مختلف الحديث 97
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
[ومن كتاب الصلاة]
مختلف الحديث رقم: {97}
جاء عنه?أنه قال: ” ألا اخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، واما الآخر فأعرض فأعرض الله عن”رواه الشيخان.
وجه الإشكال: حيث أنه لم يُنقل أنهم صلوا ركعتين تحية للمسجد، وقد قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1167) ومسلم (714).
قال النووي رحمه الله: ” أجمع العلماء على استحباب تحية المسجد، ويكره أن يجلس من غير تحية بلا عذر؛ لحديث أبي قتادة المصرح بالنهي … ” انتهى من “المجموع” (3/ 544).
———
ظاهر حديث الثلاثة أنهم لم يصلوا تحية المسجد، و استدل بعضهم بسنية تحية المسجد و جعلوا الحديث صارفا عّن الوجوب، و لكن الحديث محتمل انهم صلوا و ذهبوا الى حلقة العلم، و هناك من قال تحية المسجد تصلى لمن اراد الجلوس في المسجد وأما لحاجة او لاستماع خطبة فلا يركع ركعتين،
وسأل ابن عثيمين:
هل يلزم تكرار تحية المسجد بتكرار الخروج
من المسجد؟
الجواب:
لا يلزم، إذا كان الإنسان من نيته أن يرجع عن
قرب فلا يلزم كما لو خرج يتوضأ، أو خرج يكلم أحداً، فلا يلزم أن يكررها، أما لو خرج بنية عدم الرجوع، فهذا إذا رجع ولو بخطوة واحدة يصلي تحية المسجد، فيُفرق بين من خرج ليرجع عن قرب، وبين من خرج لا ليرجع عن قرب، فالأول لا يحتاج إلى صلاة تحية المسجد، والثاني: يصلي تحية المسجد ولو لم يخط إلا خطوة واحدة.
وفي تعبيرك: كلمة (يلزم) لا تظن أنها واجبة
بمعنى: أن الإنسان يأثم بتركها، فإن الظاهر أن تحية المسجد ليست واجبة، لكنها سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان أن يدعها].
الشيخ العلامة ابن عثيمين. (لقاء الباب
المفتوح) شريط (224) وجه ب.
والذي يظهر أن المسألة خلافية، والأقوى أن
من خرج بنية الرجوع – كما قال الشيخ ابن عثيمين – فإنه لا يصلي، وإلا لو أنا أخذنا بظاهر الحديث لقلنا: إذا خرج يودع إنسانا فخرج من باب المسجد ثم رجع، فإنه يصلي! وهذا – والله أعلم – بعيد عن مقصد الشريعة في هذا المقام، فالدخول المراد، هو الدخول المعهود الذي سبقه غياب عن المسجد وصاحبه لم يكن في المسجد أصلا، ومما يؤيد هذا القول حديث الصحابي الذي خرج من المسجد بعد أن حث النبي – صلى الله عليه وسلم – على الصدقة، ثم رجع بيده صرة من المال، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمره بالصلاة.
وسئل الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمه
الله تعالى:
س: إذا خرج من المسجد لحاجة يسيرة ثم
رجع , هل تلزمه تحية المسجد؟
فقال رحمه الله: ((من خرج من المسجد
لحاجة يسيرة ولم يطل الفاصل ثم عاد إلى المسجد كمن خرج ليكلم إنسانا بالخارج ,
أو يشرب ماءً بالخارج لا تلزمه تحية المسجد
حتى عند القائلين بالوجوب)).
المصدر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد
الرزاق عفيفي رحمه الله تعالى (ص 413)
و سئل العلامة العباد حفظه الله في شرح سنن ابي دَاوُدَ
حكم من دخل المسجد ثم خرج دون أن يصلي تحية المسجد
السؤال
إذا دخل الإنسان من أحد أبواب المسجد وخرج من الباب الآخر ولا يريد الجلوس فهل يسن له صلاة ركعتين؟
الجواب
الذي ورد في بعض الروايات: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) فقوله: (لا يجلس) يفيد أن الإنسان إذا دخل المسجد ولا يريد أن يجلس، فإن له ألا يصلي، والحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة، أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وفيه ألفاظ مختلفة، ومن ألفاظه: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، فمثلاً: عابر السبيل إذا دخل المسجد ماراً فلا يلزمه أن يصلي؛ لأنه ورد: (لا يجلس حتى يصلي ركعتين) فمعناه: أن الجلوس لابد أن يسبقه ركعتين ثم إن شاء أن يجلس جلس، وإن شاء أن ينصرف انصرف.
فتبين من أن دخل للمسجد و اراد الجلوس فاليركع ركعتين، و من لا يجلس في المسجد فله ان الا يصلي ..
و هنا جواب للعلامة الالباني رحمه الله
الفتوى: 7 – ما حكم ركعتي تحية المسجد؟
السائل: فيه حديث (بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأقبل ثلاثة نفر …. )
الألباني: أولا ليس فى كل من الحديثين – خاصة الحديث الأول، الذى جلس فى الفرجة – أنه دخل من خارج المسجد أول الى الحلقة، ممكن أن يكون صلى فى جانب من جوانب المسجد، ثم أتى إلى حلقة الرسول عليه السلام فجلس الى حيث …….. ، لكن يجاب عنه بجواب أخر الحديث فى صحيح مسلم و هو فى البخارى ايضا من حديث ابى قتادة النصارى أنه هو أو غيره – شك من عندى الأن – دخل المسجد والرسول جالس فيه فجلس عنده فَقَالَ له أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ قَالَ لَا، قَالَ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثم ذكر الحديث المشهور: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فليصلى ركعتين ثم ليجلس وفى الرواية الاخرى: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ.
