٢٦٢٤. فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وعبدالله كديم وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي وعبدالملك
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
٤٢ – بابُ الوَصِيَّةِ بِالجارِ والإحْسانِ إلَيْهِ
١٤٠ – (٢٦٢٤) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مالِكِ بْنِ أنَسٍ، ح وحَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، ومُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، ح وحَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ، ويَزِيدُ بْنُ هارُونَ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ، ح وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى – واللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ يَعْنِي الثَّقَفِيَّ، سَمِعْتُ يَحْيى بْنَ سَعِيدٍ، أخْبَرَنِي أبُو بَكْرٍ وهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أنَّ عَمْرَةَ، حَدَّثَتْهُ أنَّها سَمِعَتْ عائِشَةَ، تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجارِ، حَتّى ظَنَنْتُ أنَّهُ لَيُوَرِّثَنَّهُ».
١٤٠ – حَدَّثَنِي عَمْرٌو النّاقِدُ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِي حازِمٍ، حَدَّثَنِي هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِهِ.
١٤١ – (٢٦٢٥) حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوارِيرِيُّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبِيهِ، قالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجارِ، حَتّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
١٤٢ – (٢٦٢٥) حَدَّثَنا أبُو كامِلٍ الجَحْدَرِيُّ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – واللَّفْظُ لِإسْحاقَ – قالَ أبُو كامِلٍ: حَدَّثَنا، وقالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا – عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيُّ، حَدَّثَنا أبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أبِي ذَرٍّ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا أبا ذَرٍّ إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ».
١٤٣ – (٢٦٢٥) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابْنُ إدْرِيسَ، أخْبَرَنا شُعْبَةُ، ح وحَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا ابْنُ إدْرِيسَ، أخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي عِمْرانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أبِي ذَرٍّ، قالَ: إنَّ خَلِيلِي ﷺ أوْصانِي: «إذا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأكْثِرْ ماءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أهْلَ بَيْتٍ مِن جِيرانِكَ، فَأصِبْهُمْ مِنها بِمَعْرُوفٍ».
==========
التمهيد:
قال الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإيمان: (٢٨) باب إكرام الجار والضيف وفضيلة حفظ اللسان
٧٧ – عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم وفي رواية «فليحسن إلى جاره».
ووررد – عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت».
“هذه ثلاث خصال من سمات المؤمن بالله وبالبعث والجزاء، ثلاث خصال هي جماع الخير وأمهات مكارم الأخلاق:
وقد أشار الحديث الشريف الذي رواه مسلم قبل هذا إلى نفي الإيمان عمن يؤذي جاره، وبه حمى الإسلام الجار من جاره، لكنه لم يكتف بهذه الحماية، بل حث في هذا الحديث على إكرامه والإحسان إليه “. [فتح المنعم]
[ثمان خصال إذا عاملت بها جارك فقد قمت بحق الجوار].
قال العلامة الفقيه زيد بن محمد بن هادي المدخلي-رحمه الله – :
الخصلة اﻷولى:
إكرامه وذلك بتعليمه أمر دينه إذا كان جاهلا ،وبالتعلم منه إن كنت جاهلا ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ودعوته إلى سبيل الخير وقبول ذالك منه متى كان في محله..
الخصلة الثانية :
إكرامه بالهدية المالية ؛ لما لها من سل اﻷحقاد من الصدور وجلب المحبة في القلوب ،وحسن الردود الفعلية.
الخصلة الثالثة :
السرور عند سروره الشرعي، والمواساة له عند ضيقه وكربته وحزنه.
الخصلة الرابعة:
حفظ عرضه وماله ودمه في حال حضوره وغيبته، احتسابا لوجه الله.
الخصلة الخامسة:
كف كل أسباب اﻷذى عنه وعن جميع أسرته ومعارفه.
الخصلة السادسة :
إن حصل منك أو من أفراد أسرتك إساءة إليه فبادر بالاعتذار والإنصاف من نفسك لتحصل على رضاه عنك وثقته فيك.
الخصلة السابعة:
إذا حصل من جهته أذى فتحمله بقدر اﻷمر المستطاع ،وسيجعل الله لك مخرجا .
الخصلة الثامنة:
عدم منعه من غرز خشبة أو نحوها في جدارك عند الحاجة إلى ذلك وعدم الضرر ببنائك؛ والله يحفظك ويتولاك ولايضيع أجر شيء من عملك….
اﻷفنان الندية٣٥٢-٣٥٣\٧…
وسيأتي بإذن التوسع في حقوق الجار وبعض الأحكام المتعلقة بالجوار.
أولاً: أحاديث في الباب وتبويبات الأئمة:
* جاء في الصحيح المسند برقم 791 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً فَقَالَ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِي الْيَهُودِيِّ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)). جاء في الدراية بما زيد من أحاديث معلة 102 قال ” ولكن الإمام الدارقطني يقول: اختُلِف فِيهِ عَلَى مُجاهِدٍ، فَرَواهُ يُونُسُ بن أبي إسحاق، عَن مُجاهِدٍ، عَن أبي هُرَيرةَ، وخالَفَهُ بَشِيرُ بن سُلَيمان فَرَواهُ عَن مُجاهِدٍ، عَن عبدالله بنِ عَمرٍو وَخالَفَهُما زُبَيدٌ فَرَواهُ عَن مُجاهِدٍ، عَن عائِشَة، وقَولُ زُبَيدٍ أَشبَهُها.”العلل” (8/ 230)
وهذا ما يشير إليه كلام أبي نعيم في”الحلية” (3/ 306) ومعنى ذلك أن حديث عبدالله بن عمرو وأبي هريرة غير محفوظين وحديث عائشة هو المحفوظ”.
قال الشيخ مقبل رحمه الله: هذا حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح، إلا الشيخ أبي داود وقد وثقه النسائي، على أنه قد تابعه محمد بن عبد الأعلى عند الترمذي وهو رجال مسلم، فالحديث رجاله رجال الصحيح.
الحديث أخرجه الترمذي (ج6 ص72) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث عن مجاهد، عن عائشة وأبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله علية وسلم .
* أخرجه البخاري في صحيحه 6014 – 6015 وقال: باب الوصاة بالجار.
ومن الأبواب المتعلقة بالجيران في صحيح البخاري:
- بَابُ إِثْمِ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ، وأورد حديثًا عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ».
- بَابٌ: لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ»
- بَابٌ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»
- بَابُ حَقِّ الجِوَارِ فِي قُرْبِ الأَبْوَابِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».
* وبوب عليه أبو داود باب في حق الجار.
ومن الأحاديث التي أوردها أبو داود في هذا الباب غير حديث الباب وما سبق:
- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ « اذْهَبْ فَاصْبِرْ ». فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَقَالَ « اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِى الطَّرِيقِ ». فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِى الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ لاَ تَرَى مِنِّى شَيْئًا تَكْرَهُهُ. [ قال الألباني حسن صحيح، وقال محققو سنن أبي داود: إسناده جيد، ونقل الشيخ سيف في تحقيق سنن أبي داود 5155كلام بعض الباحثين في أن الحديث لا يصح ]
* قال الترمذي في سننه 1943 في باب ما جاء في حق الجوار بعد أن أورد حديث عبدالله بن عمرو بن العاص الذي سبق أنه في الصحيح المسند، قال رحمه الله: ” وفي الباب عن عائشة، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، والمقداد بن الأسود، وعقبة بن عامر، وأبي شريح، وأبي أمامة “.
