مَن منع الزكاة بخلا لا جحودا فما حكمه ؟
( بحث مجموع من أجوبة الأخوة ومصادر أخرى وأفضل من بحثها الأخ أحمد بن علي وسعيد الجابري وآخرين جزاهم الله خيرا)
مسألة من منع الزكاة بخلا لا جحودا
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
أن الزكاة واجبة، وأنها من أهم أركان الإسلام، وأن منعها يعرض صاحبها للعقوبة الشديدة،
وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم مانع الزكاة في كثير من الأحاديث الصحيحة بالعقاب الشديد في الآخرة، وبِمَحْق البركة من ماله في الدنيا، وما قد يصحب ذلك من عقوبات أخرى؛ لأن العاصي عرضة لسخط الله وانتقامه.
فقد ورد في الحديث أن مانع الزكاة يصفح ماله يوم القيامة بصفائح من حديد يحمى عليها في نار جهنم ..الحديث وهذا في من منع زكاة الذهب والفضة.
أما من منع زكاة الغنم والبقر والإبل، فإنها يؤتى بها يوم القيامة فتنطحه بقرونها … كما ورد في الحديث.
ومانع الزكاة له حالات ثلاث:
الحالة الأولى : من منعها جحودا وإنكارا لوجوبها، فهذا بلا شك أنه كافر بالإجماع؛ لأنه أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه العظام ولأنه مكذب لله ولرسوله وإجماع المسلمين حتى لو أخرجها فإنه لا ينفعه ذلك ما دام منكرا لوجوبها.
الحالة الثانية : من منعها جهلا بحكمها؛ إما لأنه حديث عهد بالإسلام لم يعرف الأحكام بعد، أو لأنه نشأ ببادية نائية فهذا معذور بجهله، فإذا علم حكمها وجب عليه إخراجها.
الحالة الثالثة :
من منعها بخلا أو تهاونا مع اعترافه بوجوبها ففيه قولان :
القول الأول : ذهب جمهور العلماء إلى أنه يعد فاسقا مرتكبا لكبيرة من الكبائر ‘ واستدلوا بقوله – صلى الله عليه وسلم – كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- في صحيح مسلم
5729 – 1857 – “ﻣﺎ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﺫﻫﺐ ﻭﻻ ﻓﻀﺔ ﻻ ﻳﺆﺩﻱ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻘﻬﺎ ﺇﻻ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺻﻔﺤﺖ ﻟﻪ ﺻﻔﺎﺋﺢ ﻣﻦ ﻧﺎﺭ ﻓﺄﺣﻤﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﺎﺭ ﺟﻬﻨﻢ ﻓﻴﻜﻮﻯ ﺑﻬﺎ ﺟﻨﺒﻪ ﻭﺟﺒﻴﻨﻪ ﻭﻇﻬﺮﻩ ﻛﻠﻤﺎ ﺑﺮﺩﺕ ﺃﻋﻴﺪﺕ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺪاﺭﻩ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻀﻰ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺒﺎﺩ ﻓﻴﺮﻯ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ ﻭﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺎﺭ.
ﻭﻻ ﺻﺎﺣﺐ ﺇﺑﻞ ﻻ ﻳﺆﺩﻱ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻘﻬﺎ ﻭﻣﻦ ﺣﻘﻬﺎ ﺣﻠﺒﻬﺎ ﻳﻮﻡ ﻭﺭﻭﺩﻫﺎ ﺇﻻ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﻄﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﻘﺎﻉ ﻗﺮﻗﺮ ﺃﻭﻓﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﻳﻔﻘﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺼﻴﻼ ﻭاﺣﺪا ﺗﻄﺆﻩ ﺑﺄﺧﻔﺎﻓﻬﺎ ﻭﺗﻌﻀﻪ ﺑﺄﻓﻮاﻫﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻭﻻﻫﺎ ﺭﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺧﺮاﻫﺎ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺪاﺭﻩ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻀﻰ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺒﺎﺩ ﻓﻴﺮﻯ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ ﻭﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺎﺭ.
