[٦٦٦٧] (٢٦٢٦) – فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله البلوشي ابوعيسى وعبدالله المشجري ، وعبدالملك ومحمد أشرف وأحمد بن علي .
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(٤٣) – (بابُ اسْتِحْبابِ طَلاقَةِ الوَجْهِ عِنْدَ اللِّقاءِ)
[٦٦٦٧] (٢٦٢٦) – حَدَّثَنِي أبُو كَسّانَ المِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا أبُو عامِرٍ -يَعْنِي: الخَزازَ- عَنْ أبِي عِمْرانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الصّامِتِ، عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: قالَ لِيَ النَّبِيُّ – ﷺ -: «لا تَحْقِرَن مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا، ولَوْ أنْ تَلْقى أخاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ».
==========
التمهيد:
“لقاء المسلم للمسلم باب من أبواب الخير والتواد والتراحم، فعلى من تيسر له هذا الباب أن يدخله بما يغرس في النفوس هذا المعنى، بالسلام وانبساط أسارير الوجه وطلاقته، وهذا المعروف لا يكلف شيئا لا مالا ولا جهدا، بل العكس يمنح المنبسط هدوءا وراحة وسعادة، كما يمنح أخاك أمنا وأمانا واطمئنانا.
[فتح المنعم].
والتبشبش صفة لله تعالى:
ففي الصحيح المسند
1253- ﻗﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ : ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺷﺒﺎﺑﺔ ﺣﺪﺛﻨﺎ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺫﺋﺐ ﻋﻦ اﻟﻤﻘﺒﺮﻱ ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻳﺴﺎﺭ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ
ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ ﻣﺎ ﺗﻮﻃﻦ ﺭﺟﻞ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻟﻠﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺬﻛﺮ ﺇﻻ ﺗﺒﺸﺒﺶ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺗﺒﺸﺒﺶ ﺃﻫﻞ اﻟﻐﺎﺋﺐ ﺑﻐﺎﺋﺒﻬﻢ ﺇﺫا ﻗﺪﻡ ﻋﻠﻴﻬﻢ.
ﻫﺬا ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻁ اﻟﺸﻴﺨﻴﻦ.
* ﻗﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ : ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻟﻴﺚ ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻌﻨﻰ اﻟﻤﻘﺒﺮﻱ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻳﺴﺎﺭ اﻧﻪ ﺳﻤﻊ ﺃﺑﺎ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻳﻘﻮﻝ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭ ﺳﻠﻢ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻻ ﻳﺘﻮﺿﺄ ﺃﺣﺪ ﻓﻴﺤﺴﻦ ﻭﺿﻮءﻩ ﻭﻳﺴﺒﻐﻪ ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ اﻻ اﻟﺼﻼﺓ ﻓﻴﻪ اﻻ ﺗﺒﺸﺒﺶ اﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﺗﺒﺸﺒﺶ ﺃﻫﻞ اﻟﻐﺎﺋﺐ ﺑﻄﻠﻌﺘﻪ .
ﺣﺪﻳﺚ ﺻﺤﻴﺢ.
* وجملة آداب اللقاء:
1- “البدء بالسلام:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «حَقّ المُسْلِمِ عَلَىَ المُسْلِمِ سِتّ»، قِيلَ: مَا هُنّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِد اللهَ فَسَمّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتّبِعْهُ». أخرجه مسلم.
2- المصافحة عند اللقاء:
عَنْ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا». أخرجه أبو داود والترمذي.
3- طلاقة الوجه عند اللقاء.
4- عدم الانحناء أو السجود عند اللقاء”.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
(٤٣) – (بابُ اسْتِحْبابِ طَلاقَةِ الوَجْهِ عِنْدَ اللِّقاءِ)
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٦٦٧] (٢٦٢٦) – حَدَّثَنِي أبُو كَسّانَ المِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا أبُو عامِرٍ -يَعْنِي: الخَزازَ- عَنْ أبِي عِمْرانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الصّامِتِ، عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: قالَ لِيَ النَّبِيُّ – ﷺ -: «لا تَحْقِرَن مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا، ولَوْ أنْ تَلْقى أخاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ».
و(أبُو عامِرٍ الخَزّازُ) -بمعجمات- صالح بن رُسْتُم المزنيّ مولاهم
البصريّ، صدوقٌ كثير الخطأ
وأرَّخ ابن حبان في «الثقات» وفاته سنة اثنتين وخمسين ومائة، وكذا أرّخه
ابن قانع، وغيره.
أخرج له البخاريّ في التعاليق و«الأدب المفرد»، والمصنّف، والأربعة،
وليس له في هذا الكتاب إلا هذا الحديث.
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من سُداسيّات المصنّف -رحمه الله -، وأنه مسلسلٌ بالبصريين، وفيه رواية
تابعيّ عن تابعيّ.
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي ذَرٍّ) جُندب بن جُنادة الغِفاريّ – ﵁ -؛ أنه (قالَ: قالَ لِيَ) بسكون
الياء، وفتحها، (النَّبِيُّ – ﷺ -: «لا) ناهيةٌ، (تَحْقِرَنَّ) -بفتح المثناة فوقُ، وكسر
القاف، وفتح الراء، وتشديد النون -أي: لا تستصغرنّ، [»فيض القدير«١/ ١٢١].
وقوله: (مِنَ المَعْرُوفِ)؛ أي: ما عرفه الشرع، والعقل بالحُسن، وقال الطيبيّ: المعروف:
اسم جامع لكل ما عُرِف من طاعة الله تعالى، والتقرّب إليه، والإحسان إلى
الناس.
