٢٦٢٠ فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وعبدالله كديم وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي وحسين البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(٣٨) – “بابُ: تَحْرِيمِ الكِبْرِ”.
[٦٦٥٧] (٢٦٢٠) – (حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأزْدِيُّ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، حَدَّثَنا أبُو إسْحاقَ، عَنْ أبِي مُسْلِمِ الأصغرِّ، أنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وأبِي هُرَيْرَةَ قالا: قالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ-: «العِزُّ إزارُهُ، والكِبْرِياءُ رِداؤُهُ، فَمَن يُنازِعُنِي عَذَّبْتُهُ».
==========
التمهيد:
قال الحافظ النووي رحمه الله في رياض الصالحين :
72- “باب تحريم الكِبْر والإِعجاب
قَالَ الله تَعَالَى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]. وقال تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء:37].
وقال تَعَالَى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18].
وقال تَعَالَى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ إِلَى قَوْله تعالى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:76- 81] الآيات.
1/612- وعن عبدِ اللَّهِ بن مسعُودٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حَسَنًا، ونعلهُ حَسَنَةً؟ قَالَ: إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ رواه مسلم.
2/613- وعنْ سلمةَ بنِ الأَكْوَع رضي الله عنه: أَن رجُلًا أَكَل عِنْدَ رسولِ اللَّه ﷺ بشِمالِهِ، فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ قالَ: لا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: لا اسْتَطَعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الكِبْرُ. قَالَ: فما رَفَعها إِلى فِيهِ. رواه مسلم.
3/614- وعن حَارثَةَ بنِ وَهْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه ﷺ يقولُ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ، جَوَّاظٍ، مُسْتَكْبِرٍ متفقٌ عَلَيْهِ”. انتهى.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله معلقا:
“فهذه الآيات الكريمات والأحاديث كلها تدل على تحريم التَّكبر والخيلاء والعُجب، ؛ لأنه الإنسان ضعيف، ما الذي يدعوه إلى التّكبر والإنسان ضعيف؟! خلقه الله من ضعفٍ، وهو على ضعفٍ، فكيف يتكبر على إخوانه؟! وكيف يستنقصهم؟! وكيف يُعجب بنفسه؟! فالواجب عليه أن يحذر ذلك.
ومعنى بطر الحق: ردّ الحق، وغمط الناس: احتقارهم، هذا هو الكبر، ردّ الحق لأنَّه خالف هواه، واحتقار الناس لأنَّهم ما أتوا على شاكلته وهواه، فيحتقرهم.
وقد تغرُّه نفسه، وقد تغرُّه دنياه، وقد تغرُّه وظيفته، فليحذر.
وحديث سلمة: ( فما رفعها إلى فيه بعد ذلك، ما منعه إلا الكِبْر)
هذا فيه أنَّ العقوبة عُجِّلت، فشُلَّت يده، يقول: لا أستطيع، وهو يكذب”. [الموقع الرسمي لفضيلته].
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
من الأخلاق المذمومة الكِبْر
[1]: تعريف الكِبْر لغة واصطلاحًا
معنى الكِبْر لغةً:
الكِبْر: العَظَمَة والتَّجَبُّر، كالكِبْرِياء، وقد تَكَــبَّرَ واسْتَكْبَرَ وَتَكابَرَ، والتَّكَبُّر والاسْتِكْبار: التَّعَظُّم، والكِبْر بالكسر: اسم من التكبر.
[((تاج العروس)) للزبيدي (14/8)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/523)].
معنى الكِبْر اصطلاحًا:
معنى الكِبْر جاء تعريفه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: ((الكِبْر بطر الحق، وغمط الناس)). [رواه مسلم (91)].
وقال الزَّبيدي: “الكِبْر: حالةٌ يتخصَّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وأن يرى نفسَه أَكْبَر من غيره”. [((تاج العروس)) (14/8)].
وقيل الكِبْر هو: “استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له”. [((تهذيب الأخلاق)) للجاحظ (ص 32)].
قال الغزاليّ –رحمه الله- في «الإحياء»: (اعلم): أن الكِبْر ينقسم إلى باطن
وظاهر، فالباطن هو خُلُق في النفس، والظاهر هو أعمال تصدر عن الجوارح،
واسم الكبر بالخُلق الباطن أحقّ، وأما الأعمال فإنها ثمرات لذلك الخُلق، وخُلق الكبر موجب للأعمال، ولذلك إذا ظهر على الجوارح يقال: تكبّر، وإذا لم يظهر يقال: في نفسه كبر، فالأصل هو الخُلق الذي في النفس، وهو الاسترواح، والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه، فإن الكبر يستدعي متكبَّرًا عليه، ومتكبَّرًا به، وبه ينفصل الكبر عن العجب، فإن العجب لا يستدعي غير المعجَب…
وقد دلّ الكتاب والسُّنَّة، وإجماع العلماء أن الكبر من أرذل أخلاق الإنسان، وهو من الموبقات التيّ تجرّ إلى كثير من الخبائث. انتهى بتصرّف. [«إحياء علوم الدين» ٥/ ١٣٤].
وسيأتي كلام القرطبي رحمه الله.
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٦٥٧] (٢٦٢٠) – (حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأزْدِيُّ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، حَدَّثَنا أبُو إسْحاقَ، عَنْ أبِي مُسْلِمِ الأصغرِّ، أنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وأبِي هُرَيْرَةَ قالا: قالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ-: «العِزُّ إزارُهُ، والكِبْرِياءُ رِداؤُهُ، فَمَن يُنازِعُنِي عَذَّبْتُهُ».
[تنبيه]: قوله: «الأزديّ» بفتح الهمزة: نسبة إلى أزد شنوءة، وهو أزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، قاله في «اللباب». [«اللباب في تهذيب الأنساب» ١/ ٤٦].
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من سُباعيّات المصنّف – رحمه الله -، وهو مسلسل بالكوفيين، سوى شيخه،
فنيسابوريّ، والصحابيين، فمدنيّان، وفيه ثلاثة من التابعيين الكوفيين روى
بعضهم عن بعض: الأعمش عن أبي إسحاق، عن أبي مسلم الأغرّ، وأن
صحابييه كلاهما من المكثرين السبعة.
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي مُسْلِمٍ الأغْرِّ) بالجرّ بدل، أو عَطْف بيان لِما قبله، وهو اسمه.
(أنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أبِيً سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وأبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنها -؛ أنهما (قالا: قالَ
رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: «العِزُّ إزارُهُ، والكِبْرِياءُ رِداؤُهُ، فَمَن يُنازِعُنِي عَذَبْتُهُ») قال
النوويّ – رحمه الله -: هكذا هو في جميع النُّسخ، فالضمير في «إزاره، ورداؤه» يعود إلى الله تعالى؛ للعلم به، وفيه محذوف، تقديره: قال الله تعالى: ومن ينازعني ذلك أعذبه، ومعنى ينازعني يتخلّق بذلك، فيصير في معنى المشارِك، وهذا وعيد شديد في الكِبْر، مصرِّح بتحريمه، وأما تسميته إزارًا، ورداءً، فمجاز، …… انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧٣ – ١٧٤].
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «العزّ إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني
عذّبته» كذا جاء هذا اللفظ في كتاب مسلم مفتتحًا بخطاب الغيبة، ثم خرج إلى
الحضور، وهذا على نحو قوله تعالى: ﴿حَتّى إذا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ [يونس ٢٢] فخرج من خطاب الحضور إلى الغيبة، وهي طريقة عربية معروفة،
وقد جاء هذا الحديث في غير كتاب مسلم: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري،
فمن نازعني واحدًا منهما قصمته، ثم ألقيته في النار». [رواه أبو داود في «سننه» (٤٠٩٠)]،
وأصل الإزار: الثوب الذي يُشدّ على الوسط، والرداء ما يُجعل على الكتفين، ولمّا كان هذان الثوبان يخصّان اللابس بحيث لا يستغني عنهما، ولا يقبلان المشاركة عبّر الله تعالى عن العزّ بالإزار، وعن الكبرياء بالرداء، جملى جهة الاستعارة المستعملة عند العرب، كما قال: ﴿ولِباسُ التَّقْوى﴾ [الأعراف ٢٦]، فاستعار للتقوى لباسًا، . انتهى]، وكما قال:
«البسوا قِناع المخافة، وادّرعوا لباس الخشية»، وهم يقولون: فلان شعاره الزهد والورع، ودثاره التقوى، وهو كثير، ومقصود هذه الاستعارة الحسنة: أن العز، والعظمة، والكبرياء من أوصاف الله تعالى الخاصة به التي لا تنبغي لغيره، فمن تعاطى شيئًا منها أذلّه الله تعالى، وصغّره، وحقّره، وأهلكه، كما قد أظهر الله تعالى من سنّته في المتكبرين السابقين واللاحقين. انتهى. [»المفهم«٦/ ٦٠٦ – ٦٠٧].
قال [الأتيوبي] عفا الله عنه: عندي أن هذا الحديث من أحاديث الصفات التي أمر السلف، أن يؤمَن بها، وتمرّ كما وردت، وهو نظير حديث البخاريّ في «التفسير» عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن النبيّ – ﷺ – قال: «خلق الله الخلق، فلما فرغ منه، قامت الرحم، فاخذت بِحِقْو الرحمن …» الحديث، وقد قال المحقّقون أن الواجب في مثل هذا أن يُمرّ كما جاء، ولا يؤوّل، ولا يمثّل، ولا يُعطّل، قال الشافعيّ – رحمه الله -: آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله – ﷺ -، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.
وقول شيخ الإسلام في «نقض التأسيس» (٣/ ١٢٧): هذا الحديث في الجملة من أحاديث الصفات التي نصّ الأئمة على أنها تُمر كما جاءت، وردّوا على من نفى موجَبه. انتهى. [راجع ما كتبه العلماء على هامش»الفتح«١٠/ ٥٩٥ في تفسير» سورة محمد – ﷺ – “].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “قال الرازي: الوجه التاسع: قال صلى الله عليه وسلم: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري). والعاقل لا يثبت لله تعالى إزارًا ورداء.
فيقال: هذا الحديث في الصحيح رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدًا منهما عذبته) وقد ورد أيضًا: (سبحان من تقمص بالعز، ولاق به) .
وليس ظاهر هذا الحديث أن لله إزارًا ورداء، من جنس الأزر والأردية التي يلبسها الناس، مما يصنع من جلود الأنعام، والثياب كالقطن والكتان؛ بل الحديث نص في نفي هذا المعنى الفاسد، فإنه لو قال عن بعض العباد: إن العظمة إزاره، والكبرياء رداؤه: لكان إخباره بذلك عن العظمة والكبرياء، اللذين ليسا من جنس ما على ظهور الأنعام، ولا من جنس الثياب، ما يبيّن ويظهر أنه ليس المعنى: أن العظمة والكبرياء هما إزار ورداء، بهذا المعنى.
فإذا كان المعنى الفاسد لا يظهر من وصف المخلوق بذلك؛ لأن تركيب اللفظ يمنع ذلك، ويبين المعنى الحق ؛ فكيف يدعي أن هذا المعنى ظاهر اللفظ في حق الله تعالى، الذي يعلم كل مخاطب أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لم يخبر عنه بلبس الأكسية وثياب القطن والكتان ، التي يُحتاج إليها لدفع الحر والبرد، وستر العورة.
وهذا أقبح ممن يزعم أن قوله: “إن خالدًا سيف من سيوف الله ، سلَّه الله على المشركين”: أن ظاهره أن خالدًا من حديد.
وأقبح ممن يزعم أن قوله عن الفرس: “إن وجدناه لبحرًا”: ظاهره أن الفرس ماء كثير، ونظائر هذا كثيرة.
وإذا كان هذا المعنى الفاسد ليس ظاهر الحديث، بل نص الحديث – الذي هو أبلغ من مجرد الظاهر – : ينافيه ؛ كان ما ذكره باطلاً “.
إلى أن قال رحمه الله: ” والكبرياء والعظمة : لا تصلح إلا لله رب العالمين، الرب الخالق الباري الغني الصمد القيوم، دون العبد المخلوق الفقير المحتاج.
والكبرياء فوق العظمة، كما جعل ذلك رداء وهذا إزارًا …
وهما [أي: العظمة والكبرياء] ، مع أنهما لا يصلحان إلا لله : فيمتنع وجود ذاته بدونهما، بحيث لو قدر عدم ذلك، للزم تقدير المحذور الممتنع من النقص والعيب في ذات الله، فكان وجودهما من لوازم ذاته، وكمالها التي لا ينبغي أن تعرى الذات وتتجرد عنها، كما أن العبد لو تجرد عن اللباس، لحصل له من النقص والعيب بحسب حاله، ما يوجب أن يحصل له لباسًا.
