٦٦٢٦ فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعلي الكربي وإبراهيم المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى وعبدالحميد البلوشي، وكديم وطارق أبي تيسير، وإبراهيم البلوشي
وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
صحيح مسلم، (٣١) – (بابٌ خُلِقَ الإنْسانُ خَلْقًا لا يَتَمالَكُ)
[٦٦٢٦] (٢٦١١) – (حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أنَسٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ – قالَ: ((لَمّا صَوَّرَ اللهُ آدَمَ فِي الجَنَّةِ، تَرَكَهُ ما شاءَ اللهُ أنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ، يَنْظُرُ ما هُوَ؟ فَلَمّا رَآهُ أجْوَفَ، عَرَفَ أنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لا يَتَمالَكُ)).
[٦٦٢٧] (…) – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ نافِعٍ، حَدَّثَنا بَهْزٌ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، بِهَذا
الإسْنادِ نَحْوَهُ.
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(٣١) – (بابٌ خُلِقَ الإنْسانُ خَلْقًا لا يَتَمالَكُ)
الأول:
[٦٦٢٦] (٢٦١١) – (حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أنَسٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ – قالَ: ((لَمّا صَوَّرَ اللهُ آدَمَ فِي الجَنَّةِ، تَرَكَهُ ما شاءَ اللهُ أنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ، يَنْظُرُ ما هُوَ؟ فَلَمّا رَآهُ أجْوَفَ، عَرَفَ أنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لا يَتَمالَكُ)).
————
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف – رحمه الله -، وفيه أثبت الرواة في شيخه: حماد بن
سلمة في ثابت، وثابت ألزم الناس لأنس – رضي الله عنه -، لزمه أربعين سنةً، وفيه
أنس منه من المكثرين السبعة، روى (٢٢٨٦) حديثًا.
شرح الحديث:
(عَنْ أنَسٍ) – رضي الله عنه -؛ (أنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ – قالَ: «لَمّا صَوَّرَ اللهُ) وفي رواية ابن حبّان:»لما خلق الله«
(آدَمَ)؛ أي: خلق طينه، و((آدم)) اسم سريانيّ، وهو عند أهل الكتاب آدام بإشباع فتحة الدال، بوزن خاتام، وزنه فاعال، وامتنع صرفه للعجمة والعَلَمية،
وقال الثعلبيّ: التراب بالعبرانية آدام، فسمّي آدم به، وحُذفت الألف الثانية،
وقيل: هو عربيّ، جزم به الجوهريّ، والجواليقيّ،
وقيل: هو بوزن أفعل، من الأُدْمة، وقيل: من الأديم؛ لأنه خُلق من أديم الأرض، وهذا عن ابن عباس، ووجّهوه بأنه يكون كأعين، ومُنع الصرف؛ للوزن والعلمية،
وقيل: هو من أدَمت بين الشيئين: إذا خَلَطت بينهما؛ لأنه كان ماءً وطينًا، فخُلطا جميعًا، قاله في الفتح. [»الفتح” ٦/ ٣٦٤].
(فِي الجَنَّةِ) فيه: أن آدم – عليه السلام – خُلق في الجنّة،
(تَرَكَهُ ما شاءَ اللهُ أنْ يَتْرُكَهُ) «ما» هذه بمعنى المدّة، (فَجَعَلَ)؛ أي: فشَرَع من كمال تلبيسه، (إبْلِيسُ) قال الفيّوميّ: أعجميّ، ولهذا لا ينصرف؛ للعجمة والعلميّة، وقيل: عربيّ مشتقّ من الإبلاس، وهو اليأس، ورُدّ بأنه لو كان عربيًّا لانصرف، كما ينصرف نظائره، نحو إجْفيل، وإخْريط. انتهى [»المصباح المنير«١/ ٦٠].
(يُطِيفُ بِهِ) بضمّ حرف المضارعة، قال أهل اللغة: طاف بالشيء يطوف
طَوْفًا وطَوافًا، وأطاف يُطيف: إذا استدار حواليه. [»شرح النوويّ«١٦/ ١٦٤].
وقال المناويّ: «يُطيف به»؛ أي: يستدير حوله، ينظر إليه من جميع جهاته، وقوله: (يَنْظُرُ ما هُوَ؟) استئناف بيانيّ، أو حال؛ أي: يتفكر في عاقبة أمره، ويتأمل ماذا يظهر منه؟ [»مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح«١٦/ ٣٢٨ – ٣٢٩]. (فَلَمّا رَآهُ أجْوَفَ) الأجوف الذي له جوف، قاله ابن الأثير، وقال النوويّ: الأجوف صاحب الجوف، وقيل: هو الذي داخله خالٍ. [»شرح النوويّ«١٦/ ١٦٤].
(عَرَفَ أنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لا يَتَمالَكُ)؛ أي: لا يتقوى بعضه ببعض، ولا قوّة له، ولا ثبات، بل يكون متزلزل الأمر، متغيّر الحال، متعرضًا للآفات،
والتمالك: التماسك، وقيل: المعنى: لا يقدر على ضَبْط نفسه من المنع عن الشهوات، وقيل: لا يملك دفع الوسواس عنه، وقيل: لا يملك نفسه عند الغضب، قاله القاري.[»مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح«١٦/ ٣٢٨ – ٣٢٩].
وقال النوويّ: معنى»لا يتمالك«: لا يملك نفسه، ويحبسها عن الشهوات، وقيل: لا يملك دفع الوسواس عنه، وقيل: لا يملك نفسه عند الغضب،
والمراد: جنس بني آدم – عليه السلام -؛ أي: لا كلّهم؛ لأنّ فيهم معصومين. انتهى. [»شرح النوويّ” ١٦/ ١٦٤].
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: يعني: أن الله تعالى لمّا صوّر طينة آدم، وشكّلها بشكله على ما سبق في علمه، فلما رآها إبليس أطاف بها؛ أي: دار حولها،
وجعل ينظر في كيفيتها وأمرها، فلما رآها ذات جوف وقع له أنّها مفتقرة إلى ما
يسدّ جوفها، وأنها لا تتمالك عن تحصيل ما تحتاج إليه من أغراضها،
وشهواتها، فكان الأمر على ما وقع. انتهى. [«المفهم» ٦/ ٥٩٦ – ٥٩٧].
وقال المناويّ:
قال التوربشتيّ: هذا الحديث مُشْكِل جدًّا، فقد ثبت بالكتاب والسُّنَّة أن
آدم من أجزاء الأرض، وادخل الجَنَّة، وهو بشر حيّ، ويؤيّده المفهوم من نصّ
الكتاب: ﴿وقُلْنا ياآدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ [البقرة ٣٥].
وقال البيضاويّ: الأخبار متظاهرة على أنّ الله تعالى خلق آدم من تراب، قبضه من وجه الأرض، وخَمَّره حتى صار طينًا، ثم تركه حتى صار صلصالًا، وكان مُلْقًى بين مكة والطائف، ببطن نعمان
[قال الأتيوبي معلقًا في الحاشية: “هذا يحتاج إلى دليل صحيح، فليُنظر ما هو؟ والله تعالى أعلم”.]،
ولكن لا ينافي تصويره في الجَنَّة؛ لجواز أن تكون طينته لمّا خُمِّرت في الأرض، وتُركت فيها مضت عليها الأطوار، واستعدّت لقبول الصورة الإنسانية، حُملت إلى الجَنَّة، فصُوِّرت، ونفخ فيها الروح، وقوله تعالى: ﴿ياآدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥، الأعراف: ١٩]، لا دلالة فيه أصلًا على أنّه أُدخلها بعد نفخ الروح؛ إذ المراد بالسكون الاستقرار، والتمكن، والأمر به لا يجب كونه قبل الحصول في
الجَنَّة، كيف وقد تظافرت الروايات على أنّ حواء خُلقت من آدم في الجنّة،
وهو أحد المأمورين به، ولعل آدم – عليه السلام – لمّا كانت مادّته التي هي البدن من العالم السفليّ، وصورته التي تميز بها عن سائر الحيوان، وضاهى بها الملائكة من العالم العلويّ، أضاف الرسول – ﷺ – تكوّن مادته إلى الأرض؛ لأنَّها نشأت منها، وأضاف حصول صورته إلى الجَنَّة؛ لأنَّها منها. انتهى [«فيض القدير» ٥/ ٢٩٧]، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنّف – رحمه الله -.
