(أ) عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
16 – باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]،وَقالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4،3]،وَقالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31]،وَقالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21]،وَقالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]
قال ابن القيم:” السنة هي الطريقة المتبعة وجوبا واستحبابا لقوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس مني، وقوله عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، وقال ابن عباس من خالف السنة كفر وتخصيص السنة بما يجوز تركه اصطلاح حادث وإلا فالسنة ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته من واجب ومستحب فالسنة هي الطريقة وهي الشريعة والمنهاج والسبيل” (تحفة المولود)
قال ابن عثيمين:” قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها، السنة: يراد بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي طريقته التي كان عليها في عباداته وأخلاقه ومعاملاته، فهي أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وإقراراته، هذه هي السنة ….
ولا شك أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعثه الله ـ تعالى ـ بالهدى ودين الحق. والهدى: هو العلم النافع ودين الحق: هو العمل الصالح، فلابد من علم، ولابد من عمل، ولا يمكن أن يحافظ الإنسان على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن يعلمها، وعليه فيكون الأمر بالمحافظة على السنة أمراً بالعلم وطلب العلم.
وطلب العلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: فرض عين، وفرض كفاية، وسنة.
أما فرض العين: فهو علم ما تتوقف العبادة عليه. يعني العلم الذي لا يسع المسلم جهله، مثل العلم بالوضوء، بالصلاة، بالزكاة، بالصيام، بالحج، وما أشبه ذلك …
أما فرض كفاية: فهو العلم الذي تحفظ به الشريعة، يعني هو العلم الذي لو ترك لضاعت الشريعة، فهذا فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، فإذا قدر أن واحداً في البلد قد قام بالواجب في هذا الأمر وتعلم، وصار يفتي ويدرس، ويعلم الناس، صار طلب العلم في حق غيره سنة وهو القسم الثالث.
إذن طالب العلم يدور أجره بين أجر السنة، وأجر فرض الكفاية، وأجر فرض العين. والمهم أنه لا يمكن أن نحافظ على السنة وآدابها إلا بعد معرفة السنة وآدابها.” شرح رياض الصالحين للعثيمين)
قال ابن باز:” الواجب على أهل الإسلام أن يعظموا سنته وأن ينقادوا لها وأن يتبعوها ويستقيموا عليها، لأن الله بعثه بالقرآن وبعثه بالسنة كما قال عليه الصلاة والسلام ((إني أوتيت القرآن ومثله معه)) وهو ما أوحى الله إليه من الأحاديث في سائر أمور الدين.
ثم ذكر المؤلف من كتاب الله عز وجل، منها، قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
قال البغوي في تفسيره:” هذا نازل في أموال الفيء وهو عام في كل ما أمر به النبي – صلى الله عليه وسلم – ونهى عنه.”
قال ابن علان:” قال السيوطي في «الإكليل»: في الآية وجوب امتثال أوامره ونواهيه، قال العلماء: وكل ما ثبت عنه يصح أن يقال فيه إنه في القرآن أخذاً من هذه الآية”. (دليل الفالحين.)
قال ابن كثير في تفسيره:” مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر.”
قال السعدي في تفسيره:” هذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله.”
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الآية دليل على وجوب امتثال أوامره ونواهيه- صلى الله عليه وسلم.”. تطريز رياض الصالحين
قال ابن عثيمين:” وذكر المؤلف قوله تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7) وهذه الآية في سياق قسمة الفيء؛ يعني المال الذي يؤخذ من الكفار. يقول الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ) يعني ما أعطاكم من المال فخذوه ولا تردوه، (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) أي لا تأخذوه.
ولهذا بعث الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ على الصدقة في سنة من السنوات، فلما رجع أعطاه فقال: يا رسول الله تصدق به على من هو أفقر مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك) فما أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم فإننا نأخذه، وما نهانا عنه فإننا لا نأخذه.
وهذه الآية ـ وإن كانت في سياق قسمة الفيء ـ فإنها كذلك بالنسبة للأحكام الشرعية، فما أحله النبي صلى الله عليه وسلم لنا فإننا نقبله ونعمل به على أنه حلال، وما نهانا عنه فإننا ننتهي عنه، ونتركه ولا نتعرض له، فهي وإن كانت في سياق الفيء فهي عامة تشمل هذا وهذا.”. (شرح رياض الصالحين للعثيمين)
ثبت في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة ; أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه “.وفي سنن ابن ماجه:” إن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله.” صححه الألباني في المشكاة163
وفي صحيح مسلم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:” نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا”
ومصداق هذا قوله تعالى ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)) مهما كانت نفسك حريصة على إيصال الخير لك فنبيك أولى من نفسك منك ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ))
و قالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}
هذه الآية كالتعليل للإتباع، لماذا نتبعه؟ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
قال ابن كثير في تفسيره:” (وما ينطق عن الهوى) أي: ما يقول قولا عن هوى وغرض (إن هو إلا وحي يوحى) أي: إنما يقول ما أمر به، يبلغه إلى الناس كاملا موفرا من غير زيادة ولا نقصان.
