائه المعد للوضوء بالضم، وبين مائه المستعمل في الوضوء.
وحمله على الثاني أولى؛ لأنه الحقيقة، أو الأقرب إلى الحقيقة واستعماله بمعنى المعد مجاز.
والحمل على الحقيقة أو الأقرب إلى الحقيقة أولى.
قال ابن الملقن في التوضيح ( 4 / 303 ): فأراد البخاري أن يعرفك أن كل ما لا يتغير فإنه يجوز الطهارة به، والماء المستعمل غير متغير هو طاهر، وأن من ادعى نجاسة الماء المستعمل فهو مردود عليه، وأنه ماء الخطايا.
قال الشوكاني في النيل ( 1/ 33 -34 ):
وقد استدل الجمهور بصبه – صلى الله عليه وسلم – لوضوئه على جابر وتقريره للصحابة على التبرك بوضوئه، على طهارة الماء المستعمل للوضوء، وذهب بعض الحنفية وأبو العباس إلى أنه نجس، واستدلوا على ذلك بأدلة: منها حديث أبي هريرة بلفظ: «لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب» .
وفي رواية: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه» وسيأتي. قالوا: والبول ينجس الماء فكذا الاغتسال؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم – قد نهى عنهما جميعا.
ومنها الإجماع على إضاعته وعدم الانتفاع به، ومنها أنه ماء أزيل به مانع من الصلاة فانتقل المنع إليه كغسالة النجس المتغيرة، ويجاب عن الأول بأنه أخذ بدلالة الاقتران وهي ضعيفة، وبقول أبي هريرة يتناوله تناولا كما سيأتي، فإنه يدل على أن النهي إنما هو عن الانغماس لا عن الاستعمال، وإلا لما كان بين الانغماس والتناول فرق.
وعن الثاني بأن الإضاعة لإغناء غيره عنه لا لنجاسته، وعن الثالث، بالفرق بين مانع هو النجاسة ومانع هو غيرها، وبالمنع من أن كل مانع يصير له بعد انتقاله الحكم الذي كان له قبل الانتقال، وأيضا هو تمسك بالقياس في مقابلة النص، وهو فاسد الاعتبار، ويلزمهم أيضا تحريم شربه وهم لا يقولون به. ومن الأحاديث الدالة على ما ذهب إليه الجمهور حديث أبي جحيفة عند البخاري قال: «خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالهاجرة، فأتي بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به» وحديث أبي موسى عنده أيضا قال: «دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال لهما يعني أبا موسى وبلالا اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما» وعن السائب بن يزيد عنده أيضا قال: «ذهبت بي خالتي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي وجع أي مريض، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره» الحديث.
فإن قال الذاهب إلى نجاسة المستعمل للوضوء إن هذه الأحاديث غاية ما فيها الدلالة على طهارة ما توضأ به – صلى الله عليه وسلم – ولعل ذلك من خصائصه. قلنا: هذه دعوى غير نافقة، فإن الأصل أن حكمه وحكم أمته واحد إلا أن يقوم دليل يقضي بالاختصاص ولا دليل. وأيضا الحكم بكون الشيء نجسا حكم شرعي يحتاج إلى دليل يلتزمه الخصم فما هو.
إثبات المعجزات للنبي و دلالة نبوته
و الحديث بين معجزات النبي صلى عليه وسلم و دلالة نبوته ، منها نبع الماء من تحت اصابعه .
قال النووي على شرح مسلم ( 15 / 39 ): (باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم)
قوله في هذه الأحاديث في نبع الماء من بين أصابعه وتكثيره وتكثير الطعام هذه كلها معجزات ظاهرات وجدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن مختلفة وعلى أحوال متغايرة وبلغ مجموعها التواتر وأما تكثير الماء فقد صح من رواية أنس وبن مسعود وجابر وعمران بن الحصين وكذا تكثير الطعام وجد منه صلى الله عليه وسلم في مواطن مختلفة وعلى أحوال كثيرة وصفات متنوعة
قال ابن تيمية في الواسطية: ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم، والمكاشفات، وأنواع القدرة، والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف، وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة، والتابعين، وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة.