هذا حديث ابى قتادة فى غير يوم الجمعة، ومن القواعد العلمية الفقهية أن الحديث صريح الدلالة يقدم على الحديث الذى ليس صريح الدلالة، فلا يجوز اهمال العمل بحديث ابى قتاده للحديثين الذى ذكرتهما لسببين أو أكثر، أحدهما: سبق الجواب عنه، والأخر: أنه يؤخذ من الأحكام الزايد فالزايد فممكن نحن أن نقول لو كان كل من الحديثين الذين ذكرتهما صريح الدلالة فى عدم التحية وان الرسول اقر ذلك، فسنقول: لكن هنا جاء تشريع جديد
———–
وقفت على بحث بعنوان: إفادة الانجاب بأن الأمر الوارد في تحية المسجد بإجماع للندب لا للإيجاب. ثم سان التعقبات على البحث والأجوبة:
إفادة الأنجاب بأن الأمر الوارد في تحية المسجد بإجماع للندب لا الإيجاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد:
فهذا بعض من جزء قد كتبته في تبيين حال الأمر الوارد في أحاديث ركعتي تحية المسجد، وأنه عند أئمتنا الماضين، وأسلافنا الصالحين، وأعلامنا المهتدين، للاستحباب لا الإيجاب.
وأسأل الله ـ جل وعلا ـ أن ينفع به الكاتب والقارئ والناشر، وأن يجعله زيادة علم وفقه لكل طالب مجد ومذاكر، إنه سميع مجيب.
وسوف يكون الكلام عنه في ثلاث وقفات:
الوقفة الأولى / عن الأحاديث الآمرة بركعتي تحية المسجد.
قال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري” (2/ 464):
والصلاة عند دخول المسجد تسمى تحية المسجد، .. وتسمى أيضاً حق المسجد. اهـ
وقد جاء الأمر بها في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدونكم أشهرها وأصحها:
أولاً: حديث أبي قتادة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ.
حيث أخرج البخاري (444) ومسلم (714) واللفظ له، عن أبي قتادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ، قَالَ: فَجَلَسْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ جَالِساً وَالنَّاسُ جُلُوسٌ، قَالَ: فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ)).
ثانياً: حديث جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي الله عنهما ـ في جلوس سُليك الغطفاني ـ رضي الله عنه ـ في المسجد من دون صلاة.
حيث أخرج البخاري (930و 931) ومسلم (875) واللفظ له، عن جابر بن عبد الله أنه قال: ((جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا، ثُمَّ قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا)).
ثالثاً: حديث جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي الله عنهما ـ في دخوله على النبي صلى الله عليه وسلم المسجد.
حيث أخرج البخاري (443) ومسلم (715) واللفظ له، عن جابر بن عبد الله أنه قال: ((كَانَ لِي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ فَقَالَ لِي: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ)).
وقال الترمذي ـ رحمه الله ـ في “سننه” (316) بعد حديث أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ:
وفي الباب عن جابر وأبي أمامة وأبي هريرة وأبي ذر و كعب بن مالك. اهـ
الوقفة الثانية / عن الإجماع المنقول في استحباب ركعتي تحية المسجد.
أولاً: قال ابن بطال ـ رحمه الله ـ في “شرح صحيح البخاري” (2/ 93 – 94):
قال الطحاوي: وحجة الجماعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سُليكاً حين جاء يوم الجمعة وهو يخطب أن يركع ركعتين، وأمر مرة أخرى رجلاً رآه يتخطى رقاب الناس بالجلوس، ولم يأمره بالركوع … ، فهذا يخالف حديث سُليك، واستعمال الأحاديث هو على ما تأولها عليه جماعة الفقهاء. اهـ
ثانياً: قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في كتابه “التمهيد” (20/ 100):
لا يختلف العلماء أن كل من دخل المسجد في وقت يجوز فيه التطوع بالصلاة أنه يستحب له أن يركع فيه عند دخوله ركعتين، قالوا فيهما: تحية المسجد، وليس ذلك بواجب عند أحد على ما قال مالك ـ رحمه الله ـ إلا أهل الظاهر فإنهم يوجبونهما، والفقهاء بأجمعهم لا يوجبونهما. اهـ
وقال في كتابه “الاستذكار” (6/ 222 – 224):
وترك إيجاب الركوع على من دخل المسجد جماعة الفقهاء، ويستحسنون لكل من دخله وهو على وضوء أن يحييه ولو بركعتين على ظاهر هذا الحديث، ولا يوجبون ذلك عليه …
وأوجب أهل الظاهر على كل من دخل المسجد طاهراً في حينٍ يجوز فيه الصلاة أن يركع، وأوجب ذلك بعضهم في كل وقت، وقالوا: فعل الخير لا يمتنع منه إلا بدليل لا معارض له، ولم يقولوا بالمجمل والمفسر من الكتاب والسنة، والذي عليه السلف ما ذهب إليه الفقهاء في ذلك. اهـ