وأيضًا: فاللباس يحجب الغير عن المشاهدة لبواطن اللابس، وملامستها؛ وكبرياء الله وعظمته تمنع العباد من إدراك البصر له ، ونحو ذلك، كما في الحديث الصحيح الذي في صحيح مسلم عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جنات الفردوس أربع ، ثنتان من ذهب ، آنيتهما وحليتهما وما فيهما ، وثنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاَّ رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن).
فهذا الرداء الحاجب، الذي قد يكشفه لهم، فينظرون إليه: سماه رداء الكبرياء؛ فكيف ما يمنع من إدراكه وإحاطته؛ أليس هو أحق بأن يكون من صفة الكبرياء”. انتهى [بيان تلبيس الجهمية (6/ 270- 277)].
وقال ابن تيمية مرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” ﻭﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺎﻻﺗﺼﺎﻑ ﻭاﻟﺘﺨﻠﻖ ﻭاﻟﺘﻌﺒﺪ ﺑﻤﺎ ﺃﺣﺐ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎﺩ اﻻﺗﺼﺎﻑ ﺑﻪ ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﻛﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭاﻹﺣﺴﺎﻥ ﻭاﻟﺠﻤﺎﻝ اﻟﺸﺮﻋﻲ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﺣﻖ ﻛﻤﺎ ﺩﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭاﻟﺴﻨﺔ ﺑﺨﻼﻑ اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﻭﻧﺤﻮﻩ ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻌﻈﻤﺔ ﺇﺯاﺭﻱ ﻭاﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﺭﺩاﺋﻲ ﻓﻤﻦ ﻧﺎﺯﻋﻨﻲ ﻭاﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺬﺑﺘﻪ.
ﻭﺻﻔﺎﺕ اﻟﻠﻪ ﻧﻮﻋﺎﻥ:
– ﻧﻮﻉ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻪ ﻛﺎﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﻠﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﻒ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ.
– ﻭﻧﻮﻉ ﻳﺘﺼﻒ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﻣﻨﻪ ﺑﻤﺎ ﻭﻫﺒﻪ ﻟﻬﻢ ﻛﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭاﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻬﺬا ﻭﺇﻥ اﺗﺼﻒ ﺑﻪ اﻟﻌﺒﺪ ﻓﺎﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻛﻔﻮا ﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﻨﺰﻩ ﻋﻦ اﻟﻨﻘﺎﺋﺺ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻭﻣﻨﺰﻩ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻣﺜﻞ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﻛﻤﺎﻟﻪ ﺑﻞ ﻫﻮ ﻣﻮﺻﻮﻑ ﺑﺼﻔﺎﺕ اﻟﻜﻤﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ اﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﻭﻫﻮ ﻣﻨﺰﻩ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺻﻔﺎﺕ اﻟﻨﻘﺺ ﻓﻬﻲ ﻣﻨﺘﻔﻴﺔ ﻋﻨﻪ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﻮﺻﻮﻑ ﺑﺎﻟﻜﻤﺎﻝ اﻟﺬﻱ ﻻ ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻮﻗﻪ ﻣﻨﺰﻩ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺑﻼ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﻭﺗﻨﺰﻳﻪ ﺑﻼ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻧﺜﺒﺖ ﻟﻪ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭاﻟﺼﻔﺎﺕ اﻟﻌﻠﻰ ﻭﻧﻨﻔﻲ ﻋﻨﻪ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻨﻬﺎ.
ﻭﺃﻣﺎ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻭاﻷﻓﻌﺎﻝ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺺ اﻟﻌﺒﺪ ﻛﺎﻟﺬﻝ ﻭاﻟﺨﻮﻑ ﻭاﻟﺮﺟﺎء ﻭاﻟﺘﻀﺮﻉ ﻭاﻻﻓﺘﻘﺎﺭ ﻭاﻟﺴﺆاﻝ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ﻓﻬﺬﻩ ﻭﺇﻥ ﺃﻣﺮ اﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺒﺪ ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻨﺰﻩ ﻋﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻭﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﺃﻣﺮ ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﺤﺴﻦ ﻣﻨﻪ ﻭﻗﺪ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﻟﻢ ﻳﺠﺰ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﺃﻧﺖ ﻗﺪ ﺃﻣﺮﺗﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺄﻧﺖ ﺃﺣﻖ ﺑﻪ ﻣﻨﺎ ﻫﺬا ﺇﺫا ﻛﺎﻥ اﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻮﻍ ﻃﻠﺒﻪ ﻣﻨﻪ ﻛﺎﻹﺣﺴﺎﻥ ﻭاﻟﻌﻔﻮ ﻭاﻟﻤﻐﻔﺮﺓ.
ﻓﺄﻣﺎ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻣﻨﺰﻫﺎ ﻋﻨﻪ ﻛﺎﻹﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﺃﺳﺎء ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻬﺬا ﺧﻄﺄ ﻟﻮﺟﻬﻴﻦ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺎﻝ ﺇﻥ اﻟﻌﺒﺪ ﻳﺤﺴﻦ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻭﻳﺴﻲء ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺎﻝ ﺃﻓﻌﻞ ﻛﺬا ﻷﻧﻚ ﺃﻣﺮﺗﻨﺎ ﺑﻪ ﻭﺃﻧﺖ ﺃﺣﻖ ﺃﻥ ﺗﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﺃﻣﺮﺗﻨﺎ ﺑﻔﻌﻠﻪ ﺑﻞ ﻫﺬا ﻳﻘﻮﻟﻪ اﻷﻛﻔﺎء ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﻛﺎﻹﻧﺴﺎﻥ اﻟﺬﻱ ﻳﺄﻣﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻄﺎﻋﺔ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻓﻬﻮ ﺃﺣﻖ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﺃﻣﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﺗﺄﻣﺮﻭﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﺒﺮ ﻭﺗﻨﺴﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺗﺘﻠﻮﻥ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﺃﻓﻼ ﺗﻌﻘﻠﻮﻥ (44)
[ اﻟﺒﻘﺮﺓ 44]
ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﻓﻲ ﺣﻖ اﻟﻠﻪ ﻓﻬﻮ ﺟﺎﻫﻞ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻑ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻗﺎﻝ ﻭﺇﻥ ﻋﺮﻑ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻭﺃﺻﺮ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻓﺮ.
ﻭﻻ ﺭﻳﺐ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭاﻟﻨﺴﻚ ﻭاﻟﺘﺄﻟﻪ ﻳﻨﺎﺟﻲ اﻟﻠﻪ ﻭﻳﺪﻋﻮﻩ ﺑﺄﻣﻮﺭ ﻣﻨﻜﺮﺓ ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻌﺒﺪﻩ ﺑﻌﺒﺎﺩاﺕ ﻣﺒﺘﺪﻋﺔ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻗﺼﺪﻩ اﻟﺨﻴﺮ ﻭاﺗﺒﺎﻉ اﻟﺴﻨﺔ ﻟﻜﻦ ﻳﻐﻠﻂ ﻟﺠﻬﻠﻪ ﻓﻬﺬا ﻗﺪ ﻳﻐﻔﺮ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻭﻳﺮﺣﻤﻪ ﺑﺤﺴﻦ ﻗﺼﺪﻩ ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻤﺎ ﺃﺧﻄﺄ ﻓﻴﻪ ﻭﻳﺒﻴﻦ ﻟﻪ اﻟﺼﻮاﺏ ﻓﺈﻥ ﺃﺻﺮ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺼﻮاﺏ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ اﻟﺮﺳﻞ ﻗﺘﻞ” .
الرد على الشاذلي ص: ٩٧.
__
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (١٩٠/٥) :
” ﻓﺄﻛﻤﻞ اﻟﺨﻠﻖ، ﻭﺃﻓﻀﻠﻬﻢ، ﻭﺃﻋﻼﻫﻢ، ﻭﺃﻗﺮﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻗﻮاﻫﻢ، ﻭﺃﻫﺪاﻫﻢ: ﺃﺗﻤﻬﻢ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻪ.
ﻭﻫﺬا ﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺩﻳﻦ اﻹﺳﻼﻡ اﻟﺬﻱ ﺃﺭﺳﻞ ﺑﻪ ﺭﺳﻠﻪ، ﻭﺃﻧﺰﻝ ﺑﻪ ﻛﺘﺒﻪ، ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ اﻟﻌﺒﺪ ﻟﻠﻪ ﻻ ﻟﻐﻴﺮﻩ، ﻓﺎﻟﻤﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻪ ﻭﻟﻐﻴﺮﻩ ﻣﺸﺮﻙ، ﻭاﻟﻤﻤﺘﻨﻊ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﺴﻼﻡ ﻟﻪ ﻣﺴﺘﻜﺒﺮ، ﻭﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ: ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -: «ﺃﻥ اﻟﺠﻨﺔ ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺜﻘﺎﻝ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﻛﺒﺮ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ اﻟﻨﺎﺭ ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺜﻘﺎﻝ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻥ» ﻓﺠﻌﻞ اﻟﻜﺒﺮ ﻣﻘﺎﺑﻼ ﻟﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻓﺈﻥ اﻟﻜﺒﺮ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ: ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: «ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻠﻪ: اﻟﻌﻈﻤﺔ ﺇﺯاﺭﻱ ﻭاﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﺭﺩاﺋﻲ، ﻓﻤﻦ ﻧﺎﺯﻋﻨﻲ ﻭاﺣﺪا ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﺬﺑﺘﻪ» ﻓﺎﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭاﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻭاﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﻌﻈﻤﺔ؛ ﻭﻟﻬﺬا ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺮﺩاء، ﻛﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻌﻈﻤﺔ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻹﺯاﺭ.
__________
قال البيهقي في الأسماء والصفات:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ [ص:184] نَازَعَنِي رِدَائِي قَصَمْتُهُ» قَوْلُهُ: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي» يُرِيدُ صِفَتِي يُقَالُ: فُلَانٌ شِعَارُهُ الزُّهْدُ وَرِدَاؤُهُ الْوَرَعُ , أَيْ نَعْتُهُ وَصِفَتُهُ وَمِنْهَا «الرَّبُّ» قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]
قال الإمام أبو يعلى في إبطال التأويلات:
” اعلم أن قوله: ” الكبرياء ردائي والعظمة أزاري ” المراد به أن ذلك صفة من صفاتي، فأنا المختص به دون غيري، فمن نازعني
فِي ذلك بأن تكبر وتعظم عَلَى الناس أدخلته النار، وَهَذَا كَمَا تقول: إن فلانا شعاره ودثاره الزهد والورع، أي صفته ونعته اهـ.
___
تنبيه: قال ابن تيمية:
فصل قال الرازي الخامس قوله ﵇ إن الرحم تتعلق بحقوي الرحمن فيقول سبحانه صلي من وصلك وهذا
٦ / ٢٠٥
لابد فيه من التأويل يقال له بل هذا من الأخبار التي يقره من يقر نظيره والنزاع فيه كالنزاع في نظيره فدعواك أنه لابد فيه من التأويل بلا حجة تخصه لا يصح فإنك إن ذكرت الحجة التي تذكرها على وجوب تأويل خلقه بيديه ووضعه قدمه ونحو ذلك فهذا يحتاج إلى أن يحتج له كما سيأتي وإن كنت هنا ادعيت وجوب التأويل بالإجماع فذكرت هذا وأمثاله فيما لا يشك احد في وجوب تأويله وليس الأمر كذلك قال القاضي أبو يعلى اعلم أنه غير ممتنع حمل هذا الخبر على ظاهره وان الحقو والحُجْزَة صفة ذات لا على وجه الجارحة والبعض وأن الرحم آخذة بها لا على وجه الاتصال والمماسة بل يطلق تسمية ذلك كما أطلقها الشرع ….وهو ظاهر كلام أحمد قال المروذي جاءني كتاب من دمشق فعرضته على أبي عبد الله فنظر فيه وكان فيه أن رجلًا ذكر حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن وكان الرجل تلقاه يعني حديث أبي هريرة فرفع المحدث رأسه فقال أخاف أن تكون كفرت فقال أبو عبد الله هذا جهمي ….