قال: ومن المعروف: النِّصفة، وحُسن
الصحبة مع الأهل، وغيرهم، وتلقي الناس بوجه طلق وبشاشة. انتهى [»الكاشف عن حقائق السنن«٥/ ١٥٤٤].
وقال الخطّابيّ : المعروف كل ما تعرفه النفوس، وتستحسنه العقول، من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشِّيَم، وهي التي كانت لم تزل مستحسنةً في
كل زمان، وعند أهل كل ملة، فلا تزال كذلك، لا يجري عليها النَّسخ، ولا
يجوز فيها التبديل. انتهى [«غريب الحديث للخطابيّ» ١/ ١٥٦].
(بِوَجْهٍ) بالتنوين، (طَلْقٍ»)؛ يعني: تلقاه بوجه منبسط، متهلّل،
قال النوويّ -: رُوي:
«طلق» على ثلاثة أوجه: إسكان اللام، وكسرها، وطَلِيق بزيادة ياء، ومعناه:
سهل، منبسط، وفيه الحثّ على فَضْل المعروف، وما تيسَّر منه، وإن قلّ، حتى
طلاقة الوجه عند اللقاء. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧٧].
وقال عياض -: قوله: «بوجه طلق»؛ أي: منبسط، غير متجَهِّم، ولا
منقبض، يقال منه: وجه طَلَق، وطَلِقٌ، وطَلِيق، ورجل طلق الوجه، وطليقه،
وقد طَلُق وجهه بالضم، ومثله طلق اليدين: إذا كان سخيًّا، ومصدره طلاقة.
انتهى [«مشارق الأنوار» ١/ ٣١٩]، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي ذرّ – رحمه الله – هذا من أفراد المصنّف -رحمه الله -.
فوائد الباب:
1 – (منها): الحض على إتيان المعروف، وفَضْله، وما تيسّر منه ولو قليلًا، حتى طلاقة الوجه عند اللقاء.
2 – (ومنها): النهي عن التهاون بالمعروف، وإن قلّ.
3 – (ومنها): الحثّ على طلاقة الوجه، وبشاشته، فينبغي للمسلم أن يكون طلق الوجه غير عبوس، ولا منقبض، والله تعالى أعلم.
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
4- “ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم عن التقليل من شأن المعروف، أيًّا كان مقداره؛ فإن الله تعالى يحب المعروف كله قليله وكثيره؛ فلذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على فعل المعروف بجميع أنواعه ولا يحتقر منه شيئًا، فلربما كانت نجاته في عمل يسير؛ فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة))؛ متفق عليه”.
5- “العمل اليسير من المعروف قد يكون كبيرًا عند الله عز وجل، وذلك بحسب ما قام بالعمل أو العامل من الأحوال، فلربما عظُم العمل بسبب النية الصالحة؛ كما قال عبدالله بن المبارك – رحمه الله تعالى -: رُبَّ عمل صغير تعظِّمه النية، ورُبَّ عمل كبير تصغِّره النية، أو لأن ذلك غاية ما يستطيعه العامل، أو لأنه آثر به مع حاجته، ولربما كان سبب التعظيم ما قارنه من شدة حال العمل، كما لو كان العمل متعلقًا بشدة حاجة الشخص، أو كان زمن أو موضع حاجة، أو بسبب قرابة محتاج ونحو ذلك؛ فإن العمل في مثل هذه الأحوال يتضاعف ويعظم أجره عند الله عز وجل؛ قال الله تعالى: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } [البلد: 11 – 16]”.
6- قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين:
قال النوي رحمه الله تعالى: (باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء) يعني: إذا لاقى الإنسان أخاه، فإنه ينبغي له أن يلاقيه بالبشر وطلاقة الوجه وحسن المنطق لأن هذا من خلق النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعد هذا تنزلا من الإنسان ولكنه رفعة وأجر له عند الله عز وجل واتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم…. والذي يتلقى بالبشر وطلاقة الوجه هو المؤمن أما الكافر فإن كان يرجى إسلامه إذا عاملناه بطلاقة الوجه والبشر فإننا نعامله بذلك رجاء إسلامه.
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى):
أولاً:
معنى الطلاقة لغةً واصطلاحًا:
الطّلاقة في اللّغة:
مصدر قولهم: طلق وجهه إذا كان ضاحكا مستبشرا، وهو مأخوذ من مادّة (ط ل ق) الّتي تدلّ على التّخلية والإرسال، يقال من هذا الأصل: انطلق الرّجل انطلاقا: ذهب، ورجل طلق الوجه وطليقه: أي فرح ظاهر البشر، كأنّه منطلق، وهو ضدّ الباسر؛ لأنّ الباسر الّذي لا يكاد يهشّ ولا ينفسح ببشاشة
طلق اليدين والوجه وطليقهما:
سمحهما
ويقال للرّجل السّخيّ: طلق الوجه.
[الصحاح (4/ 1517) . ولسان العرب (5/ 2693- 3696) ، والمفردات للأصفهاني (522) ، والمصباح المنير (377) ، ومقاييس اللغة (3/ 421)].
[طلاقة الوجه اصطلاحا:]
انفساحه بالبشاشة وهشاشته عند اللّقاء بحيث لا يكون كالحا ولا باسرا.
[استنبطنا هذا التعريف من جملة ما ذكره الراغب في المفردات (306) ، وابن فارس في المقاييس (3/ 421)].
فرع:
معنى البَشَاشَة لغةً واصطلاحًا:
معنى البَشَاشَة لغةً:
البَشَاشَة: هي طلاقة الوجه، وقد بَشِشْت به، أَبَشُّ بَشَاشَةً، ورجل هَشٌّ بَشٌّ، أي: طَلْق الوجه طيب. [انظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/44)].
