٢٦١٨ فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وعبدالله كديم وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
٣٦ – بابُ: فَضْلِ إزالَةِ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ.
١٢٧ – (١٩١٤) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: قَرَأْتُ عَلى مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلى أبِي بَكْرٍ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: «بَيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلى الطَّرِيقِ، فَأخَّرَهُ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ».
١٢٨ – (١٩١٤) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقالَ: واللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذا عَنِ المُسْلِمِينَ لا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الجَنَّةَ».
١٢٩ – (١٩١٤) حَدَّثَناهُ أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنا شَيْبانُ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ: «لَقَدْ رَأيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تُؤْذِي النّاسَ».
١٣٠ – (١٩١٤) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ، حَدَّثَنا بَهْزٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أبِي رافِعٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: «إنَّ شَجَرَةً كانَتْ تُؤْذِي المُسْلِمِينَ، فَجاءَ رَجُلٌ فَقَطَعَها، فَدَخَلَ الجَنَّةَ».
١٣١ – (٢٦١٨) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أبانَ بْنِ صَمْعَةَ، حَدَّثَنِي أبُو الوازِعِ، حَدَّثَنِي أبُو بَرْزَةَ، قالَ: قُلْتُ: يا نَبِيَّ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أنْتَفِعُ بِهِ، قالَ: «اعْزِلِ الأذى، عَنْ طَرِيقِ المُسْلِمِينَ».
١٣٢ – (٢٦١٨) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا أبُو بَكْرِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الحَبْحابِ، عَنْ أبِي الوازِعِ الرّاسِبِيِّ، عَنْ أبِي بَرْزَةَ الأسْلَمِيِّ، أنَّ أبا بَرْزَةَ، قالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: يا رَسُولَ اللهِ إنِّي لا أدْرِي، لَعَسى أنْ تَمْضِيَ وأبْقى بَعْدَكَ، فَزَوِّدْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «افْعَلْ كَذا، افْعَلْ كَذا – أبُو بَكْرٍ نَسِيَهُ – وأمِرَّ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ».
==========
التمهيد:
“يقول ﷺ: ((كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة)) [خ].
فإماطة الأذى عن طريق المسلمين صدقة؛ لأنه تسبب في سلامة من يمر به من الأذى فكأنه تصدق على من يمر بحمايته وإبعاد الأذى عنه فحصل له أجر الصدقة.
[فتح المنعم]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(٣٦) – (بابُ: فَضْلِ إزالَةِ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ)
الأول:
[٦٦٤٦] (١٩١٤) (٢) – حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: قَرَأْتُ عَلى مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلى أبِي بَكْرٍ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ -، قالَ: «بَيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلى الطَّرِيقِ، فَأخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ».
من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف -رحمه الله-، وأنه مسلسلٌ بالمدنيين سوى شيخه، فنيسابوريّ، وفيه أبو هريرة – رضي الله عنه -، رأس المكثرين السبعة.
شرح الحديث:
قال القرطبيّ –رحمه الله-: قوله:»فشكر الله له«أي: أظهر لملائكته، أو لمن
شاء من خِلْقه الثناء عليه بما فعل من الإحسان لعبيده، وقد تقدَّم: أن أصل
الشكر: الظهور، ….وأُدخل الجنة، وكلّ ذلك إنما حصل
لذلك الرجل بحسن نيته في تنحيته الأذى، ألا ترى قوله:»والله لأُنَحِّيَنّ هذا
عن المسلمين، لا يؤذيهم«. انتهى [«المفهم» ٦/ ٦٠٣].
بتصرف
(فَغَفَرَ لَهُ) بالبناء للفاعل، وفي رواية لابن حبّان: – أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيادٍ الكَتّانِيُّ بِالأُبُلَّةِ، حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبّاحِ، حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ إلّا غُصْنُ شَوْكٍ كانَ عَلى الطَّرِيقِ كانَ يُؤْذِي النّاسَ، فَعَزَلَهُ فَغُفِرَ لَهُ». (رقم طبعة با وزير: ٥٣٩)، (حب) ٥٣٨ [قال الألباني]: صحيح – «التعليق الرغيب» (٤/ ٣٦).