وقول القاضي على غير وجه الاتصال والمماسة وغير ذلك ففيه نزاع يذكر في غير هذا الموضع
ثم نقل تأويل الخطابي للصفة :
فإن قيل فقد ذكر الخطابي وغيره أن هذا الحديث مما يتأول بالاتفاق فقال أبو سليمان الخطابي في كتاب شعار الدين القول في مراتب الصفات أن قومًا من المثبتين للصفات أفرطوا في تحقيقها حتى خرجوا إلى ضرب التشبيه والتمثيل كما أفرط قوم في نفيها حتى صاروا إلى نوع من الإبطال والتعطيل وكلا القولين خطأ وخطل وللحق …. إلى آخر كلامه
قيل هذا الذي ذكره الخطابي ذكره بمبلغ علمه حيث لم يبلغه في حديث الرحم عن أحد من العلماء أنه جعله من أحاديث الصفات التي تمر كما جاءت والخطابي له مرتبة في العلم معروفة ومرتبة أئمة الدين المتبوعين فوق طبقة الخطابي ونحوه وهذه الطريقة التي سلكها في تقسيم الأحاديث إلى الأقسام الثلاثة وما ذكر في الصفات الخبرية هي تشبه طريقة أبي محمد بن كُلاَّب وهي طريقة طوائف كثيرة ممن يقول بالكلام والحديث وغير ذلك وهي طريقة الشعري نَفسِه والبيهقي في آخر أمره وطريقة ابن عقيل في آخر
أمره وجمهور أئمة الحديث وأئمة الفقهاء وأئمة الصوفية طريقهم أكمل من ذلك وأتبع للسنة كما قد بين في مواضع وأما ما ذكره الخطابي من الحاجة إلى تأويل بعض النصوص وكذلك يقول القاضي أبو يعلى وأمثاله فهؤلاء وإن قالوا بذلك فالقاضي قد بين أن التأويل يكون لدلالة نص آخر على خلاف ظاهر النص المؤول والخطابي قد ذكر أن التأويل يكون لدلالة أو ضرورة ومعنى الضرورة أن العلم بالضرورة نفي الظاهر وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن العموم ونحوه من الظواهر إذا علم بالحس أو الضرورة أنه انتفاءُ ظاهرها ففي تسمية ذلك تخصيصًا وصرفًا ونزاع بين الناس لأن ذلك يجري مجرى القرائن المتصلة وهؤلاء المثبتون للصفات التي يسمونها الصفات الخبرية
كاليد والوجه بينهم نزاع في أصلين أحدهما فيما ثبت من ذلك هل هو ما جاء به القرآن أو ما يوافقه من الأخبار أو ما جاء به القرآن والأخبار المتواترة أو ما جاءت به الأخبار الصحيحة أيضًا أو ما جاءت به الأخبار الحسان أو ما جاءت به الآثار ويعنون بإثباتها أنه ليس القول بها ممتنعًا على نزاع لهم في ذلك
والأصل الثاني هل إثبات معاني هذه النصوص على الوجه الذي ذكره الخطابي وهو الذي يقوله ابن كلاب والأشعري وكثير من طوائف أتباع الأئمة ويقوله القاضي أبو يعلى وغيره في كثير من الأحاديث أو أكثرها أو على وجوه أخرى لهم في ذلك أيضًا نزاع وليس هذا موضع تفصيل مقالاتهم ولكن نبهنا على أصله
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ٦/٢٠٥ —
وفي شرح حديث النزول :
فصل
وقد تأول قوم – من المنتسبين إلى السنة والحديث – حديث النزول – وما كان نحوه من النصوص التي فيها فعل الرب اللازم؛ كالإتيان والمجيء، والهبوط ونحو ذلك، ونقلوا في ذلك قولا لمالك، ولأحمد بن حنبل …… ثم خطأ هذا المنسوب لأحمد ومالك ….
ثم بين الشبهه التي دخلت على ابن الجوزي وغيره من الحنابلة حتى وقعوا في التأويل فليراجع
__
وجاء في (فتاوى اللجنة الدائمة) : “س: حديث أبي هريرة مرفوعا عند مسلم: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار.
فكيف ينبغي أن نفهم هذا الحديث ؟ وهل يجوز إضافة (الإزار) و(الرداء) إلى الله مطلقا ؟ وهل يلزم الصيرورة إلى التأويل فيه؟
الجواب: قال الخطابي – رحمه الله تعالى- في شرحه لـ (سنن أبي داود) : معنى الحديث: أن الكبرياء والعظمة صفتان لله سبحانه، اختص بهما لا يشركه أحد فيهما، ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاهما؛ لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل، وضرب الرداء والإزار مثلا في ذلك، يقول- والله أعلم- كما لا يشرك الإنسان في ردائه وإزاره أحد، فكذلك لا يشركني في الكبرياء والعظمة مخلوق. والله أعلم. انتهى كلامه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد العزيز آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى. [فتاوى اللجنة، المجموعة الثانية ” (2/ 399)].
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :
” جاء في الحديث القدسي: “العظمة إزاري والكبرياء ردائي”، هل يستدل بهذا على إثبات صفة الإزار والرداء؟
فأجاب:
” لا، هذا لا يثبت منه صفه الإزار ولا الرداء، وإنما هذا فيه بيان اختصاص الله عز وجل واتصافه بهما، يعني: مثلما أن الإنسان يستعمل الإزار والرداء، فالله عز وجل موصوف بالكبرياء والعظمة وهما إزاره ورداؤه، لكن لا يقال: إن من صفات الله الإزار أو الرداء، وإنما يقال: العظمة والكبرياء إزاره ورداؤه .
وهذا من جنس قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الأنصار: “الأنصار شعار، والناس دثار”، معناه: قربهم منه، والتصاقهم به كالتصاق الشعار بالإنسان، والناس الذين وراءهم مثل الثوب. فالمقصود من ذلك التشبيه، وليس المقصود من ذلك أن الله عز وجل له إزار ورداء، وأن من صفاته الإزار والرداء، وإنما اختص الله عز وجل بالعظمة والكبرياء، وأنه اتصف بهما، وأنه لا يشاركه فيهما أحد . انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في شرح (رياض الصالحين): “فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في التَّحذير من الكبر والإعجاب، وأن الواجب على المؤمن التواضع، هكذا خُلق المؤمن: التواضع، وطيب الكلام: ((ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله)).
يقول جلَّ وعلا في الحديث الصَّحيح: ((العِزُّ إزاري، والكبرياء ردائي، فمَن نازعني واحدًا منهما عذَّبتُه))، فلا يجوز للمؤمن أن يُنازع ربَّه في الكبرياء والعظمة، بل ينبغي له أن يُخَلِّقَ نفسَه بالتواضع، ويُجاهدها بالتواضع، وطيب الكلام، واستصغار النفس، وعدم التَّشبه بالجبَّارين.
وفي الحديث الثاني يقول ﷺ: ((بينما رجلٌ في حُلَّةٍ له، يختال في مِشيتِه، خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة))، هذا فيه الحذر من الكبر والخُيلاء، وأن ذلك من أسباب العقوبات العاجلة، كما جرى لهذا الرجل، ولقارون لما أُعجب بدنياه خسف الله به وبداره الأرض.
فالتّكبر والإعجاب والزهاء بالنفس من أسباب غضب الله عزَّ وجل، ومن أسباب العقوبات العاجلة؛ فالواجب الحذر، والواجب الحرص على التّواضع، وعدم التكبر، وعدم التَّشبه بالمتكبرين، بل يعرف أنه ضعيفٌ، وأنه مسكينٌ، بين حاجةٍ إلى الطعام والشراب، وحاجةٍ إلى البول والغائط، فلماذا يتكبر؟! ينبغي له أن يعرف نفسه وقدره، وأنه ضعيفٌ، وأنه محلّ التواضع والانكسار بين يدي الله جلَّ وعلا.
وهذا يفيد الحذر من كون الإنسان يتساهل في الأمر، فلا يزال يذهب ويُعظم نفسه ويتطاول بنفسه حتى يُكتب في عداد الجبَّارين؛ فيُصيبه ما أصابهم، فينبغي للمؤمن أن يبتعد عن أخلاق الجبَّارين والمتكبرين، وأن يحرص على أخلاق المتواضعين الذين يخافون الله ويرجونه، يقول ﷺ: ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله، فينبغي للمؤمن أن يحذر أخلاق الجبَّارين والمتكبرين، وأن يُعوّد نفسه التواضع، يرجو ثوابَ الله، ويخشى عقابه”.
[انظر: شرح رياض الصالحين للشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله، من شرح حديث: (قال الله عز وجل: العز إزاري والكبرياء ردائي..)، الموقع الرسمي لفضيلته]
وقال ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين:
فالله تعالى يقول: ((العز إزاري والكبرياء ردائي)) وهذا من الأحاديث التي تمر كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتعرض لمعناها بتحريف أو تكييف، وإنما يُقال هكذا قال الله تعالى فيما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فمن نازع الله في عزته وأراد أن يتخذ سلطاناً كسلطان الله، أو نازع الله في كبريائه وتكبر على عباد الله، فإن الله يعذبه، يعذبه على ما صنع ونازع الله تعالى فيما يختص به.
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله فأجاب (من موقعه الرسمي):
السؤال: حديث «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي»؟
الجواب : يثبت كما جاء أن العزة لله؛ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)، فالعزة هذه للمؤمنين القائمين بدين الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهي بعد العزة التي هي لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- والعزة هي القوة والغلبة هذه لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، قال الله -جَلَّ وَعَلاَ- في الحديث القدسي: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي» يعني لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- هاتان صفتانِ لله الكبرياء والرداء نثبتهما لله -عَزَّ وَجَلَّ- ولا نتدخل في تفسيرهما ولا نُشبِهُه برداء المخلوقات وكبرياء المخلوق؛ لأن لله صفات تليق به وللمخلوق صفات تليق به ولا تشابه بينهما إلا من جهة إشتراكهما من جهة اللفظ.
_______________
وقال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله:
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ن وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنَّة عدن ) . رواه البخاري .
الشرح : قوله : ( جنتان ….وجنتان …) هذا كالتفسير لقوله الله جل وعلا : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (الرحمن:46) . ثم قال بعدها : (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) (الرحمن:62) فهذا تفسير للجنتين والجنتين . وفيه إثبات صفة الكبرياء لله جل وعلا .
والرداء والإزار الذي جاء في الحديث الذي رواه مسلم : ( الكبرياء ردائي والعزة إزاري من نازعني واحداً منهما عذبته ) – الرداء والإزار : ما يكون ملابساً للموصوف لا ينفك عنه ويحجب صفته عن الرائي ، فالإزار بالنسبة للإنسان يحجب الصفة يعني بعض الصفات ، والرداء أيضاً يحجب بعض الصفات فلا يتصور من مجي الرداء والإزار لوازم ذلك من أن الإزار لا يكون إلا على حقوين وعلى جنب وأن الرداء كذلك لا يكون إلا على منكبين كما التزمه طائفة من غلاة الحنابلة فأثبتوا عدداً من الصفات بهذه اللوازم هذا باطل حتى من جهة اللغة . فالإزار والرداء هذان اسمان لما يحجب رؤية الرائي إلى صفات المرئي ولهذا هنا قال : ( وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى وجه ربهم إلا رداء الكبرياء ) فدل على أن الكبرياء هو الرداء ، فالذي حجب رؤية الرائين إلى صفة الرب جل وعلا إلى وجهه الكريم هو الرداء ، وكذلك العزة حجبت أن يُرى صفة الرب جل وعلا .
المقصود من ذلك أن هذا هو معنى قوله الرداء هنا وكذلك قوله ( الرداء والإزار ) في غيرها ، وهذا موطن تحتاجه لأن كثيراً من الشراح لم يحسن هذا المقام .
المرجع: المكتبة الشاملة
كتب صالح آل الشيخ
—
وحديث أبي سعيد الخدريّ، وأبي هريرة – رحمه الله – هذا من أفراد المصنّف –رحمه الله-.
وجاء في صحيح مسلم كما في (٤١) – “بابُ تَحْرِيمِ الكِبْرِ، وبَيانِ مَعْناهُ”.
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٢٧٢] (٩١) – عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ – قالَ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ»، قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقّ، وغَمْطُ النّاسِ».
قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله: الكِبْر والكبرياء في اللغة: هو العَظَمَة، يقال فيه: كَبُر الشيء بضمّ الباء، أي عَظُم، فهو كبير وكِبار، فإذا أفرط قيل: كُبّار بالتشديد، وعلى هذا فيكون الكبر والعظمة اسمين لمسمّى واحد، وقد جاء في الحديث ما يُشْعِر بالفرق بينهما، وذلك أن الله تعالى قال: «الكبرياء ردائي، والعَظَمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار» [رواه مسلم (٢٦٢٠)
فقد فرّق بينهما، بأن عبّر عن أحدهما بالإزار، وعن الآخر بالرداء، وهما مختلفان، ويدلّ أيضًا على ذلك قوله: «فمن نازعني واحدًا منهما»، إذ لو كانا واحدًا لقال: فمن نازعنيه، فالصحيح إذن الفرق.