ومن معاني البَشِّ: اللُّطف في المسألة، والإقبال على الرجل، وقيل: هو أن يضحك له، ويلقاه لقاء جميلًا. تقول: بَشِشْت به بَشًّا وبَشَاشَةً. والبَشِيش: الوجه. يقال: رجل مضيء البَشِيش، أي: مضيء الوجه.
والبَشُّ أيضا: فرح الصَّديق بالصَّديق، والتَّبَشْبُش في الأصل التَّبَشُّش، فاستثقل الجمع بين ثلاث شينات، فقلبت إحداهن باءً.
[انظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (4/81)، و((لسان العرب)) لابن منظور (6/266)].
معنى البَشَاشَة اصطلاحًا:
البَشَاشَة هي: طلاقة الوجه، مع الفرح، والتَّبسُّم، وحسن الإقبال، واللُّطف في المسألة. [ انظر: ((الترغيب والترهيب)) للمنذري (1/73)].
وعرف أيضًا: هي سرور يظهر في الوجه يدلّ به على ما في القلب من حبّ اللّقاء والفرح بالمقابلة.
أما طلاقة الوجه: وهو إشراقه حين مقابلة الخلق، وهو ضدُّ العبوس.
وهي أيضًا: السُّرور بمن تلقاه. [((مجمل اللغة)) لابن فارس (ص 112)].
[للاستزادة صفات: البشاشة- التودد- حسن السمت- السرور- البشارة- حسن المعاملة- الرضا- التفاؤل- حسن الظن- حسن العشرة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: العبوس- الجفاء- الحزن- التطير- الغضب- سوء الظن- سوء الخلق- سوء المعاملة].
فرع:
الفرق بين البِشْر والهشاشة والبَشَاشَة:
هناك فرق بين البِشْر والهشاشة والبَشَاشَة،
فالبِشْر: أول ما يظهر من السُّرور بلُقي من يلقاك، ومنه البِشَارة، وهي أول ما يصل إليك من الخبر السَّار، فإذا وصل إليك ثانيًا، لم يُسَمَّ بشارة، ولهذا قالت الفقهاء: إنَّ من قال: من بشَّرني بمولود من عبيدي فهو حرٌّ. أنه يُعتق أول من يخبره بذلك.
والهَشَاشَة هي الخفَّة للمعروف، وقد هَشِشْت يا هذا، بكسر الشين، وهو من قولك: شيء هَشٌّ، إذا كان سهل التَّناول، فإذا كان الرَّجل سهل العطاء، قيل: هو هَشٌّ بَيِّنُ الهَشَاشَة.
والبَشَاشَة: إظهار السُّرور بمن تلقاه، وسواء كان أولًا أو أخيرًا.
[انظر: ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/101)]
ثانيًا:
مدح البَشَاشَة وطلاقة الوجه في السنة النبوية
وردت أحاديث من السُّنَّة النَّبويَّة، تحثُّ على البَشَاشَة وطلاقة الوجه، ومن هذه الأحاديث:
1 – عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: قال لي النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق)) [ رواه مسلم (2626)].
2 – عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق)) [رواه الترمذي (1970)، وأحمد (3/360) (14920)، وحسنه الترمذي وصححه الألباني
وقال في ((دليل الفالحين)): (أي: بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التَّأليف المطلوب بين المؤمنين). [انظر: ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) لابن علان (2/356)].
وقال أيضًا: (أي: متهلِّلٌ بالبِشْر والابتسام؛ لأنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، فلُقْيَاه بذلك يشعر لمحبَّتك له، وفرحك بلُقْيَاه، والمطلوب من المؤمنين التوادُّ والتحابُّ) [انظر: ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) لابن علان (5/165)].
3 – عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرَّجل في أرض الضَّلال لك صدقة، وبصرك للرَّجل الرَّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشَّوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)) [ رواه الترمذي (1956)، قال الترمذي: حسن غريب. وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1956)، وشعيب الأرناوؤط في تحقيق ((صحيح ابن حبان)) (2/287)]
((تبسُّمك في وجه أخيك)) والصَّدقات مختلفة المراتب [انظر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (6/205)].
قال المناوي: (…((تبسُّمك في وجه أخيك)) أي: في الإسلام، ((لك صدقة)) يعني: إظهارك له البَشَاشَة، والبِشْر إذا لقيته، تؤجر عليه كما تؤجر على الصَّدقة. قال بعض العارفين: التبسُّم والبِشْر من آثار أنوار القلب، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: 38-39] قال ابن عيينة: والبَشَاشَة مصيدة المودَّة، والبِرُّ شيء هيِّن، وجه طليق، وكلام ليِّن.
وفيه رَدٌّ على العالم الذي يصَعِّر خدَّه للناس، كأنَّه معرض عنهم، وعلى العابد الذي يعبِّس وجهه ويقطِّب جبينه، كأنَّه منزَّهٌ عن النَّاس، مستقذر لهم، أو غضبان عليهم. ) [ ((فيض القدير)) (3/226)].
قال ابن بطَّال: (فيه أنَّ لقاء النَّاس بالتَّبسُّم، وطلاقة الوجه، من أخلاق النُّبوة، وهو مناف للتكبُّر، وجالب للمودَّة) [انظر: ((شرح صحيح البخارى)) (5/193)].
4 – (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه. فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه. وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورؤي بشر ذلك في وجهه. وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه» ) [أبو داود (3920) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (7/ 628) : إسناده صحيح].
