[٦٦٦٠] (٢٦٢٣) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وعبدالله كديم وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي وأحمد بنعلي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
٤١ – بابُ النَّهْيِ عَنْ قَوْلِ هَلَكَ النّاسُ
[٦٦٦٠] (٢٦٢٣) – (حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبِ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ
(ح) وحَدَّثنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: قَرَأْتُ عَلى مالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: «إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ»، قالَ أبُو إسْحاقَ: لا أدْرِي أهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ، أوْ أهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ.
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
(٤١ – بابُ النَّهْيِ عَنْ قَوْلِ هَلَكَ النّاسُ)
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٦٦٠] (٢٦٢٣) – (حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبِ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ
(ح) وحَدَّثنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: قَرَأْتُ عَلى مالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: «إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ»، قالَ أبُو إسْحاقَ: لا أدْرِي أهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ، أوْ أهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ.
و(عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ) القعنبيّ البصريّ.
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف –رحمه الله-، وله فيه إسنادان فرَّق بينهما بالتحويل،
وفيه رواية الابن عن أبيه، وفيه من اشتهر بكنيته، أبو هريرة، وأبو صالح، وفيه
أبو هريرة – رضي الله عنه – تقدّم القول فيه غير مرّة.
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -؛ (أنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ – قالَ: «إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ
النّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ») قال النوويّ – رحمه الله -: رُوي «أهلكهم» على وجهين
مشهورين: رفع الكاف، وفتحها، والرفع أشهر، ويؤيده أنه جاء في رواية
رَوَيناها في «حلية الأولياء» في ترجمة سفيان الثوريّ: «فهو من أهلكهم»، قال
الحميديّ في «الجمع بين الصحيحين»: الرفع أشهر؛ ومعناها: أشدُّهم هلاكًا،
وأما رواية الفتح؛ فمعناها: هو جَعَلهم هالكين، لا أنهم هلكوا في الحقيقة،
واتَّفَق العلماء: على أن هذا الذمّ إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس، واحتقارهم، وتفضيل نفسه عليهم، وتقبيح أحوالهم؛ لأنه لا يَعْلَم سرّ الله في خلقه، قالوا: فأما من قال ذلك تحزّنًا لِما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدِّين، فلا بأس عليه، كما قال أنس – رضي الله عنه -: لا أعرف من أمة النبيّ – ﷺ – إلا أنهم يصلّون جميعًا، هكذا فسّره الإمام مالك، وتابعه الناس عليه.
وقال الإمام أبو عمر بن عبد البرّ –رحمه الله بعد أن نقل نحو ما سبق -: …… والفرق بين الأمرين أن يكون في الوجه الأول راضيًا عن نفسه،
مُعْجَبًا بها، حاسدًا لمن فوقه، محتقرًا لمن دونه، ويكون في الوجه الثاني ماقتًا
لنفسه، مُوَبِّخًا لها، غير راض عنها، رَوَينا عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أنه قال: لن يفقه الرجل كلَّ الفقه حتى يَمْقُت الناس كلهم في ذات الله، ثم يعود إلى نفسه، فيكون لها أشدّ مقتًا. انتهى [«التمهيد» لابن عبد البرّ -٢١/ ٢٤٢ – ٢٤٣].
وقال الخطابيّ: معناه: لا يزال الرجل يَعيب الناس، ويذكر مساويهم،
ويقول: فسد الناس، وهلكوا، ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك، فهو أهلكهم؛ أي:
أسوأ حالًا منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم، والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك
إلى العُجب بنفسه، ورؤيته أنه خير منهم، والله أعلم. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧٥ – ١٧٦].
وقوله: (قالَ أبُو إسْحاقَ:) إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الزاهد النيسابوريّ المتوفّى في رجب سنة (٣٠٨ هـ) وهو راوي هذا الكتاب عن مسلم.
(لا أدْرِي)؛ أي: لا أعلم،
(أهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ) بتقدير الاستفهام؛ أي: أأهلكَهم يُضبط بالنصب، (أوْ أهْلَكُهُمْ) يُضبط (بِالرَّفْعِ) غرض أبي إسحاق هذا بيان شكّه في ضبط هذا الاسم، وهو قوله: «أهلكهم» هل هو بالنصب، أو بالرفع؟
قال القرطبيّ –رحمه الله-: وقد قيّده الناس بعده بالوجهين، وكلاهما له وجه،
فإذا كان بالرفع: فمعناه أن قائل ذلك القول هو أحقّ الناس بالهلاك، أو
أشدّهم هلاكًا، ومَحْمِله على ما إذا قال ذلك مُحَقِّرًا للناس….. فإنّها عادة جارية في أهل العلم، والفضل، يعظّمون أسلافهم، ويُفضّلونهم على مَن بعدهم، ويُقَصِّرون بمن خلفهم، وقد يكون هذا على جهة الوعظ والتذكير؛ ليقتدي اللاحق بالسابق، فيجتهد المقصّر، ويتدارك المُفَرِّط، كما قال الحسن –رحمه الله-: لقد أدركت أقوامًا
لو أدركتموهم لقلتم: مرضى، ولو أدركوكم لقالوا: هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب.
وأفاد من قيّده بالنصب، فيكون معناه: أن الذي قال لهم ذلك مُقَنِّطًا لهم هو الذي أهلَكَهم بهذا القول، فإنّ الذي يسمعه قد ييأس من رحمة الله، فيَهْلِك، وقد يغلب على القائل رأي الخوارج، فيُهلك الناس بالخروج عليهم، ويشقّ عصاهم بالقتال، وغير ذلك، كما فعلت الخوارج، فيكون قد أهلكهم حقيقة وحسًّا.
وقيل: معناه: أن الذي قال فيهم ذلك هو الذي أهلكهم، لا الله تعالى، فكأنه قال: هو الذي ظنّ ذلك من غير تحقيق، ولا دليل من جهة الله تعالى، والله تعالى أعلم. [«المفهم» ٦/ ٦٠٨ – ٦٠٩].