ووجهه أن جهة الكبرياء تستدعي مُتَكَبَّرًا عليه، ولذلك لَمّا فسّر الكبر قال: «الكبر: بَطَرُ الحقّ، وغَمْطُ الناس»، وهو احتقارهم، فذكر المتكبَّر عليه، وهو الحقّ أو الخلق، والعظمة لا تقتضي ذلك، فالمتكبّر يلاحظ ترفّع نفسه على غيره بسبب مزيّة كمالها، فيما يراه، والمعظِّم يلاحظ كمال نفسه من غير ترفّع لها على غيره، وهذا التعظيم هو المعبّر عنه بالعُجْب في حقّنا إذا انضاف إليه نسيانُ منّة الله تعالى علينا فيما خصّنا به من ذلك الكمال.
وإذا تقرّر هذا، فالكبرياء والعظمة من أوصاف كمال الله تعالى، واجبان له؛
و إبليس كبره هو الحامل له على قوله : ﴿أنا خَيْرٌ مِنهُ﴾ [الأعراف ١٢]، وصفة فرعون الحاملة له على قوله : ﴿أنا رَبُّكُمُ الأعْلى﴾ [النازعات ٢٤]، ولا أقبح مما صارا إليه، فلا جَرَمَ كان فرعون وإبليس أشدّ أهل النار عذابًا، نعوذ بالله من الكبر والكفر.
وأما مَن لاحظ من نفسه كمالًا، وكان ذاكرًا فيه منّة الله تعالى عليه به، وأن ذلك من تفضّله تعالى ولطفه، فليس من الكبر المذموم في شيء، ولا من التعاظم المذموم، بل هو اعترافٌ بالنعمة، وشكرٌ على المنّة.
والتحقيق في هذا أن الخلق كلهم قوالِب وأشباحٌ، تَجرِي عليهم أحكام القُدْرة، فمن خصّه الله تعالى بكمال، فذلك الكمال يرجع للمكمّل الجاعل، لا للقالب القابل، ومع ذلك فقد كَمَّل الله الكمالَ بالجزاء، والثناء عليه، كما قد نقص النقص بالذمّ والعقوبة عليه، فهو المُعْطِي، والمُثْنِي، والمُبْلِي، والمُعافِي. فلا حيلة تَعْمَل مع قَهْر، ﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْألُونَ (٢٣)﴾ [الأنبياء ٢٣].
ولَمّا تقرّر أن الكبر يَستدعي متكَبَّرًا عليه، فالمتكبَّرُ عليه إن كان هو الله تعالى، أو رسوله – ﷺ -، أو الحقّ الذي جاء به رسوله، فذلك الكبر كفرٌ، وإن كان غير ذلك، فذلك الكبر معصيةٌ وكبيرة، يُخاف على المتلبّس بها المصرّ عليها أن تُفضي به إلى الكفر، فلا يدخل الجنّة أبدًا، فإن سلم من ذلك، ونَفَذ عليه الوعيد عوقب بالإذلال والصّغار، أو بما شاء الله من عذاب النار، حتى لا يبقى في قلبه من ذلك الكبر مثقال ذرّة، وخُلِّص من خُبْث كبره حتى يصير كالذرّة، فحينئذ يتداركه الله برحمته، ويُخلّصه بإيمانه وبركته، وقد نصّ على هذا المعنى النبيّ – ﷺ – في المحبوسين على الصراط لَمّا قال: «حتى إذا هُذِّبُوا، ونُقّوا، أُذن لهم في دخول الجنّة». [رواه البخاريّ في «صحيحه» (٦٥٣٥)، وأحمد في «مسنده» ٣/ ١٣ و٦٣ و٧٤]، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى [«المفهم» ١/ ٢٨٦ – ٢٨٨].
وقال النوويّ رحمه الله: وأما قوله – ﷺ -: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذَرَّة من كِبْر»، فقد اختُلِف في تأويله، فذكر الخطابيّ فيه وجهين:
[أحدهما]: أن المراد التكبر عن الإيمان، فصاحبه لا يدخل الجنة أصلًا إذا مات عليه.
[والثاني]: أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة، كما قال الله تعالى: ﴿ونَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِن غِلٍّ﴾ [الأعراف ٤٣]، وهذان التأويلان فيهما بُعْدٌ، فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف، وهو الإرتفاع على الناس، واحتقارهم، ودفع الحقّ، فلا ينبغي أن يُحمَل على هذين التأويلين المُخرِجين له عن المطلوب، بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين، أنه لا يدخل الجنة دون مجازاة إن جازاه، وقيل: هذا جزاؤه لو جازاه، وقد يتكرم بأنه لا يجازيه، بل لا بُدّ أن يدخل كلُّ الموحدين الجنة، إمّا أوّلًا وإمّا ثانيًا، بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مُصِرّين عليها، وقيل: لا يدخلها مع المتقين أوّلَ وهْلَة. انتهى [ راجع: «شرح مسلم» ٢/ ٩١].
وسئل شيخ الاسلام ابن تيميّة رحمه الله عن معنى هذا الحديث، فقيل له: قوله – ﷺ -: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر»، هل هذا الحديث مخصوص بالمؤمنين، أم بالكفار؟ فإن قلنا: مخصوص بالمؤمنين، فقولنا ليس بشيء؛ لأن المؤمنين يدخلون الجنة بالإيمان، وإن قلنا: مخصوص بالكافرين، فما فائدة الحديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى بأن لفظ الحديث في «الصحيح»: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان».
فالكبر المباين للإيمان لا يدخل صاحبه الجنة، كما في قوله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾ [غافر ٦٠]، ومن هذا كبر إبليس، وكبر فرعون، وغيرهما ممن كان كبره منافيًا للإيمان، وكذلك كبر اليهود، والذين أخبر الله عنهم بقوله: ﴿أفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ [البقرة ٨٧]، والكبر كله مباين للإيمان الواجب، فمن في قلبه مثقال ذرة من كبر، لا يفعل ما أوجب الله عليه، ويترك ما حَرَّم عليه، بل كبره يوجب له جَحْدَ الحقّ، واحتقار الخلق، وهذا هو الكبر الذي فَسَّره النبيّ – ﷺ – حيث سئل في تمام الحديث، فقيل: يا رسول الله، الرجل يُحِبّ أن يكون ثوبه حَسَنًا، ونعلُهُ حسنًا، فمن الكبر ذاك؟ فقال: «لا، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَرُ الحقّ، وغَمْطُ الناس».
و«بَطَرُ الحقّ»: جحده، ودفعه، و«غَمْطُ الناس»: ازدراؤهم، واحتقارهم، فمن في قلبه مثقال ذرة من هذا، يوجب له أن يَجْحَد الحقّ الذي يَجِب عليه أن يُقِرّ به، وأن يحتقر الناس، فيكون ظالِمًا لهم، مُعتديًا عليهم، فمن كان مُضَيّعًا للحق الواجب ظالِمًا للخلق، لم يكن من أهل الجنة، ولا مُسْتَحِقًّا لها، بل يكون من أهل الوعيد.
فقوله – ﷺ -: «لا يدخل الجنة» متضمن لكونه ليس من أهلها، ولا مستحقًّا لها، لكن إن تاب، أو كانت له حسنات ماحية لذنبه، أو ابتلاه الله بمصائب، كَفَّر بها خطاياه، ونحو ذلك، زالت ثمرة هذا الكبر المانعِ له من الجنة، فيدخلها، أو غَفَرَ الله له بفضل رحمته من ذلك الكبر من نفسه، فلا يدخلها، ومعه شيء من الكبر، ولهذا قال مَن قال في هذا الحديث وغيره: إن المنفيّ هو الدخول المطلق الذي لا يكون معه عذاب، لا الدخول المقيَّد الذي يَحْصُل لمن دخل النار، ثم دخل الجنة، فإنه إذا أُطلق في الحديث: فلانٌ في الجنة، أو فلان من أهل الجنة، كان المفهوم أنه يدخل الجنة، ولا يدخل النار.
فإذا تبين هذا كان معناه: أن من كان في قلبه مثقالُ ذَرَّة من كبر ليس هو من أهل الجنة، ولا يدخلها بلا عذاب، بل هو مُسْتَحِقٌّ للعذاب؛ لكبره، كما يستحقها غيره من أهل الكبائر، ولكن قد يُعَذَّب في النار ما شاء الله، فإنه لا يُخَلَّد في النار أحد من أهل التوحيد، وهذا كقوله – ﷺ -: «لا يدخل الجنة قاطعُ رَحِم»، وقوله: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلكم على شيء، إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»، وأمثال هذا من أحاديث الوعيد، وعلى هذا، فالحديث عامٌّ في الكفار، وفي المسلمين.
وقول القائل:
إن المسلمين يدخلون الجنة بالإسلام، فيقال له: ليس كلُّ المسلمين يدخلون الجنة بلا عذاب، بل أهل الوعيد يدخلون النار، ويمكثون فيها ما شاء الله، مع كونهم ليسوا كفّارًا، فالرجل الذي معه شيء من الإيمان، وله كبائر، قد يدخل النار، ثم يخرج منها إما بشفاعة النبيّ – ﷺ -، وإما بغير ذلك، كما قال – ﷺ -: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»، وكما في «الصحيح» أنه قال: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»، وهكذا الوعيد في قاتل النفس، والزاني وشارب الخمر، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، وغير هؤلاء من أهل الكبائر، فإن هؤلاء، وإن لم يكونوا كفّارًا، لكنهم ليسوا من المستحقين للجنة الموعودين بها بلا عقاب.
ومذهب أهل السنة والجماعة أن فُسّاق أهل الملة ليسوا مخلدين في النار، كما قالت الخوارج، والمعتزلة، وليسوا كاملين في الدين والإيمان والطاعة، بل لهم حسنات وسيئات، يستحقون بهذا العقاب، وبهذا الثواب، وهذا مبسوط في موضعه، والله أعلم. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى. [»مجموع الفتاوى«٧/ ٦٧٧ – ٦٧٩]، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وهو الذي سبق اختيار النوويّ له تبعًا للقاضي عياض، وغيره من المحققين، فتأملّه بإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب.
وقوله: (الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ) مبتدأ وخبره، ومعناه: دفع الحقّ، وإنكاره؛ ترفعًا وتجبرًا [«شرح مسلم» ٢/ ٩٠، و«المفهم» ١/ ٢٨٩]
قال في»النهاية«:»بَطَرُ الحقّ«: هو أن يَجعلْ ما جعله الله حقًّا من توحيده، وعبادته باطلًا، وقيل: هو أن يتجبّر عند الحقّ، فلا يراه حقًّا، وقيل: هو أن يتكبّر عن الحقّ، فلا يقبله. انتهى [«النهاية» ١/ ١٣٥].
(وغَمْطُ النّاسِ») أي احتقارهم.
وقال النوويّ في «شرحه»: هكذا هو في نسخ «صحيح مسلم» رحمه الله، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: لم نرو هذا الحديث عن جميع شيوخنا هنا، وفي البخاريّ إلا بطاء، قال: وبالطاء ذكره أبو داود في «مصنفه»، وذكره أبو عيسى الترمذيّ وغيره «غَمْص» بالصاد، وهما بمعنى واحد، ومعناه: احتقارهم واستصغارهم؛ لما يَرى من رِفْعته عليهم، يقال في الفعل منه: غَمَطَهُ بفتح الميم يَغْمِطه بكسرها، وغَمِطَهُ بكسر الميم يَغْمَطُهُ بفتحها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
فوائد الباب:
١ – (منها): بيان تحريم الكبر، وأنه من الكبائر التي توجب لصاحبها دخول النار، وأنه ينافي الإيمان، ولذا مُنِع من كان عنده مثقال ذرّة من كبر من دخول الجنة، مع أن من كان عنده مثقال حبة خردل من إيمان يدخل الجنة، فعُلِم بهذا أنه مناف للإيمان، وهو وجه إيراد المصنّف له في «كتاب الإيمان».
٢ – (ومنها): بيان فضل الإيمان، وأنه سبب لدخول صاحبه الجنة، وتحريمه على النار.
٣ – (ومنها): بيان زيادة الإيمان ونقصانه.