ثالثاً: قال ابن بطال ـ رحمه الله ـ في “شرح صحيح البخاري” (2/ 93 – 94):
اتفق جماعة أهل الفتوى على أن تأويل هذا الحديث محمول على الندب والإرشاد مع استحبابهم الركوع لكل من دخل المسجد وهو طاهر في وقت تجوز فيه النافلة، قال مالك: ذلك حسن وليس بواجب، وأوجب ذلك أهل الظاهر فرضاً على كل داخل في وقت تجوز فيه الصلاة، وقال بعضهم: ذلك واجب في كل وقت، لأن فعل الخير لا يُمنع منه إلا بدليل لا معارض له. اهـ
رابعاً: قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ في كتابه ” إكمال المعلم شرح صحيح مسلم” (3/ 49رقم:714):
هذا على الندب والترغيب باتفاق من أهل العلم إلا داود وأصحابه فرأوه على الوجوب. اهـ
خامساً: قال أبو العباس القرطبي ـ رحمه الله ـ في كتابه ” المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم” (2/ 352 – 353رقم:596):
عامة العلماء على أن هذا الأمر على الندب والترغيب، وقد ذهب داود وأصحابه إلى أن ذلك على الوجوب، وهذا باطل، ولو كان الأمر على ما قالوه لحرم دخول المسجد على المحدث الحدث الأصغر حتى يتوضأ، ولا قائل به، وإنما الخلاف في دخول الجنب، فإذا جاز دخول المسجد على غير وضوء، لزم منه أنه لا يجب عليه تحيته عند دخوله، إذ لو كان ذلك للزمه أن يتوضأ عند إرادة الدخول. اهـ
سادساً: قال النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه “المجموع” (3/ 544):
أما حكم المسألة فاجمع العلماء علي استحباب تحية المسجد، ويكره أن يجلس من غير تحية بلا عذر لحديث أبى قتادة المصرح بالنهي. اهـ
وقال في “شرح صحيح مسلم” (5/ 233رقم:714):
وهي سنة بإجماع المسلمين، وحكى القاضي عياض عن داود وأصحابه وجوبهما. اهـ
سابعاً: قال علاء الدين ابن العطار ـ رحمه الله ـ في كتابه “العدة شرح العمدة” (1/ 559):
وقد نقل إجماع المسلمين على أنهما سنة. اهـ
ثامناً: قال تاج الدين الفاكهاني ـ رحمه الله ـ في كتابه “رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام” (2/ 414):
مذهب العلماء قاطبة عدم وجوب هاتين الركعتين إلا ما حكي عن داود وأصحابه من وجوبهما. اهـ
تاسعاً: قال الذهبي ـ رحمه الله ـ في كتابه “تذكرة الحفاظ” (4/ 1245ترجمة:1503) عقب حديث أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ:
هذا حديث صحيح، متفق على أن الأمر فيه أمر ندب. اهـ
عاشراً: قال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري” (2/ 262):
وفي الحديث: الأمر لمن دخل المسجد أن يركع ركعتين قبل جلوسه، وهذا الأمر على الاستحباب دون الوجوب عند جميع العلماء المعتد بهم، وإنما يحكى القول بوجوبه عن بعض أهل الظاهر. اهـ
حادي عشر: قال ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري” (1/ 640رقم:444):
واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب، ونقل ابن بطال عن أهل الظاهر الوجوب، والذي صرح به ابن حزم عدمه. اهـ
وقال ابن حزم ـ رحمه الله ـ في كتابه “المحلى” (2/ 228مسألة: 275):
وهذا نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولنا، وأنه ليس إلا واجب أو تطوع، فإن ما عدا الخمس فهو تطوع، وهذا لا يسع أحداً خلافه. اهـ
ثاني عشر: قال بدر الدين العيني ـ رحمه الله ـ في كتابه “عمدة القاري شرح صحيح البخاري ” (7/ 33):
فقال السفاقسي: وفقهاء الأمصار حملوا هذا على الندب، لقوله للذي سأله عن الصلاة هل على غيرها؟ قال: ((إلا أن تطوع)) ولو قلنا بوجوبهما لحرم على المحدث الحدث الأصغر دخول المسجد حتى يتوضأ ولا قائل به، فإذا جاز دخول المسجد على غير وضوء لزم منه أنه لا يجب عليه سجودها عند دخوله. اهـ
ثالث عشر: قال بدر الدين العيني ـ رحمه الله ـ في “شرح سنن أبي داود” (2/ 378رقم: 449):
ثم اعلم أن هذه سنة بإجماع المسلمين، إلا ما روي عن داود وأصحابه وجوبها بظاهر الأمر، وليس كذلك، لأن الأمر محمول على الاستحباب والندب لقوله عليه السلام للذي سأله عن الصلوات: ((هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع)) وغير ذلك من الأحاديث، ولو قلنا بوجوبهما لحرُم على المحدث الحدث الأصغر دخول
المسجد حتى يتوضأ، ولا قائل به، فإذا جاز دخول المسجد على غير وضوء لزم منه أنه لا يجب عليه سجودهما عند دخوله. اهـ
وبنحوه في كتابه “نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار” (6/ 57).