* قال ابن حبان في صحيحه عن هذا الحديث ذكر الإخبار عما عظم الله جل وعلا من حق الجوار، وذكر من الأحاديث غير ما سبق:
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جاره أن يغرز خشبة على جداره”
* عقد ابن الأثير في جامع الأصول فصلاً في حفظ الجار في كتاب السابع من حرف الصاد، في الصحبة، وأورد فيها من الأحاديث غير ما سبق:
4921 – (ت) عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «خَيْرُ الأصحاب عند الله : خَيْرُهم لصاحبه ، وخَيْرُ الجيران عند الله: خيرُهم لجاره». أخرجه الترمذي. [ صححه الألباني في سنن الترمذي 1944 وهو في الصحيحة 1030، وفي الصحيح المسند 793]
4926 – (د) سمرة بن جندب – رضي الله عنه – : قال : «كان له عَضُد نَخْل في حائط رجل من الأنصار ، قال : ومع الرَّجُلِ أهلُه ، فكان سَمُرَةُ يَدْخُلُ إِلى نخله فيتأذّى به ، [وَيشُقُّ عليه] ، فطلب إِليه أن يبيعَهُ ، فأبي ، فطلب إليه أن يُناقِلهُ ، فأتى صاحبُ الحائط رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ، فذكر ذلك له ، فطلبَ إِليه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيعَهُ ، فأبى ، فطلب إِليه أن يُناقِلَهُ ، فأبى، فقال: فَهَبْهُ له، ولك كذا وكذا أجرا ، أمرا رَغَّبهُ فيه ، فأبى، فقال : أنت مُضَارّ ، وقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- للأَنصاريِّ : اذهب فاقلعْ نَخْلَهُ». أخرجه أبو داود. [ ضعفه الألباني في سنن أبي داود 3638 وهو في الضعيفة 1375، وكذلك محققو سنن أبي داود، وقال الشيخ العباد في شرح سنن أبي داود (3/132): وهذا الحديث غير صحيح وغير ثابت؛ لأن فيه انقطاعاً بين أبي جعفر محمد بن علي وبين سمرة بن جندب، ثم أيضاً فيه نكارة من حيث كونه يقلع النخل ويتلف المال على صاحبه دون أن يستفيد منه صاحبه، وكان يمكن أن يلزم بأمر آخر غير أن يضيع عليه حقه، ثم من جهة أخرى كون هذا الصحابي يكون بهذه الصفة التي فيها الشدة والتعنت، وكونه يعرض عليه كل شيء فيأبى؛ فهذا لا يليق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا فيه شيء من النكارة.]
4927 – (ط) يحيى المازني : «أن الضَّحاكَ بنَ خليفةَ سَاقَ خليجا له من العُرَيض، فأراد أن يَمُرَّ به في أرض محمدِ بنِ مَسْلمةَ ، فمنعه فقال له : لِمَ تَمنعُني ، ولك فيه منفعة ، تشرب فيه أولا وآخرا ، ولا يضُرُّك ؟ فأبى [محمد] فكلَّم الضَّحَاكُ فيه عمرَ بنَ الخطَّابِ ، فدعا عمرُ بن الخطاب محمَّدَ بنَ مَسْلمةَ ، فأمره أَن يُخَلِّيَ سَبيلَهُ ، فقال محمد : لا والله ، فقال عمرُ : لِمَ تمنعُ أخاك ما ينفعُهُ ، ولا يضرُّكَ ؟ فقال:لا والله،فقال له عمرُ:والله لَيَمُرَّنَّ به ولو على بطنك ، ففعل الضَّحَّاكُ».أخرجه الموطأ. [ قال البيهقي في السنن الكبرى 12229: ” هذا مرسل وبمعناه رواه أيضا يحيى بن سعيد الأنصارى وهو أيضا مرسل وقد روى فى معناه حديث مرفوع. “]
4928 – (ط) يحيى المازني : قال : «كان في حائط جَدِّه رَبيع – يعني : ساقية- لابن عوف ، فأراد ابنُ عوف أن يُحَوِّلَهُ إِلى ناحية من الحائط هي أقربُ إِلى أرضِهِ ، فمنعهُ صاحبُ الحائط ، فكلَّم عبدُ الرحمن عمرَ ، فقضى لعبد الرحمن بتحويله». أخرجه الموطأ.
* ينظر شرح الصحيح المسند 1141 قال الإمام أحمد رحمه الله: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ظَبْيَةَ الْكَلَاعِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: ((مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟)) قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: ((لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ)). قَالَ: فَقَالَ: ((مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟)) قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ. قَالَ: ((لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ)).
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسن.
* ينظر عون الصمد 309 مسند أحمد
20285 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ رِجَالٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَتَّقِ اللهَ، وَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ، وَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ، وَلْيَقُلْ حَقًّا، أَوْ لِيَسْكُتْ ”
ثانيا : شرح الحديث، وبيان مفرداته:
عن أبي (بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) الأنصاريّ المدنيّ (أنَّ عَمْرَةَ)
بنت عبد الرحمن الأنصاريّة، وهي أم أبي بكر الراوي عنها، (حَدَّثَتْهُ، أنَّها سَمِعَتْ
عائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ – ﷺ – يَقُولُ: «ما زالَ جِبْرِيلُ) – – (يُوصِينِي
بِالجارِ، حَتّى ظنَنْتُ أنَّهُ لَيُوَرِّثَنَّهُ»)؛ أي: يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره.
واختُلف في المراد بهذا التوريث:
فقيل: يُجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يُعطاه مع الأقارب،
وقيل: المراد: أن يُنَزَّل منزلة من يرث في البِرّ والصلة، والأول أظهر، فإن الثاني استمرّ، والخبر مُشعِر بأن التوريث لم يقع، ويؤيده ما أخرجه البخاريّ من حديث جابر – رضي الله عنه- نحو حديث الباب بلفظ: «حتى ظننت أنه يَجْعل له ميراثًا».
واسم الجار يَشْمَل: المسلم، والكافر، والعابد، والفاسق، والصديق، والعدوّ، والغريب، والبلديّ، والنافع، والضارّ، والقريب، والأجنبيّ، والأقرب دارًا، والأبعد، وله مراتب، بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأُوَل كلّها، ثم أكثرها، وهَلُمّ جَرّا إلى الواحد، وعكسُهُ من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك، فيُعطى كلٌّ حقه بحسب حاله، وقد تتعارض صفتان فأكثر، فيُرَجَّح، أو يُساوى.
وقد حمله عبد الله بن عمرو أحدُ من روى الحديث على العموم، فأمر لمّا ذُبحت له شاة أن يُهدى منها لجاره اليهوديّ، أخرجه البخاريّ في «الأدب المفرد»، والترمذيّ، وحسّنه.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: حِفظ الجار من كمال الإيمان، وقد نفى – ﷺ – الإيمان عمن لم يأمَن جاره بوائقه، كما في الحديث الذي يليه، وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حقّ الجار، وأن إضراره من الكبائر،
قال: ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح، وغير الصالح، والذي يشمل الجميع إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدعاء له بالهداية، وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والذي يخصّ الصالح هو جميع ما تقدم، وغير الصالح كفّه عن الذي يرتكبه بالحسنى، على حسب مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه، ويبيِّن محاسنه،
والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضًا، ويستر عليه زَلَلَه عن
غيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فبه، وإلا فيهجره قاصدًا تأديبه على ذلك، مع
إعلامه بالسبب؛ ليكفّ. انتهى ملخصًا.
وحديث عائشة – رضي الله عنها – هذا متّفقٌ عليه.
شرح حديث أبي :
قال في «المشارق»: هو ما يُطبخ من اللحم، وشِبهه، ويؤكل بمائه، يُصطبغ فيه بضدّ الثريد. انتهى [«مشارق الأنوار على صحاح الآثار» ١/ ٧٣٩].
والمعنى هنا: تفقّد (جِيرانَكَ») وجدّد عهدك بالإهداء إليهم
وقال القرطبيّ –رحمه الله-: قوله: «فأصبهم منها بمعروف»؛ أي: بشيء يُهْدى
مثله عُرفًا، تحرزًا من القليل المحتقَر، فإنه -وإن كان مما يُهْدى- فقد لا يقع
ذلك الموقع، فلو لم يتيسّر إلا القليل المحتقر فليُهْدِه، ولا يحتقره، كما جاء في الحديث الآخر: «لا تحقرنّ من المعروف شيئًا»، وبكون المهدى له مأمورًا بقبول ذلك المحتقَر، والمكافأة عليه، ولو بالشكر؛ لأنّه وإن كان قَدْره محتقرًا دليلٌ على تعلق قلب المهدي بجاره. انتهى [«المفهم» ٦/ ٦١٢].