(المسألة الثانية): في فوائده:
١ – (منها): هذا الحديث يدلّ على كيفيّة آدم – عليه السلام -، وكذلك وردت به
أحاديث:
فمنها1: ما رواه الترمذيّ، والنسائيّ، والبزار، وصححه ابن حبان، من
طريق سعيد المقبريّ وغيره، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعًا: ((إن الله خلق آدم من تراب، فجعله طينًا، ثم تركه، حتى إذا كان حَمَأً مسنونًا، خَلَقه، وصوَّره، ثم
تركه، حتى إذا كان صلصالًا كالفخار، كان إبليس يمرّ به، فيقول: لقد خُلقت
لأمر عظيم، ثم نفخ الله فيه من روحه، وكان أول ما جرى فيه الروح بصره،
وخياشيمه، فعطس، فقال: الحمد لله، فقال الله: يرحمك ربك …)) الحديث.
ومنها2: حديث أبي موسى – رضي الله عنه – مرفوعًا: ((إن الله خلق آدم من قبضة،
قَبَضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قَدْر الأرض …)) الحديث،
أخرجه أبو داود، والترمذيّ، وصححه ابن حبان.
٢ – (ومنها): بيان أن الجنّة مخلوقة موجودة، وأن الله تعالى خلق آدم – عليه السلام – فيها.
٣ – (ومنها): بيان عداوة إبليس لآدم وذرّيته من أول ما خُلق، ثم استمرّ
إلى الآن ، وسيستمرّ إلى قيام الساعة.
٤ – (ومنها): أن إبليس استدلّ بتمكّنه من إغواء آدم – عليه السلام – بكونه أجوف؛ لأنه يحتاج إلى – رضي الله عنه – قضاء شهوة بطنه، وبه يحصل له فتور وغفلة، فيكون ذلك مدخلًا له.
٥ – (ومنها): أن هذه الجنّة التي خُلق فيها آدم – عليه السلام – هي جنّة الخلد،
قال أبو عبد الله القرطبيّ – رحمه الله – في «تفسيره»: ولا التفات لِما ذهبت إليه المعتزلة، والقَدَرية، من أنه لَمْ يكن في جنة الخلد، وإنما كان في جنة بأرض عدن، واستدلّوا على بدعتهم بأنها لو كانت جنة الخلد لَما وصل إليه إبليس، فإن الله يقول: ﴿لا لَغْوٌ فِيها ولا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور ٢٣]، وقال: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا ولا كِذّابًا (٣٥)﴾ [النبأ ٣٥]، وقال: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا ولا تَأْثِيمًا (٢٥) إلّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا (٢٦)﴾ [الواقعة ٢٥، ٢٦].
وأنه لا يخرج منها أهلها لقوله: ﴿وما هُمْ مِنها بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر ٤٨].
وأيضًا فإن جنة الخلد هي دار القدس، قُدِّست عن الخطايا والمعاصي تطهيرًا لها، وقد لغا فيها إبليس، وكذب، وأخرج منها آدم، وحواء بمعصيتهما.
قالوا: وكيف يجوز على آدم مع مكانه من الله وكمال عقله، أن يطلب شجرة الخلد، وهو في دار الخلد، والمُلك الذي لا يبلى ؟
فالجواب: أن الله تعالى عَرَّف الجَنَّة بالألف واللام، ومن قال: أسأل الله الجَنَّة، لَمْ يُفهم منه في تعارف الخَلْق إلّا طلب جنة الخلد، ولا يستحيل في العقل دخول إبليس الجَنَّة لتغرير آدم، وقد لقي موسى آدم – عليه السلام – فقال له موسى: أنت أشقيت ذريتك وأخرجتهم من الجَنَّة، فأدخل الألف واللام ليدل على أنّها جنة الخلد المعروفة، فلم ينكر ذلك آدم، ولو كانت غيرها لردّ على موسي، فلما سكت آدم على ما قرره موسى صحّ أن الدار التي أخرجهم الله – عَزَّوَجَلَّ – منها بخلاف الدار التي أخرجوا إليها.
وأما ما احتجوا به من الآي فذلك إنما جعله الله فيها بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة، ولا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد الله تخليده فيها، وقد يخرج منها من قضي عليه بالفناء.
وقد أجمع أهل التأويل على أنّ الملائكة يدخلون الجَنَّة على أهل الجَنَّة ويخرجون منها، وقد كان مفاتيحها بيد إبليس، ثم انتزعت منه بعد المعصية، وقد دخلها النبيّ – ﷺ – ليلة الإسراء، ثم خرج منها، وأخبر بما فيها، وأنها هي جنة الخلد حقًّا.
وأما قولهم: إن الجَنَّة دار القدس، وقد طهَّرها الله تعالى من الخطايا فجهل منهم، وذلك أن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة، وهي الشام، وأجمع أهل الشرائع على أنّ الله تعالى قدّسها، وقد شوهد فيها المعاصي والكفر والكذب، ولم يكن تقديسها مما يمنع فيها المعاصي، وكذلك دار القدس.
قال أبو الحسن بن بطال: وقد حَكى بعض المشايخ أن أهل السُّنَّة مجمعون على أنّ جنة الخلد هي التي أُهبط منها آدم – عليه السلام -، فلا معنى لقول من
خالفهم.
وقولهم: كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد؟،
فيُعْكَس عليهم، ويقال: كيف يجوز على آدم، وهو في كمال عقله، أن يطلب شجرة الخلد في دار الفناء؟ هذا ما لا يجوز على من له أدنى مسكة من عقل، فكيف بآدم الذي هو من أرجح الخلق عقلًا. انتهى. [«تفسير القرطبيّ» ١/ ٣٥٢ – ٣٥٣].
٦ – (ومنها): ما قاله ابن جرير الطبريّ عند تفسير قوله تعالى: ﴿وقُلْنا ياآدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ الآية، قال: وفي هذه الآية دلالة واضحة على صحة قول من قال: إن إبليس أُخرج من الجَنَّة بعد الاستكبار عن السجود لآدم، وأسكنها آدم قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض، ألا تسمعون الله جل ثناؤه، يقول:
﴿وقُلْنا ياآدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ وكُلا مِنها رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُما ولا تَقْرَبا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ (٣٥) فَأزَلَّهُما الشَّيْطانُ عَنْها فَأخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ﴾ [البقرة ٣٥، ٣٦].
فقد تبيَّن أن إبليس إنما أزلهما عن طاعة الله بعد أن لُعن، وأظهر التكبر؛ لأنّ سجود الملائكة لآدم كان بعد أن نُفخ فيه الروح، وحينئذ كان امتناع إبليس من السجود له، وعند الامتناع من ذلك حلت عليه اللعنة. انتهى. [«تفسير الطبريّ» ١/ ٢٢٩]، والله تعالى أعلم.
الثاني:
[٦٦٢٧] (…) – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ نافِعٍ، حَدَّثَنا بَهْزٌ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، بِهَذا
الإسْنادِ نَحْوَهُ.
رجال هذا الإسناد: ثلاثة:
١ – (أبُو بَكْرِ بْنُ نافِعٍ) محمد بن أحمد بن نافع العبديّ، البصريّ، مشهور بكنيته، صدوق من صغار [١٠] مات بعد الأربعين ومائتين (م ت س).
٢ – (بَهْزُ) بن أسد العَمّيّ، أبو الأسود البصريّ، ثقةٌ ثبتٌ [٩] مات بعد
المائتين، وقيل: قبلها (ع).
و«حمّاد» بن سلمة ذُكر قبله.