رابع عشر: قال القاضي الجراعي ـ رحمه الله ـ في كتابه “تحفة الراكع الساجد بأحكام المساجد” (ص443):
يستحب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، ولا يجب وفاقاً، خلافاً لداود وأصحابه، فيما نقله عنهم ابن بطال، وتابعه على ذلك جماعة، والذي صرح به ابن حزم عدم الوجوب. اهـ
خامس عشر: قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في “الدراري المضية” (ص107):
وقد وقع الاتفاق على مشروعية تحية المسجد، وذهب أهل الظاهر إلى أنهما واجبتان. اهـ
وتبعه على ذلك صديق حسن خان ـ رحمه الله ـ في كتابه “الروضة الندية شرح الدرر البهية” (1/ 322):
سادس عشر: قال عبد الرحمن القاسم ـ رحمه الله ـ في كتابه “حاشية الروض المربع” (3/ 463):
ولا تجب تحية المسجد إجماعاً. اهـ
وقال سعيد بن منصور ـ رحمه الله ـ في “سننه” (646 – من قسم التفسير-):
حدثنا عبد العزيز بن محمد ـ وهو الدراوردي ـ عن هشام بن سعد عن عطاء بن يسار قال: ((رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضئوا وضوء الصلاة)).
وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في “تفسيره” (2/ 313) عقبه: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. اهـ
وقال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في “مصنفه” (1567أو1557):
حدثنا وكيع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: ((كان الرجل منهم يُجنب، ثم يتوضأ، ثم يدخل المسجد فيجلس فيه)).
وإسناده حسن أو صحيح.
ولو كانت تحية المسجد واجبة يأثم تاركها، ويكون لربه عاصياً، لما دخل الصحابة المسجد وجلسوا فيه وهم على جنابة.
الوقفة الثالثة / عن الإجابة عن ما نسب إلى بعض الظاهرية من القول بالوجوب، وأنه لا يقدح في الإجماع ولا ينقضه.
نُسب إلى بعض أهل الظاهر القول بإيجاب ركعتي تحية المسجد على الداخل إليه، وقولهم هذا لا يقدح في الإجماع المنقول ولا ينقضه ولا يضعفه، وذلك لأنه إجماع متقدم عليهم، وسابق لهم، وهم محجوجون ومردود عليهم به.
وقد قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في كتابه “الاستذكار” (6/ 222 – 224):
وأوجب أهل الظاهر على كل من دخل المسجد طاهراً في حين يجوز فيه الصلاة أن يركع، وأوجب ذلك بعضهم في كل وقت، وقالوا: فعل الخير لا يمتنع منه إلا بدليل لا معارض له، ولم يقولوا بالمجمل والمفسر من الكتاب والسنة، والذي عليه السلف ما ذهب إليه الفقهاء في ذلك. اهـ
وقال ـ رحمه الله ـ في كتابه “التمهيد” (8/ 378) عند الكلام على مسألة خالف فيها أهل الظاهر من تقدمهم من السلف:
والحجة عليهم شذوذهم عن السلف. اهـ
وقال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري” (3/ 68):
فإن شذ أحد من أهل الظاهر جرياً على عادتهم، ولم يبال بخرق إجماع المسلمين، كان محجوجاً بالإجماع قبله. اهـ
وقال أيضاً (4/ 110):
ومتى خالف وصلى بحضرة طعام تتوق نفسه إليه فصلاته مجزئه عند جميع العلماء المعتبرين، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن عبد البر وغيره، وإنما خالف فيه شذوذ من متأخري الظاهرية، لا يعبأ بخلافهم الإجماع القديم. اهـ
بل هذا ابن حزم ـ رحمه الله ـ يخالف هؤلاء البعض من الظاهرية فيقول مشدداً في كتابه “المحلى” (2/ 228مسألة: 275):
وهذا نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولنا، وأنه ليس إلا واجب أو تطوع، فإن ما عدا الخمس فهو تطوع، وهذا لا يسع أحداً خلافه. اهـ
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتابه “منهاج السنة النبوية” (5/ 120أو178):
وكذلك أهل الظاهر كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ، وأما ما انفردوا به عن الأربعة وهو صواب، فقد قاله غيرهم من السلف. اهـ
وقال الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه “تحريم آلات الطرب” (ص90) حين رد على ابن حزم تضعيفه لحديث في المعازف:
قلت: ولذلك فلا يؤخذ من أحكامه إلا ما وافق فيها الأئمة المشهورين ممن كان قبله أو على الأقل لم يخالفهم فيها. اهـ
وكتبه: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.
——————————-
ثم حصلت مناقشات على البحث ننقلها إتماما للفائدة:
أولا: هذا هو المختصر لبحث عبدالقادر الجنيد.