قلت سيف : ذكره الشيخ مقبل 59، وقال :لا يعرف لقتادة سماع من عبدالله بن بريدة
5 – (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: إنّي كنت عند رفاعة فطلّقني فبتّ طلاقي ، فتزوّجت عبد الرّحمن بن الزّبير، وإنّما معه مثل هدبة الثّوب، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» ، وأبو بكر عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخالد بن سعيد بن العاص على الباب ينتظر أن يؤذن له فسمع كلامها فقال: يا أبا بكر ألا تسمع هذه ما تجهر به عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال مرّة: ما نرى هذه ترفث عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) [البخاري- الفتح 10 (5825) . وهذا اللفظ لأحمد (6/ 37، 38) ].
6 – (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى (اذهب أنت وربّك فقاتلا) ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. أشرق وجهه، وسرّه- يعني قوله-) [البخاري- الفتح 7 (3952)].
7 – (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتيته، فقال: «يا جرير لأيّ شيء جئت؟» قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله. قال: فألقى إليّ كساءه، ثمّ أقبل على أصحابه، وقال: «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه» وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلّا تبسّم في وجهي).[ ابن ماجة (3712) من حديث ابن عمر بدون القصة. وسنن البيهقي (8/ 168) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 204) رقم (1205) فانظره هناك فقد ذكر له طرقا كثيرة].
8 – (كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر النّاس تبسّما وضحكا في وجوه أصحابه وتعجّبا ممّا تحدّثوا به وخلطا لنفسه بهم، ولربّما ضحك حتّى تبدو نواجذه. قال الحافظ العراقيّ: حديث «كان أكثر النّاس تبسّما وضحكا في وجوه أصحابه وتعجّبا مما تحدّثوا به وخلطا لنفسه بهم» أخرجه التّرمذيّ في الشّمائل من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء. ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وفي الصّحيحين من حديث جرير من حديث عليّ: يضحك ممّا تضحكون منه ويتعجّب ممّا تعجبون منه، ومسلم من حديث جابر بن سمرة: كانوا يتحدّثون في أمر الجاهليّة فيضحكون ويتبسّم» ) [الإحياء (2/ 398) . وصححه الألباني في مختصر الشمائل (ح 194) ، وانظر الشمائل، باب ما جاء في ضحكه صلّى الله عليه وسلّم].
9- (أخرج التّرمذيّ في الشّمائل: كان ضحك أصحابه عنده التّبسّم اقتداء به وتوقيرا له) [ المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها].
10 – (كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا سرّ ورضي فهو أحسن النّاس رضا).
ثالثًا:
أقوال السَّلف والعلماء في البَشَاشَة وطلاقة الوجه:
1- قال أبو جعفر بن صهبان- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: أوّل المودّة طلاقة الوجه، والثّانية التّودّد، والثّالثة قضاء حوائج النّاس». [الإخوان لابن أبي الدنيا (194)].
2- قال بعض الحكماء: من جاد لك بمودّته، فقد جعلك عديل نفسه.
فأوّل حقوقه اعتقاد مودّته، ثمّ إيناسه بالانبساط إليه في غير محرّم، ثمّ نصحه في السّرّ والعلانية، ثمّ تخفيف الأثقال عنه، ثمّ معاونته فيما ينوبه من حادثة، أو يناله من نكبة، فإنّ مراقبته في الظّاهر نفاق، وتركه في الشّدّة لؤم». [أدب الدنيا والدين (216)].
3- عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: (مكتوب في الحكمة: ليكن وجهك بسطًا، وكلمتك طيبة، تكن أحبَّ إلى النَّاس من الذي يعطيهم العطاء) [رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (6/254) (8057)].
4- قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (إنَّ المسلمَيْنِ إذا التقيا، فضحك كلُّ واحد منهما في وجه صاحبه، ثم أخذ بيده، تَحَاتَّتْ ذنوبهما كتحات ورق الشجر)
5- قال عبد الله بن المبارك: (حسن الخلق: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكفُّ الأذى) [رواه الترمذي (2005)].
6- قال ابن القيِّم: (طلاقة الوجه والبِشْر المحمود وسط بين التَّعبيس والتَّقطيب، وتصعير الخدِّ، وطيِّ البِشْر عن البَشَر، وبين الاسترسال مع كلِّ أحد بحيث يذهب الهيبة، ويزيل الوقار، ويطمع في الجانب، كما أنَّ الانحراف الأوَّل يوقع الوحشة، والبغضة، والنُّفرة في قلوب الخَلْق، وصاحب الخُلُق الوسط: مهيب محبوب، عزيز جانبه، حبيب لقاؤه. وفي صفة نبيِّنا: من رآه بديهة هابه، ومن خالطه عشرة أحبَّه) [((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/311)].
7- قال بعض الحكماء: (الْقَ صاحب الحاجة بالبِشْر، فإنْ عدمت شكره، لم تعدم عذره) [انظر: ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (1/239)].
8- قيل للأوزاعي رحمه الله: ما كرامة الضَّيف؟ قال: طلاقة الوجه، وطيب الحديث.
9- قال ابن حبان: (البَشَاشَة إدام العلماء، وسجيَّة الحكماء؛ لأنَّ البِشْر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي) [ ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 75)].
10- وقال أبو جعفر المنصور: (إنْ أحببت أنْ يكثر الثَّناء الجميل عليك من النَّاس بغير نائل، فالْقَهُمْ ببِشْر حسن).
[((عين الأدب والسياسة)) لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل، (ص 154) نقلًا عن كتاب ((سوء الخلق)) لإبراهيم الحمد].