ﻭﻻ ﺻﺎﺣﺐ ﺑﻘﺮ ﻭﻻ ﻏﻨﻢ ﻻ ﻳﺆﺩﻱ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻘﻬﺎ ﺇﻻ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﻄﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﻘﺎﻉ ﻗﺮﻗﺮ ﻻ ﻳﻔﻘﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻘﺼﺎء ﻭﻻ ﺟﻠﺤﺎء ﻭﻻ ﻋﻀﺒﺎء ﺗﻨﻄﺤﻪ ﺑﻘﺮﻭﻧﻬﺎ ﻭﺗﻄﺆﻩ )
ﻭﺗﻄﺆﻩ ﺑﺄﻇﻼﻓﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻭﻻﻫﺎ ﺭﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺧﺮاﻫﺎ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺪاﺭﻩ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻀﻰ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺒﺎﺩ ﻓﻴﺮﻯ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ ﻭﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ النار)
قوله: ﻓﻴﺮﻯ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ ﻭﺇﻣﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺎﺭ
دليل على عدم كفره
وعلى أنه من أصحاب الكبائر
القول الثاني: رواية لأحمد اختارها بعض أصحابه’ ونقله ابن رجب كما في جامع العلوم والحكم عن سعيد بن جبير ‘ ونافع ‘ والحكم وهو قول ابن حبيب من المالكية.
واستدلوا : بقوله تعالى﴿فإن تابوا وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم﴾التوبة٥.
وأجاب الجمهور أن المقصود به تمام الأخوة وكمالها بإيتاء الزكاة
قال محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة تعليقا على حديث أبي هريرة ( ثم يرى سبيله …) : فهذا الحديث حجة …) يعني على القائلين بتكفير تارك الزكاة
ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻗﺪاﻣﺔ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ “اﻟﻤﻐﻨﻲ” (2/228) : “: ﻓﻤﻦ ﺃﻧﻜﺮ ﻭﺟﻮﺑﻬﺎ ﺟﻬﻼ ﺑﻪ , ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻤﻦ ﻳﺠﻬﻞ ﺫﻟﻚ ﺇﻣﺎ ﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻋﻬﺪﻩ ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ , ﺃﻭ ﻷﻧﻪ ﻧﺸﺄ ﺑﺒﺎﺩﻳﺔ ﻧﺎﺋﻴﺔ ﻋﻦ اﻷﻣﺼﺎﺭ , ﻋﺮِّﻑ ﻭﺟﻮﺑﻬﺎ , ﻭﻻ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻜﻔﺮﻩ ; ﻷﻧﻪ ﻣﻌﺬﻭﺭ , ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﺴﻠﻤﺎ ﻧﺎﺷﺌﺎ ﺑﺒﻼﺩ اﻹﺳﻼﻡ ﺑﻴﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻬﻮ ﻣﺮﺗﺪ , ﺗﺠﺮﻱ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺣﻜﺎﻡ اﻟﻤﺮﺗﺪﻳﻦ ﻭﻳﺴﺘﺘﺎﺏ ﺛﻼﺛﺎ , ﻓﺈﻥ ﺗﺎﺏ ﻭﺇﻻ ﻗﺘﻞ ; ﻷﻥ ﺃﺩﻟﺔ ﻭﺟﻮﺏ اﻟﺰﻛﺎﺓ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭاﻟﺴﻨﺔ ﻭﺇﺟﻤﺎﻉ اﻷﻣﺔ , ﻓﻼ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻣﻤﻦ ﻫﺬﻩ ﺣﺎﻟﻪ , ﻓﺈﺫا ﺟﺤﺪﻫﺎ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻟﺘﻜﺬﻳﺒﻪ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭاﻟﺴﻨﺔ , ﻭﻛﻔﺮﻩ ﺑﻬﻤﺎ. ﻭﺇﻥ ﻣﻨﻌﻬﺎ ﻣﻌﺘﻘﺪا ﻭﺟﻮﺑﻬﺎ , ﻭﻗﺪﺭ اﻹﻣﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﻣﻨﻪ , ﺃﺧﺬﻫﺎ ﻭﻋﺰﺭﻩ , ﻭﻟﻢ ﻳﺄﺧﺬ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ , ﻓﻲ ﻗﻮﻝ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ , ﻣﻨﻬﻢ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻭﻣﺎﻟﻚ ﻭاﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻬﻢ. ﻭﻗﺎﻝ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﺭاﻫﻮﻳﻪ ﻭﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ: ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﻭﺷﻄﺮ ﻣﺎﻟﻪ … ﻓﺄﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﺎﻧﻊ اﻟﺰﻛﺎﺓ ﺧﺎﺭﺟﺎ ﻋﻦ ﻗﺒﻀﺔ اﻹﻣﺎﻡ ﻗﺎﺗﻠﻪ؛ ﻷﻥ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻗﺎﺗﻠﻮا ﻣﺎﻧﻌﻴﻬﺎ , ﻭﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ: ﻟﻮ ﻣﻨﻌﻮﻧﻲ ﻋﻘﺎﻻ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺆﺩﻭﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻘﺎﺗﻠﺘﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ” اﻧﺘﻬﻰ.