فمن التعقبات
من ذلك نسبة القول بالوجوب لابن عثيمين ونقل أن كثير من الأئمة يقولون بالوجوب فهذا ينقض الإجماع:
والجواب: هذه فتوى ابن عثيمين:
ابن عثيمين: لم يقل بالوجوب
قال ابن عثيمين:
على كل حال الذي أرى أن القول بالوجوب قويٌ جداً جداً ولكنني لا أتجاسر على القول بتأثيم من لم يصلِ ركعتين وليعلم أن من دخل المسجد الحرام من أجل أن يطوف فإن الطواف يغني عن الركعتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد الحرام في عمرته وكذلك في حجه في طواف الإفاضة لم ينقل عنه أنه صلى ركعتين وقد اشتهر عند كثيرٍ من الناس أن تحية المسجد الحرام الطواف ولكن هذا ليس على إطلاقه فإن تحية المسجد الحرام الطواف لمن دخل ليطوف أما من دخل ليصلي أو ليقرأ أو ليستمع إلى ذكر أو ما أشبه ذلك فإن المسجد الحرام كغيره من المساجد تكون تحيته صلاة ركعتين.
فضيلة الشيخ العلامة/ محمد بن صالح العثيمين
-رحمه الله تعالى-
من فتاوى نور على الدرب النصية
—-
تعقب:
1 – أنَّ القول بالوجوب لم يتفرد به بعض أهل الظاهر؛ بل قال به:
أ – الإمام أبو عوانة الإسفرايينيرحمه الله تعالى، وبوَّب الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى باباً فقال: [ذكر الزجر عن الجلوس للداخل المسجد قبل أن يصلي ركعتين]، كما ذكر ذلك الأخ فواز الجزائري في تعليقه أعلاه.
والظاهر في استعمال ابن حبان لفظة (الزجر) أنه يريد به التحريم؛ كما يلاحظ ذلك المتتبع للأبواب التي ذكر فيها مثل هذا اللفظ، ومن ذلك: باب [ذكر الزجر عن الجلوس على القبور تعظيماً لحرمة من فيها من المسلمين].
ب – تابع داود وأصحابه جماعة من أهل العلم؛ كما نقل لنا ذلك الأخ صاحب المقال نفسه!، وذلك في نقله عن القاضي الجراعي رحمه الله تعالى في كتابه “تحفة الراكع الساجد بأحكام المساجد ص443”:
((يستحب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، ولا يجب وفاقاً، خلافاً لداود وأصحابه، فيما نقله عنهم ابن بطال، وتابعه على ذلك جماعة، والذي صرح به ابن حزم عدم الوجوب)).
ج- جمع من العلماء المتأخرين؛ مثل الصنعاني والشوكاني وصديق حسن خان والألباني وغيرهم.
2 – عدم الاعتداد بقول أهل الظاهر ليس أمراً مجمعاً عليه أيضاً!؛ فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في [فتح الباري 4/ 193]: ((قوله: “من مات” عام في المكلفين لقرينة “وعليه صيام”، وقوله: “صام عنه وليه” خبر بمعنى الأمر تقديره فليصم عنه وليه، وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور، وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه فادعوا الإجماع على ذلك!!، وفيه نظر؛ لأنَّ بعض أهل الظاهر أوجبه، فلعله لم يعتد بخلافهم على قاعدته!)).
3 – قول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فيما انفرد به أهل الظاهر ليس خاصاً بهم!؛ كما قد يتوهم القارئ لكلام الأخ صاحب المقال، ويتبين ذلك بنقل كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بتمامه:
قال رحمه الله تعالى في [منهاج السنة النبوية 5/ 119 – 120] ((المقصود: أنَّ كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين لآثار النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفردون عن سائر الطوائف بحق. والرافضة أبلغ في ذلك من غيرهم. وأما الخوارج والمعتزلة والجهمية فإنهم أيضاً لم ينفردوا عن أهل السنة والجماعة بحق؛ بل كل ما معهم من الحق ففي أهل السنة من يقول به. لكن لم يبلغ هؤلاء من قلة العقل وكثرة الجهل ما بلغت الرافضة. وكذلك الطوائف المنتسبون إلى السنة من أهل الكلام والرأي مثل الكلابية والأشعرية والكرامية والسالميةومثل طوائف الفقه من الحنفية والمالكية والسفيانية والأوزاعية والشافعية والحنبلية والداوودية وغيرهم مع تعظيم الأقوال المشهورة عن أهل السنة والجماعة لا يوجد لطائفة منهم قول انفردوا به عن سائر الأمة وهو صواب؛ بل ما مع كل طائفة منهم من الصواب يوجد عند غيرهم من الطوائف، وقد ينفردون بخطأ لا يوجد عند غيرهم.
لكن قد تنفرد طائفة بالصواب عمن يناظرها من الطوائف؛ كأهل المذاهب الأربعة، قد يوجد لكل واحد منهم أقوال انفرد بها وكان الصواب الموافق للسنة معه دون الثلاثة؛ لكن يكون قوله قد قاله غيره من الصحابة والتابعين وسائر علماء الأمة. بخلاف ما انفردوا به ولم ينقل عن غيرهم؛ فهذا لا يكون إلا خطأ. وكذلك أهل الظاهر كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ، وأما ما انفردوا به عن الأربعة وهو صواب فقد قاله غيرهم من السلف، وأما الصواب الذي ينفرد به كل طائفة من الثلاثة فكثير؛ لكن الغالب أنه يوافقه عليه بعض أتباع الثلاثة)).