11- (قال ابن مفلح- رحمه الله تعالى-: على المسلم أن ينزّه نفسه عن كلّ وصف مذموم شرعا أو عقلا أو عرفا كغلّ وحقد وحسد ونكد وغضب وعجب وخيلاء ورياء وهوى وغرض سوء وقصد رديء ومكر وخديعة ومجانبة كلّ مكروه لله تعالى، وإذا جلست مجلس علم أو غيره فاجلس بسكينة ووقار وتلقّ النّاس بالبشرى والاستبشار».[الآداب الشرعية (3/ 556)].
12 – قال ابن تيمية: وإذا عرف الإنْسان ما يدْخل فِي هَذِه الأسْماء الجامعة عرف ما يدْخل فِي الصَّلاة من ذكر الله تَعالى ودعائه وتلاوة كِتابه وإخلاص الدّين لَهُ والتوكل عَلَيْهِ وفِي الزَّكاة من الإحْسان إلى الخلق بِالمالِ والنفع من نصر المَظْلُوم وإغاثه الملهوف وقَضاء حاجَة المُحْتاج وفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي ﷺ قالَ كل مَعْرُوف صَدَقَة فَيدْخل فِيهِ كل إحْسان ولَو ببسط الوَجْه والكلمة الطّيبَة
فَفِي الصَّحِيح عَن عدي بن حاتِم قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ ما مِنكُم من أحد الا سيكلمه ربه لَيْسَ بَينه وبَينه ترجمان ولا حاجِب فَينْظر أيمن مِنهُ فَلا يرى إلّا شَيْئا قدمه وينظر أشأم مِنهُ فَلا يرى إلّا شَيْئا قدمه وينظر أمامه فيستقبل النّار فَمن اسْتَطاعَ مِنكُم أن يَتَّقِي النّار ولَو بشق تَمْرَة فَلْيفْعَل فَإن لم يجد فبكلمة طيبَة
وفِي السّنَن لا تحقرن من المَعْرُوف شَيْئا ولَو أن تلقي أخاك بِوَجْه طلق وفِي رِوايَة ووجهك إلَيْهِ منبسط ولَو أن تفرغ من دلوك فِي إناء المستسقى
وفِي الصَّبْر احْتِمال الأذى وكظم الغيظ والعَفو عَن النّاس ومُخالفَة الهوى وترك الأشر والبطر كَما قالَ تَعالى ﴿ولَئِن أذقنا الإنْسان منا رَحْمَة ثمَّ نزعناها مِنهُ إنَّه ليؤوس كفور ولَئِن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليَقُولن ذهب السَّيِّئات عني إنَّه لفرح فخور إلّا الَّذين صَبَرُوا وعمِلُوا الصّالِحات﴾ الآيَة (سُورَة هود ٩ ١١)
دقائق التفسير ١/٢١٣
13 – قال ابن القيِّم:
[فَصْلٌ مَراتِبُ الجُودِ]
والجُودُ عَشْرُ مَراتِبَ.
إحْداها: الجُودُ بِالنَّفْسِ. وهُوَ أعْلى مَراتِبِهِ …. ثم ذكر مراتب الجود ومنها
التّاسِعَةُ: الجُودُ بِالخُلُقِ والبِشْرِ والبَسْطَةِ. وهُوَ فَوْقَ الجُودِ بِالصَّبْرِ، والِاحْتِمالِ والعَفْوِ. وهُوَ الَّذِي بَلَغَ بِصاحِبِهِ دَرَجَةَ الصّائِمِ القائِمِ. وهُوَ أثْقَلُ ما يُوضَعُ فِي المِيزانِ. قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا، ولَوْ أنْ تَلْقى أخاكَ ووَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ إلَيْهِ» وفِي هَذا الجُودِ مِنَ المَنافِعِ والمَسارِّ، وأنْواعِ المَصالِحِ ما فِيهِ. والعَبْدُ لا يُمْكِنُهُ أنْ يَسَعَهُمْ بِخُلُقِهِ واحْتِمالِهِ.
وقال :
ولِكُلِّ مَرْتَبَةٍ مِن مَراتِبِ الجُودِ مَزِيدٌ وتَأْثِيرٌ خاصٌّ فِي القَلْبِ والحالِ. واللَّهُ سُبْحانَهُ قَدْ ضَمِنَ المَزِيدَ لِلْجَوادِ، والإتْلافَ لِلْمُمْسِكِ. واللَّهُ المُسْتَعانُ.
رابعًا:
فوائد البَشَاشَة وطلاقة الوجه:
1- طلاقة الوجه تبشر بالخير، ويقبل على صاحبها النَّاس، والوجه العبوس سبب لنفرة النَّاس.
2- من فوائدها محبَّة الله عزَّ وجلَّ؛ لقوله عليه السَّلام: ((إنَّ الله يحبُّ الطَّلْق الوجه، ولا يحبُّ العبوس)) [رواه أبو عبد الرحمن السلمي في ((آداب الصحبة)) (115)].
3- طلاقة الوجه للضيف من إكرامه، مع طيب الحديث عند الدُّخول، والخروج، وعلى المائدة.
وقد قيل: “من آداب المضيف: أن يخدم أضيافه، ويظهر لهم الغنى، والبسط بوجهه، فقد قيل: البَشَاشَة خير من القِرَى”. [انظر: ((غذاء الألباب شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (2/116)].
4- تكلُّفُ البِشْر والطَّلاقة، وتجنُّب العبوس والتَّقطيب من الوسائل المعينة على اكتساب الأخلاق الحميدة.
5- الهَشَاشَة وطلاقة الوجه تثمر المحبَّة بين المسلمين، والتآلف بينهم.
6 – تبعث الاطمئنان في اللّقاء بين المسلمين.
7- تعين على مناصحة الإخوان.