[تنبيه]: رواية بهز بن أسد عن حمّاد بن سلمة هذه ساقها الرويانيّ – رحمه الله –
في «مسنده»، فقال:
(١٣٧٩) – نا أبو عبد الله، نا بهزٌ، نا حماد، عن ثابت، عن أنس، عن
رسول الله – ﷺ – قال: «لَمّا خَلَق الله آدم، صَوَّره، ثم تركه في الجَنَّة، ما شاء أن
يتركه، فجعل إبليس يُطيف به، فلما رآه أجوف، عَرَف أنه خلق لا يتمالك».
انتهى [«مسند الرويانيّ» ٢/ ٣٨٩]”.[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): خلق آدم وحواء عليهما السلام
“فقد أخبرنا الله في كتابه في مواضع منه عن كيفية خلق آدم، وخلاصة ما تتضمنه الآيات أن الله عز وجل خلق آدم من تراب ثم صيره طيناً ثم صوره سبحانه كل ذلك بيده سبحانه وتعالى، قال تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي} [صّ:75].
وقد جاءت الأحاديث الكثيرة ببيان كيفية خلق الله عز وجل لآدم منها الصحيح ومنها الضعيف، وبعض ما صح من تلك الأحاديث:
فقد روى أحمد في المسند عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وصححه الألباني رحمه الله.
وقد روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما صور الله آدم عليه السلام في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ماهو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقاً لا يتمالك.
وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً.
وبعد أن خلق الله هذا الجسد بهذه الصورة، وسواه نفخ فيه الروح كما أخبر الله في كتابه بقوله: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:29].
وبعد أن خلق الله عز وجل آدم خلق منه حواء، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1].
وجاءت السنة ببيان شيء من هذا الخلق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في قوله: خلقت من ضلع. ، قيل: فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر. وقيل: من ضلعه القصير. أخرجه ابن إسحاق وزاد اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم، ومعنى خلقت: أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة. انتهى”.
(المسألة الثانية): أطوار ومراحل الطين الذي خلق منه آدم عليه الصلاة والسلام
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
إذا عرفت هذا فاعلم أن الله جل وعلا أوضح في كتابه أطوار هذا الطين الذي خلق منه آدم ، فبين أنه أولاً تراب ، بقوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ) آل عمران/59 ، وقوله : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) الحج/5 ، وقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) غافر/67 ، إلى غير ذلك من الآيات .
ثم أشار إلى أن ذلك التراب بُلَّ فصار طيناً يعلق بالأيدي في مواضع أخر ، كقوله : (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) الصافات/11 ، وقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ) المؤمنون/ 12 ، وقوله : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِنْ طِينٍ) السجدة/7 ، إلى غير ذلك من الآيات .
وبيَّن أن ذلك الطين أسودَّ ، وأنه متغير بقوله هنا : (حَمَأٍ مَسْنُونٍ) .
وبيَّن أيضاً أنه يبس حتى صار صلصالاً ، أي : تسمع له صلصلة من يبسه بقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ) الآية الحِجر/26 ، وقوله : (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) الرحمن/14 ، والعلم عند الله تعالى . “أضواء البيان” (2/274 ، 275).
وأما عن مراحل خلق الإنسان وتقدير رزقه وأجله وعمله:
فعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه – قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – -وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ-: “إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ؛ فَوَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا”. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [رقم:3208]، وَمُسْلِمٌ [رقم:2643].
تنبيه:
“الرد على نظرية داروين.
أجاب فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى عن سؤال وجه له عن صحة القول أن أصل الإنسان قرد :
“الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: هذا القول الذي ذكره السائل قول منكر وباطل ومخالف لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ولإجماع سلف الأمة، وقد اشتهر هذا القول عن المدعو داروين وهو كاذب فيما قال، بل أصل الإنسان هو أصل الإنسان على حاله المعروفة ليس أصله قردًا ولا غير قرد، بل هو إنسان سوي عاقل خلقه الله من الطين من التراب وهو أبونا آدم عليه الصلاة والسلام خلقه الله من تراب كما قال جل وعلا: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12] فهو مخلوق من هذا التراب، خلقه الله على صورته، طوله ستون ذراعًا في السماء، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، فهو مخلوق على هذه الصفة التي نشاهدها فأولاده كأبيهم مخلوقون على خلقة أبيهم، لهم أسماع ولهم أبصار ولهم عقول ولهم القامة التي تعرف لهم الآن، يقومون على أرجلهم ويتكلمون ويسمعون ويبصرون، ويأخذون بأيديهم ويعطون، وليسوا على شكل القردة، وليس تكوينهم تكوين القردة، بل لهم تكوين خاص، وللقردة تكوين خاص.
وهكذا كل أمة، فالقردة أمة مستقلة والخنازير أمة مستقلة، وهكذا الكلاب هكذا والحمير هكذا القطط وهكذا غيرها أمم، كما قال الله : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام:38]، هذه الأمم كلها تحشر إلى الله، تجمع يوم القيامة ويقتص لبعضها من بعض، ثم يقال لها: كوني تراب فتكون ترابًا، ما عدا الجن والإنس فلهما شأن آخر، يحاسبون ويجزون بأعمالهم فمن أطاع ربه فإلى الجنة ومن كفر به فإلى النار ….
لكن يجب أن يؤمن العبد أن خلق آدم غير خلق القردة، وأن أصل آدم هو أصله الذي هو عليه الآن وليس أصله قردًا ولا غيره، بل هو إنسان سوي على خلقته المشاهدة، فالقول بأن أصله قرد قول منكر وقول باطل، بل لو قيل بكفر صاحبه لكان وجيهًا.
فالأظهر والله أعلم أن من قاله مع علمه بما جاء به الشرع أنه يكون كافرًا؛ لأنه مكذب لله ورسوله، مكذب لكتاب الله في خلق آدم ، نعم.”.[الموقع الرسمي، نور على الدرب، الرد على نظرية داروين]
(المسألة الثالثة): استخراج ذرية آدم من ظهره بعد خلقه وقسمهم إلى فريقين: أهل الجنة وأهل النار.
“أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن الله مسح ظهر آدم بعد خلقه له، واستخرج ذريته من ظهره أمثال الذر، واستخرج منهم أهل الجنة وأهل النار. روى مالك والترمذي وأبو داود عن مسلم بن يسار، قال: سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنا كُنا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف: 172]. قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عنها فقال: ((إن الله خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون)). فقال رجل: ففيم العمل يا رسول الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله الله الجنة. وإذا خلق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله الله النار))[قال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح]. وروى الإمام أحمد في (مسنده) بإسناد صحيح إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان – يعني عرفه – فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قُبُلاً قال: أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنا كُنا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 172-173])).
[رواه أحمد (1/272) (2455). والحديث رواه الحاكم (1/80) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه و قد احتج مسلم بكلثوم بن جبر. ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (1/83): إسناده جيد قوي على شرط مسلم. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/28): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1623) بعد ذكره لكلام الحاكم والذهبي: وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم، فإن كلثوم بن جبر من رجاله وسائرهم من رجال الشيخين. وقال محققه شعيب الأرناؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين غير كلثوم بن جبر من رجال مسلم وثقه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي ليس بالقوي].
وروى أحمد في (مسنده) بإسناد صحيح عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كَفِّه اليسرى: إلى النار ولا أبالي)).
[رواه أحمد (6/441) (27528). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/188): رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (49): صحيح]،
وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: ((أنَّ الله – عز وجل – خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل)) فلذلك أقول جفَّ القلم على علم الله. رواه الترمذي عن عبدالله بن عمرو.
[رواه الترمذي (2642). وقال: هذا حديث حسن. ووافقه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/316). وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح].[الموسوعة العقدية]
قلت سيف بن دورة : وراجع لمسألة الإشهاد لذرية آدم هل هو حقيقي أم المقصود الفطرة شرحنا للصحيح المسند رقم 1048 ففيه نقولات مطولة .
فصل:
في خلق الإنسان
“خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته .
وقد خلق الله آدم من تراب كما قال سبحانه : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال كن فيكون ) آل عمران/59 .
ولما أتم الله خلق آدم أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس فقد كان حاضراً ولكنه أبى واستكبر عن السجود لآدم : ( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ) ص/71-74 .
ثم أخبر الله الملائكة بأنه سيجعل آدم خليفة في الأرض بقوله : ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) البقرة/30 .
وعلم آدم جميع الأسماء : ( وعلم آدم الأسماء كلها ) البقرة/31 .
ولما امتنع إبليس من السجود لآدم طرده الله ولعنه : ( قال فاخرج منها فإنك رجيم، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ) ص/77-78 .
ولما علم إبليس بمصيره سأل الله أن ينظره إلى يوم البعث : ( قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ، قال فإنك من المنظرين ، إلى يوم الوقت المعلوم ) ص/79-81 .
ولما أعطاه الله ذلك أعلن الحرب على آدم وذريته يزين لهم المعاصي ويغريهم بالفواحش : ( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ، إلا عبادك منهم المخلصين ) ص/82-83 .
وقد خلق الله آدم , وخلق منه زوجته وجعل من نسلهما الرجال والنساء كما قال سبحانه : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ) النساء/1 .
ثم أسكن الله آدم وزوجه الجنة امتحاناً لهما فأمرهما بالأكل من ثمار الجنة ونهاهما عن شجرة واحدة : ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) البقرة/35 .
وقد حذر الله آدم وزوجه من الشيطان بقوله : ( يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) طه/117 .
ثم إن الشيطان وسوس إلى آدم وزوجه وأغراهما بالأكل من الشجرة المنهي عنها فنسي آدم وضعفت نفسه فعصى ربه وأكلا من الشجرة : ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ، فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ) طه/120-121 .
فناداهما ربهما وقال : ( ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) الأعراف/22 .
ولما أكلا من الشجرة ندما على فعلهما وقالا : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) الأعراف/23 .
وقد كانت معصية آدم عن شهوة لا عن استكبار , لذا أرشده الله إلى التوبة وقبلها منه : ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ) البقرة/37 .
فكانت هذه سنة جارية لآدم وذريته من عصى ثم تاب صادقاً تاب الله عليه : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) الشورى/25 .
ثم أهبط الله آدم وزوجته وإبليس إلى الأرض وأنزل عليهم الوحي وأرسل إليهم الرسل فمن آمن دخل الجنة ومن كفر دخل النار : ( قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليم ولا هم يحزنون ، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) البقرة/38-39 .
ولما أهبط الله الجميع إلى الأرض بدأ الصراع بين الإيمان والكفر بين الحق والباطل بين الخير والشر وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها : ( قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) الأعراف/24 .
والله على كل شيء قدير خلق آدم بلا أب ولا أم وخلق حواء من أب بلا أم وخلق عيسى من أم بلا أب وخلقنا من أب وأم .
وقد خلق الله آدم من تراب ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين كما قال سبحانه : ( الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون ) السجدة/7-9 .
وكيفية خلق الإنسان في الرحم والمراحل التي يمر بها , في غاية الإعجاز وقد ذكرها الله بقوله : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) المؤمنون/12-14 .
والله وحده يخلق ما يشاء ويعلم ما في الأرحام ويقدر الأرزاق والآجال : ( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير ) الشورى/49-50 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكاً يقول يا رب نطفة , يا رب علقة , يا رب مضغة فإذا أراد أن يقضي خلقه : أذّكر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق والأجل ؟ فيكتب في بطن أمه ) رواه البخاري/318 .
وقد أكرم الله بني آدم فسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض : ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) لقمان/20 .
وميز الله الإنسان وأكرمه بالعقل الذي يعرف به ربه , وخالقه ورازقه ويعرف به الخير والشر وما ينفع وما يضر وما يحل وما يحرم .
وما كان الله ليخلق الإنسان ويتركه هملاً بلا منهاج يسير عليه بل أنزل الله الكتب وأرسل الرسل لهداية لبشرية إلى الصراط المستقيم .
وقد فطر الله الناس على التوحيد وكلما انحرفوا عنه بعث الله نبياً يردهم إلى الصراط المستقيم أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) البقرة/213 .
وجميع الرسل يدعون إلى حقيقة واحدة هي عبادة الله وحده والكفر بما سواه : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) النحل/36 .
والدين الذي بعث الله به الأنبياء والرسل واحد هو الإسلام : ( إن الدين عند الله الإسلام ) آل عمران/19 .
وقد ختم الله الكتب السماوية بالقرآن العظيم مصدقاً لما قبله من الكتب وهداية للناس كافة : ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ) إبراهيم/1 .
وختم الله الأنبياء والرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم : ( ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) الأحزاب/40 .
وأرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ) الأعراف/158 .
فالقرآن الكريم آخر الكتب السماوية وأعظمها ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء والرسل وأفضلهم .
وقد نسخ الله جميع الكتب السماوية بالقرآن فمن لم يتبع القرآن ويدخل في الإسلام, ويؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ويتبعه فلن يقبل منه عمله : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) آل عمران/85 .
والدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مؤكد لما جاء به الأنبياء , قبله في أصول الدين ومكارم الأخلاق كما قال سبحانه : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) الشورى/13″.
(المسألة الرابعة): الدعوة إلى التفكر في خلق الإنسان
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ” وَإذا تَأمَّلت ما دعى الله سُبْحانَهُ في كِتابه عباده إلى الفِكر فِيهِ أوقعك على العلم بِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وبوحدانيته وصفات كَماله ونعوت جَلاله من عُمُوم قدرته وعلمه وكَمال حكمته ورَحمته وإحسانه وبره ولطفه وعدله ورضاهُ وغضبه وثوابه وعقابه فَبِهَذا تعرف إلى عباده وندبهم إلى التفكر في آياته ونَذْكُر لذَلِك امثلة مِمّا ذكرها الله سُبْحانَهُ في كِتابه يسْتَدلّ بها على غَيرها فَمن ذَلِك خلق الإنسان وقد ندب سُبْحانَهُ إلى التفكر فِيهِ والنَّظَر في غير مَوضِع من كِتابه كَقوله تَعالى: ﴿فَلْينْظر الإنْسان مِم خلق﴾
وَقوله تَعالى: ﴿وَفِي أنفسكُم أفلا تبصرون﴾
وَقالَ تَعالى ﴿ياأيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإنّا خَلَقْناكم مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكم ونُقِرُّ في الأرْحامِ ما نَشاءُ إلى أجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكم طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أشُدَّكم ومِنكم مَن يُتَوَفّى ومِنكم مَن يُرَدُّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾
وَقالَ تَعالى ﴿أيحسب الإنْسان أن يتْرك سدى ألم يَك نُطْفَة من مني يمنى ثمَّ كانَ علقَة فخلق فسوى فَجعل مِنهُ الزَّوْجَيْنِ الذّكر والأُنْثى ألَيْسَ ذَلِك بِقادِر على أن يحيي المَوْتى﴾
وَقالَ تَعالى ﴿ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قَرار مكين إلى قدر مَعْلُوم فقدرنا فَنعم القادرون﴾
وَقالَ ﴿أولم ير الإنْسان أنا خلقناه من نُطْفَة فَإذا هو خصيم مُبين﴾
وَقالَ ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً في قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظامًا فَكَسَوْنا العِظامَ لَحْمًا ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ (١٤)﴾ وهَذا كثير في القُرْآن يَدْعُو العَبْد إلى النّظر والفكر في مبدأ خلقه ووسطه وآخره إذْ نَفسه وخلقه من أعظم الدَّلائِل على خالقه وفاطره وأقرب شَيْء إلى الإنسان نَفسه وفِيه من العَجائِب الدّالَّة على عَظمَة الله ما تَنْقَضِي الأعمار في الوُقُوف على بعضه وهو غافل عَنهُ معرض عَن التفكر فِيهِ ولَو فكر في نَفسه لزجره ما يعلم من عجائب خلقها عَن كفره قالَ الله تَعالى ﴿قتل الإنْسان ما أكفره من أي شَيْء خلقه من نُطْفَة خلقه فقدره ثمَّ السَّبِيل يسره ثمَّ أماتَهُ فأقبره ثمَّ إذا شاءَ أنشره﴾
فَلم يُكَرر سُبْحانَهُ على أسماعنا وعقولنا ذكر هَذا لنسمع لفظ النُّطْفَة والعلقة والمضغة والتُّراب ولا لنتكلم بها فَقَط ولا لمُجَرّد تعريفنا بذلك بل لأمر وراء ذَلِك كُله هو المَقْصُود بِالخِطابِ واليه جرى ذَلِك الحَدِيث فانْظُر الآن إلى النُّطْفَة بِعَين البصيرة وهِي قَطْرَة من ماء مهين ضَعِيف مستقذر لَو مرت بها ساعَة من الزَّمان فَسدتْ وانتنت كَيفَ استخرجها رب الأرباب العَلِيم القَدِير من بَين الصلب والترائب منقادة لقدرته مطيعة لمشيئته مذللة الانقياد على ضيق طرقها واخْتِلاف مجاريها إلى أن ساقها إلى مستقرها ومجمعها وكَيف جمع سُبْحانَهُ بَين الذّكر والأنثى وألقى المحبَّة بَينهما وكَيف قادهما بسلسلة الشَّهْوَة والمحبة إلى الِاجْتِماع الَّذِي هو سَبَب تخليق الوَلَد وتكوينه وكَيف قدر اجْتِماع ذَيْنك الماءين مَعَ بعد كل مِنهُما عَن صاحبه وساقهما من اعماق العُرُوق والأعضاء وجمعهما في مَوضِع واحِد جعل لَهما قرارا مكينا لا يَنالهُ هَواء يُفْسِدهُ ولا برد يجمده ولا عارض يصل إليه ولا آفَة تتسلط عَلَيْهِ ثمَّ قلب تِلْكَ النُّطْفَة البَيْضاء المشْربَة علقَة حَمْراء تضرب إلى سَواد ثمَّ جعلها مُضْغَة لحم مُخالفَة للعلقة في لَوْنها وحقيقتها وشكلها ثمَّ جعله عظاما مُجَرّدَة لا كسْوَة عَلَيْها مباينة للمضغة في شكلها وهيأتها وقدرها وملمسها ولونها وانْظُر كَيفَ قسم تِلْكَ الأجزاء المتشابهة المتساوية إلى الأعصاب والعِظام والعُرُوق والاوتار واليابس واللين وبَين ذَلِك ثمَّ كَيفَ ربط بَعْضها بِبَعْض أقوى رِباط وأشده وأبعده عَن الانحلال وكَيف كساها لَحْمًا رَكبه عَلَيْها وجعله وعاء لَها وغشاء وحافظا وجعلها حاملة لَهُ مُقِيمَة لَهُ فاللحم قائِم بها وهِي مَحْفُوظَة بِهِ وكَيف صورها فأحسن صورها وشق لَها السّمع والبَصَر والفم والأنف وسائِر المنافذ ومد اليَدَيْنِ والرّجلَيْنِ وبسطهما وقسم رؤسهما بالأصابع ثمَّ قسم الأصابع بالأنامل وركب الأعضاء الباطِنَة من القلب والمعدة والكبد والطحال والرئة والرحم والمثانة والأمعاء كل واحِد مِنها لَهُ قدر يَخُصُّهُ ومَنفَعَة تخصه ثمَّ انْظُر الحِكْمَة البالِغَة في تركيب العِظام قواما للبدن وعمادا لَهُ وكَيف قدرها ربه وخالقها بتقادير مُخْتَلفَة وأشكال مُخْتَلفَة فَمِنها الصَّغِير والكَبِير والطويل والقصير والمنحنى والمستدير والدقيق والعريض والمصمت والمجوف وكَيف ركب بَعْضها في بعض ….. ثم ذكر ابن القيم دقائق ومنافع كل عضو
ثم قال ابن القيم :
* (فصل)
فارْجِع الآن إلى النُّطْفَة وتَأمل حالها أولا وما صارَت إليه ثانِيًا، وأنه لَو اجْتمع الإنس والجِنّ على أن يخلقوا لَها سمعا أوْ بصرا أوْ عقلا أوْ قدرَة أوْ علما أوْ روحا بل عظما واحِدًا من اصغر عظامها بل عرقا من ادق عروقها بل شَعْرَة واحِدَة لعجزوا عَن ذَلِك بل ذَلِك كُله آثار صنع الله الَّذِي اتقن كل شَيْء في قَطْرَة من ماء مهين.
فَمن هَذا صنعه في قَطْرَة ماء فَكيف صنعه في ملكوت السَّماوات وعلوها وسعتها واستدارتها وعظم خلقها وحسن بنائها وعجائب شمسها وقمرها وكواكبها ومقاديرها وأشكالها وتفاوت مشارقها ومَغارِبها فَلا ذرة فِيها تنفك عَن حِكْمَة بل هي أحكم خلقا وأتقن صنعا وأجمع العَجائِب من بدن الإنسان بل لا نِسْبَة لجَمِيع ما في الأرض إلى عجائب السَّماوات قالَ الله تَعالى ﴿أأنتم أشد خلقا أم السَّماء بناها رفع سمكها فسواها﴾.
وقال في التبيان
ثم نبه سبحانه الإنسان على دليل المعاد بما يشاهده من حال مبدئه على طريقة القرآن في الاستدلال على المعاد بالمبدأ فقال ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ أي فلينظر نظر الفكر والاستدلال ليعلم أن الذي ابتدأ أول خلقه من نطفة قادر على إعادته “.[ تفسير ابن القيم، لتفسير سورة الطارق: (٥-٨)].
وقال أيضًا رحمه الله تعالى: ” ومن سلب الاحساس الحيواني الشعور والأظفار التي في الآدمي لأنها قد تطول وتمتد وتدعو الحاجة إلى أخذها وتخفيفها فلو أعطاها الحس لآلمته وشق عليه أخذ ما شاء منها، ولو كانت تحس لوقع الإنسان منها في إحدى البليتين:
إما تركها حتى تطول وتفحش وتثقل عليه، وأما مقاساة الألم والوجع عند أخذها، ومن جعل باطن الكف غير قابل لإنبات الشعر؛ لأنه لو اشعر لتعذر على الإنسان صحة اللمس ولشق عليه كثير من الأعمال التي تباشر بالكف……. [مفتاح دار السعادة، (1/ 272)].
(المسألة الخامسة): هل الإنسان مسير أم مخير؟
أجاب فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى:
” الإنسان مسير وميسر ومخير، فهو مسير وميسر بحسب ما مضى من قدر الله، فإن الله قدر الأقدار وقضى ما يكون في العالم قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، قدر كل شيء ، وسبق علمه بكل شيء، كما قال : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49]، وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد: 22]، وقال عز وجل في كتابه العظيم: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن: 11].
فالأمور كلها قد سبق بها علم الله وقضاؤه سبحانه وتعالى، وكل مسير وميسر لما خلق له، كما قال سبحانه: هو الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس: 22] وقال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل: 5 – 10] وقال النبي ﷺ: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء أخرجه مسلم في صحيحه.
ومن أصول الإيمان الستة: الإيمان بالقدر خيره وشره، فالإنسان ميسر ومسير من هذه الحيثية لما خلق له على ما مضى من قدر الله، لا يخرج عن قدر الله، كما قال سبحانه: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس: 22]، وهو مخير أيضا من جهة ما أعطاه الله من العقل والإرادة والمشيئة، فكل إنسان له عقل إلا أن يسلب كالمجانين، ولكن الأصل هو العقل، فمن كان عنده العقل فهو مخير يستطيع أن يعمل الخير والشر، قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [التكوير: 28 – 29] وقال جل وعلا: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [الأنفال: 67].