٤ – (ومنها): بيان أن الله تعالى لا يظلم أحدًا، وإن كان عمله قليلًا، كمثقال ذرّة، أو حبة خردل، كما قال تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ويُؤْتِ مِن لَدُنْهُ أجْرًا عَظِيمًا (٤٠)﴾ [النساء ٤٠].
[انظر: البحر المحيط الثجاج في شرح “بابُ(٣٨): تَحْرِيمِ الكِبْرِ”، و”بابُ(٤١): تَحْرِيمِ الكِبْرِ، وبَيانِ مَعْناهُ” بتصرف].
ثانيًا: ملحقات:
١ – ذم الكِبْر والنهي عنه
أولًا: ذم الكِبْر والنهي عنه في القرآن الكريم
– الكِبْر من أوَّل الذنوب التي عُصي الله تبارك وتعالى بها، قال الله تعالى مبيِّنًا سبب امتناع إبليس عن السجود لآدم: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].
قال الطبري: (وهذا، وإن كان من الله جل ثناؤه خبرًا عن إبليس، فإنه تقريعٌ لضُربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله، والانقيادِ لطاعته فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق). ((جامع البيان)) (1/510).
وقال عوف بن عبد الله للفضل بن المهلب: إنِّي أريد أن أعظك بشيء، إيَّاك والكِبْر، فإنَّه أول ذنب عصى الله به إبليس، ثم قرأ: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} [البقرة: 34].
– والكِبْر سبب رئيس في هلاك الأمم السابقة: فهؤلاء قوم نوح ما منعهم عن قبول الدعوة، والاستماع لنداء الفطرة والإيمان، إلا الكِبْر، فقد قال الله تعالى على لسان نبيِّهم نوح عليه السلام: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح: 7].
وهؤلاء قوم عاد ظنوا بسبب تكبرهم أنَّه لا قوة أشدُّ من قوتهم، فقد قال الله عنهم: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ} [فصلت: 15-16].
وها هي ثمود من بعدهم ينهجون نفس النهج في الاستكبار والتعالي، فيردون دعوة الله عزَّ وجلَّ، ويكذبون نبيه عليه السلام: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ 75 قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 75-76].
وقال الله تعالى عن قوم نبي الله شعيب عليه السلام: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: 88].
أما فرعون فقد ملأ الدنيا كبرًا وعجبًا وخيلاءً، حتى وصل به الحال أن ادَّعى الربوبية والألوهية،
– والكِبْر سبب في الإعراض عن آيات الله والصد عنها، قال الله تبارك وتعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الجاثية: 7-8].
– وهو سبب للصرف عن دين الله، قال الله تبارك وتعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 146].
– وهو سبب لدخول النَّار والخلود فيها، قال الله تبارك وتعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف: 20].
ثانيًا: ذم الكِبْر والنهي عنه في السنة النبوية
– عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرَّة من كبر! …)) رواه مسلم (91).
وقال ابن القيم: (فسر النَّبي الكِبْر بضده فقال: الكِبْر بطر الحق وغمص الناس. فبطر الحق: رده، وجحده، والدفع في صدره، كدفع الصائل. وغمص الناس: احتقارهم، وازدراؤهم. ومتى احتقرهم وازدراهم: دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها). ((مدارج السالكين)) (2/318).
– وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((احتجَّت الجنة والنار، فقالت النَّار: فيَّ الجبَّارون والمتكبرون. وقالت الجنة: فيَّ ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنَّك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنَّك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما عليَّ ملؤها)) رواه مسلم (2846)..
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلِّمهم الله يوم القيامة، ولا يزكِّيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليم: شيخ زان، وملك كذَّاب، وعائلٌ مستكبر) رواه مسلم (107).
يقول ابن تيمية: (فهؤلاء الثلاثة: اشتركوا في هذا الوعيد، واشتركوا في فعل هذه الذنوب مع ضعف دواعيهم؛ فإنَّ داعية الزنا في الشيخ ضعيفة، وكذلك داعية الكذب في الملك ضعيفة؛ لاستغنائه عنه وكذلك داعية الكِبْر في الفقير، فإذا أتوا بهذه الذنوب- مع ضعف الداعي- دلَّ على أنَّ في نفوسهم من الشرِّ الذي يستحقون به من الوعيد ما لا يستحقه غيرهم) ((مجموع الفتاوى)) (18/14).
[٢]: أقوال السلف والعلماء في الكِبْر:
– قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ العبد إذا تواضع لله رفع الله حَكَمَتَه ، وقال له: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه حقير، وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبَّر وعتا وَهَصَه الله إلى الأرض، وقال له: اخسأ خسأكَ الله، فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس حقير، حتى يكون عندهم أحقر من الخنزير) رواه ابن أبي شيبة (7/96) (34461)، وأبو داود في ((الزهد)) (ص 85)، والبيهقي في ((الشعب)) (10/454).
وحكمة الإنسان: مقدم وجهه. انظر ((لسان العرب)) لابن منظور (12/144).
وهصه: كسره ودقه. ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (3/361).
– وعوتب علي رضي الله عنه في لبوسه، فقال: (إن لبوسي هذا أبعد من الكِبْر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم). رواه أحمد في ((فضائل الصحابة)) (1/542) (908).
– وقال الحسن: (إنَّ أقوامًا جعلوا الكِبْر في قلوبهم، والتواضع في ثيابهم، فصاحب الكساء بكسائه أعجب من صاحب المطرف بمطرفه ما لم تفاقروا). ((التواضع والخمول)) لابن أبي الدنيا (ص 90).
– وقال يحيى بن جعدة: (من وضع وجهه لله عزَّ وجلَّ ساجدًا فقد برئ من الكِبْر) ((التواضع والخمول)) لابن أبي الدنيا (ص 262).
– وقال أبو عثمان النيسابوري: (ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه، ثم هذا مظنة لغيره، فينسلخ القلب عن حقيقة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصير فيه من الكِبْر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه، أو يكاد، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (2/120).
– وقال سعد بن أبي وقَّاص لابنه: (يا بني: إيَّاك والكبر، وليكن فيما تستعين به على تركه: علمك بالذي منه كنت، والذي إليه تصير، وكيف الكبر مع النِّطفة التي منها خلقت، والرحم التي منها قذفت، والغذاء الذي به غذيت) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/197).
– ويقول ابن تيمية: (الكبر ينافي حقيقة العبوديَّة، كما ثبت في الصَّحيح: عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((يقول الله: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذَّبته)). فالعظمة والكبرياء من خصائص الرُّبوبيَّة، والكبرياء أعلى من العظمة؛ ولهذا جعلها بمنزلة الرِّداء، كما جعل العظمة بمنزلة الإزار) ((العبودية)) (ص 99).
[٣] من آثار الكِبْر
1- الحرمان من النظر والاعتبار:
أي أنَّ الأثر الأول الذي يتركه التكبر على المسلم إنما هو الحرمان من النظر والاعتبار…، ومن حرم النظر والاعتبار، كانت عاقبته البوار والخسران المبين؛ لأنه سيبقى مقيمًا على عيوبه وأخطائه، غارقًا في أوحاله، حتى تنتهي الحياة.
2- القلق والاضطراب النفسي:
ذلك أن المتكبر يحبُّ إشباعًا لرغبة الترفع والتعالي، أن يحني الناس رؤوسهم له، وأن يكونوا دومًا في ركابه، ولأنَّ أعزة الناس وكرامهم يأبون ذلك، بل ليسوا مستعدين له أصلًا، فإنه يصاب بخيبة أمل، تكون عاقبتها القلق والاضطراب النفسي، هذا فضلًا عن أن اشتغال هذا المتكبر بنفسه يجعله في إعراض تام عن معرفة الله وذكره، وذلك له عواقب أدناها في هذه الدنيا القلق والاضطراب النفسي.
3- الملازمة للعيوب والنقائص:
وذلك أن المتكبر لظنه أنَّه بلغ الكمال في كلِّ شيء لا يفتش في نفسه، حتى يعرف أبعادها ومعالمها، فيصلح ما هو في حاجة منها إلى إصلاح، ولا يقبل كذلك نصحًا أو توجيهًا أو إرشادًا من الآخرين، ومثل هذا يبقى غارقًا في عيوبه ونقائصه، ملازمًا لها إلى أن تنقضي الحياة، ويدخل النار مع الداخلين.
4- الحرمان من الجنة واستحقاق العذاب في النَّار:
وذلك أمر بدهي، فإنَّ من يعتدي على مقام الألوهية، ويظلُّ مقيمًا على عيوبه ورذائله، ستنتهي به الحياة حتمًا، وما حصَّل خيرًا يستحق به ثوابًا أو مكافأة، فيحرم الجنة مؤبدًا أو مؤقتًا.
5- قلة كسب الأنصار بل والفرقة والتمزق، والشعور بالعزلة:
ذلك أنَّ القلوب جُبلت على حبِّ من ألان لها الجانب، وخفض لها الجناح، ونظر إليها من دونٍ لا من علٍ.
6- الحرمان من العون والتأييد الإلهي:
ذلك أنَّ الحقَّ سبحانه مضت سنته أنَّه لا يعطى عونه وتأييده، إلا لمن هضموا نفوسهم، حتى استخرجوا حظَّ الشيطان من نفوسهم، بل حظَّ نفوسهم من نفوسهم، والمتكبرون قوم كبرت نفوسهم، ومن كانت هذه صفته، فلا حق له في عون أو تأييد إلهي.
7- استحقاق غضب الله والتعرض لسخطه.
[٤] حُكم الكِبْر
إن من الكِبْر ما يكون كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، يستحق صاحبه الخلود في النار، ومنه ما يكون صاحبه مرتكبًا لكبيرة من الكبائر يستحق العقوبة، ومع ذلك هو تحت مشيئة الله تبارك وتعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له …
وسبق نقل كلام القرطبي .
(فالذي في قلبه كبر، إمَّا أن يكون كبرًا عن الحق وكراهة له، فهذا كافر مخلد في النار ولا يدخل الجنة، لقول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 9]، ولا يحبط العمل إلا بالكفر لقوله تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة: 217]،
وأمَّا إذا كان كبرًا على الخلق وتعاظمًا على الخلق، لكنه لم يستكبر عن عبادة الله، فهذا لا يدخل الجنة دخولًا كاملًا مطلقًا، لم يسبق بعذاب، بل لابد من عذاب على ما حصل من كبره وعلوائه على الخلق، ثم إذا طهر دخل الجنة). ((شرح رياض الصالحين)) (3/542).
[٥] أقسام الكِبْر
ينقسم الكِبْر إلى ثلاثة أقسام: بعضها أشد من بعض، وإن كانت كلها مذمومة إلى الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والناس جميعًا، وقد ذكر هذه الأقسام ابن حجر الهيتمي فقال: (الكِبْر:
– إمَّا على الله تعالى، وهو أفحش أنواع الكبر. كتكبُّر فرعون ونمرود حيث استنكفا أن يكونا عبدين له تعالى وادَّعيا الرُّبوبيَّة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60]، أَي: صَاغِرِينَ. لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ الْآيَةَ [النساء: 172].
– وإمَّا على رسوله، بأن يمتنع من الانقياد له تكـبُّرًا، جهلًا وعنادًا، كما حكى الله ذلك عن كفَّار مكَّة وغيرهم من الأمم.
– وإمَّا على العباد، بأن يستعظم نفسه، ويحتقر غيره، ويزدريه، فيأبى على الانقياد له، أو يترفَّع عليه، ويأنف من مساواته، وهذا، وإن كان دون الأوَّلين إلَّا أنَّه عظيم إثمه أيضًا؛ لأنَّ الكبرياء والعظمة إنَّما يليقان بالملك القادر القوي المتين، دون العبد العاجز الضَّعيف، فتكبُّره فيه منازعة للَّه في صفة لا تليق إلَّا بجلاله، فهو كعبد أخذ تاج ملك وجلس على سريره، فما أعظم استحقاقه للمقت، وأقرب استعجاله للخزي، ومن ثمَّ قال تعالى كما مرَّ في أحاديث: إنَّ من نازعه العظمة والكبرياء أهلكه، أي لأنَّهما من صفاته الخاصَّة به تعالى). [((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (1/118)].
[٦] مظاهر الكِبْر
هناك مظاهر وسمات تظهر على المتكبر، في صفاته، وحركاته، وسكناته، تدل على ما وصل إليه من الكِبْر والعجب بالنفس، والازدراء للآخرين، ومن ذلك:
– أن يحب قيام الناس له أو بين يديه:
وقد قال علي رضي الله عنه: (من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار، فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام).