أما ما نقله صاحب المقال عن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في تضعيف ابن حزم لحديث النهي عن المعازف قوله: ((قلتُ: ولذلك فلا يؤخذ من أحكامه إلا ما وافق فيها الأئمة المشهورين ممن كان قبله أو على الأقل لم يخالفهم فيها))، فواضح أنَّ كلام الألباني في ما انفرد به ابن حزم في أحكامه على الرجل، وقد قال ذلك الشيخ الألباني بعد حكم ابن حزم على الإمام الترمذي بأنه مجهول!، فليس مراد الألباني في أحكام ابن حزم الفقهية؛ فلينتبه القارئ لذلك ولا يلتبس عليه الأمر.
4 – أنَّ الإجماع المدَّعى غير ظاهر في كلام أهل العلم الناقلين له؛ لأنَّ بعض ألفاظهم تحتمل أكثر من معنى؛ كلفظ (الجماعة)، ولفظ (عامة العلماء)، و (اتفق أئمة الفتوى)، و (فقهاء الأمصار)، فهذه الألفاظ تحتمل أغلب العلماء؛ وهم الجمهور، وتحتمل فقهاء المذاهب الأربعة المشهورين.
ويبقى لفظ من قال: (إجماع) أو ما يقارب هذا اللفظ، والظاهر من كلامهم أنهم أرادوا: إجماع مَنْ يُعتد به، بدليل عطفهم قول أهل الظاهر بعده.
وذكرنا أنَّ كون أهل الظاهر غير معتد بخلافهم ليس أمراً مجمعاً عليه؛ فكيف يصح إجماع على أمر غير مجمع عليه؟!
وأما قول الإمام النووي: ((وهي سنة بإجماع المسلمين، وحكى القاضي عياض عن داود وأصحابه وجوبهما))، فليس الخلاف في كونها سنة مشروعة أم لا، وإنما هل هي سنة واجبة أم لا؟!
بل لفظة (إجماع) عند بعض أهل العلم يراد بها اتفاق الأئمة الأربعة!، وعند البعض الآخر يراد بها أكثر الفقهاء!.
ورحم الله تعالى العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في [إعلام الموقعين 3/ 94 – 95] حين قال: ((فإنَّ أهل الظاهر تمسكوا بألفاظ النصوص وأجروها على ظواهرها حيث لا يحصل القطع بأنَّ المراد خلافها، وأنتم تمسكتم بظواهر ألفاظ غير المعصومين حيث يقع القطع بأنَّ المراد خلافها. فأهل الظاهر أعذر منكم بكثير. وكل شبهة تمسكتم بها في تسويغ ذلك فأدلة الظاهرية في تمسكهم بظواهر النصوص أقوى واصح. والله تعالى يحب الإنصاف، بل هو أفضل حلية تحلى بها الرجل خصوصاً من نصب نفسه حكماً بين الأقوال والمذاهب، وقد قال الله تعالى لرسوله: “وأمرت لأعدل بينكم”، فورثة الرسول منصبهم العدل بين الطوائف، وألا يميل أحدهم مع قريبه وذوي مذهبه وطائفته ومتبوعه، بل يكون الحق مطلوبه، يسير بسيره، وينزل بنزوله، ويدين بدين العدل والإنصاف، ويحكم الحجة وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فهو العلم الذي قد شمر إليه، ومطلوبه الذي يحوم بطلبه عليه، لا يثنى عنانه عنه عذل عاذل، ولا تأخذه فيه لومة لائم، ولا يصده عنه قول قائل)).
وقال أيضاً [إعلام الموقعين 3/ 182]: ((والعجب منه كيف ينكر مع ذلك على أهل الظاهر المتمسكين بظواهر كتاب ربهم وسنة نبيهم حيث لا يقوم دليل يخالف الظاهر!، ثم يتمسك بظواهر أفعال المكلفين وأقوالهم حيث يعلم أنَّ الباطن والقصد بخلاف ذلك)).
ثم لا يغتر القارئ بكثرة الناقلين لمثل هذه الإجماعات وتتابعهم عليه!؛ لأنَّ بعض أهل العلم ينقل عن بعض مثل ذلك دون تحقيق!، ونقل الإجماع عن الغير شيء، وتتبع كلام جميع أهل العلم في الأمصار حتى يتحقق الإجماع شيء آخر.
5 – لا بد من الإنصاف مع أئمة العلم ولو كانوا من أهل الظاهر؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في [إغاثة اللهفان 1/ 329] في آخر كلامه عن مسألة الطلاق الثلاث بدفعة واحدة يعد تطليقة واحدة: ((أنَّ هذا مذهب أهل الظاهر داود وأصحابه، وذنبهم عند كثير من الناس أخذهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم ونبذهم القياس وراء ظهورهم؛ فلم يعبئوا به شيئاً، وخالفهم أبو محمد بن حزم في ذلك فأباح جمع الثلاث وأوقعها)).