قال الشيخ ابن باز رحمه الله وذكر الوجهين في الضبط لاهلكهم:
والمسلمون لا يهلكون بل لا تزال فيهم طائفة على الحق منصورة حتى يأتي أمر الله، كما قال النبي ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وفي لفظ آخر: من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وفي لفظ آخر: لا يزال أمر هذه الأمة قائماً حتى يأتي أمر الله.
فالمقصود أن هذه الأمة لا تجتمع على الضلالة، بل لا يزال فيها طائفة على الحق مستقيمة على الهدى لا يهلكون جميعاً، ولكن مثلما قال الله-سبحانه-: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف:103)، فأكثر الخلق على خلاف الحق، والصواب مع القليل لا مع الأكثر، قال-جل وعلا-: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سـبأ: من الآية13)، وقال-سبحانه-: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (سـبأ:20)، فلا يجوز للمسلم أن يقول هلك الناس، أو كفر الناس لا، ولكن يقول هلك الأكثر، أو كفر الأكثر، يعني عبارة لا تعم الجميع، ولا يقول أيضاً كفر الأكثر، لكن يقول هلك الأكثر، أما العموم ، لا يجوز، لأنه لا تزال طائفة.
والحمد لله على الحق مستقيمة وثابتة حتى يأتي أمر الله”.[نور على الدرب، من تسمى بغير جده ومن قال هلك الناس، الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى]
فوائد الباب:
١ – (منها): بيان النهي عن قول «هلك الناس»؛ لأنه يؤدي إلى تعظيم النفس، واحتقار لغيره.
٢ – (ومنها): أن من آداب الداعي إلى الله تعالى أن يكون وسطًا، فلا
يحمل الناس على القنوط من رحمة الله تعالى، ولا يحملهم على الرجاء
المفرط الذي يؤدّي إلى التساهل في أمر الله تعالى ونهيه.
٣ – (ومنها): الحثّ على التواضع، وعدم رؤية النفس، وسوء الظنّ
بالآخرين، بل الحقّ أن يكون متّهمًا نفسه بالتقصير، واستحقاق الهلاك لولا
فضل الله -عزوجل-، فيكون محبًّا للناس، متواضعًا لهم، محترمًا لهم ذامًّا لنفسه؛
لأنها أمارة بالسوء
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
4 – (ومنها): أن هذه الأمة لا تجتمع على الضلالة، بل لا يزال فيها طائفة على الحق مستقيمة على الهدى لا يهلكون جميعاً.
5 – (ومنها): لا يجوز للمسلم إذا رأى الباطل في العامة أن يقول هلك الناس، أو كفر الناس، ولكن يقول هلك الأكثر؛ لأنه لا تزال طائفة على الحق.
6 – لا ينبغي- على الداعية، والخطيب، والواعظ، أن يكثر في موعظته من ذكر المنكرات، وفشوها، وانتشارها، والبلد الفلاني فسد فيه المنكرات، لم يبق مكان إلا وفيه كذا، وانتشر كذا، يخرج الناس من موعظته، وخطبته، بماذا ؟؛ بشبه قنوط، يخرجون يقولون: ما بقي خير؛ فيكون أهلكَهم بذلك؛ لكن يحذر من المنكرات، ويقول: الخير باق، ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول:”لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة”، وأهل الخير كثيرون، وهم-و الحمد لله- موجودون، ومتظافرون، ولكن هذه بعض المنكرات، ويمكن نعالجها، ومن اليسير إن شاء الله معالجتها؛ فمثل هذا الأسلوب،؛فيه تشجيع للناس، وحث لهم على الخير، وترغيب فيه، أما استعمال مثل هذه الألفاظ؛ ” هلك الناس
ويخطئ من يجعل موعظته، وخطبته سردا للمنكرات، و عدا لها، هذا يضر و لا ينفع، يمكن أن تذكر نموذج أو مثال على ذلك، ثم تبدأ بالعلاج، المهم هو العلاج، و ذكر الأدلة
7 – (ومنها): “النَّهيُ عنِ العُجبِ والكِبْرِ”.
8 – قال العباد موضع آخر من شرح السنن:
حكم إطلاق القول بأن الناس رجعوا إلى الجاهلية
الجواب
التعميم لا شك أنه لا يصلح ولا يستقيم، ولكن كون الناس فيهم جاهلية أو فيهم جهل هذا لاشك فيه وهو الواقع، لكن الإنسان يحرص على أن يعبر بالعبارات السليمة، وقد سبق أن مر بنا أن الإنسان إذا قال: هلك الناس، فإنه يكون أهلكهم.
9 – الجمع بين ما جاء في حديث الباب وما قاله بعض السلف في أهل زمانهم
“”هلك الناس” وحديث الباب
سبق بعض التوجيهات وقال ابن القيم في الهدي: “وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول الرجل: هلك الناس، وقال: «إذا قال ذلك فهو أهلكهم.» وفي معنى هذا: فسد الناس وفسد الزمان ونحوه”.
ومن تأمل ما ذكره وما جرى على لسان السلف من التحزن على أحوال زمانهم وأهله؛ رأى أن ما قاله مالك رحمه الله تعالى ورجحه النووي في الأذكار، هو تفصيل حسن به تنزل السنة في منزلتها، وما جرى على لسان السلف في منزلته. والله أعلم.”. [من المناهي اللفظية].