وقال أنس رضي الله عنه: (لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما يعلمون من كراهته لذلك)رواه الترمذي (2754)، وأحمد (3/132) (12367). قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال ابن القيم في ((تهذيب السنن)) (14/126)، وصححه الألباني في ((تخريج المشكاة)) (4698).
– أن لا يمشي إلا ومعه غيره يمشي خلفه:
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (لا يزال العبد يزداد من الله بعدًا، ما مشي خلفه). رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (1/132) (394)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (72/276).
وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لا يُعرف من عبيده، إذ كان لا يتميز عنهم في صورة ظاهرة.
ومشى قوم خلف الحسن البصري، فمنعهم وقال: ما يبقي هذا من قلب العبد.
– أن لا يزور غيره وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره في الدين:
روي أن سفيان الثوري قدم الرملة فبعث إليه إبراهيم بن أدهم: أن تعالَ فحدِّثنا. فجاء سفيان، فقيل له: يا أبا إسحاق، تبعث إليه بمثل هذا؟ فقال: أردت أن أنظر كيف تواضعه.
– أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه، إلا أن يجلس بين يديه:
قال ابن وهب: (جلست إلى عبد العزيز بن أبي رواد، فمس فخذي فخذه، فنحيت نفسي عنه، فأخذ ثيابي فجرَّني إلى نفسه، وقال لي: لم تفعلون بي ما تفعلون بالجبابرة؟ وإني لا أعرف رجلًا منكم شرًّا مني.
وقال أنس ((كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلا ينزع يده منها حتى تذهب به حيث تشاء)) رواه البخاري (6072).
– أن يتوقى من مجالسة المرضى والمعلولين ويتحاشى عنهم:
وقد كان صلى الله عليه وسلم يأكل مع الفقراء
– أن لا يتعاطى بيده شغلًا في بيته:
رُوي أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف، وكان يكتب، فكاد السراج يطفأ، فقال الضيف: أقوم إلى المصباح فأصلحه. فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه. قال: أفأنبه الغلام؟ فقال: هي أول نومة نامها. فقام وأخذ البطة، وملأ المصباح زيتًا، فقال الضيف: قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء، وخير الناس من كان عند الله متواضعًا.
– أن لا يأخذ متاعه ويحمله إلى بيته، وهو خلاف عادة المتواضعين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.
وقال علي رضي الله عنه: (لا ينقص الرجل الكامل من كماله، ما حمل من شيء إلى عياله) ذكره أبو طالب المكي في ((قوت القلوب)) (2/388).
وكان أبو عبيدة بن الجراح -وهو أمير- يحمل سطلًا له من خشب إلى الحمام.
والسطل: الدلو. انظر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص 147)
– أن يميز في إجابة الدعوة بين الغني، والفقير:
فتراه يسارع في إجابة دعوة الغني إذا دعاه، ويستنكف من إجابة دعوة الفقير.
[٧] أسباب الكبر
بيان البواعث على التكبر وأسبابه المهيجة له:
الكِبْر الظاهر أسبابه ثلاثة:
1- سبب في المتكبر: وهو العجب، فهو يورث الكِبْر الباطن، والكِبْر يثمر التكبر الظاهر في الأعمال، والأقوال، والأحوال.
2- وسبب في المتكبر عليه: وهو الحقد والحسد، فأما الحقد فإنه يحمل على التكبر من غير عجب، كالذي يتكبر على من يرى أنه مثله، أو فوقه، ولكن قد غضب عليه بسبب سبق منه، فأورثه الغضب حقدًا، ورسخ في قلبه بغضه فهو لذلك لا تطاوعه نفسه أن يتواضع له، وإن كان عنده مستحقًّا للتواضع، فكم من رذل [الرذل: الدون من الناس. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (11/280)] لا تطاوعه نفسه على التواضع لواحد من الأكابر؛ لحقده عليه، أو بغضه له، ويحمله ذلك على ردِّ الحق إذا جاء من جهته، وعلى الأنفة من قبول نصحه، وعلى أن يجتهد في التقدم عليه، وإن علم أنه لا يستحق ذلك، وعلى أن لا يستحله وإن ظلمه، فلا يعتذر إليه وإن جنى عليه، ولا يسأله عما هو جاهل به.
وأما الحسد فإنه أيضًا يوجب البغض للمحسود، وإن لم يكن من جهته إيذاء وسبب يقتضي الغضب والحقد، ويدعو الحسد أيضًا إلى جحد الحق، حتى يمنع من قبول النصيحة وتعلم العلم، فكم من جاهل يشتاق إلى العلم، وقد بقي في رذيلة الجهل؛ لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده أو أقاربه حسدًا وبغيًا عليه، فهو يعرض عنه، ويتكبر عليه، مع معرفته بأنه يستحق التواضع بفضل علمه، ولكن الحسد يبعثه على أن يعامله بأخلاق المتكبرين، وإن كان في باطنه ليس يرى نفسه فوقه.
3- وسبب فيما يتعلق بغيرهما: وهو الرياء، فهو أيضًا يدعو إلى أخلاق المتكبرين حتى إن الرجل ليناظر من يعلم أنه أفضل منه، وليس بينه وبينه معرفة، ولا محاسدة، ولا حقد، ولكن يمتنع من قبول الحق منه، ولا يتواضع له في الاستفادة، خيفة من أن يقول الناس إنه أفضل منه، فيكون باعثه على التكبر عليه الرياء المجرد، ولو خلا معه بنفسه لكان لا يتكبر عليه.
وأما الذي يتكبر بالعجب، أو الحسد، أو الحقد، فإنه يتكبر أيضًا عند الخلوة به، مهما لم يكن معهما ثالث، وكذلك قد ينتمي إلى نسب شريف كاذبًا، وهو يعلم أنه كاذب، ثم يتكبر به على من ليس ينتسب إلى ذلك النسب، ويترفع عليه في المجالس، ويتقدم عليه في الطريق، ولا يرضى بمساواته في الكرامة، والتوقير، وهو عالم باطنًا، بأنَّه لا يستحق ذلك، ولا كبر في باطنه لمعرفته بأنه كاذب في دعوى النسب، ولكن يحمله الرياء على أفعال المتكبرين، وكأنَّ اسم المتكبر إنَّما يطلق في الأكثر على من يفعل هذه الأفعال عن كبر في الباطن، صادر عن العجب والنظر إلى الغير، بعين الاحتقار، وهو إن سمي متكبرًا، فلأجل التشبه بأفعال الكِبْر، فتصير الأسباب بهذا الاعتبار أربعة: العجب، والحقد، والحسد، والرياء.[ ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/353) – بتصرف].
[٨] بماذا يكون التكبر
قال ابن قدامة المقدسي: (في الجملة، فكلُّ ما يمكن أن يُعتقد كمالًا- وإن لم يكن كمالًا- أمكن أن يتكبر به، حتى الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمر والفجور؛ لظنِّه أنَّ ذلك كمال). ((مختصر منهاج القاصدين)) (ص 293) .
وقال الغزالي: (اعلم أنَّه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال، وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي، فالديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار، فهذه سبعة أسباب:
الأول: العلم وما أسرع الكِبْر إلى العلماء… فلا يلبث العالم أن يتعزز بعزة العلم، يستشعر في نفسه جمال العلم وكماله، ويستعظم نفسه ويستحقر الناس، وينظر إليهم نظره إلى البهائم، ويستجهلهم…، هذا فيما يتعلق بالدنيا، أما في أمر الآخرة فتكبره عليهم؛ بأن يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم، فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه، ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم…،
فإن قلت: فما بال بعض الناس يزداد بالعلم كبرًا وأمنًا؟ فاعلم أنَّ لذلك سببين:
أحدهما: أن يكون اشتغاله بما يسمَّى علمًا، وليس علمًا حقيقيًّا، وإنما العلم الحقيقي ما يعرف به العبد ربه، ونفسه، وخطر أمره في لقاء الله، والحجاب منه، وهذا يورث الخشية، والتواضع، دون الكِبْر والأمن، قال الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر: 28].
السبب الثاني: أن يخوض العبد في العلم، وهو خبيث الدخلة، رديء النفس، سيئ الأخلاق.
الثاني: العمل والعبادة، وليس يخلو عن رذيلة العزِّ والكِبْر، واستمالة قلوب الناس الزهاد، والعباد، ويترشح الكِبْر منهم في الدين والدنيا، أما في الدنيا فهو أنهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى منهم بزيارة غيرهم، ويتوقعون قيام الناس بقضاء حوائجهم، وتوقيرهم، والتوسع لهم في المجالس، وذكرهم بالورع، والتقوى، وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ…، وأما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين، ويرى نفسه ناجيًا، وهو الهالك تحقيقًا.
الثالث: التكبر بالحسب والنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب، وإن كان أرفع منه عملًا وعلمًا، وقد يتكبر بعضهم، فيرى أنَّ الناس له أموال وعبيد، ويأنف من مخالطتهم ومجالستهم.
الرابع: التفاخر بالجمال، وذلك أكثر ما يجري بين النساء، ويدعو ذلك إلى التنقص، والثلب، والغيبة، وذكر عيوب الناس.
الخامس: الكِبْر بالمال، وذلك يجري بين الملوك في خزائنهم، وبين التجار في بضائعهم، وبين الدهاقين في أراضيهم، وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم، ومراكبهم، فيستحقر الغني الفقير، ويتكبر عليه.
السادس: الكِبْر بالقوة وشدة البطش، والتكبر به على أهل الضعف.
السابع: التكبر بالأتباع والأنصار، والتلامذة والغلمان، وبالعشيرة، والأقارب، والبنين، ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة بالجنود، وبين العلماء في المكاثرة بالمستفيدين…
فهذه مجامع ما يتكبر به العباد بعضهم على بعض، فيتكبر من يدلي بشيء منه على من لا يدلي به، أو على من يدلي بما هو دونه في اعتقاده، وربما كان مثله أو فوقه عند الله تعالى، كالعالم الذي يتكبر بعلمه على من هو أعلم منه، لظنه أنه هو الأعلم، ولحسن اعتقاده في نفسه). [((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/347-353) بتصرف].
[٩] أشرُّ الكِبْر
يحدثنا الذهبي عن أشرِّ أنواع الكبر فيقول: (وأشرُّ الكِبْر الذي فيه من يتكبر على العباد بعلمه، ويتعاظم في نفسه بفضيلته، فإنَّ هذا لم ينفعه علمه، فإنَّ من طلب العلم للآخرة كسره علمه، وخشع قلبه، واستكانت نفسه، وكان على نفسه بالمرصاد، فلا يفتر عنها، بل يحاسبها كلَّ وقت، ويتفقدها، فإن غفل عنها جمحت عن الطريق المستقيم وأهلكته، ومن طلب العلم للفخر والرياسة، وبطر على المسلمين، وتحامق عليهم، وازدراهم، فهذا من أكبر الكِبْر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). [((الكبائر)) للذهبي (ص 78)].
[١٠] الوسائل المعينة على ترك الكِبْر
1- تذكير النفس بالعواقب والآثار المترتبة على التكبر، سواء كانت عواقب ذاتية، أو متصلة بالعمل الإسلامي، وسواء كانت دنيوية، أو أخروية، فلعل هذا التذكير يحرك النفس من داخلها، ويحملها على أن تتوب، وتتدارك أمرها، قبل ضياع العمر وفوات الأوان.
2- عيادة المرضى، ومشاهدة المحتضرين، وأهل البلاء، وتشييع الجنائز، وزيارة القبور، فلعل ذلك أيضًا يحركه من داخله، ويجعله يرجع إلى ربه بالإخبات، والتواضع.
3- الانسلاخ من صحبة المتكبرين، والارتماء في أحضان المتواضعين المخبتين، فربما تعكس هذه الصحبة بمرور الأيام شعاعها عليه، فيعود له سناؤه، وضياؤه الفطري، كما كان عند ولادته.
4- مجالسة ضعاف الناس وفقرائهم، وذوى العاهات منهم، بل ومؤاكلتهم ومشاربتهم، كما كان يصنع النَّبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، وكثير من السلف، فإن هذا مما يهذب النفس، ويجعلها تقلع عن غيها، وتعود إلى رشدها.
5- التفكر في النفس، وفي الكون، بل وفي كلِّ النعم التي تحيط به، من أعلاه إلى أدناه، مَن مصدر ذلك كله؟ ومَن ممسكه؟ وبأيِّ شيء استحقه العباد؟ وكيف تكون حاله لو سلبت منه نعمة واحدة، فضلًا عن باقي النعم؟ فإن ذلك التفكر لو كانت معه جدِّية، يحرك النفس ويجعلها تشعر بخطر ما هي فيه، إن لم تبادر بالتوبة والرجوع إلى ربها.