وعن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح أن أبا سعيد الخدري دخل يوم الجمعة ومروان يخطب فقام يصلي فجاء الحرس ليجلسوه فأبى حتى صلى فلما انصرف أتيناه فقلنا رحمك الله إن كادوا ليقعوا بك فقال ما كنت لأتركهما بعد شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر أن رجلا جاء يوم الجمعة في هيئة بذة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فأمره فصلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب [ص: 386] سنن الترمذي وحسن اسناده الامام الالباني كما قي الثمر المستطاب
الا يدل عمل الصحابي الجليل ابو سعيد الخدري رضي الله عنه على وجوبها اذ كادوا ان يقعوا به كما ذكر والله اعلم
—–
الجواب:
عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خمس صلوات في اليوم والليلة فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وصيام رمضان. قال هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع. قال: وذكر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع. قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أفلح إن صدق. رواه البخاري.
وعن أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل إثنان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما أحدهما: فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه. رواه البخاري ومسلم.
في الحديث الأول: دلالة واضحة على أن عدد الصلاوات المفروضة في اليوم والليلة خمسة, فمن أوجب صلاة تحية المسجد صار العدد ستة!
وفي الحديث الثاني: وكما هو معلوم أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة, فعرفنا أن الرجلين جلسا ولم يصليا تحية المسجد, ومع ذلك لم ينكر عليهما رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-!
—-
هناك بحث قيم في المسألة بعنوان “القول المعتمد في حكم تحية المسجد” تأليف مجذوب الهواري،
انتهى فيه إلى الاستحباب، و أن إجماع السلف على ذلك، و أورد مبحثا مهما في فهم السلف و الاعتداد بخلاف الظاهرية.
االكتاب قدم له كل من الشيخ العلامة ابن عقيل
—-
تعقب: استدللت بحديث خمس صلوات في اليوم والليلة:
لكن ما القول حفظك الله بمن يقول بوجوب صلاة العيد وهي غير الصلوات الخمس وصلاة الجنازة وصلاة الكسوف وغير من السنن التي قال بوجوبها بعض ائمة السلف حفظك الله والله اعلم
——
مداخلة:
ويقول الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله تعالى- كما في كتابه ((الملخص الفقهي)) , باب في صلاة التطوع:
وصلوات التطوع على نوعين:
النوع الأول: صلوات مؤقتة بأوقات معينة, وتسمى بالنوافل المقيدة.
والنوع الثاني: صلوات غير مؤقتة بأوقات معينة, وتسمى بالنوافل المطلقة.
والنوع الأول أنواع متعددة, بعضها آكد من بعض, وآكد أنواعه صلاة الكسوف, ثم صلاة الاستسقاء, ثم صلاة التراويح, ثم صلاة الوتر, وكل من هذه الصلوات سيأتي عنه حديث خاص إن شاء الله تعالى. انتهى.
وفي الحقيقة أنا مع جمهور أهل العلم ومعهم ابن حزم إلى أن الأمر مصروف إلى الندب بأدلة منها ما ذكرت أنا آنفاً, وقد ذكر الشوكاني -رحمه الله تعالى- كما في كتابه ((نيل الأوطار)) بأن قوله (إلا أن تطوع) ينفي وجوب الواجبات ابتداءً, لا الواجبات بأسباب يختار المكلَّف فعلها, كدخول المسجد مثلاً؛ لأن الداخل ألزم نفسه الصلاة بالدخول, فكأنه أوجبها على نفسه, فلا يصح شمول ذلك الصارف لمثلها. انتهى.
——-
الجواب:
((الحديث وارد في الصلوات الواجبة في اليوم والليلة)) وأما صلاة العيدين والجنازة والكسوف أو الخسوف لا تتكرر في اليوم والليلة فلا تدخل في الحديث.
ومن الأدلة العقلية على سنية تحية المسجد ((بل هو إجماع في مسألة أخرى يدل على سنية تحية المسجد))
أنك إذا دخلت المسجد -مثلا- بعد أذان الفجر ونويت بقلبك أن تصلي سنة الفجر الراتبة ثم جلست،، فهل تسقط عنك تحية المسجد أم لا؟ الجواب قطعا: تسقط ((ولم أجد أحدًا من أهل العلم قال أنه يجب عليك أن تقوم وتأتي بتحية المسجد فيما أعلم))
إذن فهذا يدل على أن تحية المسجد سنة إذ كيف يَسْقُط الواجبُ بأداء سنة!!
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في المجموع:
قال أصحابنا: ولا يشترط أن ينوي بالركعتين التحية، بل إذا صلى ركعتين بنية الصلاة مطلقا أو نوى ركعتين نافلة راتبة أو غير راتبة أو صلاة فريضة مؤداة أو مقضية أو منذورة أجزأه ذلك وحصل له ما نوى، وحصلت تحية المسجد ضمناولا خلاف في هذا.
المجموع – (3/ 544) ط. مكتبة الإرشاد.
—–
تعقيب:
–كذلك اليس قول ابي عوانة انها واجبة يدل على عدم الاجماع المنقول كما نقل الاخ رائد واتمنى من الاخ رائد ابن اجد كلام ابي وعانة حفظك الله
– وكذلك ما نقل عن داوود الظاهاري واصحابه رحمهم الله وجماعة هل هناك اجماع بين اهل العلم ان كلام الظاهرية غير معتد به وانه لاينقض الاجماع اذا خالفوا لاسيما ان صاحب المقال حفظه الله ذكر داوود وجماعة كما نقل بقوله: يستحب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، ولا يجب وفاقاً، خلافاً لداود وأصحابه، فيما نقله عنهم ابن بطال، وتابعه على ذلك جماعة، والذي صرح به ابن حزم عدم الوجوب لاسيما وقد نقل قول ابي عوانة رحمه الله كذلك
ألا يدل هذا على أن حكايتهم للإجماع تساوي قول غيرهم (لا نعلم في المسألة خلافاً)؟!