قال السعدي في تفسيره:” أي: لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى، في نفسه وفي غيره.
ودل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، وإنما يصدر عن وحي يوحى.
روى أحمد عن عن أبي أمامة ; أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ” ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين – أو: مثل أحد الحيين -: ربيعة ومضر “. فقال رجل: يا رسول الله، أوما ربيعة من مضر؟ قال: ” إنما أقول ما أقول ” الصحيحة 2178
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو:” لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: ” اكتب، فوالذي نفسي بيده، ما خرج مني إلا حق “.رواه أبوداود
َقالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
قال ابن تيمية:” قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}. فجعل محبة العبد لربه موجبة لاتباع الرسول، وجعل متابعة الرسول سببا لمحبة الله عبده. (مجموع الفتاوى)
قال ابن كثيرفي تفسيره:” هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ” ولهذا قال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تحب، إنما الشأن أن تحب، وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ” انتهى
قال السعدي في تفسيره:” وهذه الآية فيها وجوب محبة الله، وعلاماتها، ونتيجتها، وثمراتها، فقال {قل إن كنتم تحبون الله} أي: ادعيتم هذه المرتبة العالية، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى، بل لابد من الصدق فيها، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه، في الظاهر والباطن، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى، وأحبه الله وغفر له ذنبه، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله، وما نقص من ذلك نقص.
قال ابن عثيمين:” قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: 31)، هذه الآية يسمها بعض العلماء آية المحنة، أي آية الامتحان، لأن الله ـ تعالى ـ امتحن قوماً ادعوا أنهم يحبون الله، قالوا: نحن نحب الله، دعوى يسيرة، لكت على المدعي البينة، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي) فمن ادعى محبة الله، وهو لا يتبع الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فليس صادقاً. بل هو كاذب، فعلامة محبة الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن تتبع رسوله صلى الله عليه وسلم.
واعلم أنه بقدر تخلفك عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم يكون نقص محبتك لله، وما نتيجة متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ جاء ذلك في الآية نفسها (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) وهذه الثمرة؛ أن الله يحبك، لا أن تدعي محبة الله. فإذا أحبك الله؛ فإنه لن يحبك إلا إذا أتيت ما يحب، فليس الشان أن يقول القائل: أنا أحب الله، ولكن الشأن كل الشأن أن يكون الله عز وجل ـ يحبه. … وإذا أحب الله الشخص، يسر الله له أمور دينه ودنياه، ورد في الحديث: (أن الله إذا أحب شخصاً نادى جبريل: أني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماوات: أن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماوات، ثم يوضع له القبول في الأرض) رواه البخاري، فيحبه أهل الأرض، ويقبلونه، ويكون إماماً لهم، إذاً محبة الله هي الغاية، ولكنها غاية لمن كان متبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم غاية كمن كان يحب الرسول صلى الله عليه وسلم فمن اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم أحبه الله. (شرح رياض الصالحين)
وَقالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}
قال ابن كثير:” هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله” تفسير ابن كثير
قال السعدي:” استدل الأصوليون في هذه الآية، على الاحتجاج بأفعال الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وأن الأصل، أن أمته أسوته في الأحكام، إلا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به.
فالأسوة نوعان: أسوة حسنة، وأسوة سيئة. فالأسوة الحسنة، في الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فإن المتأسِّي به، سالك الطريق الموصل إلى كرامة اللّه، وهو الصراط المستقيم.
وأما الأسوة بغيره، إذا خالفه، فهو الأسوة السيئة، … وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلكها ويوفق لها، من كان يرجو اللّه، واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف اللّه، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، يحثه على التأسي بالرسول صلى اللّه عليه وسلم.” تفسير السعدي
قال ابن عثيمين:” قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) يعني بالأسوة: القدوة. والحسنة: ضد السيئة، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو أسوتنا وقدوتنا، ولنا فيه أسوة حسنة، وكل شيء تتأسى فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه خير وحسن.
ويشمل قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) معنيين:
المعنى الأول: هو أن كل ما يفعله فهو حسن، فالتأسي به حسن.
الثاني: أننا مأمورون بأن نتأسى به أسوة حسنة، لا نزيد على ما شرع ولا ننقص عنه، لأن الزيادة أو النقص ضد الحسن، ولكننا مأمورون بأن نتأسى به وكل شيء نتأسى به فيه فإنه حسن.