فللعباد إرادة، ولهم مشيئة، وهم فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [النور: 53] وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور: 30] وقال تعالى: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [النمل: 88] فالعبد له فعل وله صنع وله عمل، والله سبحانه هو خالقه وخالق فعله وصنعه وعمله، وقال عز وجل: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [المدثر: 55 – 56] وقال سبحانه: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 28 – 29].
….. مسير من جهة ما مضى من قدر الله، فعليه أن يراعي القدر فيقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 156] إذا أصابه شيء مما يكره
وقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار فقال بعض الصحابة : ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم تلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل: 5 – 10] والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على ما ذكرنا. والله ولي التوفيق”.[مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (8/ 94)، من الوقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى].
وقد حج آدم موسى : قال ابن تيمية:
ﻓﻬﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻇﻦ ﻓﻴﻪ ﻃﻮاﺋﻒ ﺃﻥ ﺁﺩﻡ اﺣﺘﺞ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻧﺐ، ﻭﺃﻧﻪ ﺣﺞ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﺬﻟﻚ، ﻓﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﻳﺪﻋﻮﻥ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻭاﻟﻌﺮﻓﺎﻥ ﻳﺤﺘﺠﻮﻥ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻧﻮﺏ ﻣﺴﺘﺪﻟﻴﻦ ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻭﻃﺎﺋﻔﺔ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: اﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﺑﻬﺬا ﺳﺎﺋﻎ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ ﻻ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ،
[ ﻭﻃﺎﺋﻔﺔ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻫﻮ حجة ﻟﻠﺨﺎﺻﺔ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪﻳﻦ ﻟﻠﻘﺪﺭ ﺩﻭﻥ اﻟﻌﺎﻣﺔ]
، ﻭﻃﺎﺋﻔﺔ ﻛﺬﺑﺖ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻛﺎﻟﺠﺒﺎﺋﻲ ﻭﻏﻴﺮﻩ، ﻭﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﺄﻭﻟﺘﻪ ﺗﺄﻭﻳﻼﺕ ﻓﺎﺳﺪﺓ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ: ﺇﻧﻤﺎ حجه ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ
ﻗﺪ ﺗﺎﺏ ، ﻭﻗﻮﻝ ﺁﺧﺮ: ﻛﺎﻥ ﺃﺑﺎﻩ ﻭاﻻﺑﻦ ﻻ ﻳﻠﻮﻡ ﺃﺑﺎﻩ، ﻭﻗﻮﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ: ﻛﺎﻥ اﻟﺬﻧﺐ ﻓﻲ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻭاﻟﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﺃﺧﺮﻯ.
ﻭﻫﻜﺬا ﻛﻠﻪ ﺗﻌﺮﻳﺞ ﻋﻦ ﻣﻘﺼﻮﺩ اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻓﺈﻥ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻀﻤﻦ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﻟﻠﻘﺪﺭ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ، ﻓﺈﻥ ﻣﻮﺳﻰ ﻟﻢ ﻳﻠﻢ ﺁﺩﻡ ﻟﺤﻖ اﻟﻠﻪ اﻟﺬﻱ ﻓﻲ اﻟﺬﻧﺐ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻻﻣﻪ ﻷﺟﻞ ﻣﺎ ﻟﺤﻖ اﻟﺬﺭﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ; ﻭﻟﻬﺬا ﻗﺎﻝ ﺃﺭﻧﺎ ﺁﺩﻡ اﻟﺬﻱ ﺃﺧﺮﺟﻨﺎ ﻭﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ. ﻭﻗﺎﻝ: ﻟﻤﺎﺫا ﺃﺧﺮﺟﺘﻨﺎ ﻭﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ؟ ﻭﻫﺬا ﺭﻭﻱ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻃﺮﻕ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ.
ﻭﻫﻮ ﺣﻖ ، ﻓﺈﻥ ﺁﺩﻡ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﺎﺏ ﻣﻦ اﻟﺬﻧﺐ، ﻭﻣﻮﺳﻰ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻠﻮﻡ ﺗﺎﺋﺒﺎ، ﻭﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎ ﻗﺪ ﺗﺎﺏ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ: {ﺭﺏ ﺇﻧﻲ ﻇﻠﻤﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻲ} [ ﺳﻮﺭﺓ اﻟﻘﺼﺺ: 16] ﻭﻗﺎﻝ: {ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﺗﺒﺖ ﺇﻟﻴﻚ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻭﻝ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ}
[ ﺳﻮﺭﺓ اﻷﻋﺮاﻑ: 143] ، ﻭﻗﺎﻝ: {ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭاﺭﺣﻤﻨﺎ ﻭﺃﻧﺖ ﺧﻴﺮ اﻟﻐﺎﻓﺮﻳﻦ ﻭاﻛﺘﺐ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ ﺇﻧﺎ ﻫﺪﻧﺎ ﺇﻟﻴﻚ}
[ ﺳﻮﺭﺓ اﻷﻋﺮاﻑ: 155، 156] ، ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﺈﻥ اﻟﻤﺬﻧﺒﻴﻦ ﻣﻦ اﻵﺩﻣﻴﻴﻦ ﻛﺜﻴﺮ، ﻓﺘﺨﺼﻴﺺ ﺁﺩﻡ ﺑﺎﻟﻠﻮﻥ ﺩﻭﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﻭﺟﻪ ﻟﻪ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﺂﺩﻡ ﻭﻣﻮﺳﻰ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺞ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻧﺐ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻭﻳﻘﺒﻠﻪ اﻵﺧﺮ، ﻓﺈﻥ ﻫﺬا ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺒﻮﻻ ﻟﻜﺎﻥ ﻹﺑﻠﻴﺲ الحجة ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎ ، ﻭﻟﻘﻮﻡ ﻧﻮﺡ ﻭﻋﺎﺩ ﻭﺛﻤﻮﺩ ﻭﻓﺮﻋﻮﻥ.
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﺣﺘﺞ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﻟﺮﻛﻮﺏ اﻟﺬﻧﺐ ﻗﺪ حجه ، ﻓﻔﺮﻋﻮﻥ ﺃﻳﻀﺎ يحجه ﺑﺬﻟﻚ . ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺁﺩﻡ ﺇﻧﻤﺎ ﺣﺞ ﻣﻮﺳﻰ ﻷﻧﻪ ﺭﻓﻊ اﻟﻠﻮﻡ ﻋﻦ اﻟﻤﺬﻧﺐ ﻷﺟﻞ اﻟﻘﺪﺭ ﻓﻴﺤﺘﺞ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻣﻦ اﻣﺘﻨﺎﻋﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻮﺩ ﻵﺩﻡ، ﻭﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬا ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﺣﺘﺠﺎﺝ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ، ﻭﻫﺆﻻء ﻫﻢ ﺧﺼﻤﺎء اﻟﻠﻪ اﻟﻘﺪﺭﻳﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺸﺮﻭﻥ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺎﺭ حجتهم ﺩاﺣﻀﺔ ﻋﻨﺪ ﺭﺑﻬﻢ ﻭﻋﻠﻴﻬﻢ ﻏﻀﺐ ﻭﻟﻬﻢ ﻋﺬاﺏ ﺷﺪﻳﺪ.
ﻭاﻵﺛﺎﺭ اﻟﻤﺮﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﺫﻡ اﻟﻘﺪﺭﻳﺔ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﻫﺆﻻء ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ اﻟﻤﻨﻜﺮﻳﻦ ﻟﻠﻘﺪﺭ ﺗﻌﻈﻴﻤﺎ ﻟﻷﻣﺮ ﻭﺗﻨﺰﻳﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻈﻠﻢ.