6- النظر في سير وأخبار المتكبرين، كيف كانوا؟ وإلى أي شيء صاروا؟ من إبليس والنمرود إلى فرعون، إلى هامان، إلى قارون، إلى أبي جهل، إلى أبي بن خلف، إلى سائر الطغاة والجبارين والمجرمين، في كلِّ العصور والبيئات، فإنَّ ذلك مما يخوِّف النفس، ويحملها على التوبة والإقلاع، خشية أن تصير إلى نفس المصير، وكتاب الله عزَّ وجلَّ، وسنة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وكتب التراجم، والتاريخ، خير ما يُعين على ذلك.
7- حضور مجالس العلم التي يقوم عليها علماء ثقات نابهون، لاسيما مجالس التذكير والتزكية، فإنَّ هذه المجالس لا تزال بالقلوب حتى ترقَّ، وتلين، وتعود إليها الحياة من جديد.
8- حمل النفس على ممارسة بعض الأعمال التي يتأفف منها كثير من الناس ممارسة ذاتية، ما دامت مشروعة، كأن يقوم هذا المتكبر بشراء طعامه، وشرابه، وسائر ما يلزمه بنفسه، ويحرص على حمله، والمشي به بين الناس، حتى لو كان له خادم، على نحو ما كان يصنع النَّبي صلى الله عليه وسلم، وصحبه، والسلف، فإن هذا يساعد كثيرًا في تهذيب النفس، وتأديبها، والرجوع بها إلى سيرتها الأولى الفطرية، بعيدًا عن أي التواء، أو اعوجاج.
9- الاعتذار لمن تعالى وتطاول عليهم بسخرية أو استهزاء، بل ووضع الخدِّ على التراب وإلصاقه به، وتمكينه من القصاص على نحو ما صنع أبو ذر مع بلال، لما عاب عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم تعييره بسواد أمه.
10- إظهار الآخرين بنعمة الله عليهم، وتحدثهم بها- لاسيما أمام المستكبرين- علهم يثوبون إلى رشدهم وصوابهم، ويتوبون ويرجعون إلى ربهم، قبل أن يأتيهم أمر الله.
11- التذكير دومًا بمعايير التفاضل، والتقدم في الإسلام:
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].
((كلكم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان). رواه أبو داود (5116) واللفظ له، والترمذي (3955)، وأحمد (2/361) (8721) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن غريب، وحسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/62)، وصححه ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/247)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (16/300)، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5116).
وجعلان جمع جعل: دابة سوداء من دواب الأرض. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (11/112)
12- المواظبة على الطاعات: فإنها إذا واظب عليها، وكانت متقنة لا يراد بها إلا وجه الله، طهرت النفس من كل الرذائل، بل زكتها.
[١١] أسماء المتكبر والتكبر
أسماء المتكبر: الطاغية، الأشوز، الشمخر، السامد، السمغد، النفَّاخ، أصيد، أسوس، أصور، أزور، العنجهي، الجفاخ، المطاخ، البلخ، الأزوش، النابخة، المصبوع، الغطرس، الغطريس.
أسماء التكبر: التغطرس، التغطرق، التصلف، الزهو، الجمخ، الشمخرة، الغترفة، الغطرفة، الفجس، التفجس، التغترف، التغطرف، البهلكة، التطاول، التبختر هو الشمخ بالأنف، الذيخ، الطرمحانية، الخيلاء، الخيل، الخيلة، المخيلة، الأخيل، العبية، الغطرسة، الصبع، المصبغة. [((معجم أسماء الأشياء المسمى اللطائف في اللغة)) للبابيدي (1/121)].
[١٢] ترتيب أوصاف الكِبْر
يقال: (رَجُل مُعْجَب، ثُمَّ تائِهٌ، ثُمَّ مَزْهُوٌّ، ومَنْخُوٌّ، مِنَ الزَّهْوِ والنَّخْوَةِ، ثُمَّ بِاذِخ مِن البَذَخِ، ثُمَّ أَصْيَدُ، إذا كَانَ لا يلتَفِتُ يَمْنَةً وَيسْرَةً مِنْ كِبْرِهِ، ثُمَّ مُتَغَطْرِف، إذا تَشبَّهَ بالغَطَارِفَةِ كِــبْرًا، ثُمَّ متَغَطْرِس إِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ). [((فقه اللغة)) للثعالبي (ص 110)]. [موسوعة الأخلاق، بتصرف يسير].
13 – كلام نفيس لابن تيمية:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (١٩٠/٥) :
” ﻓﺄﻛﻤﻞ اﻟﺨﻠﻖ، ﻭﺃﻓﻀﻠﻬﻢ، ﻭﺃﻋﻼﻫﻢ، ﻭﺃﻗﺮﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻗﻮاﻫﻢ، ﻭﺃﻫﺪاﻫﻢ: ﺃﺗﻤﻬﻢ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻪ.
ﻭﻫﺬا ﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺩﻳﻦ اﻹﺳﻼﻡ اﻟﺬﻱ ﺃﺭﺳﻞ ﺑﻪ ﺭﺳﻠﻪ، ﻭﺃﻧﺰﻝ ﺑﻪ ﻛﺘﺒﻪ، ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ اﻟﻌﺒﺪ ﻟﻠﻪ ﻻ ﻟﻐﻴﺮﻩ، ﻓﺎﻟﻤﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻪ ﻭﻟﻐﻴﺮﻩ ﻣﺸﺮﻙ، ﻭاﻟﻤﻤﺘﻨﻊ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﺴﻼﻡ ﻟﻪ ﻣﺴﺘﻜﺒﺮ، ﻭﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ: ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -: «ﺃﻥ اﻟﺠﻨﺔ ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺜﻘﺎﻝ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﻛﺒﺮ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ اﻟﻨﺎﺭ ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺜﻘﺎﻝ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻥ» ﻓﺠﻌﻞ اﻟﻜﺒﺮ ﻣﻘﺎﺑﻼ ﻟﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻓﺈﻥ اﻟﻜﺒﺮ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ: ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: «ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻠﻪ: اﻟﻌﻈﻤﺔ ﺇﺯاﺭﻱ ﻭاﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﺭﺩاﺋﻲ، ﻓﻤﻦ ﻧﺎﺯﻋﻨﻲ ﻭاﺣﺪا ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﺬﺑﺘﻪ» ﻓﺎﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭاﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻭاﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﻌﻈﻤﺔ؛ ﻭﻟﻬﺬا ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺮﺩاء، ﻛﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻌﻈﻤﺔ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻹﺯاﺭ.
ﻭﻟﻬﺬا ﻛﺎﻥ ﺷﻌﺎﺭ اﻟﺼﻠﻮاﺕ، ﻭاﻷﺫاﻥ، ﻭاﻷﻋﻴﺎﺩ ﻫﻮ: اﻟﺘﻜﺒﻴﺮ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺴﺘﺤﺒﺎ ﻓﻲ اﻷﻣﻜﻨﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻛﺎﻟﺼﻔﺎ ﻭاﻟﻤﺮﻭﺓ، ﻭﺇﺫا ﻋﻼ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺷﺮﻓﺎ ﺃﻭ ﺭﻛﺐ ﺩاﺑﺔ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ، ﻭﺑﻪ ﻳﻄﻔﺄ اﻟﺤﺮﻳﻖ ﻭﺇﻥ ﻋﻈﻢ، ﻭﻋﻨﺪ اﻷﺫاﻥ ﻳﻬﺮﺏ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ.
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻭﻗﺎﻝ ﺭﺑﻜﻢ اﺩﻋﻮﻧﻲ ﺃﺳﺘﺠﺐ ﻟﻜﻢ ﺇﻥ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻜﺒﺮﻭﻥ ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺩﺗﻲ ﺳﻴﺪﺧﻠﻮﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﺩاﺧﺮﻳﻦ}[ ﻏﺎﻓﺮ: 60] .
ﻭﻛﻞ ﻣﻦ اﺳﺘﻜﺒﺮ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ اﻟﻠﻪ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﺒﺪ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﺈﻥ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﺴﺎﺱ ﻳﺘﺤﺮﻙ ﺑﺎﻹﺭاﺩﺓ.
ﻭﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ: ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: «ﺃﺻﺪﻕ اﻷﺳﻤﺎء ﺣﺎﺭﺙ ﻭﻫﻤﺎﻡ» ﻓﺎﻟﺤﺎﺭﺙ اﻟﻜﺎﺳﺐ اﻟﻔﺎﻋﻞ، ﻭاﻟﻬﻤﺎﻡ ﻓﻌﺎﻝ ﻣﻦ اﻟﻬﻢ، ﻭاﻟﻬﻢ ﺃﻭﻝ اﻹﺭاﺩﺓ، ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻪ ﺇﺭاﺩﺓ ﺩاﺋﻤﺎ، ﻭﻛﻞ ﺇﺭاﺩﺓ ﻓﻼ ﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺮاﺩ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﻼ ﺑﺪ ﻟﻜﻞ ﻋﺒﺪ ﻣﻦ ﻣﺮاﺩ ﻣﺤﺒﻮﺏ ﻫﻮ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺣﺒﻪ ﻭﺇﺭاﺩﺗﻪ.
ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻠﻪ ﻣﻌﺒﻮﺩﻩ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺣﺒﻪ ﻭﺇﺭاﺩﺗﻪ ﺑﻞ اﺳﺘﻜﺒﺮ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ، ﻓﻼ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻣﺮاﺩ ﻣﺤﺒﻮﺏ ﻳﺴﺘﻌﺒﺪﻩ ﻏﻴﺮ اﻟﻠﻪ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻋﺒﺪا ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻤﺮاﺩ اﻟﻤﺤﺒﻮﺏ: ﺇﻣﺎ اﻟﻤﺎﻝ، ﻭﺇﻣﺎ اﻟﺠﺎﻩ، ﻭﺇﻣﺎ اﻟﺼﻮﺭ، ﻭﺇﻣﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﺨﺬﻩ ﺇﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ اﻟﻠﻪ: ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ، ﻭاﻟﻘﻤﺮ، ﻭاﻟﻜﻮاﻛﺐ، ﻭاﻷﻭﺛﺎﻥ، ﻭﻗﺒﻮﺭ اﻷﻧﺒﻴﺎء، ﻭاﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ، ﺃﻭ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭاﻷﻧﺒﻴﺎء، اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺨﺬﻫﻢ ﺃﺭﺑﺎﺑﺎ، ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻋﺒﺪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ اﻟﻠﻪ.
ﻭﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻋﺒﺪا ﻟﻐﻴﺮ اﻟﻠﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺸﺮﻛﺎ، ﻭﻛﻞ ﻣﺴﺘﻜﺒﺮ ﻓﻬﻮ ﻣﺸﺮﻙ، ﻭﻟﻬﺬا ﻛﺎﻥ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ اﻟﺨﻠﻖ اﺳﺘﻜﺒﺎﺭا ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ اﻟﻠﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺸﺮﻛﺎ.
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺭﺳﻠﻨﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﺂﻳﺎﺗﻨﺎ ﻭﺳﻠﻄﺎﻥ ﻣﺒﻴﻦ – ﺇﻟﻰ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻫﺎﻣﺎﻥ ﻭﻗﺎﺭﻭﻥ ﻓﻘﺎﻟﻮا ﺳﺎﺣﺮ ﻛﺬاﺏ} [ ﻏﺎﻓﺮ: 23 – 24]
ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻗﺎﻝ ﻣﻮﺳﻰ ﺇﻧﻲ ﻋﺬﺕ ﺑﺮﺑﻲ ﻭﺭﺑﻜﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺘﻜﺒﺮ ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻴﻮﻡ اﻟﺤﺴﺎﺏ} [ ﻏﺎﻓﺮ: 27]
ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻄﺒﻊ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻗﻠﺐ ﻣﺘﻜﺒﺮ ﺟﺒﺎﺭ} [ ﻏﺎﻓﺮ: 35] .
ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻭﻗﺎﺭﻭﻥ ﻭﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻫﺎﻣﺎﻥ ﻭﻟﻘﺪ ﺟﺎءﻫﻢ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﺎﻟﺒﻴﻨﺎﺕ ﻓﺎﺳﺘﻜﺒﺮﻭا ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﺳﺎﺑﻘﻴﻦ}
[ اﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ: 39]
ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﺇﻥ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻋﻼ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻭﺟﻌﻞ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﺷﻴﻌﺎ ﻳﺴﺘﻀﻌﻒ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺬﺑﺢ ﺃﺑﻨﺎءﻫﻢ ﻭﻳﺴﺘﺤﻴﻲ ﻧﺴﺎءﻫﻢ}
[ اﻟﻘﺼﺺ: 4]
ﻭﻗﺎﻝ: {ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻥ ﻋﺎﻗﺒﺔ اﻟﻤﻔﺴﺪﻳﻦ}
[ اﻟﻨﻤﻞ: 14]
، ﻭﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﺜﻴﺮ.