8- فيها تأسّ بسيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم.
خامسًا:
نماذج من البَشَاشَة وطلاقة الوجه
أ) المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: إنّ رجلا استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا رآه قال:
بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة. فلمّا جلس تطلّق [أي: تهلّل واستبشر] النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجهه وانبسط إليه. فلمّا انطلق الرّجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرّجل قلت له كذا وكذا. ثمّ تطلّقت في وجهه وانبسطت إليه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا عائشة متى عهدتني فاحشا؟ إنّ شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه النّاس اتّقاء شرّه» ) [البخاري- الفتح 10 (6032) . ومسلم (2591)].
2-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة وهو يخطب بالمدينة فقال: قحط المطر، فاستسق ربّك، فنظر إلى السّماء وما نرى من سحاب، فاستسقى، فنشأ السّحاب بعضه إلى بعض، ثمّ مطروا حتّى سالت مثاعب المدينة، فما زالت إلى الجمعة المقبلة ما تقلع ثمّ قام ذلك الرّجل، أو غيره- والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فقال: غرقنا، فادع ربّك يحبسها عنّا، فضحك ثمّ قال: «اللهمّ حوالينا ولا علينا» – مرّتين أو ثلاثا، فجعل السّحاب يتصدّع عن المدينة يمينا وشمالا يمطر ما حوالينا، ولا يمطر فيها شيء، يريهم الله كرامة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وإجابة دعوته) [البخاري- الفتح 10 (6093) . ومسلم (897)].
3-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها إلّا في غزوة تبوك … الحديث. وفيه: قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال فقلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ فقال: «لا، بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال وكنّا نعرف ذلك. قال: فلمّا جلست بين يديه قلت … الحديث). [البخاري- الفتح 7 (4418) . ومسلم (2769) واللفظ له].
4-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: لمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطّائف قال: إنّا قافلون غدا إن شاء الله، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا نبرح أو نفتحها.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فاغدوا على القتال. قال: فغدوا فقاتلوهم قتالا شديدا، وكثر فيهم الجراحات، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّا قافلون غدا إن شاء الله. قال: فسكتوا فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) [البخاري- الفتح 10 (6086)].
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتى رجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: هلكت، وقعت على أهلي في رمضان. قال: «أعتق رقبة». قال: ليس لي.
قال: «فصم شهرين متتابعين» . قال: لا أستطيع.
قال: «فأطعم ستّين مسكينا» . قال: لا أجد. فأتي بعرق فيه تمر. فقال: «أين السّائل؟ تصدّق بها» .
قال: على أفقر منّي؟ والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منّا. فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه، قال: «فأنتم إذا» ). [البخاري- الفتح 10 (6087) ، ومسلم (1111)]. ولابتيها: اللابة: الأرض ذات الحجارة السود.
7-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به. أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا} ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشرق وجهه وسرّه (يعني قوله)). [البخاري- الفتح 7 (3952)].
8-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: استأذن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ على صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا استأذن عمر تبادرن الحجاب، فأذن له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يضحك، فقال أضحك الله سنّك يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي. فقال: «عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، لمّا سمعن صوتك تبادرن الحجاب» . فقال: أنت أحقّ أن يهبن يا رسول الله. ثمّ أقبل عليهنّ فقال: يا عدوّات أنفسهنّ، أتهبنني ولم تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقلن: إنّك أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إيه يا ابن الخطّاب، والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) [البخاري- الفتح 10 (6085)].
9-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كان أبو بكر يصلّي لهم في وجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي توفّي فيه حتّى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصّلاة كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستر الحجرة فنظر إلينا وهو قائم كأنّ وجهه ورقة مصحف ثمّ تبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضاحكا. قال فبهتنا ونحن في الصّلاة من فرح بخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصّفّ. وظنّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خارج للصّلاة فأشار إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده أن أتمّوا صلاتكم قال: ثمّ دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرخى السّتر. قال: فتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من يومه ذلك) [البخاري- الفتح 2 (679) . ومسلم (419) واللفظ له].
10-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ فجبذ بردائه جبذة شديدة، قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد أثّرت فيها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال:
يا محمّد، مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه فضحك، ثمّ أمر له بعطاء) [ البخاري- الفتح 10 (6088) . ومسلم (1057)].
13-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا اعتزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه قال: دخلت المسجد. فإذا النّاس ينكتون بالحصى ويقولون: طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه … إلى أن قال:
ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلت يا رسول الله! ما يشقّ عليك من شأن النّساء؟ فإن كنت طلّقتهنّ؛ فإنّ الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك.
وقلّما تكلّمت، وأحمد الله بكلام إلّا رجوت أن يكون الله يصدّق قولي الّذي أقول. ونزلت هذه الاية: آية التّخيير: {عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ (التحريم/ 5) وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (التحريم/ 4) وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقلت:
يا رسول الله، أطلّقتهنّ؟ قال «لا». قلت: يا رسول الله، إنّي دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى يقولون: طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه. أفأنزل فأخبرهم أنّك لم تطلّقهنّ؟ قال: «نعم. إن شئت» فلم أزل أحدّثه حتّى تحسّر الغضب عن وجهه.
وحتّى كشر فضحك، وكان من أحسن النّاس ثغرا، ثمّ نزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلت. فنزلت أتشبّث بالجذع ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّما يمشي على الأرض ما يمسّه بيده.