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
فوائد الباب:
1 – (منها): بيان التشديد في حقّ الجار، حتى إنه – ﷺ – من كثرة وصيّة جبريل -عليه السلام- به ظنّ أنه سيجعله من جملة الورثة.
قال ابن عبد البرّ –رحمه الله -: في هذا الحديث الحضّ على برّ الجار، وإكرامه، وقد ثبت عنه – ﷺ – قوله: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره»، والله -تعالى- قد أوصى بالجار ذي القربى، والجار الجنب. انتهى. [ «التمهيد لابن عبد البرّ» ٢١/ ٤١].
* قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص: 139): ” فمن أنواع الإحسان إلى الجار مواساته عند حاجته وفي المسند عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يشبع المؤمن دون جاره….. وطول في ذكر الأحاديث والآثار . وسيأتي ذكر كثير منها في الملحق
2 – (ومنها): بيان شدّة عناية الشريعة الإسلاميّة بالمحافظة على حقوق الجوار، وهو من الأمور التي يستحسنها العقل، ولو لم يَرِدْ بها الشرع، ولذا كان أهل الجاهليّة يتفاخرون بها، قال ابن عبد البرّ: وذكر مالك عن أبي حازم بن دينار، أنه قال: كان أهل الجاهلية أبرّ بالجار منكم، وهذا قائلهم يقول [من الكامل]:
نارِي ونارُ الجارِ واحِدَةٌ … وإلَيْهِ قَبْلِي يَنْزِلُ القِدْرُ
ما ضرَّ جارٌ ألّا أُجاوِرَه … ألّا يَكُونَ لِبابِهِ سِتْرُ
أعْمى إذا ما جارَتِي بَرَزَتْ … حَتّى يُوارِي جارَتِي الخِدْرُ .
3 – (ومنها): أنه اختُلف في حدّ الجار، قال الإمام البخاريّ -رحمه الله – في «صحيحه»: «باب حقّ الجوار في قرب الأبواب».
(٥٦٧٤) – حدّثنا حجاج بن منهال، حدّثنا شعبة، قال: أخبرني أبو عمران، قال: سمعت طلحة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أُهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابًا». [«صحيح البخاريّ» ٥/ ٢٢٤١].
قال في «الفتح»: قوله: «أقربهما»؛ أي: أشدّهما قربًا، قيل: الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره، من هدية وغيرها، فيتشوَّف لها، بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لِما يقع لجاره من المهمات، ولا سيما في أوقات الغفلة، وقال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب؛ لأن الهدية في الأصل ليست واجبةً، فلا يكون الترتيب فيها واجبًا، ويؤخذ من الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أولى، وفيه تقديم العلم على العمل.
واختُلف في حدّ الجوار، فجاء عن عليّ – رضي الله عنه -: من سمع النداء فهو جار،
وقيل: من صلى معك صلاة الصبح في المسجد، فهو جار،
وعن عائشة: حدّ الجوار أربعون دارًا من كل جانب، وعن الأوزاعيّ مثله، وأخرج البخاريّ في «الأدب المفرد» مثله عن الحسن، وللطبرانيّ بسند ضعيف، عن كعب بن مالك، مرفوعًا: «ألا إن أربعين دارًا جار»، وأخرج ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب: أربعون دارًا عن يمينه، وعن يساره، ومن خلفه، ومن بين يديه، وهذا يَحْتَمِل كالأُولى، ويَحْتَمِل أن يريد التوزيع، فيكون من كل جانب عشرةً. انتهى [«الفتح» ١٣/ ٥٦٨، كتاب «الأدب» رقم (٦٠٢٠)].
قال [الأتيوبي] عفا الله عنه: عندي أن من صلى الصلوات معك دائمًا، ولا سيّما صلاة الصبح هو جار لك؛ لأن هذا يدلّ على قربه من دارك، ويرى كل ما يدخل في بيتك، أو بعضه، ولو صحّ حديث: «أربعون دارًا جارٌ» لكان نصًّا
في التحديد، لكنه ضعيف [راجع: «إرواء الغليل» للشيخ الألبانيّ -رحمه الله- ٦/ ١٠٠]، فلا يصلح للاحتجاج به، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
4 – (منها): الحضّ على تكثير المرقة، ليواسي بها جيرانه، قال الحافظ العراقيّ –رحمه الله-: وفيه نَدْب إكثار مرق الطعام؛ لِقَصْد التوسعة على الجيران، والفقراء، وأن المرق فيه قُوّة اللحم، فإنه يسمى أحد اللحمين، لأنه يَخرُجُ خاصية اللحم فيه بالغليان. انتهى.
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك» هذا الأمر على جهة الندب، والحضّ على مكارم الأخلاق، والإرشاد إلى محاسنها؛ لِما يترتّب عليه من المحبّة، وحُسن العشرة، والألفة، ولما يحصل به من المنفعة،
ودَفْع الحاجة والمفسدة، فقد يتأذى الجار بقُتار [«القُتار»: الدخان من المطبوخ وزنًا ومعنى] قِدْر جاره، وعياله، وصغار أولاده، ولا يقدر على التوصّل إلى ذلك، فتَهِيج من ضعفائهم الشهوة، ويعْظُم على القائم عليهم الألم والكُلْفة، وربما يكون يتيمًا، أو أرملة ضعيفة، فتَعْظُم المشقة، ويشتدّ منهم الألم والحسرة، وكل ذلك يندفع بتشريكهم في شيء من الطبيخ يُدفع إليهم، فلا أقبح من منع هذا النزر اليسير الذي يترتّب عليه هذا الضرر الكبير. انتهى [«المفهم» ٦/ ٦١١].
قال ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 195): ” فيه من الفقه: حض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أبا ذر على حسن التدبير في العيش، فإنه إذا طبخ فأكثر الماء ثم أصاب بذلك المرق جيرانه ممن سيجد في الأغلب ريحه، وينمى إليه خبره، فأصابهم، ما يأتيهم منه، لم ينقصه كبير أمر، وإنما وصلهم بما قد صحب طعامه فأرضاهم به، ولم ينقص ما عنده طائلًا، إلا أن هذا هو أدنى الأحوال، وما فوقه من المشاركة والإيثار له مقامه”.
5 – (ومنها): الأمر بتعاهد الجيران، والإحسان إليهم، قال المناويّ: الأمر فيه للندب عند الجمهور، وللوجوب عند الظاهرية.
قال [الأتيوبي] عفا الله عنه: ما قاله الظاهريّة هو الظاهر؛ لظواهر النصوص، والله تعالى أعلم.
6 – (ومنها): ما قاله العلائيّ: فيه تنبية لطيفٌ على تسهيل الأمر على مزيد الخير، حيث لم يقل: فأكثروا لحمها، أو طعامها؛ إذ لا يسهل ذلك على كثير. انتهى.
7 – (ومنها): أن فيه أفضلية اللحم المطبوخ على المشويّ؛ لعموم الانتفاع؛ لأنه لأهل البيت والجيران، ولأنه يُجعل فيه الثريد، وهو أفضل الطعام، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
8 – قال الطحاوي في شرح مشكل الآثار مبينا معنى التوريث : ……
فاحتمل أن يكون كان ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي كان الميراث يكون بالتبني , وبما ذكرنا سواه فكان الجار قد وكد من أمره مع الجار ما هو فوق ذلك أو الحلف أو مثلهما , فلم ينكر أن يكون كما كان الميراث يكون مع واحد منهما أن يكون ما هو مثلهما أو بما هو فوقهما , فكان ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قد كان في موضعه , ثم نسخ الله عز وجل ذلك بما قد نسخه به , فعقلنا بذلك أنه لو كان ما كان من جبريل صلى الله عليه وسلم من ذلك كان في الحال الثانية لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ذلك الظن , والله نسأله التوفيق”.