والنتيجة: أليس الإمام أحمد أنكر مثل هذه الدعاوى؟!
– ثانياً: كيف يتصور حكاية الإجماع عن السلف وعلى رأسهم الصحابة، ولم ينقل عن أحدهم بإسناد صحيح ومتن صريح عدم وجوب التحية؟!
وأما قول عطاء بن يسار: (رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضئوا وضوء الصلاة) فليس فيه متمسك لما ذهبت إليه ..
فالأثر واضح جدا في أن سبب تركهم للتحية هو الجنابة ولو لم يكونوا مجنبين لبادروا إليها كما بادر إليها أبو سعيد الخدري مع إنكار من أنكر (ويظهر من قصة أبي سعيد هذه أنه يرى وجوب التحية) ..
وقد حكى الحافظ العلائي في جزئه “الأربعين المغنية” (443) الاتفاق على أن دخول المسجد والجلوس فيه لا يحرم على المحدث الحدث الأصغر ..
وبالمناسبة أعجبني تورّع الحافظ العلائي عن ادّعاء الإجماع في هذه المسألة، وإنما اكتفى بنسبة القول بعدم الوجوب إلى الجمهور .. انظر كتابه السابق (ص443) وقد وجدت غيره أيضاً صنع مثل ما صنع، فهل ياترى هؤلاء لم يعلموا بهذا الإجماع؟!
ثالثاً: تبيّن لي بعد تأمل أن شيخ الإسلام ابن تيميّة يميل ميلا شديداً إلى القول بوجوب تحية المسجد، ولنتأمل كلامه معاً حفظني الله وإيّاك:
قال رحمه الله في “المجموع” (23/ 196): “وَحَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةُ إلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ مِنْهَا إلَى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَاخِيرُ الطَّوَافِ بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا لَا تُمْكِنُ؛ ثُمَّ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ وَقْتُ نَهْيٍ إنْ جَلَسَ وَلَمْ يُصَلِّ كَانَ مُخَالِفًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَوِّتًا هَذِهِ الْمَصْلَحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ آثِمًا بِالْمَعْصِيَةِوَإِنْ بَقِيَ قَائِمًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَهَذَا شَرٌّ عَظِيمٌ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ يَاتِي إلَى الْمَسْجِدِ فَاَلَّذِينَ يَكْرَهُونَ التَّحِيَّةَ: مِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حَتَّى يُقِيمَ فَيَدْخُلُ يُصَلِّي مَعَهُمْ وَيَحْرِمُ نَفْسَهُ دُخُولَ بَيْتِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الشَّرِيفِ وَذِكْرَ اللَّهِ فِيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ وَيَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي فَيُخَالِفُ الْأَمْرَ وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ قَطْعًا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَامُورُونَ بِالتَّحِيَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ” ..
——-
الجواب:
ولعل جلوس الخطيب يوم الجمعة بعد دخوله يقوي عدم الوجوب
وبالنسبة لأثر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فإنه يقوي حجة القائلين بالوجوب إذ مع أن سماع الخطبة واجب إلا أنه أصر على استكمال صلاته .. فلو كانت سنة لتركها لأجل المصلحة .. مما يدل على أن أمر تحية المسجد واجب .. وكما ذكر بعض الإخوة حفظهم الله والله أعلم .. أما الإستدلال بجلوس الإمام بدون أن يصلي فلعله خاص بالإمام فقط والله الهادي.
——-
الجواب:
3 – ينبغي تحرير قول أبي عوانة، فإنه كما قال: «بَيَانُ إِيجَابِ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ وَعَلَى الْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ»؛ قال أيضا: قال: «بَيَانُ إِيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَى الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَاكُلَ، وَإِيجَابِ غَسْلِ الذِّكْرِ مَعَ الْوُضُوءِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ»، وقال: «بَيَانُ إِيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَى الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فِي الْجِمَاعِ، وَالإِبَاحَةِ لِمَنْ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ».
قال: بَابُ إِيجَابِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لِلْقَائِمِ بِاللَّيْلِ لِلصَّلاةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَتِحَ الصلاة.
وقال -أيضا-: بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى إِيجَابِ الاعْتِكَافِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ.
وقال -رحمه الله-: بابُ بَيَانِ تَثْبِيتِ وُجُوبِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ التَّزْوِيجِ، وما يجب أن يخطب به الخطبة للنكاح (أي: أن خطبة الحاجة في عقد الزواج واجبة)
نصيحة:
لا تنسو أيها الأخوة دعاء الله سبحانه وتعالى بالتوفيق للحق في هذه المسألة وغيرها من المسائل.
ومما ينسب إلى الإمام ابن تيمية -رحمه الله- أنه قال:
إن المسألة لتغلق علي، فأستغفر الله ألف مرة، أو أكثر أو أقل فيفتحها الله علي. ((سمعتها ولا أعرف مرجعها))