فقلت: يا رسول الله! إنّما كنت في الغرفة تسعة وعشرين. قال: «إنّ الشّهر يكون تسعا وعشرين». فقمت على باب المسجد، فناديت بأعلى صوتي: لم يطلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه. ونزلت هذه الاية: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء/ 83) . فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. وأنزل الله- عزّ وجلّ- آية التّخيير) [ البخاري- الفتح 9 (5191) . ومسلم (1479)].
15-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في المسجد فقال القوم: هذا عديّ بن حاتم وجئت بغير أمان ولا كتاب.
فلمّا دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك «إنّي لأرجو أن يجعل الله يده في يدي» قال: فقام فلقيته امرأة وصبيّ معها فقالا: إنّ لنا إليك حاجة. فقام معهما حتّى قضى حاجتهما، ثمّ أخذ بيدي حتّى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة فجلس عليها، وجلست بين يديه، (فحمد الله وأثنى عليه) ، ثمّ قال: «ما يفرّك أن تقول لا إله إلّا الله. فهل تعلم من إله سوى الله؟» قال:
قلت لا، قال: ثمّ تكلّم ساعة ثمّ قال: «إنّما تفرّ أن تقول الله أكبر، أو تعلم أنّ شيئا أكبر من الله؟» قال:
قلت لا، قال «فإنّ اليهود مغضوب عليهم وإنّ النّصارى ضلّال» . قال: قلت: فإنّي جئت مسلما، قال:
فرأيت وجهه تبسّط فرحا. قال: ثمّ أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار جعلت أغشاه آتيه طرفي النّهار، قال فبينا أنا عنده عشيّة إذ جاءه قوم في ثياب من الصّوف من هذه النّمار [والنمار: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض]، قال: فصلّى وقام فحثّ عليهم ثمّ قال:
ولو صاع ولو بنصف صاع ولو بقبضة ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حرّ جهنّم أو النّار ولو بتمرة ولو بشقّ تمرة، فإنّ أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم: ألم أجعل لك سمعا وبصرا؟ فيقول: بلى، فيقول:
ألم أجعل لك مالا وولدا؟ فيقول: بلى. فيقول: أين ما قدّمت لنفسك؟ فينظر قدّامه وبعده، وعن يمينه وعن شماله، ثمّ لا يجد شيئا يقي به وجهه حرّ جهنّم. ليق أحدكم وجهه النّار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيّبة فإنّي لا أخاف عليكم الفاقة، فإنّ الله ناصركم ومعطيكم حتّى تسير الظّعينة فيما بين يثرب والحيرة … الحديث) [الترمذي (2953) ، وقال: حسن غريب، وأحمد في المسند (4/ 378) ، وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 111) : وفي سنده عباد بن حبيش لم يوثقه غير ابن حبّان وباقي رجاله ثقات. وقد أخرج البخاري ومسلم طرفا منه]. والظعينة: المرأة في الهودج.
16-* (عن جرير- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار. قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار…. قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت.
قال: ثمّ تتابع النّاس، حتّى رأيت كومين من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل كأنّه مذهبة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده. من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) [مسلم (1017)]. ومذهبة: من الشيء المموّه بالذهب، ويروى مدهنة مؤنث مدهن وهي النقرة في رءوس الجبال يستنقع فيها الماء شبه وجهه لإشراق السرور عليه بصفاء الماء المجتمع في الحجر، وقيل: المدهنة ما يجعل فيه الدهن فيكون قد شبهه بصفاء الدهن.
17- بَشَاشَته صلى الله عليه وسلم لأخت خديجة -رضي الله عنها- وفاءً لها، كما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((استأذنت هالة بنتُّ خويلد -أخت خديجة- على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة، فارتاح لذلك، فقال: اللهمَّ هالة. قالت: فَغِرْت. فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشِّدقين، هلكت في الدَّهر، قد أبدلك الله خيرًا منها)) [رواه البخاري (3821)، ومسلم (2437)].
وكما قيل عنه صلى الله عليه وسلم:
بادي البَشَاشَة باسم لوفوده *** يهتزُّ منه للنَّدى العطفان
كفاه أسخى بالعطاء لمجْتَد *** من وابل الغيث المسفِّ الدَّاني
سبعين ألفا فَضَّها في مجلس *** لم يبق منها عنده فِلْسَان
ب) نماذج من البشاشة في حياة السَّلف والعلماء:
قيل: (حسن البِشْر اكتساب الذِّكر)، ولقد صدقت المقولة، فهناك المئات من علماء وأعلام الأمة ماتوا، ولكن بقي ذكرهم بهذه الصِّفة خالدًا، ففي تراجم أهل العلم: أنَّ فلانًا كان (بَشُوشًا)، أو أنَّه كان (طَلْق الوجه)، أو كانت (البَشَاشَة لا تفارق محيَّاه)، أو عبارات قريبة من هذه تعبر عن اتِّصافهم بهذه الصِّفة، ولو تتبَّع أحوالهم متتبِّع لطال به المقال، لكن نسرد هنا بعض النَّماذج لهؤلاء الأعلام:
– إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل، الدمشقي الصالحي الحنبلي
قال عنه الذهبي: (وذكر عن جماعة ثناءهم عليه، ووصفهم إياه بالسَّخاء والكرم والمروءة، والإحسان الكثير إلى الفقراء، وإيثارهم، وقضاء حوائجهم، والتواضع لهم، وطلاقة الوجه والبَشَاشَة والورع والخوف والعبادة، والأخلاق الجميلة ونحو ذلك) [انظر: ((تاريخ الإسلام)) للإمام الذهبي (49/219)].
– شهاب الدين يحيى بن إسماعيل بن محمد القيسراني:
كان يتودَّد للصَّالحين، ويكثر الصَّوم والعبادة، ويصبر على الأذى، ولا يعامل صديقه وعدوَّه إلا بالخير وطلاقة الوجه [انظر: ((شذرات الذهب)) لابن العِماد الحنبلي (6/175)].