10 – قال العباد حفظه الله في شرح السنن:
وللجمع بين حديث: (ويل للعرب)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: هلك الناس فهو أهلكهم)، نقول: لا تنافي بينهما؛ لأن هذا إخبار بأمور ستحصل، وأما الذي يقول: هلك الناس فهو يقول شيئاً ويكون فيه مبطلاً، وهو يكون في مقدمة من وصفهم بالهلاك. انتهى
—–
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى):
أحاديث وآثار استعملت لفظة الهلاك فيما يستقبل:
ما أخرجه نعيم:
٦٦٨ – حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: «لَا يَزَالُ لِلنَّاسِ مُدَّةٌ حَتَّى يُقْرَعَ الرَّأْسُ، فَإِذَا قُرِعَ الرَّأْسُ» ، يَعْنِي الشَّامَ، «هَلَكَ النَّاسُ» ، قِيلَ لِكَعْبٍ: وَمَا قَرْعُ الرَّأْسِ؟ قَالَ: «الشَّامُ يُخَرَّبُ»
«الفتن لنعيم بن حماد» (1/ 237)
وأخرج نعيم:
١٧٠٨ – حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حُدَيْرِ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ أَبِي شَجَرَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَتَسْتَصْعِبَنَّ بِكُمُ الْأَرْضُ حَتَّى يَغْبِطَ أَهْلُ حَضَرِكُمْ أَهْلَ بَدْوِكُمْ، كَمَا يَغْبِطُ أَهْلُ بَدْوِكُمُ الْيَوْمَ أَهْلَ حَضَرِكُمْ، مِنَ اسْتِصْعَابِ الْأَرْضِ، وَلَتَمِيلَنَّ بِكُمُ الْأَرْضُ مَيْلَةً يَهْلِكُ فِيهَا مَنْ هَلَكَ، وَيَبْقَى مَنْ بَقِيَ، حَتَّى تُعْتَقَ الرِّقَابُ، ثُمَّ تَهْدَأُ بِكُمُ الْأَرْضُ بَعْدَ ذَلِكَ حِينًا حَتَّى يَنْدَمَ الْمُعْتِقُونَ، ثُمَّ تَمِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ مَيْلَةً أُخْرَى فَيَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ وَيَبْقَى مَنْ بَقِيَ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا نُعْتِقُ، رَبَّنَا نُعْتِقُ، فَيُكَذِّبُهُمُ اللَّهُ يَقُولُ: كَذَبْتُمْ كَذَبْتُمْ، بَلْ أَنَا أُعْتِقُ، وَلَيُبْتَلَيَنَّ أُخْرَيَاتُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالرَّجْفِ، فَإِنْ تَابُوا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ عَادُوا أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْفِ، فَإِنْ تَابُوا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ عَادُوا أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْفِ وَالْقَذْفِ وَالْمَسْخِ وَالصَّوَاعِقِ، وَإِذَا قِيلَ: هَلَكَ النَّاسُ، هَلَكَ النَّاسُ، ثَلَاثًا، فَقَدْ هَلَكُوا، وَلَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ أُمَّةً حَتَّى يُعْذِرُوا عَاذِرَهَا، حَتَّى يُعْرَفُوا بِالذُّنُوبِ فَلَا يَتُوبُونَ، وَلِتَطْمَئِنَّ الْقُلُوبُ بِمَا فِيهَا مِنْ بِرِّهَا وَفُجُورِهَا كَمَا تَطْمَئِنُّ الشَّجَرُ بِمَا فِيهِ، حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ مُحْسِنٌ يَزْدَادُ إِحْسَانًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ مُسِيءٌ اسْتِعْتَابًا، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤] ”
«الفتن لنعيم بن حماد» (2/ 614)
وأخرج نعيم ايضا:
١٧٣٧ – حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَمِعَ الرَّجُلَ، يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ، يَقُولُ: «هَلَكَ الْفُجَّارُ»
«الفتن لنعيم بن حماد» (2/ 622)
قال الطبراني:
– حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: نا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ أَسْرَعَ النَّاسِ هَلَاكًا قَوْمُكِ» قُلْتُ: أَمِنْ تَيْمٍ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ: «لَا وَلَكِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ تَسْتَخْلِبُهُمُ الْمَنَايَا، وَتَنْفِسُ النَّاسُ عَلَيْهِمْ» قُلْتُ: فَمَا بَقَاءُ النَّاسِ بَعْدَهُمْ؟ قَالَ: «هُمْ صُلْبُ النَّاسِ، فَإِذَا هَلَكُوا هَلَكَ النَّاسُ»
لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ
«المعجم الأوسط» (3/ 253)
قال ابن بطة
٤٢ – حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: ثنا مَسْعُودٌ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ الْجُعْفِيَّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ سَلْمَانَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ الْأَوَّلُ، حَتَّى يَعْلَمَ الْآخِرُ، فَإِذَا هَلَكَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْآخِرُ هَلَكَ النَّاسُ»
«الإبانة الكبرى لابن بطة» (1/ 204)
وعطاء اختلط
___
يجوز استعمال هذه الكلمة في الأزمان التي سبقت وفيها جاهلية كما في قصة اسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه :
قال حين انتقل للراهب : فأحببته حبا لم أحب شيئا قبله مثله
قال: فأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة فقلت له: إني قد كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلم اليوم أحدا على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بـ(الموصل) وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به
وأخرج الإمام مسلم :
٨ – (١٦٨٨) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا لَيْثٌ، ح وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقالُوا: مَن يُكَلِّمُ فِيها رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ فَقالُوا: ومَن يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلّا أُسامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَكَلَّمَهُ أُسامَةُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ؟» ثُمَّ قامَ فاخْتَطَبَ، فَقالَ: «أيُّها النّاسُ، إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وايْمُ اللهِ لَوْ أنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها»، وفِي حَدِيثِ ابْنِ رُمْحٍ: إنَّما هَلَكَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ .
وفي البخاري:
٦٧٨٧ – حَدَّثَنا أبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ: أنَّ أُسامَةَ كَلَّمَ النَّبِيَّ ﷺ فِي امْرَأةٍ، فَقالَ: «إنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كانُوا يُقِيمُونَ الحَدَّ عَلى الوَضِيعِ ويَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أنَّ فاطِمَةَ فَعَلَتْ ذَلِكَ لَقَطَعْتُ يَدَها»
قال ابن عبدالبر :
– أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا أَبِي، نا عَبْدُ اللَّهِ، نا بَقِيٌّ، نا أَبُو بَكْرٍ، نا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ جَابِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَخْطُبُ يَقُولُ: «أَعْزِمُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ كِتَابٌ إِلَّا رَجَعَ فَمَحَاهُ، فَإِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ حَيْثُ تَتَبَّعُوا أَحَادِيثَ عُلَمَائِهِمْ وَتَرَكُوا كِتَابَ رَبِّهِمْ»
«جامع بيان العلم وفضله» (1/ 271)
قال ابن حبان
٦٥٣ – أخْبَرَنا أبُو يَعْلى قالَ: حَدَّثَنا المُعَلّى بْنُ مَهْدِيٍّ قالَ: حَدَّثَنا أبُو شِهابٍ عَنْ عَوْفٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ الأثْرَمِ عَنِ الحَسَنِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِياضِ بْنِ حِمارٍ قالَ:
خَطَبَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فقالَ:
(إنَّ اللَّهَ جَلَّ وعَلا أمَرَنِي أنْ أعلِّمكم مِمّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذا وإنَّهُ قالَ لِي: إنِّي خَلَقْتُ عِبادِي حُنَفاءَ كُلَّهُمْ وإنَّ كُلَّ ما أنْحَلْتُ عِبادِي فَهُوَ لَهُمْ حَلالٌ وإنَّ الشَّياطِينَ أتَتْهُمْ فاجْتالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وحرَّمت عَلَيْهِمُ الَّذِي أحْلَلْتُ لَهُمْ وأمَرَتْهُمْ أنْ يُشْرِكُوا بِي ما لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطانًا وإنَّ اللَّهَ أتى أهْلَ الأرْضِ قَبْلَ أنْ يَبْعَثَنِي فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وعَجَمَهُمْ إلّا بَقايا مِن أهْلِ الكِتابِ وإنَّهُ قالَ لِي: قَدْ أنزلتُ كِتابًا لا يَغْسِلُهُ الماءُ فاقْرَأْهُ نائِمًا ويَقْظانَ وإنَّ اللَّهَ أمَرَنِي أنْ أُخْبِرَ قُرَيْشًا وإنِّي قُلْتُ: أيْ رَبِّ إذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً وإنَّهُ قالَ لِي: استخرجْهم كَما اسْتَخْرَجُوكَ واغْزُهُمْ يَسْتَغْزُونَكَ وأنْفِقْ نُنفق عَلَيْكَ وابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةَ أمْثالِهِ وقاتِلْ بِمَن أطاعَكَ من عصاك)
والحديث
أخرجه مسلم (٢٨٦٥) قال: حدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى ومحمد ابن بشار بن عثمان -واللفظ لأبي غسان وابن المثنى- قالا: حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي، عن قتادة، عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير، عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول اللَّه قال ذات يوم في خطبته: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل ما نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان، وإن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت: رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال: استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق. ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال قال: وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعا، لا يبتغون أهلا ولا مالا والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دق إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» وذكر البخل أو الكذب «والشنظير الفحاش».
راجع الصحيحة ٣٥٩٩
وعَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ: أنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمانِ قَدِمَ عَلى عُثْمانَ وكانَ يُغازِي أهْلَ الشّامِ فِي فَتْحِ أرْمِينِيَّةَ وأذْرَبِيجانَ مَعَ أهْلِ العِراقِ فَأفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلافُهُمْ فِي القِراءَةِ فَقالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمانَ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ أدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتابِ اخْتِلافَ اليَهُودِ والنَّصارى فَأرْسَلَ عُثْمانُ إلى -[٦٨٢]- حَفْصَةَ أنْ أرْسِلِي إلَيْنا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُها فِي المَصاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّها إلَيْكِ فَأرْسَلَتْ بِها حَفْصَةُ إلى عُثْمانَ فَأمَرَ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزبير وسَعِيد بن العاصِ وعبد الرَّحْمَن بْنَ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ فَنَسَخُوها فِي المَصاحِفِ وقالَ عُثْمانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاثِ إذا اخْتَلَفْتُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ فاكْتُبُوهُ بِلِسانِ قُرَيْشٍ فَإنَّما نَزَلَ بِلِسانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتّى إذا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المَصاحِفِ رَدَّ عُثْمانُ الصُّحُفَ إلى حَفْصَةَ وأرْسَلَ إلى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمّا نَسَخُوا وأمَرَ بِما سِواهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أوْ مُصْحَفٍ أنْ يُحْرَقَ قالَ ابْن شهاب وأخْبرنِي خارِجَة بن زيد بن ثابت سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ قالَ فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأحْزابِ حِينَ نَسَخْنا المُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أسْمَعُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ بِها فالتَمَسْناها فَوَجَدْناها مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثابِتٍ الأنْصارِيِّ (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا الله عَلَيْهِ)
فَألْحَقْناها فِي سُورَتِها فِي المُصْحَفِ. رَواهُ البُخارِيُّ
وكذلك يجوز وصف الناس بالهلاك عطشا أو جوعا
وقد أخرج البخاري في «صحيحه» تعليقًا (١٠٢٩) رواية يحيى بن سعيد لهذا الحديث عن أنس فقال: «قال أيوب بن سليمان: حدثني أبو بَكْرِ بْنِ أبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سليمان بن بلال قال: يحيى بن سعيد: سَمِعْتُ أنَسَ بْنَ مالِكٍ قالَ: أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يديه يدعو …» وذكر الحديث، وفيه: «فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا»، ولم يذكر أنه كانَ إذا رَأى المَطَرَ، قالَ: «اللهم اسقنا».
وكذلك وصف طائفة لها صفة سيئة كما في الحديث الذي أخرجه مسلم هلك المتنطعون واستعمل السلف لفظ الهلاك لمعاني أخرى جائزة:
قال الترمذي:
٢٥ – حدثنا الحسين بن حريث، قال: سمعت وكيعا يقول: إن لم يكن المعنى واسعا، فقد هلك الناس.
وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والاتقان، والتثبت عند السماع مع أنه لم يسلم من الخطإ والغلط كبير أحد من الائمة مع حفظهم.
وأخرج أبي الدنيا:
٦٧٧ – حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: ” هَلَكَ النَّاسُ فِي خَلَّتَيْنِ: فُضُولُ الْمَالِ، وَفُضُولُ الْكَلَامِ ”
«الصمت لابن أبي الدنيا» (ص294)
وأخرج الطبري حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [الإسراء: ٣٥] أَيْ خَيْرٌ ثَوَابًا وَعَاقِبَةً وَأَخْبَرَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمَوَالِي، إِنَّكُمْ وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ بِهِمَا هَلَكَ النَّاسُ قَبْلَكُمْ: هَذَا الْمِكْيَالُ، وَهَذَا الْمِيزَانُ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «لَا يَقْدِرُ رَجُلٌ عَلَى حَرَامٍ ثُمَّ يَدَعُهُ، لَيْسَ بِهِ إِلَّا مَخَافَةُ اللَّهِ، إِلَّا أَبْدَلَهُ اللَّهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ»
«تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر» (14/ 593)
قال ابن العربي:
وَقَدْ أُتِيَ عُمَرُ بِسَكْرَانٍ فِي رَمَضَانَ، فَضَرَبَهُ مِائَةً: ثَمَانِينَ حَدُّ الْخَمْرِ، وَعِشْرِينَ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ؛ فَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ تَتَرَكَّبَ الْعُقُوبَاتُ عَلَى تَغْلِيظِ الْجِنَايَاتِ، وَهَتْكِ الْحُرُمَاتِ.
وَقَدْ لَعِبَ رَجُلٌ بِصَبِيٍّ، فَضَرَبَهُ الْوَالِي ثَلَاثَمِائَةِ سَوْطٍ، فَلَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ مَالِكًا حِينَ بَلَغَهُ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا بِهَتْكِ الْحُرُمَاتِ وَالِاسْتِهْتَارِ بِالْمَعَاصِي، وَالتَّظَاهُرِ بِالْمَنَاكِرِ، وَبَيْعِ الْحُدُودِ، وَاسْتِيفَاءِ الْعَبِيدِ لَهَا فِي مَنْصِبِ الْقُضَاةِ؟؛ لَمَاتَ كَمِدًا، وَلَمْ يُجَالِسْ أَحَدًا؛ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
«أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية» (3/ 335)
وَرَأى رجل ربيعَة بن عبد الرَّحْمَن يبكي فَقَالَ مَا يبكيك فَقَالَ أستفتي من لَا علم لَهُ وَظهر فِي الْإِسْلَام أَمر عَظِيم وَقَالَ ولبعض من يُفْتِي هَا هُنَا أَحَق بالسجن من السراق قلت فَكيف لَو رأى زَمَاننَا وأقدام من لَا علم عِنْده على الْفتيا مَعَ قلَّة خبرته وَسُوء سيرته وشؤم سَرِيرَته وَإِنَّمَا قَصده السمعة والرياء ومماثلة الْفُضَلَاء والنبلاء والمشهورين المستورين وَالْعُلَمَاء الراسخين والمتبحرين السَّابِقين وَمَعَ هَذَا فهم ينهون فَلَا ينتهون وينبهون فَلَا ينتبهون قد أملي لَهُم بانعكاف الْجُهَّال عَلَيْهِم وَتركُوا مَا لَهُم فِي ذَلِك وَمَا عَلَيْهِم فَمن أقدم على مَا لَيْسَ لَهُ أَهلا من فتيا أَو قَضَاء أَو تدريس أَثم فَإِن أَكثر مِنْهُ وأصر وَاسْتمرّ فسق وَلم يحل قبُول قَوْله وَلَا فتياه وَلَا قَضَاؤُهُ هَذَا حكم دين الْإِسْلَام وَالسَّلَام وَلَا اعْتِبَار لمن خَالف هَذَا الصَّوَاب فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَوَيْتُ لِلَبِيْدٍ نَحْواً مِنْ أَلْفِ بَيْتٍ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَذْكُرُهَا، فَيَتَعَجَّبُ مِنْ فِقْهِهَا وَعِلْمِهَا، ثُمَّ يَقُوْلُ: مَا ظَنُّكُمْ بِأَدَبِ النُّبُوَةِ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
قِيْلَ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا القُرْآنُ تَلَقَّيْتِهِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ الحَلَالُ وَالحَرَامُ؛ وَهَذَا الشِّعْرُ وَالنَّسَبُ وَالأَخْبَارُ سَمِعْتِهَا مِنْ أَبِيْكِ وَغَيْرِهِ؛ فَمَا بِالُ الطِّبِّ؟
قَالَتْ: كَانَتِ الوُفُوْدُ تَأْتِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَشْكُو عِلَّةً، فَيَسْأَلُهُ عَنْ دَوَائِهَا، فَيُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَحَفِظْتُ مَا كَانَ يَصِفُهُ لَهُم، وَفَهِمْتُهُ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهَا أَنْشَدَتْ بَيْتَ لَبِيْدٍ:
ذَهَبَ الَّذِيْنَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ … وَبَقِيْتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ
فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ لَبِيْداً، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا!
قَالَ عُرْوَةُ: رَحِمَ اللهُ أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ؟ فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَتْ زَمَانَنَا هَذَا.
قَالَ هِشَامٌ: رَحِمَ اللهُ أَبِي، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا!
قَالَ كَاتِبُهُ: سَمِعْنَاهُ مُسَلْسَلاً بِهَذَا القَوْلِ بِإِسْنَادٍ مُقَارِبٍ.
«سير أعلام النبلاء – ط الرسالة» (2/ 198)
– حكي: سفيان الثوري – رحمه الله تعالى – قال: دخلت على أبي جعفر المنصور بمنى فقال: ارفع إلينا حاجتك.
فقلت له: اتق الله قد ملأت الأرض ظلماً وجوراً.