* قال ابن حجر في فتح الباري (10/441): ” أي يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره واختلف في المراد بهذا التوريث فقيل يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم معطاه مع الأقارب وقيل المراد أن ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة والأول أظهر فإن الثاني استمر والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع ويؤيده ما أخرجه البخاري من حديث جابر نحو حديث الباب بلفظ حتى ظننت أنه يجعل له ميراثا وقال بن أبي جمرة الميراث على قسمين حسي ومعنوي فالحسي هو المراد هنا والمعنوي ميراث العلم ويمكن أن يلحظ هنا أيضا فإن حق الجار على الجار أن يعلمه ما يحتاج إليه والله أعلم
—-
ثالثا : ملحقات:
سبق في الصحيح المسند (ج2/ح1141) ذكر بعض ما يتعلق بحقوق الجار.
وإليك معالم في حقوق الجار:
” لم يكتفِ الشارع في دعوته برعاية الروابط الكبرى كرابطة الدِّين، بل اتجه إلى الروابط الصغيرة كرابطة النسب والجوار وغيرها اتجاهًا خاصًا
والحديث في الصفحات التالية سيكون حول التقصير في حق الجار.
وقبل ذلك سيتم الحديث عن تعريف الجار، وحدِّه، وحقِّه، ووصاية الإسلام به.
ثم بعد ذلك يتم الحديث عن مظاهر التقصير في حق الجار مع محاولة علاج تلك المظاهر.
وما ينبغي أن يكون تجاه الجار من حقوق أمران عظيمان:
الأول: أن يُعنى بإكرام جاره والإحسان إليه بما تعنيه هذه الكلمة من دلالة ومعنى ، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة وسبق وفي الحديث أمرٌ بالإكرام والإحسان ولم يحدِّد نوعاً معيَّناً منه ليتناول كل إكرامٍ وكل إحسانٍ مستطاع
الأمر الثاني:
أن يحرص على أن لا يصِل إلى جاره منه أيَّ أذى، لا أذىً قولي ولا أذىً فعلي ، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ )) قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ )) ، وجاء في حديث آخر في مسند الإمام أحمد أنَّ الصحابة رضي الله عنهم قالوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا بَوَائِقُهُ ؟ قَالَ : (( شَرُّهُ )) . وروى البخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (( قالوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ وَتَفْعَلُ وَتَصَّدَّقُ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ )) –
وأذى الجار عقوبته أشد وإثمه أكبر عن المقداد ابن الأسود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بيت جَارِهِ)) ، وهذا فيه التنبيه إلى أن التعرض للجار بأي نوعٍ من الأذى عقوبته أعظم وإثمه أكبر؛ لما فيه من خَرْقٍ واعتداءٍ على جارٍ له حق عليه ، بل إن الواجب على الجار مع جاره أن يحوطه بأخلاقه
وتعاملاته [خطبة: حقوق الجار للشيخ عبدالرزاق البدر].
[1] تعريـف الجـار:
أولاً: سبق
[2] حد الجوار [وقد مر]
[3] شمول مفهوم الجار:
لا ريب أن الجوار في المسكن هو أجلى صور الجوار وأوضحها.
ولكن مفهوم الجار والجوار لا يقتصر على الجوار في المسكن فحسب؛ بل هو أعم من ذلك؛ فالجار معتبر في المتجر، والسوق،
والمزرعة، والمكتب، ومقعد الدرس.
ومفهوم الجار يشمل الرفيق في السفر؛ فإنه مجاور لصاحبه مكانًا وبدناً، ولكل واحد منهما على الآخر حق الجوار.
والزوجة كذلك تسمى جارة، كما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} (النساء: 36).
وكذلك مفهوم الجار يشمل الجوار بين الدول والممالك؛ فلكل دولة على جارتها حق الجوار.
وكذلك يُقال للذي يستجير بك: جار، وللذي يجير: جار.
[4]: وصاية الإسلام بالجار:
ولقد بلغ من عِظَم حق الجار في الإسلام أن قرنَ الله حق الجار بعبادته وتوحيده_تبارك وتعالى_وبالإحسان إلى الوالدين، واليتامى، والأرحام.
قال_عز وجل_في آية الحقوق العشرة: [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ] (النساء: 36).
فقوله_تعالى_: [وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى]: هو الذي بينك وبينه قرابة، وقيل: هو الذي قَرُبَ جوارُه، وقيل: المسلم، وقيل: الزوجة.
وقوله: [وَالْجَارِ الْجُنُبِ]: قيل: هو الذي يعد في العرف جارًا وبينك وبين منزله فسحة.
وقيل: هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: الزوجة: وقيل: غير المسلم [انظر: تفسير البغوي معالم التنزيل 2/310، 211، وزاد المسير لابن الجوزي 2/78_81 وجامع العلوم والحكم 1/437، 438 وفتح القدير للشوكاني 4/464_465].
أما السنة النبوية
وسبق بعضها
هذا وسيأتي مزيد بيان لوصاية الإسلام بالجار فيما سيأتي من صفحات.
[5] حقوق الجـار :
حقوق الجار على وجه التفصيل كثيرة جدًا وأما أصولها فتكاد ترجع إلى أربعة حقوق:
1- كف الأذى:
تقدم بعض الأحاديث
بل لقد جاء الخبر بلعن من يؤذي جاره، ففي حديث أبي جحيفة قال: جاء رجل إلى النبي ” يشكو جاره، فقال له: ((اطرح متاعك في الطريق)).
قال: فجعل الناس يمرون به فيلعنونه، فجاء إلى النبي ” فقال: يا رسول الله، ما لقيتُ من الناس ؟.
قال: ((وما لقيتَ منهم )). قال: يلعنوني.
قال: ((فقد لعنك الله قبل الناس)).
قال: يا رسولَ الله، فإني لا أعود.
والحديث فيه ضعف لكن سبق أن إيذاء الجار من الكبائر
قال علي بن أبي طالب للعباس ما بقي من كرم إخوانك ؟ قال: الإفضال إلى الإخوان، وترك أذى الجيران. [الآداب الشرعية 2/18].
ولقد كان العرب يتمدحون بكف الأذى عن الجار، قال هدبة بن الخشرم:
يبيت عن الجيران مُعْزبُ جهله
مُريحُ حواشي الحلم للخير واصف[شعر هدبة بن الخشرم ص 124]
بل إن لبيدًا عدَّ هوان الجارِ لجارِه فاقرةً من الفواقر، قال:
وإن هوانَ الجارِ للجارِ مؤلمٌ
وفاقرةٌ تأوي إليها الفواقر[ديوان لبيد ص 220]
2- حماية الجار:
فمن الوصية بالجار ومن حقه حمايته، ومما ينبه لشرف همة الرجل نهوضه لإنقاذ جاره في بلاء يُنال به، سواء كان ذلك في عرضه، أو بدنه، أو ماله أو نحو ذلك.
ولقد كانت حماية الجار من أشهر مفاخر العرب التي ملأت أشعارهم.
قال عنترة:
وإني لأحمي الجار من كل ذلة
وأفرح بالضيف المقيم وأبهج [ديوان عنترة ص 37]
وقالت الخنسا ء تمدح أخاها بحمايته جارَه:
وجارك محفوظٌ منيعٌ بنجوةٍ
من الضيم لا يُؤذى ولا يتذلل [ديوان الخنساء ص 113]
وقالت:
يحامي عن الحيِّ يوم الحفاظ والجار والضيف والنُّزَّل[ديوان الخنساء ص 123]
3- الإحسان إلى الجار:
وسبقت الأحاديث
قال حاتم الطائي:
إذا كان لي شيئان يا أم مالك
فإن لجاري منهما ما تخيرا [ديوان حاتم الطائي ص 296].