المعجزة :
– المعجزة في اللغة : هي ما يعجز الخصم عند التحدي .
واصطلاحا : هي أمر خارق للعادة مقرون بدعوى النبوة قصد به إظهار صدق من ادعى النبوة مع عجز المنكرين عن الإتيان بمثله .وعلى هذا فالمعجزة أخص من الكرامة . الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان
و قال أيضا : المعجزات:
النبوة هي أصل المعجزة.
والولاية هي أصل الكرامة.
فلا تحصل المعجزة الخارقة للعادة – التي هي أصل الكرامة في الجنس – إلا مع النبوة الصادقة، كما أنّ الكرامة الخارقة للعادة لا تحصل للولي إلا بمتابعته لشرع نبيّه.
فالمعجزة إذاً دليلٌ على النبوة الصادقة.
والكرامة دليلٌ على صدق الشاهد بالنبوة الصادقة.
وجامعهما: آية الله الخارقة الدالة على النبوة الصادقة.
فهما من جنس واحدٍ.
ولكن لا يلزم من هذا أن تكون المعجزة والكرامة متساويتين في الحدّ والحقيقة؛ فآيات الله لا يُحاط بها علماً، كما أنه – جلّ وعلا – لا يُحيطون به علماً إلا بما شاء سبحانه وتعالى.
ومن آيات الله تعالى ما هي آيات كبرى، ومنها ما هي آيات صغرى.
فالآيات الكبرى لا تكون إلا للأنبياء والمرسلين، وهي التي وجب على الناس الإيمان بمقتضاها، وهي التي يُطلق عليها اسم المعجزات.
والآيات الصغرى لا تصل إلى درجة سابقتها، ولا تبلغ مبلغها في الحدّ ولا في الحقيقة، وهي التي يُطلق عليها اسم الكرامات. النبوات ( 1/ 40 )
قال ابن تيمية في امراض القلوب ( ص 49 ): وأن الكرامة لزوم الاستقامة وأن الله لم يكرم عبده بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه وهو طاعته وطاعة رسوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وهؤلاء هم أولياء الله الذين قال الله فيهم( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فإن كانوا موافقين له فيما أوجبه عليهم فهم من المقتصدين وإن كانوا موافقين فيما أوجبه وأحبه فهم من المقربين مع أن كل واجب محبوب وليس كل محبوب واجبا وأما ما يبتلى الله به عبده من الشر بخرق العادة أو بغيرها أو بالضراء فليس ذلك لأجل كرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه.
و قال أيضا : والصواب ما تقدم من إثبات الكرامة لأولياء الله – تعالى-دون غيرهم، أما ما يكون للسحرة، والكهان، فليس من ذلك في شيء، فإنه يوجد ((بين كرامات الأولياء، وما يشبهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة:
منها أن كرامات الأولياء سببها الإيمان، والتقوى، والأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه، ورسوله)). الفرقان ( 171)
قال العلامة محمد الجامي : والكرامة التي تحصل للأولياء؛ لأنهم اتبعوا هدي أنبيائهم فلو أنهم خالفوا هديهم ما يحصل لهم لا يعتبر كرامة. إذن الكرامة ضمناً معجزة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والكرامة لا تنقطع طالما يوجد الإيمان والتقوى في هذه الأمة وأتباع النبي (فالأولياء موجودون , إذن وجود الأولياء يستلزم وجود الكرامات , كل ذلك تفضلاً من رب العالمين. شرح الواسطية
قال العثيمين : الكرامات؛ قلنا: إنَّها تكون تأييدًا أو تثبيتًا أو إعانة للشخص أو نصرًا للحق، ولهذا كانت الكرامات في التّابعين أكثر منها في الصّحابة؛ لأنَّ الصّحابة عندهم من التثبيت والتأييد والنصر ما يستغنون به عن الكرامات؛ فإن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان بين أظهرهم، وأمَّا التابعون؛ فإنهم دون ذلك، ولذلك كثرت الكرامات في زمنهم تأييدًا لهم وتثبيتًا ونصرًا للحق الذي هم عليه. شرح الواسطية ( 2/ 302-303).