قال: فطأطأ رأسه ثم رفعه، وقال: ارفع إلينا حاجتك.
فقلت: إنما / أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعاً، فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم.
قال: فطأطأ رأسه ثم رفعه، فقال: ارفع إلينا حاجتك.
فقلت: حج عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقال لخازنة: كم أنفقت؟ قال: بضعة وعشر درهماً، وأرى ها هنا أموالاً لا تطيقها الجبال.
هذا كلام لأبي جعفر المنصور وقوله: ملأت الأرض ظلماً وجوراً، فكيف لو رأى زماننا وأهله؟ .
ولقد اتفق لأبي جعفر هذا في حجته هذه قضية ينبغي ذكرها ليعلم بها قدر رتبته بالنسبة إلى أهل زماننا.
«تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين» (ص61)
___________________
(المسألة الثانية): عموم البلوى:
عموم البلوى يقصد به: “الحالة أو الحادثة التي تشمل كثيرًا من الناس ويتعذر الاحتراز عنه، وعبر عنه بعض الفقهاء بالضرورة العامة، وبعضهم بالضرورة الماسة، أو حاجة الناس، وقال بعضهم: هو ما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال”.
قال الشيخ صالح آل الشيخ:
[ نظرة المسلم والداعية خاصة للمخالفات الشرعية الحاصلة ]
لابد أن نعلم شيء مهما في فعل الله عزوجل أن الله تعالى في حياة الناس يبتلي العبد بطاعة ومعصية، ويبتلي المجتمعات بالطاعة والمعصية، ويبتلي الناس أحيانا بما هو أكثر بالشرك والبدع … إلخ.
لذا لابد للعبد أن يتأمل أن من أفعال الله تعالى أن الله سبحانه وتعالى يقبض ويبسط، يبسط للناس دنياهم ويقبض، يبسط للناس الدين ويقبض، لذا تتعجب كيف أن آدم عليه الصلاة والسلام كان على الإسلام والتوحيد، ومر قرون وصار الشرك في ذريته وهم قلة في الأرض!
وكيف دعا نوح عليه الصلاة والسلام قومه زمنا !
إذا الفعل الذي حصل وأذن الله تعالى به كونًا ليبتلي العباد.
ففعل الله تعالى ينظر إليه المسلم وطالب العلم خاصة من عدة جهات:
أولاً: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثانيًا: أن ذلك الفعل متعلق بحكمة الله تعالى وفعله عزوجل.
– كيف تنظر إلى الأمور بنظرة العلم والشرع ؟
أولاً: تنظر لفعل الله تعالى في ملكوته، كيف يبدل الله تعالى الأحوال في الكون من التوحيد للشرك ومن الشرك للتوحيد، وغير ذلك، والحكمة المقصودة وهي الاختبار.
ثانيًا: ما الواجب والمطلوب الشرعي في حكم الله الكوني الذي وقع:
1) تعلم أن ما وقع هو بإذن الله تعالى، وأنه بأمره الكوني، ليس إلا ابتلاء وامتحان للناس، هذه الجهة لابد أن تنظر إليها من جهت التوحيد.
ومن لم ينظر بهذه النظرة يحصل في نفسه شيء بمواجهتها بغير مراد الله عزوجل.
2) الذي يحدث في مثل ذلك: أن الناس الذين اقبلوا على هذه الأشياء عندهم جهل وعدم الاستجابة.
هذا يحتم علينا بواجب الإيضاح وواجب الدعوة.
إذًا يحتاج من الداعية أن ينظر في طريقة التربية واعطاء الناس مزيد من الإيمان.
3) أهل العلم أناط الله تعالى بهم المسؤولية، ولابد أن نثق أن أهل العلم يقومون بواجبهم، وليس من شرط قيامهم بواجبهم أن يتأثر الناس بكلامهم، وإنما عليهم البلاغ.
ويجب أن يتنبه الداعية من الإلحاد بأنواعه في الآونة الأخيرة، وترسيخ دلائل التوحيد في النفوس.
(المسألة الثالثة): الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سفينة النجاة للمجتمع.
” فإن من أهم الواجبات الإسلامية التي يترتب عليها صلاح المجتمع وسلامته ونجاته في الدنيا والآخرة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك هو سفينة النجاة، كما ثبت في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا من نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا قال النبي ﷺ : فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا.
فيه الدلالة على عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه سبيل النجاة، وطريق صلاح المجتمع، كما قال عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
وأنه سبحانه إنما قدم ذكره لما يترتب عليه من الصلاح العام.
وقال عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].
و بدأ في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الصلاة والزكاة، وما ذاك إلا لما تقدم بيانه من عظم شأنه وعموم منفعته وتأثيره في المجتمع، وتدل الآية أيضًا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أخلاق المؤمنين والمؤمنات، وصفاتهم الواجبة التي لا يجوز لهم التخلي عنها أو التساهل بها، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقد ذم الله سبحانه من ترك هذا الواجب من كفار بني إسرائيل ولعنهم على ذلك، فقال سبحانه في كتابه المبين من سورة المائدة: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79] وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم -رحمه الله- في صحيحه.”. [نشرت بمجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في العدد الرابع السنة الأولى ربيع الأول سنة 1389هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 3/ 264)].
