52 – عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
———–
مسند أحمد 3981 – حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةً مِنَ الثَّلَاثِينَ، مِنْ آلِ حم قَالَ: يَعْنِي الْأَحْقَافَ قَالَ: وَكَانَتِ السُّورَةُ إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً سُمِّيَتِ الثَّلَاثِينَ، قَالَ: فَرُحْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقْرَؤُهَا عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأَنِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقُلْتُ لِآخَرَ: اقْرَأْهَا، فَقَرَأَهَا عَلَى غَيْرِ قِرَاءَتِي وَقِرَاءَةِ صَاحِبِي، فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَيْنِ يُخَالِفَانِي فِي الْقِرَاءَةِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ، وَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: ” إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الِاخْتِلَافُ ” – قَالَ: قَالَ زِرٌّ: وَعِنْدَهُ رَجُلٌ – قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ كَمَا أُقْرِئَ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الِاخْتِلَافُ قَالَ قال: عَبْدُ اللهِ: ” فَلَا أَدْرِي أَشَيْئًا أَسَرَّهُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ عَلِمَ مَا فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ” قَالَ: ” وَالرَّجُلُ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ ”
قلت سيف :
الحديث حسن وأظنه على شرط الذيل على الصحيح المسند.
وقد ذكره ابن عبد البر في التمهيد من طريق شيبان بن عبدالرحمن أبومعاوية البصري عن عاصم بن أبي النجود بنحوه
وقال: وكذلك رواه الأعمش وأبوبكر بن عياش وإسرائيل وحماد بن سلمة وأبان عن عاصم بإسناده ومعناه ولم يذكر البصريان حماد وأبان (عليا) وقالا (رجلا) وقال الأعمش في حديثه؛ ثم أسرَّ إلى علي، فقال لنا علي: أن رسول الله يأمركم أن تقرؤوا كما علمتم
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_
الحديث بين اختلاف الألفاظ في القراءة و اتفاق المعنى و يرجع ذلك إلى الحديث الذي أورده البخاري و مسلم في صحيحهما [ أنزل القرآن على سبعة أحرف ] ، و نظرت في كلام السلف حول معنى سبعة احرف فإليكم نقولات أهل العلم .
ذكر الإخبار عما أبيح لهذه الأمة في قراءة القرآن على الأحرف السبعة
عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب قال:
قرأ رجل آية وقرأتها على غير قراءته فقلت: من أقرأك هذه؟ فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال:
(نعم) قال الرجل: أقرأتني كذا وكذا؟ قال:
(نعم إن جبريل وميكائيل أتياني فجلس جبريل عليه السلام عن يميني وميكائيل عليه السلام عن يساري فقال جبريل: يا محمد اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل: استزده فقلت: زدني فقال: اقرأه على حرفين فقال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف وقال: اقرأه على سبعة أحرف كل شاف كاف)
[تعليق الشيخ الألباني]
صحيح ـ ((صحيح أبي داود)) (1327)، ((الصحيحة)) (843).
ذكر الخبر الدال على أن من قرأ القرآن على حرف من الأحرف السبعة كان مصيبا
عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب:
أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بأضاة بني غفار فقال: (يا محمد إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك هذا القرآن على حرف واحد فقال صلى الله عليه وسلم:
أسأل الله معافاته ومغفرته أو معونته ومعافاته سل لهم التخفيف فإنهم لن يطيقوا ذلك فانطلق ثم رجع فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك هذا القرآن على حرفين فقال:
أسأل الله معافاته ومغفرته أو معونته ومعافاته سل لهم التخفيف فإنهم لن يطيقوا ذلك فانطلق ثم رجع فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك هذا القرآن على ثلاثة أحرف قال:
أسأل الله معافاته ومغفرته أو معونته ومعافاته سل لهم التخفيف فإنهم لن يطيقوا ذاك قال: فانطلق ثم رجع فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ هذا القرآن على سبعة أحرف فمن قرأ حرفا منها فهو كما قرأ)
[تعليق الشيخ الألباني]
صحيح ـ ((صحيح أبي داود)) (1328): م.
ذكر العلة التي من أجلها سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه معافاته ومغفرته
عن زائدة عن عاصم عن زر عن أبي بن كعب قال:
لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل صلى الله عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إني بعثت إلى أمة أمية منهم الغلام والجارية والعجوز والشيخ الفاني قال: مرهم فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف)
[تعليق الشيخ الألباني]
صحيح ـ ((صحيح أبي داود)) (1328)
قال الطبري في التفسير( 1/ 48): والدلالةُ على صحة ما قلناه – من أنّ معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم “نزل القرآن على سبعة أحرف”، إنما هو أنه نزل بسبع لغات، كما تقدم ذكرناه من الروايات الثابتة عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب، وسائر من قدمنا الرواية عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب- أنهم تمارَوْا في القرآن، فخالف بعضهم بعضًا في نفْس التلاوة، دون ما في ذلك من المعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأ كلَّ رجل منهم، ثم صَوَّب جميعَهُم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضُهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعَهم: “إنَ الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف”.