* وهذه الكرامات لها أربع دلالات:
أولًا: بيان كمال قدرة الله عزَّ وجلَّ؛ حيث حصل هذا الخارق للعادة بأمر الله.
ثانيًا: تكذيب القائلين بأن الطبيعة هي التي تفعل؛ لأنَّه لو كانت الطبيعة هي التي تفعل؛ لكانت الطبيعة على نسق واحد لا يتغير؛ فإذا تغيرت العادات والطبيعة؛ دل على أن للكون مدبرًا وخالقًا.
ثالثًا: أنها آية للنبي المتبوع كما أسلفنا قريبًا.
رابعًا: أن فيها تثبيتًا وكرامة لهذا الولي.
[ الفرق بين المعجزة و الكرامة ]
قال العلامة الجامي رحمه الله :
هذه الأمور إن حصلت على يدي من يدعي النبوة تسمى معجزة وتسمى آية في لغة القرآن (آيات الأنبياء) , وفي لغة أهل الكلام التي اصطلح عليها من أدرك المتكلمين وتأثر باصطلاحهم يسمى معجزة , ولا غضاضة في تسمية ذلك معجزة؛ لأنه مجرد اصطلاح. أهل السنة والجماعة لا يحاربون كل اصطلاح , وإنما الاصطلاحات الضارة هي التي تُحارب وتُرد ككثير من اصطلاحات علماء الكلام , أما إذا كان مجرد اصطلاح كتسمية آيات الأنبياء بالمعجزات لا يردون ذلك ولا ينكرون.
وإذا حصل أمرٌ خارقٌ للعادة على أيدي الصالحين من عباد الله من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين إلى يوم القيامة هذه التي تعتبر كرامة , يُظهر الشيء ويجري على أيديهم إكراماً لهم وعوناً لهم على طاعته سبحانه وتعالى بأن يجعلهم مجابو الدعوة ليأثروا على أعدائهم بدعوتهم ويرزقهم الإلهام -الإلهام شيء غير الوحي- كل هذا حصل بالفعل ويقع كثيراً. وما قد يحصل من الأمور الخارقة للعادة على أيدي الفساق والكفار والكهان والعرافين والرمالين وأصحاب الحصى وأصحاب الفناجين والكفوف , هذا استدراج من الله تعالى لهم؛ ليزدادوا إثماً ويزدادوا بذلك عذاباً
إذن ليست الأمور الخارقة دائماً معجزة ولا هي دائماً كرامة ولا هي دائماً استدراج , يُنظر إلى صاحب هذا الشيء الخارق للعادة ما حصل لعيسى عليه الصلاة والسلام( من ولادته بدون أب كرامة وذلك قبل النبوة , وما حصل له بعد النبوة فهو معجزة). شرح الواسطية
.
وَأَنْكَرَتِ الْفَلَاسِفَةُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا أَنْكَرُوا مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَنَكْرَتِ الْكَرَامَاتِ أَيْضًا الْمُعْتَزِلَةُ ، وَبَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ ؛ بِدَعْوَى الْتِبَاسِهَا بِالْمُعْجِزَةِ ، وَهِيَ دَعْوَى بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْكَرَامَةَ كَمَا قُلْنَا لَا تَقْتَرِنُ بِدَعْوَى الرِّسَالَةِ . الواسطية للهراس ص 352
الخلاصة:
قال الشيخ صالح ال الشيخ : فإن كان الخارق للعادة أوتي نبيا فيُسمى آية وبرهانا.