وأخذ العلماء من هذه الآية أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم حجة يحتج بها ويقتدى به فيها، إلا ما قام الدليل على أنه خاص به، فما قام الدليل على أنه خاص به فهو مختص به” (شرح رياض الصالحين)
” أكثر ما يعين على الاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم- تذكر الآخرة، وذكر الله عز وجل، {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} ” (القرآن تدبر و عمل)
وَقالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}
في صحيح البخاري عن عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فِي شَرِيجٍ مِنَ الْحَرَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ “. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: ” اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ “. وَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الْأَنْصَارِيُّ كَانَ أَشَارَ عَلَيْهِمَا بِأَمْرٍ لَهُمَا فِيهِ سَعَةٌ، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَّا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}.
قال ابن القيم:” من ذلك قوله تعالى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسماً مؤكداً بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع وأحكام الشرع وأحكام المعاد وسائر الصفات وغيرها ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفى عنهم الحرج وهو ضيق الصدر وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح وتنفسح له كل الانفساح وتقبله كل القبول ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضاً حتى ينضاف إليه مقابلة حكمة بالرضى والتسليم وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض. …. وعند هذا يعلم أن الرب تبارك وتعالى أقسم على انتفاء إيمان أكثر الخلق وعند الامتحان تعلم هل هذه الأمور الثلاثة موجودة في قلب اكثر من يدعى الإسلام أم لا) (التبيان في أقسام القرآن)
وقال أيضا عند هذه الآية ” ومتى أراد العبد أن يعلم هذا فلينظر في حاله، ويطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف هواه وغرضه أو على خلاف ما قلد فيه أسلافه من المسائل الكبار وما دونها {بَلِ الأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}. فسبحان الله! كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثير من النصوص وبودهم أن لو لم ترد؟ وكم من حرارة في أكبادهم منها، وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها؟ ستبدو لهم تلك السرائر بالذي يسوء ويخزي يوم تبلى السرائر.” (الرسالة التبوكية)
قال ابن كثير:” وقوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ولهذا قال: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: ” والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به “.” تفسير ابن كثير
قال السعدي في تفسيره للآية: ” التحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان. فمَن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومَن تركه، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين.” تفسير السعدي
قال ابن عثيمين:” (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) أي يجعلونك حكماً فيما حصل بينهم من النزاع؛ لأن معنى (شجر) أي حصل من النزاع (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) يجعلوك أنت الحكم فيما حصل بينهم من النزاع، في أمور الدين، وفي أمور الدنيا.
ففي أمور الدين: لو تنازع رجلان في حكم مسألة شرعية … وأمور الدنيا: كما حصل بين الزبير بن العوام ـ رضي الله عنه ـ وجاره الأنصاري
. ثم إن الإيمان المنفي هنا، إن الإنسان لا يرضى بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقاً، فهو نفى للإيمان من أصله، لأن من لا يرضى بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقاً كافر، ـ والعياذ بالله ـ خارج عن الإسلام، وإن كان عدم الرضا بالحكم في مسألة خاصة، وعصى فيها، فإنها ـ إذا لم تكن مكفرة ـ فإنه لا يكفر.
وقوله عز وجل: (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) لو قال قائل: كيف يكون تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؟ فالجواب أن نقول: يكون تحكيمه بعد موته بتحكيم سنته صلى الله عليه وسلم.
فالشيء الأول: (لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).
والشيء الثاني: (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ)، يعني أن الإنسان قد يحكم الكتاب والسنة، ولكن يكون في قلبه حرج، يعني ما يطمئن أو ما يرضى إلا رغماً عنه، فلابد من أن لا يجد الإنسان في نفسه حرجاً مما قضى الله ورسوله.
الشيء الثالث: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي ينقادوا انقياداً تاماً، ليس فيه تأخر ولا تقهقر، فهذه شروط ثلاثة لا يتم الإيمان إلا بها.
أولاً: تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن لا يجد الإنسان في نفسه حرجاً مما قضاه الرسول صلى الله عليه وسلم.
والثالث: أن يسلم تسليماً تاماً بالغاً.” مختصرا (شرح رياض الصالحين)
هذا الأمر في تحكيم في السنة {فَلا وَرَبِّكَ لايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) كيف بمن يردها بالكلية
قال ابن حزم:” لو أن امرأ قال لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافرا بإجماع الأمة” (الإحكام لابن حزم)
قال أيوب:” أيوب السختياني: ” إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: دعنا من هذا وحدثنا من القرآن , فاعلم أنه ضال مضل” (الكفاية للخطيب)