– إسحاق بن يحيى بن إسحاق بن إبراهيم:
كان طيب الأخلاق ينطبع، ويتطلب البَشَاشَة ويتبع. سهل القياد، واري الزِّنادِ، متَّسمًا بالعدالة، محتشمًا عن الإزالة. [انظر: ((أعيان العصر وأعوان النصر)) للصفدي (1/137)].
سادسًا:
موانع اكتساب البَشَاشَة:
1- خبث النَّفس، وتغلغل الصِّفات القبيحة فيها من الحسد والغلِّ والحقد والكبر، والتي ترسم الجهامة على وجه صاحبها، وتجعل البَشَاشَة تفارق مُحَيَّاه.
2- عدم اتباع هدي النَّبي صلى الله عليه وسلم، والذي حثَّ على هذه الصِّفة بخلقه وقوله صلَّى الله عليه وسلم.
3 – بغض النَّاس، وكراهية الخير لهم.
4- عدم استشعار الأجر المترتِّب على التَّحلِّي بهذه الصِّفة.
سابعاً:
الوسائل المعينة على اكتساب البَشَاشَة:
1- استشعار الأجر الذي رتَّبه الشرع على البَشَاشَة وحسن ملاقاة المسلمين.
2- اتِّباع هدي النَّبي صلى الله عليه وسلم، والذي كانت البَشَاشَة خلقه، وعلمها لأمته بقوله عليه الصَّلاة والسلام.
3- حُبُّ النَّاس يجعلك تَبَشُّ في وجوههم.
4- التَّخلُّص من الصِّفات الذَّميمة كالحسد والحقد، التي تجعل المرء يمقت من حوله ويكره لهم الخير، ويلاقيهم بجهامة ووجه عبوس.
5- التعوُّد على رسم الابتسامة على الوجه، ومحاولة أن تكون سمة دائمة للشَّخص.
ثامنًا:
أقوال وأمثال عن البَشَاشَة وطلاقة الوجه:
– قال أبو حاتم: (البَشَاشَة إدام العلماء، وسجيَّة الحكماء؛ لأنَّ البِشْر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي، ومن بَشَّ للنَّاس وجهًا،لم يكن عندهم بدون الباذل لهم ما يملك) [انظر: ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (1/75)].
– وقال أيضًا: (لا يجب للسُّلطان أن يفرط البَشَاشَة والهَشَاشَة للنَّاس، ولا أن يقلَّ منهما؛ فإنَّ الإكثار منهما يؤدِّي إلى الخفَّة والسَّخف، والإقلال منهما يؤدِّي إلى العجب والكبر) [انظر: ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (1/269)].
– قال الأحنف: (رأس المروءة: طلاقة الوجه، والتودُّد إلى النَّاس).
– البِشْر دال على السَّخاء كما يدلُّ النَّور على الثَّمر.
– من حسن الخلق أن يحدِّث الرجل صاحبه وهو مبتسم.
– عن ميمون بن مهران قال: (المروءة: طلاقة الوجه، والتودُّد إلى النَّاس، وقضاء الحوائج) [انظر: ((تاريخ مدينة دمشق)) لابن عساكر (61/363)].
– قال لقمان لابنه: (خصلتان يزيِّنانك: اعلم أنه لا يطأ بساطك إلا راغب فيك، أو راهب منك. فأما الرَّاهب منك فأدن مجلسه، وتهلَّل في وجهه، وإيَّاك والغمز من ورائه. وأما الرَّاغب فيك، فابذل له البَشَاشَة، وابدأه بالنَّوال قبل السؤال، فإنَّك متى تلجئه إلى مسألتك تأخذ من حرِّ وجهه ضِعْفي ما تعطيه) [انظر: ((الجليس الصالح والأنيس الناصح)) (1/449)].
– البَشَاشَة فخُّ الْمودَّة.
– وقيل: (حسن البِشْر اكتساب الذِّكر).
– البَشَاشَة أوَّل قِرَى الأضياف.
– من أحبَّ المحمدة من النَّاس بغير مرزئة، فليتلقَّهم ببِشْر حسن.
– حسن البِشْر مخيلة النَّجح.
– كان يقال: (حسن البِشْر واللِّقاء رقٌّ للأشراف والأكفاء).
– البَشَاشَة رشوة، والمودَّة نشوة.
– سئل أعرابي عن الكرم، فقال: أما الكرم في اللِّقاء فالبَشَاشَة، وأما في العِشْرة فالهَشَاشَة، وأمَّا في الأخلاق فالسَّماحة، وأمَّا في الأفعال فالنَّصاحة، وأما في الغنى فالمشاركة، وأما في الفقر فالمواساة.
– قيل: البَشَاشَة في الوجه خير من القِرَى. قالوا: فكيف بمن يأتي بها وهو ضاحك، وقد ضمَّن هذا الكلام بأبيات، فقيل:
إذا المرء وافى منزلًا منك قاصدًا *** قِرَاك وأرمَـتْهُ لديك المسالك
فكن باسمًا في وجهه متهلِّلًا *** وقل مرحبًا أهلًا ويوم مبارك
وقدِّم له ما تستطيع من القِرَى *** عجولًا ولا تبخل بما هو هالك
فقد قيل بيت سالف متقدِّم *** تداوله زيد وعمرو ومالك
بَشَاشَة وجه المرء خير من القِرَى *** فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك [انظر: ((المستطرف)) للأبشيهي (1/359)]
[انظر: كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، وموسوعة الأخلاق]