4- احتمال أذى الجار:
((روى المرُّوذي عن الحسن: ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى)).
[6] التقصير في حق الجار:
وفيما يلي ذكر لبعض مظاهر التقصير في حق الجار مع محاولة العلاج؛ فلعل في ذلك إيقاظًا، وتذكيرًا؛ فإلى تلك المظاهر، والله المستعان وعليه التكلان.
1- مضايقة الجار:
فمن مضايقة الجار إيقاف السيارات أمام بابه حتى يضيقَ عليه دخولُ منزله، أو الخروج منه.
ومن ذلك مضايقته بالأشجار الطويلة التي تطل على منزله، وتؤذيه بتساقط الأوراق عليه.
ومن ذلك ترك المياه تتسرب أمام منزل الجار مما يشق معها دخول الجار منزله، وخروجه منه.
ومن ذلك إيذاء الجيران بالروائح المنتنة المنبعثة من مياه المجاري.
والمقصود أن يعجل المرء في إماطة الأذى عن جيرانه مع الاعتذار لهم، وشكرهم على تحملهم.
ومن مضايقتهم حفر الآبار وتركها مكشوفة دون وضع حماية لها، فتكون عرضة لسقوط أحد أبناء الجيران فيها.
2- حسد الجار:
ولئن كان الحسد قبيحًا فإن قبحه يزداد إذا كان منصرفًا إلى الجيران؛ لأنهم من أولى الناس ببذل الندى لهم، وكف الأذى عنهم.
وأكثر ما يقع الحسد بين النساء المتجاورات، أو التجار المتجاورين في محلات التجارة.
3_احتقار الجار والسخرية منه: كأن يحتقر جاره، أو يسخر منه لفقره، أو لجهله، أو وضاعته.
ومن ذلك السخرية بحديثه إذا تحدث، والسخرية بملبس الجار، أو منزله، أو أولاده أو نحو ذلك.
ويكفي في التنفير من هذا الخلق القبيح قوله_تعالى_[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ] (الحجرات: 11).
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
فما أحد منا بمهدٍ لجاره **** أذاةً ولا مزرٍ به وهو عائد
لأنا نرى حقَّ الجوارِ أمانةً **** ويحفظه منا الكريم المعاهد.[ديوان حسان بن ثابت ص 77]
4_كشف أسرار الجار:
قال الإمام ابن عبد البر: مرّ مالك بن أنس بقينة تغني شعر مسلم:
أنتِ أختي وأنت حرمة جاري
وحقيقٌ عليَّ حفظُ الجوار
إن للجار إن تغيَّب غيباً
حافظاً للمغيب والأسرار
ما أبالي أكان للجار ستر
مسبل أم بَقِيْ بغير ستار
فقال مالك: علموا أهليكم هذا ونحوه[بهجة المجالس 1/289_290، وانظر الآداب الشرعية 2/17].
5- تتبع عثرات الجار، والفرح بزلاته:
قال قيس بن عاصم المنقري:
لا يَفْطَنون لعيب جارهمُ *** وهم لحفظ جواره فُطْنُ [عيون الأخبار لابن قتيبة 1/286]
6-تنفير الناس من الجار:
ومن ذلك تنفير الناس من بضاعة الجار إن كان التجاور في المتجر
ومن التنفير من الجار صد الإنسان عن الخِطبة من بنات جاره أو أبنائه
7- التعدي على حقوق الجار وممتلكاته:
فمن ذلك إرسال الغنم في مزرعة الجار، وتركها تعيث فيها فسادًا، وربما نفشت فيها ليلاً فأبادت خضراءها.
ومن التعدِّي على حقوق الجار التعدي على حدوده، ومراسيمه، إما بإزالة، أو تغيير.
قال النبي “: ((لعن الله من غيَّر منار الأرض)) رواه مسلم (1978).
ومن ذلك تغيير مجاري السيول، وصرفها عن وجهتها، وحرمان الجار من منافعها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه لا قليل من أذى الجار)) رواه الطبراني في الكبير 23/535، وعنه أبو نعيم في الحلية 10/27، وذكره الهيثمي في المجمع 8/1707، وقال رجال ثقات.
وجاء في حديث المقداد بن الأسود قول النبي صلى الله عليه وسلم: فما تقولون في السرقة ؟ ….. الحديث
8_قلة الاعتداد بتعليم الأولاد حق الجار:
فكثير من الناس لا يربي أولاده على رعاية حق الجار، واحترامه، وترك أذيته.
9- إيذاء الجيران بالجَلَبةِ:
فمن الجيران مَنْ لا يأنف من إيذاء جيرانه بالجلبة، إما برفع الأصوات بالغناء والملاهي، أو برفع الصوت بالشجار بين أهل البيت، أو بلعب الأولاد
10_تأجير من لا يرغب الجيران في إسكانه: كحال من يؤجر العزاب في البيوت الآهلة بالحُرُم، وكحال من يؤجر الفسقة المنحرفين الذين يخشى منهم إفساد أبناء الحي، وكحال من يؤجر المحلات التي تجلب الضرر على الجيران.
قال ابن رجب: =ومذهب أحمد ومالك أن يمنع الجار أن يتصرف في خاص ملكه بما يضر بجاره، فيجب عندهما كفُّ الأذى عن الجار بمنع إحداث الانتفاع المُضِرِّ به، ولو كان المنتفع إنما ينتفع بخاص ملكه.[جامع العلوم والحكم 1/353]
على أنه لا يحسن بالجيران أن يتشددوا فيما لا يحصل فيه أذى، أو فيما يكون قليلاً من الأذى؛ فذلك من حق جارهم عليهم.
ومن الحقوق حق الشفعة
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ” أنه قال: ((من كانت له أرض، فأراد أن يبيعها فليعرضها على جاره)) رواه ابن ماجه 2/388، وصححه الألباني في السلسلة (2358)، وفي صحيح الجامع (6512).
11- خيانة الجار والغدر به:
ومن صور ذلك الإغراء بالجار، والتجسس عليه، والوشاية به عند أعدائه.
قال هُدْبَةُ بن الخَشْرَم:
وإني لا يخاف الغدرَ جاري
ولا يخشى غوائلي الغريبُ [شعر هدبة بن الخشرم ص 65]
ومن صور ذلك تتبع عورات الجار، والنظر إلى محارمه عبر سطح المنزل
قالت عائشة_رضي الله عنها_: =ما تبالي المرأة إذا نزلت بين بيتين من الأنصار صالحين ألا تنزل بين أبويها[عيون الأخبار 3/23].
12- قلة النهوض لحماية الجار:
فمن حق الجار، _أن ينهض لحماية جاره من بلاء ينال به
ولقد مر بنا أن حماية الجار من مفاخر العرب، قال السموأل:
وما ضرنا أنَّا قليلٌ وجارُنا
عزيزٌ وجارُ الأكثرين ذليلُ
لنا جَبَلٌ يحتلُّه من نُجيره
منيعٌ يَردُّ الطرفَ وهو كليل. [شعر السموأل ص 7]
13- قلة الإحسان إلى الجار:
عن ابن عمر_رضي الله عنهما_قال: =لقد أتى علينا زمان_أو قال: حين_وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ثم الآن الدينار والدرهم أحبج إلى أحدنا من أخيه المسلم،سمعت رسول الله ” يقول: =كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة، يقول: يا ربِّ ! هذا أغلق بابه دوني، فمنع معروفه.أخرجه البخاري في الأدب المفرد (111)، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد (81): ((حسن لغيره)).
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من حق الجار أن تبسط له معروفك، وتكف عنه أذاك) الآداب الشرعية 2/18
ولقد كانت العرب تمدح من يحسن إلى جيرانه، وتفخر بالإحسان إلى جيرانها، وتعد ذلك من محامدها ومآثرها.