وقال الطبري في التفسير : فقد أوضح نصُّ هذا الخبر أنّ اختلاف الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك “هلم وتعال” باتفاق المعاني، لا باختلاف معانٍ موجبةٍ اختلافَ أحكامٍ.
وبمثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبارُ عن جماعة من السَّلَف والخلف.
قال الطبري في التفسير ( 1/ 63- 64): قال أبو جعفر: وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول باستيعاب جميعها الكتابُ، والآثار الدالة على أن إمامَ المسلمين وأميرَ المؤمنين عثمانَ بن عفان رحمة الله عليه، جمع المسلمين – نظرًا منه لهم، وإشفاقًا منه عليهم، ورأفة منه بهم، حِذارَ الردّةِ من بعضهم بعدَ الإسلامَ، والدّخولِ في الكفر بعد الإيمان، إذ ظهر من بعضهم بمحضَره وفي عصره التكذيبُ ببعض الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن، مع سماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم النهيَ عن التكذيب بشيء منها، وإخباره إياهم أنّ المِراء فيها كفر- فحملهم رحمةُ الله عليه، إذْ رأى ذلك ظاهرًا بينهم في عصره، ولحَدَاثة عهدهم بنزول القرآن، وفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بما أمِنَ عليهم معه عظيم البلاء في الدين من تلاوة القرآن – على حرف واحد .
وجمعهم على مصحف واحد، وحرف واحد، وخَرَّق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه. وعزم على كل من كان عنده مُصحفٌ مخالفٌ المصحفَ الذي جمعهم عليه، أن يخرقه . فاستوسقتْ له الأمة على ذلك بالطاعة ورأت أنّ فيما فعلَ من ذلك الرشدَ والهداية، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامُها العادلُ في تركها، طاعةً منها له، ونظرًا منها لأنفسها ولمن بعدَها من سائر أهل ملتها، حتى دَرَست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيلَ لأحد اليوم إلى القراءة بها، لدثورها وعُفُوِّ آثارها، وتتابعِ المسلمين على رفض القراءة بها، من غير جحود منها صحتَها وصحةَ شيء منها ولكن نظرًا منها لأنفسها ولسائر أهل دينها. فلا قراءة للمسلمين اليوم إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيقُ الناصحُ، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية.
تنبيه: نقلت هذه الاقوال من تفسيره فقد اطال البحث و اجاد و افاد ، و لخصت أهم شيء في المسألة ، ومن أراد الرجوع الى التفسير فاليرجع اليه فهو بحث مفيد.
قال بن عبد البر أنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى الأحرف اللغات لما تقدم من اختلاف هشام وعمر ولغتهما واحدة قالوا وإنما المعنى سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة نحو أقبل وتعال وهلم ثم ساق الأحاديث الماضية الدالة على ذلك
قلت ( ابن حجر ) ويمكن الجمع بين القولين بأن يكون المراد بالأحرف تغاير الألفاظ مع اتفاق المعنى مع انحصار ذلك في سبع لغات لكن لاختلاف القولين فائدة أخرى وهي ما نبه عليه أبو عمرو الداني أن الأحرف السبعة ليست متفرقة في القرآن كلها ولا موجودة فيه في ختمة واحدة فإذا قرأ القارئ برواية واحدة فإنما قرأ ببعض الأحرف السبعة لا بكلها وهذا إنما يتأتى على القول بأن المراد بالأحرف اللغات وأما قول من يقول بالقول الآخر فيتأتى ذلك في ختمة واحدة بلا ريب بل يمكن على ذلك القول أن تصل الأوجه السبعة في بعض القرآن كما تقدم. ( فتح الباري )( 9/28 )
وقال أيضا:
قال أبو شامة وقد اختلف السلف في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف الذي بأيدي الناس اليوم أو ليس فيه إلا حرف واحد منها مال ابن الباقلاني إلى الأول
وصرح الطبري وجماعة بالثاني وهو المعتمد وقد أخرج بن أبي داود في المصاحف عن أبي الطاهر بن أبي السرح قال: سألت بن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل هي الأحرف السبعة؟ قال: لا وإنما الأحرف السبعة مثل هلم وتعال وأقبل أي ذلك قلت أجزأك قال وقال لي بن وهب :مثله
والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه و سلم وفيه بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها كما وقع في المصحف المكي( تجري من تحتها الأنهار ) في آخر براءة وفي غيره بحذف من وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار من عدة واوات ثابتة في بعضها دون بعض وعدة ها آت وعدة لا مات ونحو ذلك وهو محمول على أنه نزل بالأمرين معا وأمر النبي صلى الله عليه و سلم بكتابته لشخصين أو أعلم بذلك شخصا واحدا وأمره بإثباتهما على الوجهين وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به توسعة على الناس وتسهيلا فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان وكفر بعضهم بعضا اختاروا الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي
قال الطبري وصار ما اتفق عليه الصحابة من الاقتصار كمن اقتصر مما خير فيه على خصلة واحدة لأن أمرهم بالقراءة على الأوجه المذكورة لم يكن على سبيل الإيجاب بل على سبيل الرخصة قلت: ويدل عليه قوله صلى الله عليه و سلم في حديث الباب فاقرءوا ما تيسر منه وقد قرر الطبري ذلك تقريرا أطنب فيه ووهي من قال: بخلافه ووافقه على ذلك جماعة منهم أبو العباس بن عمار في شرح الهداية
وقال: أصح ما عليه الحذاق أن الذي يقرأ الآن بعض الحروف السبعة المأذون في قراءتها لا كلها وضابطه ما وافق رسم المصحف فأما ما خالفه مثل أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ومثل إذا جاء فتح الله والنصر فهو من تلك القراءات التي تركت إن صح السند بها ولا يكفي صحة سندها في إثبات كونها قرآنا ولا سيما والكثير منها مما يحتمل أن يكون من التأويل الذي قرن إلى التنزيل فصار يظن أنه منه
وقال البغوي في شرح السنة المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر عثمان بنسخة في المصاحف وجمع الناس عليه وأذهب ما سوى ذلك قطعا لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم
وقال أبو شامة ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل. انتهى من الفتح ( 9 / 29 – 30 ).
قال الجامع ( محمد بن آدم الأثيوبي) عفا الله تعالى عنه: قد تلخص مما تقدم مما ساقه الحافظ رحمه الله تعالى من كلام هؤلاء الأئمة الأعلام رحمهم الله أن الراجح هو قول من قال: إن المراد بالأحرف السبعة في حديث الباب هي أوجه القراءة التي تُؤَدَّى بها المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة، وقد يكون ذلك في لغة واحدة، كما وقع لعمر وهشام بن حكيم رضي الله عنهما، فإنهما قرشيان.
وأما بقية الأقوال فلا تخلو من ضعف، وأضعفها قول من قال: إنه من المتشابه الذي لا يعرف معناه، كما اختاره السيوطي في شرحه لهذا الكتاب، فإنه من المحال أن يكون القرآن نزل على سبعة أحرف، ويؤمر الناس أن يقرؤوه على تلك الأحرف، ولا يدرون ما هي الأحرف؟ هذا من أغرب المحال. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال النووي : قال العلماء سبب انزاله على سبعة التخفيف والتسهيل ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : هون على أمتي كما صرح به في الرواية الأخرى. انتهى من شرح مسلم ( 6/99 )
قال الطيبي : يريد – والله أعلم – أن كل حرف من هذه الأحرف السبعة شاف لصدور المؤمنين لاتفاقها في المعنى، وكونها من عند الله تعالي، وهو كاف في الحجة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لإعجاز نظمه، وعجز الخلق عن الإتيان بمثله. شرح المشكاة
قال ابن تيمية : وقد ثبت في الصحيح أنه جمع القرآن كله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة كالأربعة الذين من الأنصار، وكعبد الله بن عمرو. فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف، وكذلك ليست هذه القراءات السبعة هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها باتفاق العلماء المعتبرين، بل القراءات الثابتة عن أئمة القرآن كالأعمش، ويعقوب، وخلف، وأبي جعفر يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، ونحوهم هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة عند من ثبت ذلك عنده، كما ثبت ذلك. وهذا أيضا مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبوعون من أئمة الفقهاء والقراء وغيرهم، وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمامي الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان والأئمة بعدهم، هل هو بما فيه من القراءات السبعة وتمام العشرة وغير ذلك، هل هو حرف من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، أو هو مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين: والأول: قول أئمة السلف والعلماء. والثاني: قول طوائف من أهل الكلام والقراء وغيرهم، وهم متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضا خلافا يتضاد في المعنى ويتناقض، بل يصدق بعضها بعضا كما تصدق الآيات بعضها بعضا. وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم، إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع، لا إلى الرأي والابتداع. أما إذا قيل: إن ذلك هي الأحرف السبعة فظاهر، وكذلك بطريق الأولى إذا قيل إن ذلك حرف من الأحرف السبعة، فإنه إذا كان قد سوغ لهم أن يقرءوه على سبعة أحرف كلها شاف كاف، مع تنوع الأحرف في الرسم، فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى، وهذا من أسباب تركهم المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين كالتاء والياء، والفتح والضم، وهم يضبطون باللفظ كلا الأمرين، ويكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين شبيها بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين. فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقوا عنه ما أمره الله بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعا . ( الفتاوى الكبرى / 4/ 422 – 423).