ﻭقال علماء اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ: “ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﺻﻮﻡ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺟﺤﺪا ﻟﻮﺟﻮﺑﻪ ﻛﻔﺮ ﻭﻻ ﺗﺼﺢ ﺻﻼﺗﻪ، ﻭﻣﻦ ﺗﺮﻛﻪ ﻋﻤﺪا ﻭﺗﺴﺎﻫﻼ ﻓﻼ ﻳﻜﻔﺮ ﻓﻲ اﻷﺻﺢ ﻭﺗﺼﺢ ﺻﻼﺗﻪ، ﻭﻣﻦ ﺗﺮﻙ اﻟﺰﻛﺎﺓ اﻟﻤفروضة جحدا لوجوبها كفر ولا تصح صلاته ومن تركها عمدا تساهلا وبخلا فلا يكفر ‘ وهكذا الحج …)
وهذا القول اختاره من المعاصرين الشيخ ابن باز وابن عثيمين وعبد المحسن العباد وغيرهم من أهل العلم
وراجع للبحث المغني ٨/٤ ‘ والمجموع ٥/٣٣٤ ‘ وتعظيم قدر الصلاة ‘ وفتاوى أهل العلم الذين نقلنا عنهم.
تنبيه١: يجب تحذير من ترك الزكاة تهاونا للنصوص الواردة في الكتاب والسنة.
تنبيه ٢: ورد في حديث أبي هريرة (كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها) قال القاضي عياض وغيره : هذا مقلوب والصواب كما أحاديث أخرى: (كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها).
تنبيه ٣: إذا منع أناس الزكاة ولهم منعة فإنهم يقاتلون كما فعل أبوبكر الصديق رضي الله عنه وأجمع عليه الصحابة ويدل عليه قوله تعالى ﴿ فإن تابوا وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ﴾
وقوله صلى الله عليه وسلم اللهِ: ( أُمرتُ أن أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا : لا إلهَ إلا اللهُ، فمن قال : لا إلهَ إلا اللهُ، عصم مني مالَه ونفسَه إلا بحقِّهِ، وحسابُه على اللهِ ) .
وفي رواية : – (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله)
قال أبو بكرٍ : واللهِ لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاةِ والزكاةِ، فإنَّ الزكاةَ حقُّ المالِ، واللهِ لو منعوني عَناقًا كانوا يُؤدونها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لقاتلتُهم على منعِها
قال عمرُ : فواللهِ ما هو إلا أن رأيتُ أن قد شرح اللهُ صدرَ أبي بكرٍ للقتالِ، فعرفتُ أنهُ الحقُّ .
بقي : ماذا يصنع الإمام بمن منعها بخلا ؟
لأن المسألة فيها خلاف خاصة أن بعض الأئمة ضعف حديث (إنا آخذوها وشطر ماله) فالبحث سيكون لمن أحب أن يبحث في نقل أقوال أهل العلم في المسألة وأدلتهم ‘ وأقوالهم في الحديث تصحيحا وتضعيفا ثم الترجيح وقد سبق نقل كلام ابن قدامة لكن المسألة تحتاج تفصيل أكثر.
قالت الإدارة: وهذه المسألة بحثها الشيخ ويسر الله وضع بحثه في الموقع