(المسألة الرابعة): الحال التي يكون فيها إنكار المنكر فرض عين وفرض كفاية:
إذا قام المسلمون في أي بلد بإنكار المنكر قامت جماعة سقط الإثم عن الباقين في البلد لأن المقصود حصل، فهو فرض كفاية لكن إذا كان في مكان وجب عينًا
من قدر باليد أنكر من جهة الأمراء أو في بيته وقبيلته، المقصود: الحكم مناط بالاستطاعة كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام . لأن المنكرات بعضها ظاهر ما هو بخفي يعلمه العامة والخاصة، مثل تبرج النساء معروف عند الجميع مثل السب والشتم معروف إنه منكر عند الجميع مثل التخلف عن الصلاة كونه يجلس وقد أذن المؤذن وهو جالس ما يقوم يصلي يعرفه العامة والخاصة ينكر عليه وهكذا ما أشبه ذلك: الخمر معروف عند الجميع إذا عرف هذا المؤمن ولو ما هو بعالم عرف أن هذا منكر وأنه يشربه هؤلاء ينكر عليهم. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز]
(المسألة الخامسة): ما كيفية إنكار المنكرات العامة المُعْلَنة؟
إذا كان بين الناس يُنْكَر علنًا، أما بينك وبين صاحبه الذي كان منه تتكلَّم بينك وبينه، تنصحه، أما إذا فعله عند الناس فيُبَيَّن عند الناس أنَّ هذا منكر ولا يجوز، حتى لا يغتَرَّ به أحدٌ، بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن، والرفق، كما قال ربك: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز]
(المسألة السادسة): ضوابط الحكم على الناس:
الضابط الأول: لا يحكم على الناس إلا عالم خبير بأحوالهم:
فالكلام في الناس بغير علم جرم عظيم؛ والله عز وجل يقول: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور:15].
الشروط التي لابد منها في الناقد:
أولًا: العلم والتقوى والورع.
الثاني: الصدق وعدم التعصب.
الثالث: معرفة أسباب الجرح والتزكية؛ لأنه إذا لم يعرف السبب الجارح فربما يجرح بما ليس بجارح.
قال الذهبي في ترجمة أبي بكر الصديق من كتابه تذكرة الحفاظ: “فحق على المحدث أن يتورع في ما يؤديه؛ وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته، ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكى نقله الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل:
….. فقد نصحتك فعلم الحديث صلف فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب”.
[ تذكرة الحفاظ للذهبي (1 / 10) دار الكتب العلمية].
الضابط الثاني: لا يحكم على الناس إلا عالم بطرائق النقد.
قال السبكي رحمه الله: من لا يكون عالِمًا بأسبابهما – يعني: أسباب الجرح والتعديل – لا يقبلان منه لا بإطلاق ولا بتقييد.
[الرفع والتكميل في الجرح والتعديل لأبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي ص 16؛ ط مكتبة ابن تيمية].
وقال بدر الدين بن جماعة رحمه الله: من لا يكون عالِمًا بالأسباب لا يقبل منه جرح ولا تعديل لا بإطلاق ولا بتقييد. [السابق ص 17].
وقال ابن حجر رحمة الله عليه: إن صدر الجرح من غير عارف بأسبابه لم يعتبر به. [نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص 179].
الضابط الثالث: محاكمة الناس بالكتاب والسنة لا بمناهج الرجال أو الطوائف.
فعن الإمام مالك أنه قال: ” كلما جاءنا رجلٌ أجدلُ من رجلٍ، أرادنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم “[ أخرجه الخطيب شرف أصحاب الحديث رقم (1) وفي الفقيه والمتفقه(594) والبيهقي في شعب الإيمان(8490)].
قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة: “وأما من يرى أن الحق وقف مؤبد على طائفته وأهل مذهبه وحجر محجور على من سواهم ممن لعله أقرب إلى الحق والصواب منه فقد حرم خيرا كثيرا وفاته هدى عظيم”.
الضابط الرابع: وجوب التجرد لله تعالى.
على المرء أن يخلص قوله وعمله لله، وأن يكون كلامه نصيحة للأمة ابتغاء وجه الله لا لغرض آخر، ولا لحسد
الضابط الخامس: وجوب العدل والإنصاف.
يعنى العدل ونبذ البغي
قالت عائشة في حق زينب في حادثة الافك (فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ”. [أخرجه البخاري (4141) ومسلم(2770)]
وفي قصة أهل الكوفة مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عبرة [أخرجه البخاري(755)].
الضابط السادس: اتهم نفسك أيها الناقد.
قال البخاري في ” صحيحه ” [ذكره البخاري 1/ 19 معلقاً، وأخرجه في ” التأريخ الكبير ” 5/ 43(6482) موصولاً]: وقال ابنُ أبي مُليكة: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النَّبيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كُلُّهم يخافُ النفاقَ على نفسه.
وفي ” المسند ” [أخرجه أحمد في المسند (23262)] عن حُذيفة رضي الله عنه، قال: ” إِنَّكُمْ لَتَكَلَّمُونَ كَلاَمًا إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّفَاقَ”، وفي رواية [أخرجه أحمد في المسند (23278) وفي الزهد لوكيع(469) والزهد لابن أبي عاصم(69) وعنده أربع مرات] قال: ” إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصِيرُ بِهَا مُنَافِقًا وَإِنِّي لَأَسْمَعُهَا مِنْ أَحَدِكُمْ الْيَوْمَ فِي الْمَجْلِسِ عَشْرَ مَرَّاتٍ “. وحسنه محققو المسند بالمتابعات والشواهد وكذلك صاخب الآثار الصحيحة من أقوال السلف
الضابط السابع: لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المقرر في عقيدة المسلمين وقواعدهم المتفق عليها أنه لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحيح أن مجموع الأمة معصوم بدلالة النص والأثر؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ” سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَأَعْطَانِيهَا”. [أخرجه أحمد(27224)]” وكما ورد في الحديث: ((كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ))[ أخرجه الترمذي(2499) وابن ماجة(4251) وحسنه الألباني]
الضابط الثامن: الحكم على الناس إنما يكون بالظاهر لا بالظن.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات:12]، وقال تعالى: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾ [الإسراء:36].
وفي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ)).
[أخرجه البخاري(5143)(6066)(6724) ومسلم(2563)].
الضابط التاسع: ليس كل النقد مقبول.
ومن ذلك قول بعضهم في الإمام البخاري إمام المحدثين: تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ[وهي قول: لفظي بالقرآن مخلوق، وقد نهى العلماء عنه لاحتماله المعنى المنهي عنه وهو القول بخلق القرآن].