وإن كان الخارق للعادة أوتي عبدا صالحا تبعا لنبي فيسمى كرامة للوليِّ.
وإن كان الخارق للعادة أوتي مستكبرا على الأنبياء أو مبتدعا أو فاجرا أو كافرا فإنّه يُسمى مخاريق شيطانية أو من مساعدة الشياطين.
فإذن ليس العبرة في خرق العادة. ولهذا تعرّف الكرامة التي تكون للأولياء بأن الكرامة أمر خارق للعادة يرى على يدي ولي، وآية النبي أمر خارق لعادة الجن والإنس، يرى على يدي نبي، والعادة التي تُخرق لفظها غير منضبط؛ لأنهم قالوا خارق للعادة. العادة هذه عادة من؟ هذا الوصف غير منضبط لأنه خارق للعادة، لهذا عند التحقيق يكون ثَم تفصيل:
فالعادة التي تُخرق للرسل والأنبياء آية وبرهان، فتكون العادة هي عادة الجن والإنس عادة الثقلين، قد دل على هذا قوله تعالى( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء:88].
وأما الكرامة فهي خارق لعادة الإنس الذين فيهم ذلك الولي، قد يكون في مكان آخر لا تخرق العادة، لكنه يكرم بهذا مثل طعام يؤتاه في فصل الصيف وهو من طعام الشتاء، في مكان أخر من الأرض يكون ثَم شتاء في وقت هذا الصيف فيكون طعامهم طعام الشتاء، فيكون إذن العادة في حق الولي عادة الإنس الذين فيهم ذلك الولي، وقد يكون الإنس بعامة مثل المشي على الماء، أو الطيران في الهواء أو إلى آخره، لكن هذا يختلف باختلاف الأزمنة، فمثلا إذا مشى على الماء؛ الماء صار له يابسا ومشى عليه، اليوم ممكن أنه يقوم ببعض المعالجات الماء يكون يابس ويُمشي عليه، كذلك الطيران في الهواء كرامة، اليوم اختلف الوضع صار البر والفاجر يطير في الهواء بوسائل أحدثت، فإذن خرق العادة بالنسبة للولي قيده أن تكون عادة الناس في زمنه، أو عادة جنسه الذين يعيش فيهم.
أما خرق العادة بالنسبة الشياطين: الكهنة والسحرة فهم يأتون بأمور خارقة للعادة ولكنها عادة من ليس منهم، فالساحر يخرِق عادة من ليس بساحر، والكاهن يخرق عادة من ليس بكاهن.
المقصود من هذا بيان التفصيل في هذه الكلمة المجملة وهي خرق العادة، وأنّ ما آتاه الله جل وعلا للأنبياء والرسل خوارق للعادات، ولكن عادة كذا وكذا، وما آتاه الله جل وعلا الأولياء خارق للعادة من الكرامات ولكن عادة كذا وكذا، وأما مخاريق السحرة والكهنة فهي خارق للعادة من ليس من السحرة والكهنة، ولهذا لما أتى الله جل وعلا بآية موسى بطَلَت مكايد السحرة وما فعلوا؛ لأن ذلك الذي أعطاه جل وعلا موسى فوق ما تخرق الشياطين وتخبر به الجن أو يفعله السحرة والكهنة.
كل هذا لأجل تقرير الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، إذن كون الشيء يحصل خارقا للعادة المعتادة لا يدلّ على أن من حصل له وليا، يخبر بما في نفسه أو يخبر بأمر غائب، أو يأتيه شيء غريب في وقت غريب، أو يحصل له نوع أشياء وانتقالات، أو يسّر له أمور ونحو ذلك لا يدل على أنه ولي حتى يكون مؤمنا تقيا، لأن الخوارق قد تحصل من جهة الشياطين وحزبه. في هذا القدْر كفاية وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [ التعليقات الحسان على الفرقان ]