وقال معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب_وهو مُعوِّدُ الحكماء_يمدح قومه بأنهم لا يغلقون أبوابهم عن جيرانهم، ويذم من يغلق بابه دون جاره، قال:
إذْ بعْضُهُمْ يحمي مراصدَ بيتِه *** عن جارهُ وسبيلُنا موروُد.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن إكرام الجار يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
قال ابن حجر=ثم الأمر بإكرام الجار يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال؛ فقد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية، وقد يكون مستحبًا، ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق. فتح الباري 10/460.
هذا وسيأتي مزيد بيان لصور قلة الإحسان إلى الجار.
14_قلة الحرص على التعرف على الجيران:
فمن الناس من لا يعرف جاره الملاصِقَ، وربما دامت الجيرة سنواتٍ عديدة وهم على هذه الحال، إما تجاهلاً، أو تهاونًا، أو اشتغالاً بالدنيا، وقلة الفراغ للتعرف على الجيران، أو نحو ذلك.
ويكثر هذا في المدن الكبرى، ولا ريب أن هذا الصنيع تفريط وتقصير؛ فمن حق الجار أن تتعرف عليه، وأن تتحبب إليه، وتتودد له.
15_قلة المشاركة العاطفية للجيران:
فمن الناس من لا هَمَّ له إلا خاصة نفسه، وما عدا ذلك لا يعنيه في قليل ولا كثير؛ فَفَرحُ الناس وحزنهم ومشكلاتهم لا تشغل حيِّزًا من تفكيره.
ولقد كان العرب يضربون المثل في حسن الجوار بجار أبي دؤاد، وهو كعب بن مامة، فيقولون في مثلهم السائر: =جار كجار أبي دؤاد .
فإن كعباً كان إذا جاوره رجل فمات وداه، وإن هلك له بعير أو شاة أخلف عليه، فجاءه أبو دؤاد الشاعر مجاورًا له، فكان كعب يفعل به ذلك، فضربت العرب به المثل في حسن الجوار، فقالوا: جار كجار أبي دؤاد.
16- قلة التفقد لأحوال الجيران:
فمن الجيران من هو محتاج، ومنهم من قد ركِبَتْهُ الديون، ومنهم المرضى، ومنهم المطلقات والأرامل.
وكثير من الناس ممن أعطاهم الله بسطة في المال أو الجاه لا يتفقد جيرانه .
17- الغفلة عن تعاهد الجيران بالطعام:
فعن ابن عباس_رضي الله عنهما_عن النبي ” قال: ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع.
بل لقد جاء الوعيد فيمن يصبحون، ومن بينهم جار جائع فعن ابن عمر_رضي الله عنهما_أن النبي ” قال: أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله عز وجل)) رواه مسلم (625)، واحمد 5/149، والبخاري في الأدب المفرد (113)، (114).
18- قلة التهادي بين الجيران:
فالجيران يحصل بينهم- بحكم القرب – ما يحصل من الهفوات والزلات، وما شاكل ذلك، فيحتاجون إلى ما يؤصِّر العلاقة فيما بينهم، وإلى ما يذيب أسباب الفرقة والعداوة.
جاء في صحيح البخاري عن عائشة_رضي الله عنها_قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي ؟ قال: إلى أقربهما منك بابًا. البخاري (2259)، و (2595)، و (6020).
وعائشة أخبرت أن لها جارات من الأنصار وهن نسوة صدق يتعاونون معها في الخير.
19_التكبر عن قبول هدية الجار:
قال النبي “: يا نساء المؤمنات، لا تَحْقِرنَّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسِن شاة. رواه البخاري (6017)، ومسلم (1030) .
والمقصود بالفرسن في الحديث: حافر الشاة .انظر صحيح مسلم بشرح النووي 7/98، 99، والآداب الشرعية 2/20، وفتح الباري 10/9..
ومعنى الحديث: لا تحقرن جارة أن تهدي إلى جارتها شيئًا ولو أن تهدي لها ما لا يُنتفع به في الغالب، وإنما حذف المفعول؛ اكتفاء بشهرة الحديث، ولأن المخاطبين يعرفون المراد منه.انظر فتح الباري 10/459.
قال النووي رحمه الله في هذا الحديث: ومعناه: لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها؛ لاستقلالها واحتقارها الموجودَ عندها، بل تجود بما تيسر وإن كان قليلاً كفرسن شاة
قال القاضي: هذا التأويل في الظاهر، وهو تأويل مالك؛ لإدخاله هذا الحديثَ في باب الترغيب في الصدقة.
قال: ويحتمل أن يكون نهيًا للمعطاة عن الاحتقار.صحيح مسلم بشرح النووي 7/99.
وقال ابن حجر: وقال الكرماني: يحتمل أن يكون النهي للمعطية، ويحتمل أن يكون للمُهدى إليها.
قلت: ولا يتم حمله على المهدى إليها بجعل اللام في قوله: لجارتها بمعنى من، ولا يمتنع حمله على المعنيين. فتح الباري 10/459.
20- منع الجار ما يحتاج إليه عادةً:
فمن التقصير في حق الجار منعه ما يطلبه من نحو النار، والملح، والماء. او الماعون وفيه آية
ومِنْ مَنْعِ الجارِ ما يحتاج إليه مَنْعُهُ من أن يغرز خشبةً أو بناءاً على جداره
قال ابن رجب: =ومذهب الإمام أحمد أن الجار يَلْزمه أن يُمكِّن جارَه من وضع خشبة على جداره إذا احتاج إلى ذلك، ولم يضرَّ بجداره؛ لهذا حديث أبي هريرة.
وظاهر كلامه أنه يجب عليه أن يواسيه من فضل ما عنده بما لا يضر به إذا علم حاجته.جامع العلوم والحكم 1/352.
وقال: ويجب عند أحمد أن يبذل لجاره ما يحتاج إليه ولا ضرر عليه ببذله.جامع العلوم والحكم 1/353.
21- قلة الاهتمام بإعادة المعار من الجيران إليهم:
بل إن من الناس من يستعير ويجحد ما استعاره.
وهذا لا يحسن في حق كل أحد فضلاً عن الجار، ولقد جاء في سبب قطع يد المرأة
المخزومية التي أهَمَّ قريشاً أمْرُها أنها كانت تستعير المتاع وتجحده [انظر: فتح الباري 12/92].
22- قلة المبالاة بدعوة الجار إلى الولائم والمناسبات:
إما نسيانًا، أو تهاونًا، أو نحو ذلك، وهذا الأمر لا يَحْسُن؛ فهو مما يوغر الصدر، ويورث لدى الجار الشكوك في جاره؛ فقد يظن أنه محتقر له، غير مبالٍ به
23- ترك الإجابة لدعوة الجار:
فمن الناس من يدعوه جاره، ويستضيفه مرارًا، ولكنه لا يجيب الدعوة، بل يكثر من الإعتذارات، ومن كان له عذر حقيقي فليبين لجاره .
24- قلة التناصح بين الجيران:
فعن أبي رقية تميم الداري عن النبي ” قال: ((الدين النصيحة ثلاثًا قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم). [رواه مسلم (55)].
وقد يوجد من بينهم من هو متلبس بكثير من المخالفات الشرعية.
ومع ذلك يندر أن تجد من يُعْنى بالنصيحة، ويقْدُرُها قدرها؛ فيقوم بمناصحة جيرانه بالأسلوب الحكيم المناسب.
25- التكبر عن قبول النصيحة، والزراية بالناصح:
فقد توجد النصيحة، وقد يبذلها ناصح مشفق أمين، ومع ذلك لا تجد أفئدة مصغية، ولا آذانًا مصيخة، بل إن هناك من يردها، ويزري بمن أسداها.
بل ربما أساء الظن بالناصح، وناصبه العداء، وأضمر له الشر.
26- قلة التعاون على البر والتقوى:
وهذا الأمر قريب مما قبله، فكثير من الناس لا يتعاون مع جيرانه على البر والتقوى، فلا يأبه بانحراف أبناء الجيران، ولا بشيوع المنكرات في الحي.