ﻭﻗﺪ ﻭﺻﻒ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﺑﺎﻟﺸﺮﻙ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻤﻸ ﻣﻦ ﻗﻮﻡ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﺃﺗﺬﺭ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﻗﻮﻣﻪ ﻟﻴﻔﺴﺪﻭا ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻭﻳﺬﺭﻙ ﻭﺁﻟﻬﺘﻚ}
[ اﻷﻋﺮاﻑ: 127]
ﺑﻞ اﻻﺳﺘﻘﺮاء ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﺃﻋﻈﻢ اﺳﺘﻜﺒﺎﺭا ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ اﻟﻠﻪ ﻛﺎﻥ ﺃﻋﻈﻢ ﺇﺷﺮاﻛﺎ ﺑﺎﻟﻠﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﻜﺒﺮ ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ اﻟﻠﻪ اﺯﺩاﺩ ﻓﻘﺮﻩ ﻭﺣﺎﺟﺘﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺮاﺩ اﻟﻤﺤﺒﻮﺏ اﻟﺬﻱ ﻫﻮ اﻟﻤﻘﺼﻮﺩ: ﻣﻘﺼﻮﺩ اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﻘﺼﺪ اﻷﻭﻝ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﺸﺮﻛﺎ ﺑﻤﺎ اﺳﺘﻌﺒﺪﻩ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ.
ﻭﻟﻦ ﻳﺴﺘﻐﻨﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺇﻻ ﺑﺄﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﻣﻮﻻﻩ اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻌﺒﺪ ﺇﻻ ﺇﻳﺎﻩ ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺇﻻ ﺑﻪ، ﻭﻻ ﻳﺘﻮﻛﻞ ﺇﻻ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻻ ﻳﻔﺮﺡ ﺇﻻ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺒﻪ ﻭﻳﺮﺿﺎﻩ، ﻭﻻ ﻳﻜﺮﻩ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﺒﻐﻀﻪ اﻟﺮﺏ ﻭﻳﻜﺮﻫﻪ، ﻭﻻ ﻳﻮاﻟﻲ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻭاﻻﻩ اﻟﻠﻪ، ﻭﻻ ﻳﻌﺎﺩﻱ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻋﺎﺩاﻩ اﻟﻠﻪ، ﻭﻻ ﻳﺤﺐ ﺇﻻ ﻟﻠﻪ، ﻭﻻ ﻳﺒﻐﺾ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﻟﻠﻪ، ﻭﻻ ﻳﻌﻄﻲ ﺇﻻ ﻟﻠﻪ، ﻭﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﺇﻻ ﻟﻠﻪ، ﻓﻜﻠﻤﺎ ﻗﻮﻱ ﺇﺧﻼﺹ ﺩﻳﻨﻪ ﻟﻠﻪ ﻛﻤﻠﺖ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻪ ﻭاﺳﺘﻐﻨﺎﺅﻩ ﻋﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻭﺑﻜﻤﺎﻝ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻪ ﻟﻠﻪ ﻳﺒﺮﺋﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺮ ﻭاﻟﺸﺮﻙ، ﻭاﻟﺸﺮﻙ ﻏﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ، ﻭاﻟﻜﺒﺮ ﻏﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻬﻮﺩ.
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ: {اﺗﺨﺬﻭا ﺃﺣﺒﺎﺭﻫﻢ ﻭﺭﻫﺒﺎﻧﻬﻢ ﺃﺭﺑﺎﺑﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ اﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻤﺴﻴﺢ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻭﻣﺎ ﺃﻣﺮﻭا ﺇﻻ ﻟﻴﻌﺒﺪﻭا ﺇﻟﻬﺎ ﻭاﺣﺪا ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﻫﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻋﻤﺎ ﻳﺸﺮﻛﻮﻥ}
[ اﻟﺘﻮﺑﺔ: 31]
ﻭﻗﺎﻝ ﻓﻲ اﻟﻴﻬﻮﺩ: {ﺃﻓﻜﻠﻤﺎ ﺟﺎءﻛﻢ ﺭﺳﻮﻝ ﺑﻤﺎ ﻻ ﺗﻬﻮﻯ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ اﺳﺘﻜﺒﺮﺗﻢ ﻓﻔﺮﻳﻘﺎ ﻛﺬﺑﺘﻢ ﻭﻓﺮﻳﻘﺎ ﺗﻘﺘﻠﻮﻥ}
[ اﻟﺒﻘﺮﺓ: 87]
ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﺳﺄﺻﺮﻑ ﻋﻦ ﺁﻳﺎﺗﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻜﺒﺮﻭﻥ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﺑﻐﻴﺮ اﻟﺤﻖ ﻭﺇﻥ ﻳﺮﻭا ﻛﻞ ﺁﻳﺔ ﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮا ﺑﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﻳﺮﻭا ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺮﺷﺪ ﻻ ﻳﺘﺨﺬﻭﻩ ﺳﺒﻴﻼ ﻭﺇﻥ ﻳﺮﻭا ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻐﻲ ﻳﺘﺨﺬﻭﻩ ﺳﺒﻴﻼ}
[ اﻷﻋﺮاﻑ: 146]
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ اﻟﻜﺒﺮ ﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺎ ﻟﻠﺸﺮﻙ، ﻭاﻟﺸﺮﻙ ﺿﺪ اﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻫﻮ اﻟﺬﻧﺐ اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻐﻔﺮﻩ اﻟﻠﻪ – ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻐﻔﺮ ﺃﻥ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﻪ ﻭﻳﻐﻔﺮ ﻣﺎ ﺩﻭﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻤﻦ ﻳﺸﺎء ﻭﻣﻦ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻓﻘﺪ اﻓﺘﺮﻯ ﺇﺛﻤﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ}
[ اﻟﻨﺴﺎء: 48]
ﻭﻗﺎﻝ: {ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻐﻔﺮ ﺃﻥ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﻪ ﻭﻳﻐﻔﺮ ﻣﺎ ﺩﻭﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻤﻦ ﻳﺸﺎء ﻭﻣﻦ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻓﻘﺪ ﺿﻞ ﺿﻼﻻ ﺑﻌﻴﺪا}
[ اﻟﻨﺴﺎء: 116]
– ﻛﺎﻥ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﻣﺒﻌﻮﺛﻴﻦ ﺑﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻡ، ﻓﻬﻮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻠﻪ ﻏﻴﺮﻩ، ﻻ ﻣﻦ اﻷﻭﻟﻴﻦ ﻭﻻ ﻣﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ.
ﻗﺎﻝ ﻧﻮﺡ: {ﻓﺈﻥ ﺗﻮﻟﻴﺘﻢ ﻓﻤﺎ ﺳﺄﻟﺘﻜﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﺮ ﺇﻥ ﺃﺟﺮﻱ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻣﺮﺕ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ}
[ ﻳﻮﻧﺲ: 72]
ثم ذكر الآيات
[ اﻟﺒﻘﺮﺓ: 130] [ اﻟﺒﻘﺮﺓ: 131] [ اﻟﺒﻘﺮﺓ: 132]
[ ﻳﻮﺳﻒ: 101] [ ﻳﻮﻧﺲ: 84 – 85] [ اﻟﻤﺎﺋﺪﺓ: 44] [ اﻟﻨﻤﻞ: 44] [ اﻟﻤﺎﺋﺪﺓ: 111] [ ﺁﻝ ﻋﻤﺮاﻥ: 19]
[ ﺁﻝ ﻋﻤﺮاﻥ: 85] [ ﺁﻝ ﻋﻤﺮاﻥ: 83]
ﻓﺬﻛﺮ ﺇﺳﻼﻡ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻃﻮﻋﺎ ﻭﻛﺮﻫﺎ، ﻷﻥ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﺘﻌﺒﺪﺓ ﻟﻪ اﻟﺘﻌﺒﺪ اﻟﻌﺎﻡ، ﺳﻮاء ﺃﻗﺮ اﻟﻤﻘﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻭ ﺃﻧﻜﺮﻩ، ﻭﻫﻢ ﻣﺪﻳﻨﻮﻥ ﻣﺪﺑﺮﻭﻥ، ﻓﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮﻥ ﻟﻪ ﻃﻮﻋﺎ ﻭﻛﺮﻫﺎ.
ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺧﺮﻭﺝ ﻋﻤﺎ ﺷﺎءﻩ ﻭﻗﺪﺭﻩ ﻭﻗﻀﺎﻩ، ﻭﻻ ﺣﻮﻝ ﻭﻻ ﻗﻮﺓ ﺇﻻ ﺑﻪ، ﻭﻫﻮ ﺭﺏ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻭﻣﻠﻴﻜﻬﻢ ﻳﺼﺮﻓﻬﻢ ﻛﻴﻒ ﻳﺸﺎء، ﻭﻫﻮ ﺧﺎﻟﻘﻬﻢ ﻛﻠﻬﻢ ﻭﺑﺎﺭﺋﻬﻢ ﻭﻣﺼﻮﺭﻫﻢ، ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﻮاﻩ ﻓﻬﻮ ﻣﺮﺑﻮﺏ، ﻣﺼﻨﻮﻉ، ﻣﻔﻄﻮﺭ، ﻓﻘﻴﺮ، ﻣﺤﺘﺎﺝ، ﻣﻌﺒﺪ، ﻣﻘﻬﻮﺭ، ﻭﻫﻮ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﻘﻬﺎﺭ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺒﺎﺭﺉ اﻟﻤﺼﻮﺭ.
ﻭﻫﻮ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ ﻣﺎ ﺧﻠﻖ ﺑﺄﺳﺒﺎﺏ، ﻓﻬﻮ ﺧﺎﻟﻖ اﻟﺴﺒﺐ ﻭاﻟﻤﻘﺪﺭ ﻟﻪ، ﻭﻫﻮ ﻣﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﺎﻓﺘﻘﺎﺭ ﻫﺬا، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺳﺒﺐ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﺑﻔﻌﻞ ﻭﻻ ﺩﻓﻊ ﺿﺮﺭ ﺑﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﻓﻬﻮ ﻣﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺳﺒﺐ ﺁﺧﺮ ﻳﻌﺎﻭﻧﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ اﻟﻀﺪ اﻟﺬﻱ ﻳﻌﺎﺭﺿﻪ ﻭﻳﻤﺎﻧﻌﻪ.
ﻭﻫﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺣﺪﻩ اﻟﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﻮاﻩ، ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺷﺮﻳﻚ ﻳﻌﺎﻭﻧﻪ ﻭﻻ ﺿﺪ ﻳﻨﺎﻭﺋﻪ ﻭﻳﻌﺎﺭﺿﻪ.
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻗﻞ ﺃﻓﺮﺃﻳﺘﻢ ﻣﺎ ﺗﺪﻋﻮﻥ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ اﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﺃﺭاﺩﻧﻲ اﻟﻠﻪ ﺑﻀﺮ ﻫﻞ ﻫﻦ ﻛﺎﺷﻔﺎﺕ ﺿﺮﻩ ﺃﻭ ﺃﺭاﺩﻧﻲ ﺑﺮﺣﻤﺔ ﻫﻞ ﻫﻦ ﻣﻤﺴﻜﺎﺕ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻗﻞ ﺣﺴﺒﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺘﻮﻛﻞ اﻟﻤﺘﻮﻛﻠﻮﻥ}
ثم ذكر الآيات الدالة على البراءة من الشرك
[ اﻟﺰﻣﺮ: 38] [ اﻷﻧﻌﺎﻡ: 17] [ اﻷﻧﻌﺎﻡ: 78] [ اﻷﻧﻌﺎﻡ: 79 – 80] [ اﻷﻧﻌﺎﻡ: 82]
ثالثًا: الفتاوى:
س: عدم قبول النَّصيحة هل هو من التَّكبر؟
ج: هذا يختلف: فقد يكون تكبُّرًا، وقد يكون أنها ما ناسبت، فقد ينصح بعض الناس وهو جاهل ما يفهم.
س: ما معنى “المُتَفَيْهِقُون”؟
ج: المتكبِّرون.
س: فقط أم يَتَفَيْهَق بكلامه وإغراب الحديث؟
ج: التَّفيهق هو التَّكبر.
[انظر: الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ].