٢٥٩٢ الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي ، وعبدالله المشجري، والكربي
ومجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وخميس العميمي وآخرين.
وشارك الاخ نورس
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
صحيح مسلم، باب فضل الرفق
٧٤ – (٢٥٩٢) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنِي يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنا مَنصُورٌ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
٧٥ – (٢٥٩٢) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قالُوا: حَدَّثَنا وكِيعٌ، ح وحَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، ح وحَدَّثَنا أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنا حَفْصٌ يَعْنِي ابْنَ غِياثٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الأعْمَشِ، ح وحَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – واللَّفْظُ لَهُما قالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنا وقالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا – جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ العَبْسِيِّ، قالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
٧٦ – (٢٥٩٢) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي إسْماعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، قالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن حُرِمَ الرِّفْقَ، حُرِمَ الخَيْرَ أوْ مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
٧٧ – (٢٥٩٣) حَدَّثَنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى التُّجِيبِيُّ، أخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الهادِ، عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ يَعْنِي بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «يا عائِشَةُ» إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي عَلى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي عَلى العُنْفِ، وما لا يُعْطِي عَلى ما سِواهُ “.
٧٨ – (٢٥٩٤) حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ المِقْدامِ وهُوَ ابْنُ شُرَيْحِ بْنِ هانِئٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ: «إنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إلّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيْءٍ إلّا شانَهُ»
٧٩ – (٢٥٩٤) حَدَّثَناهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ المِقْدامَ بْنَ شُرَيْحِ بْنِ هانِئٍ، بِهَذا الإسْنادِ، وزادَ فِي الحَدِيثِ: رَكِبَتْ عائِشَةُ بَعِيرًا، فَكانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ، فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ ﷺ «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ» ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ
==========
التمهيد: “الرفق واللين يطوع المشكلات ويحل العقد ويتغلب على العقبات وهو وسيلة ناجحة بكل المقاييس للوصول إلى النتائج الأفضل والأحسن بعكس العنف الذي إن نجح في حل مشكلة خلف وراءه حقدا ورغبة في الثأر والانتقام وما أكثر عدم نجاحه وتعقيده لغير المعقد ومضاعفة تعقيده للعقد حقا ما دخل الرفق في شيء إلا زانه وجمله وحسنه وما دخل العنف في شيء إلا شانه وعيبه وقبحه وأساء إليه وما أحسن قوله تعالى ﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾ [الأعراف ١٩٩] ﴿ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم﴾ [فصلت ٣٤، ٣٥]” [فتح المنعم]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
الحديث الأول:
[٦٥٧٥] (٢٥٩٢) – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنِي يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ،
عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنا مَنصُورٌ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ
جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ -ﷺ- قالَ: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من سُباعيّات المصنّف رحمه الله، وأنه مسلسل بالكوفيين من سفيان،
والباقيان بصريّان، وأن شيخه أحد التسعة الذين يروي عنهم الجماعة بلا
واسطة، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وعلى من قال: إن منصورًا تابعيّ صغير، ففيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض، وأن صحابيّه من فضلاء الصحابة -رضي الله عنهم-، وفي الصحيحين عنه قال: “ما حجبني رسول الله -ﷺ- منذ
أسلمت، ولا رآني إلا تبسّم”، وسمّاه عمر -رضي الله عنه-: يوسف الأمة، لجماله، والله تعالى أعلم.
عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ -ﷺ-:( مَن) شرطيّة، أو موصولة .
وقوله: (الرِّفْقَ) منصوب على أنه مفعول ثان، والرفق بكسر الراء، وسكون
الفاء، بعدها قاف: هو لِين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو
ضد العُنْف، قاله في «الفتح»[«الفتح» ١٠/ ٤٤٩].
وقال القاري: الرفق بالكسر: ضدّ العُنف، وهو المداراة مع الرفقاء،
ولِين الجانب، واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه، وأيسرها. انتهى[«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ١٤/ ٣٧٣].
وقوله: (يُحْرَمِ الخَيْرَ) بالجزم، لكنه مكسور للالتقاء الساكنين، وهو جواب «من» على أنها شرطيّة، وخبرها على أنها موصولة، والمعنى: أن من يَصِر محرومًا من الرفق يُحْرَم الخير كله، ففيه: فضل الرفق والحث على التخلق به، وذم العنف، وإن الرفق سبب كل خير.[«الفتح» ١٠/ ٤٤٩].
«الرفق» واللام فيه للعهد الذهنيّ، وهو الخير الحاصل من الرفق. انتهى.
وقال القاضي: يدلّ أن الرفق خير كلّه، وسبب كلّ خير، وجالب كلّ نفع، وضدّه الخَرْق، والاستعجال، والعُنف، وهو مفسد للأعمال، وموجب لسوء الأحوال، قال تعالى: ﴿ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ﴾ [آل عمران ١٥٩].
وقال القرطبيّ: معناه: من يُحرم الرفق يفضي به إلى أن يُحرم خير الدنيا والآخرة. انتهى .
والله تعالى أعلم.
وحديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
الحديث الثاني: [٦٥٧٦] (…) – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ،
ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قالُوا: حَدَّثَنا وكِيعٌ (ح) وحَذَثنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا
أبُو مُعاوِيةَ (ح) وحَدَّثَنا أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنا حَفْصٌ -يَعْنِي: ابْنَ غِياثٍ-
كُلُّهُمْ عَنِ الأعْمَشِ (ح) وحَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ -واللَّفْظُ
لَهُما- قالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثنا، وقالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ العَبْسِي، قالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ -ﷺ- يَقُولُ: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
[تنبيه]: – رواية وكيع عن الأعمش ساقها ابن ماجه رحمه الله في «سننه»،(٣٦٨٧) –
– وأما رواية أبي معاوية عن الأعمش، فساقها البيهقيّ رحمه الله في
[«سنن البيهقي الكبرى» ١٠/ ١٩٣].
– وأما رواية جرير بن عبد الحميد عن الأعمش، فساقها الطبرانيّ رحمه الله في
«الكبير»، فقال:(٢٤٥٢) –
– وأما رواية حفص بن غياث عن الأعمش، فلم أجد من ساقها، فلْيُنظَر،
والله تعالى أعلم.
—-‘
الحديث الثالث: [٦٥٧٧] (…) – حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي إسْماعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، قالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ-: «مَن حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الخَيْرَ، أوْ مَن يُحْرَمِ
الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
وقوله: (أوْ مَن يُحْرَم الرِّفْقَ) «أو» هنا للشكّ من الراوي، هل قال: «من حُرم» بصيغة الماضي، أوَ قال: «من يُحرَم» بصيغة المضارع، والشكّ من
محمد بن أبي إسماعيل، أو مَن دونه.
والحديث من أفراد المصنف رحمه الله، وقد مضى تمام البحث فيه قبله.
—
الحديث الرابع: [٦٥٧٨] (٢٥٩٣) – حَدَّثَنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى التُّجِيبِيُّ، أخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الهادِ، عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ -يَعْني: بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -ﷺ-، أنَّ رَسُولَ اللهِ -ﷺ- قالَ: «يا عائِشَةُ، إنَّ اللهَ رَفِيقٌ، يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي عَلى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي عَلى العُنْفِ، وما لا يُعْطي عَلى ما سِواهُ».
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:أنه من سُباعيّات المصنّف رحمه الله، وأنه مسلسل بالمصريين إلى حيوة،
والباقون مدنيّون، وفيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض، وفيه
عائشة -رضي الله عنها- من المكثرين السبعة. (أنَّ رَسُولَ اللهِ -ﷺ- قالَ: «يا عائِشَةُ، إنَّ اللهَ رَفِيقٌ)؛ أي: لطيف بعباده، يريد بهم اليسر، ولا يريد بهم العسر، فيكلفَهم فوق طاقتهم، بل يسامحهم، ويلطف بهم، قيل: لا يجوز إطلاق الرفيق على الله تعالى اسمًا؛ لأن أسماءه تعالى إنما تثبت بالتواتر، ولم يُستعمل هنا على قصد التسمية، وإنما أخبر به عنه تمهيدًا للحكم الذي بعده، لكن قال النوويّ:
الأصح جواز تسميته تعالى رفيقًا وغيره مما يثبت بخبر الواحد. انتهى. [»شرح الزرقانيّ” ٤/ ٥٠٤].
قال الأثيوبي عفا الله عنه: هذا الذي صححه النوويّ رحمه الله من جواز تسميته تعالى بما ثبت في خبر الآحاد هو الحقّ؛ فإن خبر الآحاد تثبت به الأحكام الشرعيّة، سواء كان في باب العقائد، أو العبادات، أو المعاملات، واشتراط كون الأخبار متواترة في باب العقائد مذهب الطوائف الزائغة، فتبصّر لذلك، فإنه من مزالّ الأقدام، والله تعالى وليّ التوفيق.قال الشيخ ابن باز رحمه الله : “نعم، من أسماء الله تعالى: إنَّ الله رفيقٌ، مثل: جميلٌ يُحبّ الجمال”.[فتاوى الدروس هل “الرفيق” مِن أسماء الله تعالى؟، الموقع الرسمي لفضيلته]
قال ابن القيم :وهو الرفيق يحب أهل الرفق *** يعطيهم بالرفق فوق أمان
[((النونية بشرح أحمد بن عيسى)) (2/229)]
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله:»إن الله رفيق يحب الرفق«؛ أي: يأمر به،ويحضّ عليه، وقد تقدّم أن حبّ الله للطاعة شَرْعه لها، وترغيبه فيها، وحبّ الله لمن أحبه من عباده: إكرامه له.
قال الأثيوبي عفا الله عنه: قد تقدّم الردّ على القرطبيّ وغيره في تأويلهم صفة المحبّة بالإكرام ونحوه، فالحقّ أن صفة المحبّة ثابتة لله تعالى على ظاهرها، كما يليق بجلاله، فتنبه فإن هذا من مزالّ الأقدام، والله تعالى أعلم.وقال الخطابي: (قوله: “إن الله رفيق” معناه: ليس بعجول، وإنما يعجل من يخاف الفوت، فأما من كانت الأشياء في قبضته وملكه فليس يعجل فيها). [(الكتاب الأسنى)) (ورقة 429 أ – ب)]
(يُحِبُّ الرِّفْقَ) بالكسر: لِين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بايسر الوجوه، وأحسنها؟ أي: يحب أن يَرْفُق بعضكم ببعض، [«شرح الزرقانيّ» ٤/ ٥٠٤].
(ويُعْطِي عَلى الرِّفْقِ) في الدنيا: من الثناء الجميل، ونيل المطالب، وتسهيل
المقاصد، وفي العقبى: من الثواب الجزيل، (مَما لا يُعْطِي عَلى العُنْفِ) بتثليث
العين، وضمّها أشهر، وبسكون النون: الشدة، والمشقة، فكل ما في الرفق من
الخير، ففي العنف من الشر مثله، ونبّه به على وطاءة الأخلاق، وحسن المعاملة، وكمال المجاملة، وفيه: إيذان بأن الرفق أنجح الأسباب، وأنفعها بأسرارها، ووَصَفَ الله سبحانه وتعالى بالرفق إرشادًا وحَثًّا لنا على تحري الرفق في كل أمر. [«فيض القدير» ٢/ ٢٣٧]،
وقوله: (ومَما لا يُعْطِي)؛ أي: ويُعطي الذي لا يعطيه (عَلى ما)؛ أي: على الخُلق الذي هو (سِواهُ»)؛ أي: غير الرفق، ففيه: تعميم بعد التخصيص،
وقال القاري: قوله: «على ما سواه»؛ أي: سوى الرفق، وهو العنف، ففي الكلام زيادة مبالغة وتأكيد للحكم، والأظهر أن التقدير: ما سوى الرفق، من الخصال الحسنة.
وإنما ذكر قوله: «وما لا يعطي على ما سواه» بعد قوله: «ما لا يعطي على العنف»؛ ليدلّ على أنّ الرفق أنجح الأسباب كلها، وأنفعها بأسرها، قال
الطيبيّ: وفي معناه قول الشاعر [من الكامل]:
يا طالِبَ الرِّزْقِ الهَنِيِّ بِقُوَّةٍ … هَيْهاتَ أنْتَ بِباطِلٍ مَشْغُوفُ
أكَلَ العُقابُ بِقُوَّةٍ جِيَفَ الفَلا … ورَعى الذُّبابُ الشَّهْدَ وهْوَ ضَعِيفُ
والمعنى: ينبغي للمرء أن لا يحرص في رزقه، بل يَكِل أمره إلى الله تعالى الذي تولى القسمة في خَلْقه، فالنَّسْر يأكل الجيفة بعنفه، والنحل يرعى العسل برفقه.
قال التوربشتيّ: فإن قيل: فما معنى قوله – ﷺ -: «أنت رفيق، والله الطبيب»؟ [الحاشية: أشار به إلى ما أخرجه الحميديّ في «مسنده» ٢/ ٣٨٢ بسند جيّد عن إياد بن لقيط، عن أبي رِمْثة السلميّ قال: دخلت مع أبي على رسول الله – ﷺ -، فرأى أبي الذي بظهره، فقال: دعني أُعالج الذي بظهرك، فإني طبيب، فقال: «إنك رفيق، والله الطبيب …» الحديث.]
قلنا: الطبيب الحاذق بالشيء الموصوف، ولم يُرد بهذا القول نفي هذا الاسم عمن يتعاطى ذلك، وإنما حوّل المعنى من الطبيعة إلى الشريعة، وبيّن لهم أن الذي يرجون من الطبيب فالله فاعله، والمنّان به على عباده، وهذا كقوله: «فإن الله هو الدهر»، وليس الطبيب بموجود في أسماء الله سبحانه، ولا الرفيق، فلا يجوز أن يقال في الدعاء: يا طبيب، ولا يا رفيق. انتهى.
وفيه: إيماء إلى أنه يجوز أن يقال: هو الطبيب، وهو رفيق على منوال ما ورد، وأما قوله – ﷺ – في آخر كلامه عند خروجه من الدنيا: «الرفيق الأعلى»
فيَحْتَمِل أن يراد به الله، وأن يراد به الملأ الأعلي، فمع الاحتمال لا يصحّ الاستدلال. انتهى. [«مرقاة المفاتيح» ٨/ ٧٩٧ – ٧٩٨].
قال الأثيوبي عفا الله عنه: الحقّ أن ما ثبت في الحديث الصحيح من
تسمية الله تعالى به، جائز الاستعمال، مثل قوله: «رفيق» فنفي التوربشتي
الجواز غير مقبول، فتبصّر بالإنصاف.
وقال النوويّ – رحمه الله -: قوله – ﷺ -: «ما لا يعطي على العنف» العنف بضم العين، وفتحها، وكسرها، حكاهن القاضي وغيره، والضم أفصح، وأشهر،
وهو ضد الرفق، ومعنى «يعطي على الرفق»؛ أي: يثيب عليه ما لا يثيب على
غيره، وقال القاضي: معناه: يتأتى به من الأغراض، ويسهل من المطالب ما لا
يتأتى بغيره.
وقال القاضي عياض في «المشارق»: الرفق في صفات الله تعالى وأسمائه بمعنى اللطيف الذي في القرآن، والرفق واللطف: المبالغة في البرّ على أحسن وجوهه، وكذلك في كلّ شيء، والرفق في كلّ أمر: أخْذه بأحسن وجوهه، وأقربها، وهو ضد العنف. انتهى[«مشارق الأنوار» ١/ ٢٩٦].
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» معناه: أن الله تعالى يعطي عليه في الدنيا من الثناء الجميل، وفي الآخرة من الثواب
الجزيل، ما لا يعطي على العنف الجائز، وبيان هذا: بأن يكون أمرٌ مّا من الأمور سَوَّغ الشرع أن يُتوصّل إليه بالرفق، وبالعنف، فسلوك طريق الرّفق أولى؛ لِما يحصل عليه من الثناء على فاعله بحُسن الخلق، ولما يترتّب عليه من حُسن الأعمال، وكمال منفعتها، ولهذا أشار – ﷺ – بقوله: «ما كان الرفق في شيء إلّا زانه»، وضدّه الخرق، والاستعجال، وهو مفسد للأعمال، وموجب لسوء الأحدوثة، وهو المعبّر عنه بقوله: «ولا نُزِع من شيء إلّا شانه»؛ أي: عابه، وكان له شينًا، وأما الخرق والعنف فمفوِّتان مصالح الدنيا، وقد يفضيان إلى تفويت ثواب الآخرة، ولذلك قال – ﷺ -: «من يُحرم الرفق يُحرم الخير»؛ أي: يفضي ذلك به إلى أن يُحرم خير الدنيا والآخرة. انتهى [«المفهم» ٦/ ٥٧٨]، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة – رضي الله عنها – هذا من أفراد المصنّف – رحمه الله -.
(المسألة الثانية): في فوائده:
١ – (منها): بيان فضل الرفق، والحثّ على التخلق، وذمّ العنف، والرفق سبب كلّ خير.
وقال وليّ الدين – رحمه الله -: فيه الحثّ على الرفق، والصبر، والحلم، وملاطفة الناس ما لَمْ تَدْع حاجة إلى المخاشنة.
٢ – (ومنها): بيان عظيم خُلُق النبيّ – ﷺ -، وكمال حِلمه، وذلك أن سبب
هذا الحديث أن قوما من اليهود دخلوا على النبيّ – ﷺ -، فقالوا: السام عليك،
فسمعت عائشة – رضي الله عنها – ذلك منهم، فقالت: بل عليكم السام، واللعنة، فقال: ((يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله … )) الحديث.
٣ – (ومنها): بيان تسمية الله – عَزَّوَجَلَّ -، ووَصْفه بالرفيق، قال القرطبيّ – رحمه الله -:قد تقرّر في غير موضع: أن العلماء اختلفوا في أسماء الله تعالى، هل الأصل فيها التوقيف، فلا يسمّى إلّا بما سمّى به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله – ﷺ -، أو بإجماع عليه؟، أو الأصل جواز تسميته تعالى بكل اسمٍ حسنٍ،
إلّا أن يمنع منه مانع شرعيّ؟ …..
قال الأثيوبي عفا الله عنه: الحقّ ثبوت الأسماء والصفات لله تعالى بأخبار
الآحاد، كما يأتي تحقيقه، فتبصر، وبالله تعالى التوفيق.
قال النوويّ بعد نقل كلام المازريّ هذا: والصحيح جواز تسمية الله تعالى رفيقًا وغيره مما ثبت بخبر الواحد، وقد قدمنا هذا واضحًا في «كتاب الإيمان» في حديث: «إنّ الله جميل يحب الجمال» في «باب تحريم الكبر»، وذَكَرنا أنه اختيار إمام الحرمين. انتهى.
قال الأثيوبي عفا الله عنه: هذا الذي صححه النوويّ – رحمه الله – من ثبوت
تسمية الله تعالى بخبر الواحد هو الحقّ الذي تؤيّده النصوص، وهذه المسألة قد
استوفيت بحثها في «كتاب الإيمان» عند شرح حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -.
برقم [٤١/ ٢٧٢] (٩١): «إن الله جميل يحبّ الجمال …» الحديث[راجع: «البحر المحيط» ٣/ ١٠٢ – ١١٨]،
وقلت – الأثيوبي -: الحقّ جواز تسمية الله تعالى ووَصْفه بما ورد في أخبار الآحاد، مثل هذا الحديث، وأن أخبار الآحاد الصحيحة الثابتة عن النبيّ – ﷺ – مما يوجب العلم والعمل معًا، والقول بأنه لا يوجب العلم، واشتراط التواتر في باب العقائد قول باطلٌ، وإن كثر به القائلون من المتكلّمين، وممن سار على دربهم، وقد حقّقت ذلك في «التحفة المرضيّة» في الأصول، حيث قلت:
قَدْ أجْمَعَ السَّلَفُ أنْ يُحْتَجَّ فِي … بابِ العَقائِدِ بِهِ فَهْوَ يَفِي
كَبابِ الأحْكامِ لأنَّ الحُجَجا … كِلَيْهِما تَعُمُّ خُذْهُ مَنهَجاِ [راجع: «التحفة المرضيّة» ص ٥٥ – ٥٧]
الحديث الخامس:[٦٥٧٩] (٢٥٩٤) – حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ المِقْدامِ – وهُوَ ابْنُ شُرَيْحِ بْنِ هانِئٍ – عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ – ﷺ -، عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ – قالَ: «إنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إلّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ
مِن شَيْءٍ إلّا شانَهُ».
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من سُداسيّات المصنّف – رحمه الله -، وأن نصفه الأول مسلسلٌ بالبصريين،
والثاني بالكوفيين، غير عائشة – رضي الله عنها -، فمدنيّة، وفيه رواية الابن عن أبيه في
موضعين، وفيه – رضي الله عنها –
أي: لا يكون الرفق مستقرًّا في شيء يتّصف بوصف من الأوصاف، إلّا بصفة الزينة، والشيء عامّ في الأعراض، والذوات. انتهى.
وقد بيّن في الرواية التالية سبب قوله – ﷺ – لها ذلك، فقال: «ركبت عائشة
بعيرًا، فكانت فيه صعوبة، فجعلت تردّده، فقال لها رسول الله – ﷺ -: عليكِ
بالرفق …» الحديث، وفي رواية البيهقيّ: عن عائشة – رضي الله عنها – أنّها كانت على
جَمَل، فجعلت تضربه، فقال النبيّ – ﷺ -: «يا عائشة عليك بالرفق، فإنه لَمْ يكن
في شيء إلّا زانه، ولم ينزع من شيء إلّا شانه». (ولا يُنْزَعُ) بالبناء للمفعول؛
أي: لا يُفقَد، ولا يُعْدَم (مِن شَيْءٍ إلّا شانَهُ) من باب باع؛ أي: عابه،
وتنقّصه، والشَّين خلاف الزَّيْن، والله تعالى أعلم.
وحديث عائشة – رضي الله عنها – هذا من أفراد المصنّف – رحمه الله -.
الحديث السادس:
[٦٥٨٠] (…) – حَدَّثَناهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّي، وابْنُ بَشَّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ المِقْدامَ بْنَ شُرَيْحِ بْنِ هانِئٍ، بِهَذا الإسْنادِ، وزادَ فِي الحَدِيثِ: رَكِبَتْ عائِشَةُ بَعِيرًا، فَكانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ، فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: ((عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ))، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
وقوله: (رَكبَتْ عائِشَةُ بَعِيرًا) – بفتح الموحّدة، وقد تُكْسَر -: مِثلُ الإنسان، يقع على الذكر والأنثي، يقال: حلبتُ بَعِيرِي، والجَمَلُ بمنزلة الرَّجُل، يختصّ بالذكر، والنَّاقَةُ بمنزلة المرأة، تختص بالأنثي، والبَكْرُ، والبَكْرَ