ومنها أنه سئل الحكم بن عتيبة: لِمَ لَمْ ترو عن زاذان؟ قال: كان كثير الكلام.
ومنها أيضًا: أن جريرًا رأى سماك بن حرب يبول قائمًا فتركه.
ولذلك تجد الناس اختلفوا فيما يجرح به، فلا بد من ذكر سببه لينظر هل هو سبب معتبر للجرح أم لا؟.
الضابط العاشر: وجوب التبين والتثبت وعدم التسرع.
ففي الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ غَنَمٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ، فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَّنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمَ السَّلاَمَ لَسْت مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعَندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ[أخرجه البخاري(4591) ومسلم(3025) أحمد(2023)(2462)(2986) وابن أبي شيبة في المصنف(29544)(33777)].[ضوابط الحكم على الناس]
(المسألة السابعة): الفتاوي:
1) التصوير بالفيديو والسينما
س: أخونا سماحة الشيخ، يقول: عمت البلوى بالتصوير في الفيديو والسينما وما أشبه ذلك، هل لسماحتكم من توجيه، وهل تقرون بأن هذا مما عمت به البلوى؟
ج: “لاشك أنها عمت البلوى بهذا ولكن عموم البلوى لا تجعل الشيء مباحاً وهو محرم, وقد عمت البلوى أيضاً بشرب الخمر, وبالزنا في بلدان كثيرة, وفي دول كثيرة, فلا يجوز أن يقال هذا عذر بل الواجب الحذر مما حرم الله وإن كثر فاعلوه, والواجب الاستقامة على ما أوجب الله وإن كثر تاركوه، فالمقدم هو إتباع الحق ولو كنت وحدك من بين الناس، لو أطلق أهل الأرض على ترك الصلاة لا تتركها
وعمت البلوى بالتصوير وقال صلى الله عليه وسلم لعلي : لا تدع صورة إلا طمستها, ولا قبراً مشرفاً إلا سويته.
لكن إذا دعت الضرورة إلى الصورة صار المسلم في حد العذر
وكثير من إخواننا من أهل العلم قالوا أنه لامانع من التصوير للقيام بالأحاديث الدينية في التلفاز, وفي الفيديو إذا دعت الحاجة إلى ذلك وقالوا: إن هذا من باب ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت كبراهما, وأن جعل التلفاز, والفيديو يخلوا من نصائح العلماء, وأحاديث العلماء يجعل ذلك فرصة لغيرهم مما يتكلف في هذه الأمور, ويدعوا إلى الباطل, ويستنكر عن الحق, وهذا الذي قالوا له وجه وقد فعل بعضهم ذلك, وظهر في التلفاز لنصيحة المسلمين وللإجابة على أسئلتهم, وهكذا في تصوير الفيديو في الندوات العلمية, أو المحاضرات العلمية ليرى الناس الشخص الذي ألقى المحاضرة, والأشخاص الذين قاموا بالندوة ليطمئنوا على أنهم فلان وفلان, ويتيقنوا أن هذه الندوة صدرت منهم؛ وأنا لم أفعل ذلك إلا في أوقات تعم البلوى بها في بعض المجالس العامة التي يكون فيها ندوات،أو محاضرات عامة فقد تصور وأنا من جلمة الحاضرين فلا أشدد في ذلك نظراً للمصحلة العامة التي قد ينفع الله بها المسلمين, أما أن أصور وأنا وحدي في حديثي في التلفاز أو سفري إلى الآن لم أقدم عليه؛ لأن عندي تحرجاً من ذلك, وعندي توقف في ذلك عندي بعض التوقف في ذلك, وأما إخواني الذين أقدموا ورضوا بأن يصوروا لهذا المعنى الذي تقدم فأرجوا أن يكونوا موفقين, وأنهم معذورون لقصدهم الطيب, وحرصهم على نفع المسلمين والله ولي التوفيق”. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى]
2) حكم سماع الأخبار إذا كان يتخللها شيء من الموسيقى
السؤال: أثناء نشرات الأخبار يتخللها أحياناً موسيقى، فهل يجوز سماع نشرة الأخبار؟ الجواب: يجوز سماع النشرات ولا يجوز سماع الأغنيات، فإذا كان يعرف الإنسان أو سمع صوت موسيقى فيجب أن يظل على الراديو قائماً، دائماً يطالبه بأن ينطق بالحق فقط، فكلما نطق بالباطل أسكته .
[فتوى للشيخ الألباني رحمه الله. الشريط بعنوان الإسلام وحكم المعازف والغناء]
3) كيف يتصرف الناس مع ما عمت به البلوى من الصور ؟
السؤال:
سئل فضيلة الشيخ -حفظه الله- عما ابتلي به الناس اليوم من وجود الصور بأشياء من حاجاتهم الضرورية؟
الجواب:
ما ابتلي به الناس اليوم من وجود الصور بأشياء من حاجاتهم الضرورية، فأرى أنه إذا أمكن مدافعتها فذاك، وإن لم يكن فإن فيها من الحرج والمشقة والعسر مما ارتفع عن هذه الأمة، بمعنى أنه يوجد في بعض المجلات وفي بعض الصحف التي يقتنيها الإنسان لما فيها من المنافع والإرشاد والتوجيه، فأرى أن مثل هذا ما دام لم يقصد الصورة نفسها فلا بأس أن يقتنيها لا سيما إذا كانت الصورة مغلقة لا تبرز ولا تبين.
[مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(2/286)]
4 ) منكرات الأفراح
لقد عمت البلوى بالأفراح التي يحصل فيها من الإسراف ما يغضب الله ورسوله، وهو نذير هلاك الأمم، سواء الإسراف في المأكل، أو في اللباس العاري الشفاف، أو الغناء الغرامي، والرقص الغربي، والقصات الغربية ؟
وإذا اشتملت الأعراس على المنكرات المذكورة فلا يجوز للمرأة حضورها مع عدم القدرة على التغيير، ولا يكفي التغيير بالقلب، فإنه فيه إقراراً والله أعلم”.