منهاج السنة النبوية 3/81
(المسألة السادسة): مفهوم الإنسان عند النوبية
“للنوبية تصور خاص لخلق الإنسان وحقيقته، يعبر عن ميلهم العنصري، واعتمادهم على الفلسفة اليونانية. فالله لم يخلق آدم خلقاً مباشراً عندهم. وللرجل الأسود طبيعة خاصة تختلف عن طبيعة المرأة السوداء، ولكل من الرجل الأبيض والمرأة البيضاء طبيعة خاصة. فالرجل الأسود ذو روح Spirit من روح الله، وله نفس حية Living Soul، وللمرأة السوداء نفس حية أيضاً، ولكن لا روح لها، وترقيها في الدرجات الروحية محددة. أما البيض ذكوراً كانوا أم أناثا فلهم روح من الشيطان ولا نفس لهم، فلا حساب لهم بعد الموت ولا جنة، بل يرمون في الهاوية أبد الآباد. ويقول عيسى في خلق الإنسان: خلق الإنسان في حالة روحية قبل خلقه في شكل مادي على الأرض، وفي هذه الحالة كان الإنسان عقلاً ـ فالعقل كان موجوداً قبل ست وسبعين تريليون سنة من ظهور الجسد في حيز الوجود.
ومضى فقال: إذن الله سبحانه وتعالى خلق الأشياء في حالة روحانية أولاً، وكان ذلك صورة تصميمه الهندسى Blueprint. وفي ذلك الفلك الروحاني تسلم آدم كروموزمات (X ) و ( Y) لجده المادي، فلما خلق الله سبحانه وتعالى آدم كانت فكرة حواء موجودة وهى الكروموزوم ( X ) نصف طبيعة آدم الذي هو الكروموزوم ( Y ) إعطاء السيطرة على الأرض ـ الفلك المادي ـ والسيطرة على التي جاءت منه ـ المرأة المتمثلة في الكروموزوم X. ومن ثم فإن تركيب الإنسان الجسدي يحتوي على ثلاثة وثلاثين والثلث في المائة من الذكر وثلاثة وثلاثين والثلث في المائة من الانثى وثلاثة وثلاثين والثلث في المائة من روح الله ـ الذي هو النفس الحية كما في سفر التكوين إصحاح 2 فقرة 7: وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفساً حية. وفي هذه الفترة خلق جسد آدم المادي وهذه هي الحالة التي تكلم الله سبحانه وتعالى عنها لما أخبر الملائكة عن خلق آدم: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ [الحجر: 28] وخلق الإنسان الأول من جميع العناصر التي تكونت منها الأرض، شكل الله سبحانه وتعالى جسد آدم وصاغه من ماء وكربون من الأرض ممزوجين أى من وحل أسود محروق في الشمس. إذن ـ كانت بشرة آدم بلا شك سوداء، لا حمراء أو صفراء أوبيضاء ولكن سوداء ـ كان رجلاً أسوداً، ثم قال: وفي هذا الغلاف الأسود نفخ الله سبحانه وتعالى (نسمة حياة) وكانت هذه النسمة هي نور الله الحقيقي، الذي أحيا هذه السوداء بنور الحياة، والنور في الإنسان، وهكذا أصبح الإنسان نفساً حيةً الجسد ثم الروح يساوي النفس الحية.
أما الجنة فكانت في السودان، حيث ذكر عيسى فقرة 8 من إصحاح 2 في سفر التكوين: وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً، ووضع هناك آدم الذي جبله… وفي هذه الأثناء كانت القارة الأفريقية وشبه الجزيرة العربية قارة واحدة لم يفصل بينهما البحر الأحمر ـ وكان عدن في السودان (بلاد السود) والجنة كانت شرقاً في عدن، وكانت هي «مكة» التي وضع الله سبحانه وتعالى آدم فيها بعد تكوين جسده من طين السودان….
أما خلق البيض فبدأ في عهد النبى نوح حسب تعاليم عيسى حيث قال: (إن كنعان ابن حام (2) بمعنى مجازي ـ هو أول شبيه إنسان ـ بآدم للرجل الشاحب وجهه The Pale-man (أى الأبيض) لأنه أبو الجنس الأموري Amorite، ولذا ولد أحفاده، كل واحد منهم مصاب بالبرص، نتيجة لعنة نوح على كنعان في سفر التكوين إصحاح 9 فقرات (20 ـ 25) 20- وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً 21- وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه 22- فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجاً 23- فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما، ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما، ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما 24 ـ فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير، فقال: ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته، وقد لعن كنعان لأن أباه حام كان قد نظر الى عورة نوح نظرة اللواط والزنا التي كانت عند الله تعالى ذنباً، وهكذا سبب حام اللعنة على ابنه كنعان وجميع أحفاد كنعان بالبرص، فولد كنعان شاحباً وأمهق أي كانت لعنة البرص. وفي مكان آخر قال: ليس للأموري (الإنسان الشاحب وجهه) حساب أي: لن يبعث يوم القيامة ـ ولا يكون ضمن الوجوه التي سوف تشاهد يوم الآخرة. لا يتجاوز الأموري الفلك المادي، لأنه خلق في الفلك المادي، فالأموري ليس بإنسان، بل هو شبه إنسان ظهر في حيز الوجود نتيجة لعنة كنعان. وبسبب لعنة كنعان التي هي إصابة ذرياته بالبرص ليست لأحفاده الأموريين نفس، ولكن لهم روح ـ روح الشيطان الذي يجعلهم هم الجن ـ وبما أن الروح والنفس حجران يداسان عند العبور من هذه الدنيا إلى الآخرة حكم على الأموري وكلابه بالبقاء في الهاوية ولا حساب لهم.[موسوعة الفرق].
====
نقولات من كلام ابن القيم في كتابه الفوائد :
فصل يا مغرورا بالأماني لعن إبْلِيس وأهبط من منزل العِزّ بترك سَجْدَة واحِدَة أمر بها وأخرج آدم من الجنَّة بلقمة تناولها وحجب القاتِل عَنْها بعد أن رَآها عيانًا بملء كف من دم وأمر بقتل الزّانِي أشنع القتلات بإيلاج قدر الأُنْمُلَة فِيما لا يحل وأمر بإيساع الظّهْر سياطا بِكَلِمَة قذف أو بقطرة سكر وأبان عضوا من أعضائك بِثَلاثَة دَراهِم فَلا تأمنه أن يحبسك فِي النّار بِمَعْصِيَة واحِدَة من مَعاصيه ﴿ولا يَخافُ عُقْباها﴾ دخلت …..
*فصل كانَ أول المَخْلُوقات القَلَم* ليكتب المَقادِير قبل كَونها وجعل آدم وآخر
المَخْلُوقات وفِي ذَلِك حكم :
أحدها: تمهيد الدّار قبل السّاكِن .
الثّانِيَة : أنه الغايَة الَّتِي خلق لأجلها ما سواهُ من السَّمَوات والأرْض والشَّمْس والقَمَر والبر والبَحْر .
الثّالِثَة : أن أحذق الصنّاع يخْتم عمله بأحسنه وغايته كَما يبدؤه بأساسه ومبادئه .
الرّابِعَة : أن النُّفُوس متطلعة إلى النهايات والأواخر دائِما ولِهَذا قالَ مُوسى للسحرة ولا ﴿ألْقُوا ما أنْتُمْ ملقون﴾ فَلَمّا رأى النّاس فعلهم تطلعوا إلى ما يَأْتِي بعده .
الخامِسَة : أن الله سُبْحانَهُ أخّر أفضل الكتب والأنبياء والأمم إلى آخر الزَّمان وجعل الآخِرَة خيرا من الأولى والنهايات أكمل من البدايات فكم بَين قَول الملك للرسول اقْرَأ فَيَقُول ما أنا بقارىء وبَين قَوْله تَعالى ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دينكُمْ﴾ .
السّادِسَة : أنه سُبْحانَهُ جمع ما فرقه فِي العالم فِي آدم فَهُوَ العالم الصَّغِير وفِيه ما فِي العالم الكَبِير .
السّابِعَة : أنه خُلاصَة الوُجُود وثمرته فَناسَبَ أن يكون خلقه بعد الموجودات .