وفي رواية له: «غُفر لرجل أخذ غُصن شوك عن طريق الناس ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر».
وهو من طريق عَمْرُو بْنُ الحارِثِ أنَّ دَرّاجًا – أبا السَّمْحِ – حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ
في الضعيفة 3961
أخرجه الديلمي (٢/ ٣١٩) عن أبي الشيخ معلقًا، من طريق دراج، عن ابن هبيرة، عن أبي هريرة مرفوعًا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ دراج ضعيف له مناكير.
بينما في
«التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان» (2/ 35):٥٤٠ –
[تعليق الشيخ الألباني]
حسن الإسناد ـ ((الصحيحة)) (٣٣٥٠).»
قال النوويّ –رحمه الله-: وفيه: فضيلة إماطة الأذى عن الطريق، وهو كلُّ مُؤْذٍ،
وهذه الإماطة أدنى شُعَب الإيمان، كما سبق الحديث في ذلك في «كتاب
الإيمان» [«شرح النوويّ» ١٣/ ٦٢]، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
[تنبيه]: هذا الحديث تقدّم في «الإمارة» برقم [٥١/ ٤٩٣٢].
الثاني:
[٦٦٤٧] (…) – حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ – ﷺ -: ((مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقالَ: واللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذا عَنِ المُسْلِمِينَ لا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الجَنَّةَ».
قوله: (واللهِ لأُنَحِّيَنَّ إلخ) من التنحية، وهي الإزالة؛ أي: لأُزيلنّ.
وقوله: (لا ئؤْذِيهِمْ)؛ أي: لئلا يؤذي المسلمين، فالجملة تعليليّة.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام شرحه، وبيان مسائله في الحديث
الماضي، ولله الحمد والمنّة.
الثالث:
[٦٦٤٨] (…) – حَدَّثَناهُ أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنا شَيْبان، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ – قالَ: «لَقَدْ رَأيْت رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ، قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تؤْذِي النّاسَ».
وقوله: (لَقَدْ رَأيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ إلخ)؛ أي: يتنعّم في الجنّة بملاذّها بسبب قطعه الشجرة. [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧١].
وقال القرطبيّ –رحمه الله-: قوله: «يتقلّب في الجنّة»؛ أي: يتقلّب في نعيم
الجنة، وملابسها، وقصورها، وسائر ما أعدّ الله فيها. [«المفهم» ٦/ ٦٠١]. والحديث تقدّم البحث فيه مستوفًى، ولله الحمد والمنّة.
الرابع:
[٦٦٤٩] (…) – حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ، حَدَّثَنا بَهْزٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أبِي رافِعِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ – قالَ: «إنَّ
شَجَرَةً كانَتْ تُؤْذِي المُسْلِمِينَ، فَجاءَ رَجُلٌ، فَقَطَعَها، فَدَخَلَ الجَنَّةَ».
الخامس:
[٦٦٥٠] (٢٦١٨) – (حَدَّثَني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أبانَ بْنِ صَمْعَةَ، حَدَّثَنِي أبُو الوازِعِ، حَدَّثَنِي أبُو بَرْزَةَ، قالَ: قُلْتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أنْتَفِعُ بِهِ، قالَ: «اعْزِلِ الأذى عَنْ طَرِيقِ المُسْلِمِينَ».
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف –رحمه الله-، وأنه مسلسل بالبصريين، سوى شيخه، فبغداديّ، وأن أبا الوازع، وأبا برزة ممن اشتهر بكنيته.
شرح الحديث:
(عَنْ أبانَ بْنِ صَمْعَةَ) الأنصاريّ البصري، قال النوويّ –رحمه الله-: أما أبان فقد
سبق في مقدمة الكتاب أنه يجوز صرفه، وتركه، والصرف أجود، وهو قول الأكثرين، و«صمعة» بصاد مهملة مفتوحة، ثم ميم ساكنة، ثم عين مهملة، قيل:
إن أبانا هذا هو والد عتبة الغلام الزاهد المشهور. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧١].
قال: (حَدَّثَنِي أبُو الوازعِ) جابر بن عمرو الراسبيّ، قال: (حَدَّثَنِي أبُو بَرْزَةَ) نضلة بن عُبيد الأسلميّ – رضي الله عنه – (قالَ: قُلْتُ: يا نَبِي اللهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أنْتَفِعُ بِهِ) وفي الرواية التالية: «قالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ – ﷺ -: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي لا أدْرِي لَعَسى أنْ تَمْضِيَ، وأبْقى بَعْدَكَ، فَزَوِّدْنِي شَيْئًا، يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ». (قالَ) – ﷺ -:
(«اعْزِلِ) بوصل الهمزة، من عَزَلْتُ الشيءَ عن غيره عَزْلًا، من باب ضرب:
نَحَّيته عنه .
(الأذى) بفتحتين: القَذَر .
(عَنْ طَرِيقِ المُسْلِمِينَ») متعلّق بـ «اعزل»؛ أي: أزل عن طريق المسلمين ما يؤذيهم، كشوك، وحجر، فإن تنحية ذلك من شُعَب الإيمان، كما في عِدّة أخبار صحاح وحسان، والأمر للندب، وقد يجب، ونبّه بذلك على طلب إزالة كلّ مؤذٍ، من إنسان، أو حيوان، وفيه تنبيه على فضل فعل ما ينفع المسلمين، أو يزيل ضررهم، وإن كان يسيرًا حقيرًا، ويظهر أن المراد الطريق المسلوك، لا المهجور، وإن مُرّ فيه على ندور.
وخرج بطريق المسلمين طريق أهل الحرب، ونحوهم، فلا يندب عزل الأذى عنها، بل يندب وضعه فيها، ويظهر أنه يُلحق بهم طريق القُطّاع، وإن كانوا مسلمين، حيث اختصت بهم، وقد يشمل الأذى قطّاع الطريق، والظَّلَمَة، لكن ذلك ليس إلا للإمام، والحكام، قاله المناويّ –رحمه الله-. [«فيض القدير» ١/ ٥٦٠].
وحديث أبي برزة الأسلميّ – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنّف – رحمه الله -.
[٦٦٥١] (…) – حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا أبُو بَكْر بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الحَبْحابِ، عَنْ أبِي الوازِعِ الرّاسِبِيِّ، عَنْ أبِي بَرْزَةَ الأسْلَمِيِّ، أنَّ أبا بَرْزَةَ قالَ:
قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ – ﷺ -: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي لا أدْرِي لَعَسى أنْ تَمْضِيَ، وأبْقى بَعْدَكَ، فَزَوِّدْنِي شيئًا، يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: «افْعَلْ كَذا، افْعَلْ كَذا -أبُو بَكْرٍ نَسِيَهُ- وأمِرَّ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ».
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد: أنه من رباعيّات المصنّف – رحمه الله -، كلاحقه.
وقوله: (الرّاسِبِيِّ) بكسر السين المهملة، وبعدها باء موحّدة، وهي نسبة إلى بني راسب، قبيلة معروفة نزلت البصرة، قاله النوويّ – رحمه الله -. [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧١ – ١٧٢].
وقوله: (الأسْلَمِيِّ) بفتح الهمزة: نسبة إلى أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، قاله في «اللباب» [«اللباب في تهذيب الأنساب» ١/ ٥٨].
وقوله: (لَعَسى أنْ تَمْضِيَ) كناية عن موته – ﷺ -.
وقوله: (أبُو بَكْرٍ نَسِيَهُ)؛ يعني: أن أبا بكر بن شعيب نسي الشيء الذي أمر به – ﷺ – أبا برزة، وأتى بالكناية عنه، فكال:»افعل كذا، افعل كذا«.
وقولهْ (وأمِرَّ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ») «أمِرّ» بفتح الهمزة، وكسر الميم،
وتشديد الراء، أمْر من الإمرار؛ أي: أزِل، قال النوويّ – رحمه الله -: هكذا هو في
معظم النُّسخ، وكذا نقله القاضي عن عامّة الرواة بتشديد الراء، ومعناه: أزله،
وفي بعضها: «وأمز» بزاي مخفّفة، وهي بمعنى الأول. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧٢].