وقد يكون من بين الجيران مَنْ هو طالب علم، أو صاحب دعوة، أو آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر.
ومع ذلك لا تحس له وجبةً
ومن التعاون المطلوب تعاونُهم واهتمامهم بحِلَق القرآن الكريم في المساجد، واستضافة العلماء في مسجد الحي
27 – كثرة الخصومة والملاحاة بين الجيران:
فمن الناس من هو كثير الخصومة والملاحاة مع جيرانه، فتراه يتشاجر معهم عند كل صغيرة وكبيرة،
28 – التهاجر والتقاطع بين الجيران عند أدنى سبب:
فهناك من الجيران من يتخاصم مع جيرانه، ولكنه يبقي على حبال المودة، فلا يصرمها البتة.
ولكن هناك من إذا خاصم جاراً أو أحدًا من الناس فجر في الخصومة، فظلم، وتعدّى، وهجر صاحبه، وقاطعه حتى بعد أن تنتهي الخصومة.
29 – قلة الحرص على إصلاح ذات بين الجيران:
اللائق بالجيران أن يَهُبُّوا لإصلاح ذات البين إذا فسدت بين بعضهم، ويعظم هذا الواجب في حق من له جاه ومكانة.
30- العناد وقلة الاستجابة لداعي الصلح:
فقد تبذل الأسباب، ويُسعى في الصلح بين الجيران، ولكن قد يوجد من يتعنت
31 – ترك الإحسان للجار الغريب:
فبعض الناس يَقْصُرُ إحسانه على الجار ذي الرحم، أو الجار البلدي الذي هو من أهل بلده أصلاً.
لكنه لا يحسن إلى الجار الغريب الذي حل عندهم،
قال ابن عبد البر: =تذاكر أهل البصرة من ذوي الآداب والأحساب في أحسن ما قاله المولَّدون في حسن الجوار من غير تعسف ولا تعجرف، فأجمعوا على بيتي أبي الهندي، وهما:
نزلت على آل المهلب شاتياً *** غريباً عن الأوطان في بلد مَحْلِ
فما زال بي إكرامُهم وافتقادهم *** وبرُّهمُ حتى حَسِبْتُهُمُ أهلي
32- ترك الإحسان للجار غير المسلم:
فالأصل ألا يبقى في جزيرة العرب كافر، والأصل ألا يُسْتَقْدَمَ الكفار إلى بلاد المسلمين.
ولكن طالما أنهم قد أتوا، وأن المسلمين قد ابتلوا بهم، فصاروا يعيشون بين ظهرانيهم جيرانًا لهم كان على من جاورهم أن يحسن جوارهم، ما داموا مقيمين على العهد، قال الله_تعالى_: [لاينهاكم اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] (الممتحنة: 8).
وهذا ما فهمه الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص وسبق
وحين وجدوا تلك المعاملة الحسنة والعدل والخلق من المسلمين أحبوا دين الإسلام،
قال ابن أبي جمرة رحمه الله: “ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه، ويبين محاسنه والترغيب فيه برفق”[فتح الباري 10/456].
33- قلة العناية باختيار الجار الصالح:
فالجار الصالح من علامات السعادة، ومن عاجل البشرى، أخرج البخاري في الأدب المفرد، عن نافع ابن الحارث عن النبي ” قال: من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء)) [الأدب المفرد (116)، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد (85): ((صحيح لغيره))].
ومع ذلك تجد كثيرًا من الناس لا يبالي باختيار الجار الصالح، خصوصًا إذا أراد بناء منزل جديد، ومن كلام علي: الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق”[بهجة المجالس 1/291، والآداب الشرعية 2/81].
وأخذه الشاعر فقال:
يقولون قبل الدار جارٌ موافقُ
وقبل الطريقِ النهجِ أُنْسُ رفيقِ
وقال آخر:
اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم
لا تصلح الدارُ حتى يصلحَ الجارُ
34_التفريط بالجار الصالح:
فكما أن هناك من لا يأبه باختيار الجار الصالح، فهناك من لا يبالي بالتفريط بالجار الصالح، فتراه لا يحافظ عليه، ولا يقدر قدره، ولا يظهر له المودة والمحبة، بل ربما أساء إليه بقوله أو فعله، أو بهما جميعًا، ومن هنا يتسبب في رحيله وفراقه.
ومن الناس من يفرط بجاره الصالح بالرحيل عنه، إما رغبة في التغيير، أو طمعاً في تأجير منزله أو بيعه، أو ما شاكل ذلك من الأسباب، متناسياً أو ناسياً جاره الصالح الذي لا يقدر بثمن.
ومن التفريط بالجار الصالح قلة المبالاة به إذا همَّ بالرحيل عن داره الأولى.
باع أبو الجهم العدوي داره بمائة ألف درهم، ثم قال: بكم تشترون جوارَ سعيد
بن العاص؟ قالوا: وهل يشترى جوارٌ قط ؟
قال: ردوا عليَّ داري، وخذوا مالكم؛ لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني، وإن رآني رحَّب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني نائبة فرَّج عني.
فبلغ ذلك سعيدًا، فبعث إليه بمائة ألف درهم. [وفيات الأعيان لابن خلكان 2/235].
35_قلة المراعاة لأقدار الجيران وإنزالهم منازلهم:
فللجار العالم حق، وللعابد حق، وللكبير حق، وللصغير حق، وللعاصي حق، ولليتيم حق، وللأرملة حق، وللغريب حق، وهكذا…
فلهذا حق الإجلال والتوقير، ولهذا حق الرحمة والشفقة، ولهذا حق النصح والملاطفة، ولهذا حق التواصي، وهكذا…
ثم إن من الجيران من يكفيه طلاقة المحيا وابتداء السلام، ومنهم من تكفيه الزيارة الحولية….
37_قلة احتمال الجارِ والصبرِ على أذاه: .
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بألف شفيع [مفتاح دار السعادة لابن القيم 1/177]
وهناك من الناس من يرد الإساءة بأشد منها.
وهذا من التقصير في حق الجار، ومما يوغر الصدور، ويغري العدواة.
قال_تعالى_:[خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ] (الأعراف:199).
38_الإقامة بدار الهوان:
ولا ريب أن جار السوء من البلاء، ومما يُتعوذ منه.
فعن أبي هريرة قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم “: اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقام؛ فإن جار الدنيا يتحول)) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (117)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (86).
ولا ريب_أيضًا_أن الصبر على أذى الجار محمود مُرغَّبٌ فيه إذا لم يترتب عليه هوان أو مذلة، ولم يحصل بسببه ضرر على الإنسان في دينه وعرضه، أو كان الجار ممن يمكن علاجه أو استصلاحه.
أما إذا عز علاج الجار، وترتب على الجوار أن يُهان الإنسان، ويستذل، وخشي الإنسان أن يناله الأذى في دينه وعرضه فإن الحزم والحكمة يقتضيان أن يرحل عن داره، وما زالت وصايا الحكماء تتتابع في ذلك.
والعرب تقول في أمثالها: لا ينفعك من جار سوء توقٍّ.
وتقول: بعت جاري ولم أبع داري.
يقول: إني كنت راغبًا في الدار إلا أن جاري أساء مجاورتي، فبعت الدار من أجله.
قال أبو عبيد: وأخبرني ابن الكلبي أن النعمان بن المنذر سأل الصقعب ابن عمرو النهدي_وكان من حكماء العرب_: ما الداء العياء ؟
قال: جار السوء الذي إن قاولْته بهتك، وإن غِبْتَ عنه سَبَعَك.
قال ابن عبد البر حين رحل من إشبيلية:
وقائلةٍ: ما لي أراك مُرَحِّلاً **** فجاوبت: صبرًا واسمعي القول مجملا
تنكَّر مَنْ كُنَّا نُسَرُّ بقربه *** وعاد زعافا بعد ما كان سلسلا
وحق لجارٍ لم يوافِقْه جاره *** ولا لاءمته الدار أن يترحلا
39_قلة الوفاء للجار بعد الرحيل:
ومن الوفاء له ذكره بالخير، والثناء عليه بعد انقضاء مدة الجوار، خصوصًا إذا كان من المحسنين.
قال النابغة الذبياني:
لا يَبْعَدِ الله جيراناً تَرَكْتُهُمُ *** مثلَ المصابيح تجلو ليلة الظلم
لا يَبْرَمون إذا ما الأفق جلَّلَه *** بردُ الشتاء من الإمحال كالأَدَمِ
ومن المروءة أن تعرض عن ذكر ما تعرف عن جيرانك من السوء بعد أن تفارقهم؛ فذلك من حسن التذمم، وجميل الوفاء. [التقصير في حقوق الجار- الحمد، بتصرف يسير جدًا]
رابعا : تتمات:
1) من أقوال السلف:
1- قال الحسن رحمه الله تعالى: “ليس حُسن الجوار كفّ الأذى، ولكن حسن الجوار احتمال الأذى”[انظر: جامع العلوم والحكم (1/273)].
2- قال بعض العارفين: احفظ حقّ الجوار والجار، وقدّم الأقرب دارًا، وتفقّدهم بما أنعم الله به عليك، فإنّك مسؤول، وادفع عنهم الضّرر، وأردف عليهم الإحسان، وما سمّي جارًا لك إلا لميلك بالإحسان له، ودفع الضرر عنه، وميله لك بذلك، مِن جار إذا مال، إذ الجَور الميل، فمن جعله من الميل إلى الباطل الذي هو الجَور عرفًا فهو كمن يسمّي اللديغ سليمًا في النقيض، وإن كان الجار من أهل الجور أي: الميل إلى الباطل بكفر أو فسق فلا يمنعك ذلك من رعاية حقه[انظر: فيض القدير (3/79)].
3- عن سلمان الفارسي قال: (إن من اقتراب الساعة أن يظهر البناء على وجه الأرض، وأن تقطع الأرحام، وأن يؤذي الجار جاره). [أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (37547)].
4- قال عبيد بن عمير: كان يقال: من حقّ الجار عليك أن تعرفه معروفك، وتكفّ عنه أذاك[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (8323)].
2) قصص ومواقف:
1- عن مجاهد أن عبد الله بن عمرو ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ وسبق
2- اشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبة داره التي في السوق بتسعين ألف درهم، فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد، فقال لأهله: ما لهؤلاء؟ قالوا: يبكون على دارهم، قال: يا غلام، ائتهم فأعلمهم أن الدار والمال لهم جميعًا. [مختصر منهاج القاصدين (ص 203)].
3- باع أبو الجهم العدوي داره بمائة ألف درهم، ثم قال: فبكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟وسبق
4- قسم أسماء بن خارجة قسمًا، فنسي جارًا له، فاستحى أن يعطيه وقد بدّى غيره، فدخل عليه، وصبّ عليه المال صبًا. [سير أعلام النبلاء (3/536)].
5- أراد جار لأبي حمزة السكّري أن يبيع داره، فقيل له: بكم؟ قال: بألفين ثمن الدار، وبألفين جوار أبي حمزة، فوجّه إليه أبو حمزة بأربعة آلاف، وقال: لا تبع دارك.
[سير أعلام النبلاء (7/387) بتصرف].
6- قال ابن الجنيد الدقاق: سئل أحمد بن حنبل عن الوليد بن القاسم الهمداني فقال: ثقة، كتبنا عنه، وكان جارًا ليعلى بن عبيد، فسألت يعلى عنه، فقال: نِعمَ الرجل، هو جارنا منذ خمسين سنة، ما رأينا إلا خيرًا. [سير أعلام النبلاء (9/439)].
7- قال أبو داود السجستاني: إني لأغبط جيران سعيد بن عامر.
[سير أعلام النبلاء (9/386)].
8- روي عن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله أنه كان له جار ذمّي، وكان قد انبثق من كنيفه إلى بيت في دار سهل بثق، فكان سهل يضع كلّ يوم الجفنة تحت ذلك البثق، فيجتمع ما يسقط فيه من كنيف المجوسي، ويطرحه بالليل حيث لا يراه أحد، فمكث رحمه الله على هذه الحال زمانًا طويلاً إلى أن حضرت سهلاً الوفاة، فاستدعى جاره المجوسي، وقال له: ادخل ذلك البيت، وانظر ما فيه، فدخل، فرأى ذلك البثق والقذر يسقط منه في الجفنة، فقال: ما هذا الذي أرى؟ قال سهل: هذا منذ زمان طويل يسقط من دارك إلى هذا البيت، وأنا أتلقّاه بالنهار، وألقيه بالليل، ولولا أنه حضرني أجلي وأنا أخاف أن لا تتّسع أخلاق غيري لذلك وإلا لم أخبرك، فافعل ما ترى، فقال المجوسي: أيها الشيخ، أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمان طويل وأنا مقيم على كفري؟! مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ثم مات سهل رحمه الله. [الكبائر للذهبي (ص 208-209)].
9 – جاءت امرأة إلى الحسن البصري تشكو الحاجة، فقالت: إني جارتك، قال: كم بيني وبينك؟ قال: سبع دور، أو قالت: عشر، فنظر تحت الفراش، فإذا ستّة دراهم أو سبعة، فأعطاها إياها، وقال: كدنا نهلك. [مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (1/104)].
10- كان لبعض جيران مالك بن دينار كلب ضعيف، فكان مالك يخرج له كل يوم طعامًا فيلقيه إليه. [مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (1/104)].
11- كان حسان بن أبي سنان بن ثابت تدخل العنز إلى منزله، فتأخذ الشيء، فإذا طردت، قال لهم: لا تطردوا عنز جاري، دعوها تأخذ حاجتها. [مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (1/104)].
—-
3) أحكام فقهية تخصّ الجوار:
قال ابن رجب رحمه الله: “ومذهب أحمد ومالك أن يمنع الجار أن يتصرف في خاص ملكه بما يضر بجاره، فيجب عندهما كفّ الأذى عن الجار بمنع إحداث الانتفاع المضر به، ولو كان المنتفع إنما ينتفع بخاص ملكه”. [جامع العلوم والحكم (1/271)].
ومن فروع هذه المسألة:
1- ذهب بعض الفقهاء إلى منع الجار من التعلّي في بنائه على جاره إذا أدّى ذلك إلى الإضرار به، وبه قال الحنابلة وبعض متأخري الحنفية وبه قال ابن نافع من المالكية. [انظر: أحكام الجوار (ص 104-108)].
2- ليس للجار الإشراف على دار جاره إن كان ذلك يؤدّي إلى الإضرار به، ككشف داره ورؤية نسائه، وينبغي أن يمنع منه، سواء أكان ذلك من خلال سطحه، أو من خلال الكوى والنوافذ التي في ملكه، وهو قول الإمام وأكثر المالكية، وعليه الفتوى عند متأخري الحنفية، وهو مذهب الحنابلة. [انظر: أحكام الجوار (ص 112 –119)].
ومن الأحكام التي تتعلق بالجوار أيضا:
3- إذا امتدّت أغصان شجر الجار إلى ملك جاره، وانتشرت في هوائه، أو جاوزت جداره، وانتشرت عليه، فطالبه جاره بإزالتها، فإنه يلزم صاحب الأغصان إزالتها إذا طلب الجار ذلك، إما بليها إن أمكنه ذلك، وإما بقطعها، وإليه ذهب معظم الفقهاء.
[انظر: أحكام الجوار (ص 124-125)].
4- وحكم العروق هو حكم الأغصان عند الجماهير. [انظر: أحكام الجوار (126-128)].
5- من الحقوق المالية التي يستحقها الجار: تمكينه من الشفعة في ملك جاره إذا كان بين الجارين حقّ مشترك من حقوق الأملاك من طريق أو ماء أو نحو ذلك، وإلا فلا، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم.
[انظر: أحكام الجوار (ص 204-217)].[ حقوق الجار- المنبر]