قال العلامة العثيمين : واعلم أن القرآن أول ما نزل نزل على سبعة أحرف لأن الناس عرب من قبائل متعددة ولهجات مختلفة وأنتم تعرفون أن الواحد إذا أراد أن يتكلم بلهجة غيره يصعب عليه ويشق عليه فكان من رحمة الله عز وجل أن جعل القرآن على سبعة أحرف كل يقرأ بلهجته بقي على هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كله وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر. في عهد عثمان صار الناس يقرءون على لهجاتهم فصار في هذا اختلاف واللغة القرشية كانت غلبت على جميع اللهجات بعد أن تطور اللسان وصارت الدولة كل خلفائها من قريش غلبت اللغة القرشية غلب حرف قريش على جميع اللهجات فلما خاف أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أن يختلف الناس في كلام الله وأن تؤدي هذه الأحرف السبعة إلى شقاق ونزاع أمر رضي الله عنه أن يوحد القرآن على حرف واحد ألا وهو حرف قريش أي لغة قريش فجمع القرآن على حرف واحد على لغة قريش وهو الذي نقرأ به الآن ثم أمر بسائر المصاحف فأحرقت لئلا تبقى فيفتتن الناس بها فكان في ذلك مصلحة عظيمة وفضيلة لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لا توصف فنسأل الله تعالى أن يجزيه عن المسلمين خيرا. انتهى [ شرح رياض الصالحين ] .
قال العلامة العباد: اختلف في المراد بالأحرف السبعة، فقيل: المقصود بها أوجه من أوجه لغة العرب، أي أن القرآن نزل على هذا الوجه للتخفيف في أول الأمر؛ لأن العرب كانوا متفرقين وكانوا مختلفين وكانوا متنابذين وكل له لغته، ويكون عند هذه القبيلة ما ليس عند القبيلة الأخرى، ولكن لما جمع بينهما الإسلام واتصل بعضهم ببعض وذهب مابينهم من العداوة والشحناء بسبب الإسلام وعرف كل ما عند الآخرين من اللغة قام عثمان بن عفان رضي الله عنه فجمع الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة؛ حتى لا يحصل الاختلاف بين الناس؛ لأن المقصود من إنزال القرآن على سبعة أحرف هو التخفيف، وقد حصل ذلك بالتقاء العرب بعضهم ببعض وفهم كل واحد ما عند الآخرين، فلم يكن هناك حاجة إلى بقاء الأحرف السبعة التي نزلت للتخفيف، فعند ذلك قصر عثمان رضي الله عنه -عندما جمع القرآن- الناس على حرف واحد، وأحرق ما سوى ذلك؛ حتى لا يحصل الاختلاف. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب (إعلام الموقعين) أدلة كثيرة لسد الذرائع، ذكر تسعة وتسعين دليلاً كلها تدل على سد الذرائع، وختمها بجمع عثمان القرآن على حرف واحد وأنه سد لذريعة الاختلاف، ووافقه على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين. ومما ينبغي أن يعلم أن الأحرف غير القراءات؛ لأن القراءات موجودة لم تنته، وأما الأحرف السبعة فإنه ليس هناك عند الناس إلا حرف واحد، وهو الموجود في المصحف الذي جمعه عثمان ، والقراءات تختلف باختلاف النقط والشكل والحركة مثل: (يعلمون( و(تعلمون)، ومثل: (قال) و(قل)، ومثل: (عجبتَ) و(عجبتُ)، فهذه قراءات موجودة، أما الأحرف التي تأتي فيها الكلمة بعدة ألفاظ فإنها انتهت ولم يبق عند الناس إلا حرف واحد هو الذي جمعه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، ووافقه على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وأرضاهم. ثم إنه لا يلزم أن تكون كل كلمة فيها سبعة أحرف؛ لأنه ليس المراد بالعدد التكثير كما يقوله بعض أهل العلم، وإنما المقصود بالسبعة الأحرف سبع لغات لا يتجاوزها؛ لأنه -كما سيأتي في الحديث- كان يستزيد مرة ثم مرة حتى وصل السابعة ثم وقف عند ذلك. إذاً: المقصود أنه ينتهي إلى سبعة أحرف، ولا يلزم أن تكون كل كلمة على سبعة أحرف، بل يمكن أن تكون كلمات بحرف واحد وهذا هو الكثير، وبعض الكلمات تكون بحرفين، وبعضها بسبعة، ولكن لا تزيد على السبعة. [ شرح سنن ابي داود] .