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «وأمِرّ الأذى» هكذا روايتى، ورواية عامة
الشيوخ بِراء مشدّدة، من المرور، بمعنى: نَحِّ، وعند الطبريّ: «وأمِز»-بزاي معجمة- من المَيْزِ؛ أي: أزِلْ من الطريق، وميّزه عنه، وعند ابن ماهان: «أخِّره»، وكلّها بمعنى واحد.
وفيه: ما يدلّ على الترغيب في إزالة الأذى، والضرر عن المسلمين، وعلى إرادة الخير لهم، وهذا مقتضى الدِّين، والنصيحة، والمحبّة. انتهى [«المفهم» ٦/ ٦٠٤].
والحديث سبق البحث فيه مستوفًى في الحديث الماضي، ولله الحمد والمنّة.
فوائد الباب:
١ – (منها): بيان فضل إماطة ما يؤذي الناس عن طريقهم، وأن الشخص يؤجر على إماطة الأذى، وكل ما يؤذي الناس في الطريق.
٢ – (ومنها): أن فيه دلالةً على أن من طرح الشوك في الطريق، والحجارة، والكناسة، والمياه المفسدة للطرق، وكل ما يؤذي الناس يُخشى العقوبة عليه في الدنيا والآخرة، ولا شك أن نَزْع الأذى عن الطريق من أعمال البِرّ، وأن أعمال البرّ تكفّر السيئات، وتوجب الغفران، ولا ينبغي للعاقل أن يحقر شيئًا من أعمال البرّ، أما ما كان من شجر فقطعه، وألقاه، وأما ما كان موضوعًا فأماطه، والأصل في هذا كله قوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)﴾ [الزلزلة ٧]، وإماطة الأذى عن الطريق شعبة من شُعَب الإيمان.
٣ – (ومنها): التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين، وأزال عنهم ضررًا، وأن قليل الأجر قد يغفر الله به كثير الذنوب.
٤ – (ومنها): أن فيه إثبات صفة الشكر لله – عز وجل – على ما يليق بجلاله، فهي
كسائر صفاته التي أثبتتها النصوص الصحيحة، من الرضى، والرحمة، والقبول،
والعجب، والمحبّة، وغير ذلك، والله تعالى أعلم.
٥ – (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ –رحمه الله- في الحديث: أن إماطة الأذى عن
الطريق من أعمال البرّ، وأنها توجب الغفران، فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يحتقر شيئًا من أعمال البرّ، فربما غُفر له بأقلّها، وقد قال – ﷺ -: «الإيمان بضع
وسبعون شعبةً، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»[متّفقٌ عليه، وهذا اللفظ لمسلم]، وقال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)﴾ [الزلزلة ٧] البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
6 – (ومنها): أن الجنة مخلوقة.
7 – (ومنها): أن من مقتضى الدِّين، والنصيحة، والمحبّة، وعلى إرادة الخير لهم إزالة الأذى، والضرر عن المسلمين. [«المفهم» ٦/ ٦٠٤].
8 – (ومنها): “بَيانُ تَعدُّدِ أنواعِ الخَيراتِ والطَّاعاتِ التي يَصِحُّ أنْ تَكونَ صَدَقةً مُقدَّمةً للهِ.
9 – (ومنها): بَيانُ فَضلِ اللهِ على عِبادِه بأنْ وَفَّقَهم إلى الأعمالِ ثمَّ أعطاهمُ الأجْرَ عليها”.
10 – من أشد الأذى التغوط في طريق الناس وظلهم ففي «صحيح مسلم» (1/ 226):
٦٨ – (٢٦٩) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ابْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»
(اللعانين) _قال الإمام أبو سليمان الخطابي المراد باللعانين الأمرين الجالبين للعن الحاملين الناس عليه والداعيين إليه وذلك أن من فعلهما شتم ولعن يعني عادة الناس لعنه فلما صارا سببا لذلك أضيف اللعن إليهما (الذي يتخلى في طريق الناس) معناه يتغوط في موضع يمر به الناس (في ظلهم) قال الخطابي وغيره من العلماء المراد بالظل هنا مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلا ومناخا ينزلونه ويقعدون فيه وليس كل ظل يحرم القعود تحته]
11 – لا تستهين ولا تحتقر عمَّال النظافة فكم لهم من الأجور إن هم احتسبوا.
12 – وفيه معنى التواضع والأخوة .
13 – هذه الأجور فيمن يزيل الأذى عن طريق الناس فيدخل في ذلك من يفرج الكروب وكذلك من الطبيب الذي يزيل أذى الأمراض بإذن الله إذا احتسبوا .
14 – في شرح رياض الصالحين لابن عثيمين رحمه الله.
وهذا الحديث دليل على أن من أزال عن المسلمين الأذى فله هذا الثواب العظيم في أمر حسيً، فكيف بالأمر المعنوي؟ هناك بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ أهل شر وبلاء، وأفكار خبيثة، وأخلاق سيئة، يصدون الناس عن دين الله، فإزالة هؤلاء عن طريق المسلمين أفضل بكثير وأعظم أجراً عند الله. فإذا أزيل أذى هؤلاء، إذا كانوا أصحاب أفكار خبيثة سيئة إلحادية، يرد عليها، وتبطل أفكارهم.
فإن لم يجد ذلك شيئاً قطعت أعناقهم، لأن الله يقول في كتابه العزيز: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: 33) .
المهم أن إزالة الأذى عن الطريق، والطريق الحسي، طريق الأقدام، والطريق المعنوي، طريق القلوب، والعمل على إزالة الأذى عن هذا الطريق كله مما يقرب إلى الله. وإزالة الأذى عن طريق القلوب بالرد على الملاحدة وعلى الإمام ، والعمل الصالح أعظم أجراً، وأشد إلحاحاً من إزالة الأذى عن طريق الأقدام. والله الموفق.
15 – قال القاضي عياض رحمه الله في إكمال المعلم:
ذكر مسلم الأحاديث فى الثواب على إماطة الأذى وإزالته عن الطريق كمن قطع شجرة كانت تؤذى، وإزالة غصن شوك، وقد جاء فى الحديث الآخر: أنه من شعب الإيمان . فكل ما أدخل نفعًا على المسلمين أو أزال عنهم ضررًا فهو منه، لكنه كله من النصيحة الواجبة على المسلمين بعضهم لبعض، التى بايع عليها النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه من النصح لكل مسلم، [بنصحه] فى حضرته وغيبته بكل قول وفعل يعود عليه بمنفعة لدينه ودنياه.
16 – قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
قوله باب من أخذ الغصن وما يؤذي الناس في الطريق فرمى به في رواية الكشميهني من أخر بتشديد المعجمة بعدها راء وأورد فيه حديث أبي هريرة في ذلك بلفظ غصن شوك وفي حديث أنس عند أحمد أن شجرةً كانت على طريق الناس تؤذيهم فأتى رجل فعزلها وقد تقدم في أواخر أبواب الأذان مع الكلام عليه وقوله فغفر له وقع في حديث أنس المذكور ولقد رأيته يتقلب في ظلها في الجنة وينظر في هذه الترجمة وفي التي قبلها بثلاثة أبواب وهي إماطة الأذى وكأن تلك أعم من هذه لعدم تقييدها بالطريق وإن تساويا في فضل عموم المزال وفيه أن قليل الخير يحصل به كثير الأجر قال بن المنير إنما ترجم به لئلا يتخيل أن الرمي بالغصن وغيره مما يؤذي تصرف في ملك الغير بغير إذنه فيمتنع فأراد أن يبين أن ذلك لا يمتنع لما فيه من الندب إليه وقد روى مسلم من حديث أبي برزة قال قلت يا رسول الله دلني على عمل أنتفع به قال اعزل الأذى عن طريق المسلمين
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): شعب الإيمان.
1) “مما يدل على كثرة طرق الخير “قوله ﷺ: ((الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة))، وقوله ﷺ: ((بضع وسبعون أو بضع وستون))، ومعنى البضع: كثير من أهل العلم يقولون: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وبعضهم يقول: ما بين الاثنين إلى العشرة، وبعضهم يقول: ما بين الاثني عشر إلى العشرين، وبعضهم يقول غير ذلك، وهنا: بضع وستون معنى ذلك أنه ما بين الثلاثة إلى العشرة، يعني ما بين ذلك من ثلاثة إلى تسعة، أو بضع وسبعون شعبة، والبضع هو الجزء من الشيء.
2) قوله ﷺ: ((فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق))
“شعب الإيمان -أعمال الإيمان- تتفاضل وتتفاوت:
1) قال الله تبارك وتعالى: ((وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبَّ إليّ مما افترضته عليه))، فالفرائض أفضل من النوافل، كما أن الفرائض تتفاوت، وكذلك أيضاً النوافل تتفاوت، فالأعمال الصالحة منها ما هو عظيم جليل كبير كأركان الإسلام، والجهاد في سبيل الله.
2) قال النبي ﷺ: ((لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)). [أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، برقم (2626)].
3) ويقول النبي ﷺ: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)).
[ أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة، برقم (1417)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، برقم (1016)].
4) يُذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها تصدقت بعنبة، وقالت: “كم فيها من مثقال ذرة، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8]”
هو في الموطأ (٢/٩٩٧) بلاغا عن عائشة.
قال «الاستذكار» (8/ 602):
«١٨٨١ – قَالَ مَالِكٌ بَلَغَنِي أَنَّ مِسْكِينًا اسْتَطْعَمَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ يَدَيْهَا عِنَبٌ فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ خُذْ حَبَّةً فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَيَعْجَبُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَتَعْجَبُ كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ»
ذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الدَّارِمِيِّ أَنَّ سَائِلًا أَتَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ طَبَقٌ عَلَيْهِ عِنَبٌ فَأَعْطَاهُ عِنَبَةً فَقَالَ أَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنْهُ قَالَ فِيهَا مَثَاقِيلُ ذَرٍّ كَثِيرَةٌ
وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ فُرُّوخَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ أَتَاهُ سَائِلٌ وَبَيْنَ يَدَيْهِ طَبَقٌ عَلَيْهِ تَمْرٌ فَأَعْطَاهُ تَمْرَةً فَقَبَضَ يَدَهُ فَقَالَ سَعْدٌ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ مِنْهَا مِثْقَالَ الذَّرَّةِ وَالْخَرْدَلَةِ وَكَمْ فِي هَذِهِ مِنْ مَثَاقِيلِ الذَّرَّةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) الزَّلْزَلَةِ ٧ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ
وَمَنِ اعْتَادَ الصَّدَقَةَ تَصَدَّقَ مَرَّةً بِالْكَثِيرِ وَمَرَّةً بِالْيَسِيرِ
أَلَا تَرَى أَنَّ عَائِشَةَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا آثَرَتِ السَّائِلَ بِفِطْرِهَا كُلِّهِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَعْطَتْهُ حَبَّةَ عِنَبٍ
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْهُجَيْمِيِّ لَا تُحَقِّرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا ولو أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي
وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا فِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
الآثار ذكرها مسندة القاسم بن سلام في الأموال
3) الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فإذا أكثر الإنسان من الأعمال الصالحة فهذا زيادة في الإيمان، سواء كانت هذه الأعمال باللسان، أو بالجوارح، أو كانت من أعمال القلوب، كالخوف والرجاء والتوكل والمحبة ونحو ذلك، المقصود أن النبي ﷺ قال: فأفضلها قول لا إله إلا الله، هذه أفضل كلمة، وهي مفتاح الجنة، وهي ما يُدخَل به إلى الإسلام، وهي آخر ما يخرج به من الدنيا، من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وهي أصدق كلمة.
وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وهذا في نظر الناس شيء يسير، وجد شوكة أو وجد قذراً أو أذى فأزاله فهذا من الإيمان”.
(المسألة الثانية): الأمر بالإحسان في الطرقات والنهي عن الأذية فيها
1) حثَّ الإسلامُ على الإحسان، ونهى عن الأذيَّة:
حثَّ الإسلامُ على الإحسان، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 195]، ونهى عن الأذيَّة، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58]، قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: “تَضَمَّنَت… النُّصُوصُ كُلُّهَا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ إِيصَالُ الْأَذَى إِلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ” (يُنظر: جامع العلوم والحكم، ت الأرنؤوط (2/ 282)).
2) إنَّ الإحسان عمل صالح وخُلق من أفضل الأخلاق الإسلامية، أمَّا الأذية فإنَّه خلُق مذموم، يأثم عليه صاحبُه، وأمَّا الأذى فهو: ما يصل إلى الغير مِنْ ضَرَر أو مكروه في نفسه أو بدنه أو ما اكتسبه دنيويًّا أو أخرويا. [انظر: التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 44)].
3) آداب الطريق وضرورة الالتزام بها:
وإنَّ من الأذى ما يؤذي الناسَ في طرقاتهم وأماكن جلوسهم، فتجدون من الناس مَنْ يؤذون غيرَهم عند جلوسهم في الطرقات؛ لعدم إعطائهم حقَّ الطريق الذي بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: ((إيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ))، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: ((فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا))، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: ((غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ)). (أخرجه البخاري برقم (2465)، ومسلم برقم (2121)).
4) صور ذلك:
1- ومن الأذى في الطريق كلُّ شيء يؤذي من النجاسة والقذر، أو مما يُعيق السيرَ، مثل طَفْح ما يُنجِّس البدن والملابس، ومثل أن يعترض الطريق عائق من شجر أو حجر، فالمتعمد لوضع الأذى في الطريق آثِم فَعَلَ محرَّمًا، وأما مَنْ يزيل ذلك الأذى ويجتهد في إزالته، فإنَّه يُؤجَرُ على حُسْن صنيعه، ويَلْقى ثمرةَ عمله الصالح في الآخرة،
2- إنَّ مما يؤذي الناسَ في أماكن الجلوس المناسبة في البريَّة أو الحدائق تلك المخلَّفات المستقذَرَة التي يتركها مَنْ سبَقَهم، فلا يمكن الجلوسُ فيها إلا بتنظيف المكان، فأولئك الذين يتولون تنظيف المكان، فيجلس فيه ويقوم عنه نظيفًا، فإنَّه ينال الثواب الجزيل من الله، بخلاف الذين تركوا أوساخَهم ويتأذِّي مَنْ يأتي بعدَهم، فليستشعر كلُّ مَنْ وقَع في ذلك بعِظَم ما وقع فيه.
3- ومن الأذى في الطريق أن يسقط فيه شيء من الأغراض المحمولة في السيارة؛ مما يكون فيه إيذاء، والأدهى أن يترك ذلك الغرضَ لا ينحيِّه عن الطريق، فتجدون من الناس مَنْ لا يُحسن ربطَ ما يحمله من أغراض في سيارته، فيسقط شيء منها، يؤذي مَنْ خلفَه، وقد يتسبب في حادث .
4- ومن الأذى الشائع أن يقف الانسان في طريق أو مكان عام يراقب المارة ويتكلم عليهم ويضايقهم ويلمزهم ويؤذيهم بكل قبيح.
فرع
النهي عن الإيذاء:
فإن الله عز وجل كما تعبدنا بفعل الطاعات تعبدنا أيضا بحفظ حرمة المسلمين وعدم التعدي عليها بنوع من الأذى.
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب (58) ] .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» . متفق عليه. أي: المسلم الكامل من كف لسانه ويده عن المسلمين، والمهاجر الكامل من ترك المعاصي.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه» . رواه مسلم.
قوله: «وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه» ، أي: يحسن معاملتهم بالبشر، وكف الأذى، وبذل الندى، كما يحب ذلك منهم له.[تطريز رياض الصالحين].
إنَّ تعمُّد الأذى من الأخلاق السيئة، وهو من أسباب سخط الله تعالى، وكذلك فإنَّ المؤذي يُبغضه الناس ويكرهونه وينبذونه؛ لإيذائه لهم، وقد يسبب العداوة والبغضاء والتفرق والشحناء.[فضل إماطة الأذى عن الطريق، بتصرف يسير]