الثّامِنَة : أن من كرامته على خالقه أنه هيأ لَهُ مَصالِحه وحوائجه وآلات معيشته وأسْباب حَياته فَما رفع رَأسه إلّا وذَلِكَ كُله حاضر عتيد
التّاسِعَة : أنه سُبْحانَهُ أرادَ أن يظْهر شرفه وفضله على سائِر المَخْلُوقات فَقَدمها عَلَيْهِ فِي الخلق ولِهَذا قالَت المَلائِكَة ليخلق رَبنا ما شاءَ فَلَنْ يخلق خلقا أكْرم عَلَيْهِ منا فَلَمّا خلق آدم وأمرهمْ بِالسُّجُود لَهُ ظهر فَضله وشرفه عَلَيْهِم بِالعلمِ والمعرفة فَلَمّا وقع فِي الذَّنب ظنت المَلائِكَة أن ذَلِك الفضل قد نسخ ولم تطلع على عبودية التَّوْبَة الكامنة فَلَمّا تابَ إلى ربه وأنى بِتِلْكَ العُبُودِيَّة علمت المَلائِكَة أن لله فِي خلقه سرا لا يُعلمهُ سواهُ .
العاشِرَة : أنه سُبْحانَهُ لما افْتتح خلق هَذا العالم بالقلم من أحسن المُناسبَة أن يختمه بِخلق الإنْسان فَإن القَلَم آلَة العلم والإنْسان هُوَ العالم ولِهَذا أظهر سُبْحانَهُ فضل آدم على المَلائِكَة بِالعلمِ الَّذِي خُصّ بِهِ دونهم وتَأمل كَيفَ كتب سُبْحانَهُ عذر آدم قبل هُبُوطه إلى الأرْض ونبهَ المَلائِكَة على فَضله وشرفه ونوه باسمه قبل إيجاده بقوله ﴿إنِّي جاعِلٌ فِي الأرْض خَليفَة﴾ وتَأمل كَيفَ وسمه بالخلافة وتلك ولايَة لَهُ قبل وجوده وأقام عذره قبل الهبوط بقوله ﴿فِي الأرْض﴾ والمحب يُقيم عذر المحبوب قبل جِنايَته فَلَمّا صوره ألْقاهُ على باب الجنَّة أرْبَعِينَ سنة لِأن دأب المُحب الوُقُوف على باب الحبيب رمى بِهِ فِي طَرِيق ذل ﴿لَمْ يَكُنْ شَيْئا﴾ لِئَلّا يعجب يَوْم اسجدوا كانَ إبْلِيس يمر على جسده فيعجب مِنهُ ويَقُول لأمر قد خلقت ثمَّ يدْخل من فِيهِ ويخرج من دبره ويَقُول لَئِن سلطت عَلَيْك لأهلكنك ولَئِن سلطت عَليّ لأعصينك ولم يعلم أن هَلاكه على يَده رأى طينا مجموعا فاحتقر فَلَمّا صور الطين صُورَة دب فِيهِ داء الحَسَد فَلَمّا نفخ فِيهِ الرّوح ماتَ الحاسِد فَلَمّا بسط لَهُ بِساط العِزّ عرضت عَلَيْهِ المَخْلُوقات فاسْتَحْضر مدعي ونَحْنُ نُسَبِّح إلى حاكم أنْبِئُونِي وقد أخْفى الوَكِيل عَنهُ بَيِّنَة وعَلَّمَ فنكسوا رُؤُوس الدَّعاوى على صُدُور الإقْرار فَقامَ مُنادِي التَّفْضِيل فِي أندية المَلائِكَة يُنادي اسجدوا فتطهروا من حَدِيث دَعْوى ونَحْن بِماء العذر فِي آنِية ﴿لا عِلْمَ لَنا﴾ فسجدوا على طَهارَة التَّسْلِيم وقامَ إبْلِيس ناحيَة لم يسْجد لِأنَّهُ خبث وقد تلون بِنَجاسَة الِاعْتِراض وما كانَت نَجاسَته تتلافى بالتطهير لِأنَّها عَيْنِيَّة فَلَمّا تمّ كَمال آدم قالَ لا بُد من خال جمال على وجه اسْجُدُوا فَجرى القدر بالذنب ليتبين أثر العُبُودِيَّة فِي الذل يا آدم لَو عفى لَك عَن تِلْكَ اللُّقْمَة لقالَ الحاسدون كَيفَ فضل ذُو شَره لم يصبر على شَجَرَة لَوْلا نزولك ما تصاعدت صعداء الأنفاس ولا نزلت رسائل هَل من وسائِل ولا فاحت رَوائِح ولخلوف فَم الصّائِم فَتبين حِينَئِذٍ أن ذَلِك التَّناوُل لم يكن عَن شَرَهٍ يا آدم ضحكك فِي الجنَّة لَك وبكاؤك فِي دار التَّكْلِيف لنا ما ضرّ من كَسره عزي إذا جبره فضلي إنَّما تلِيق خلعة العِزّ ببدن الانكسار أنا عِنْد المنكسرة قُلُوبهم من أجلي مازالت تِلْكَ الأكلَة تعاده حَتّى استولى داؤه على أوْلاده فَأرْسل إلَيْهِم اللَّطِيف الخَبِير الدَّواء على أيدي أطباء الوُجُود فَإمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمن تبع هُدايَ فَلا يَضِلُّ ولا يشقى فحماهم الطَّبِيب بالمناهي وحفظ القُوَّة بالأوامر واستفرغ أخلاطهم الرَّديئَة بِالتَّوْبَةِ فَجاءَت العافِيَة من كل ناحيَة
فيا من ضيّع القُوَّة ولم يحفظها وخلط فِي مَرضه وما احتمى ولا صَبر على مرارَة الاستفراغ لا تنكر قرب الهَلاك فالداء مترام إلى الفساد لَو ساعد القدر فأعنت الطَّبِيب على نَفسك بالحمية من شَهْوَة خسيسة ظَفرت بأنواع اللَّذّات وأصناف المشتهيات ولَك بخار الشَّهْوَة غطى عين البصيرة فَظَنَنْت أن الحزم بيع الوَعْد بِالنَّقْدِ يالها بَصِيرَة عمياء جزعت من صَبر ساعَة واحتملت ذل الأبَد سافَرت فِي طلب الدُّنْيا وهِي عَنْها زائلة وقَعَدت عَن السّفر إلى الآخِرَة وهِي إلَيْها راحِلَة إذا رَأيْت الرجل يَشْتَرِي الخسيس بالنفيس ويبِيع العَظِيم بالحقير فاعْلَم بِأنَّهُ سَفِيه
*فصل لما سلم لآدَم أصل العُبُودِيَّة لم يقْدَح فِيهِ الذَّنب* ابْن آدم لَو
لقيتني بقراب الأرْض خَطايا ثمَّ لقيتني لا تشرك بِي شَيْئا لقيتك بقرابها مغْفرَة لما علم السَّيِّد أن ذَنْب عَبده لم يكن قصدا لمُخالفَته ولا قدحا فِي حكمته علمه كَيفَ يعْتَذر إلَيْهِ فَتَلَقّى آدَمُ م رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ العَبْد لا يُرِيد بمعصيته مُخالفَة سَيّده ولا الجرأة على مَحارمه ولَكِن غلبات الطَّبْع وتزيين النَّفس والشيطان وقهر الهوى والثقة بِالعَفو ورجاء المَغْفِرَة هَذا من جانب العَبْد وأما من جانب الربوبية فجريان الحكم وإظْهار عز الربوبية وذل العُبُودِيَّة وكَمال الِاحْتِياج وظُهُور آثار الأسْماء الحسنى
كالعفو والغفور والتوّاب والحليم لمن جاءَ تائِبًا نادِما والمنتقم والعدْل وذي البَطْش الشَّديد لمن أصر ولزِمَ المجرة فَهُوَ سُبْحانَهُ يُرِيد أن يرى عَبده تفرده بالكمال ونقص العَبْد وحاجته إلَيْهِ ويشهده كَمال قدرته وعزته وكَمال مغفرته وعفوه ورَحمته وكَمال بره وستره وحلمه وتجاوزه