*مختلف الحديث (49)
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
وممن شارك أحمد بن علي
كيف التوفيق بين حديث عائشةرضي الله عنها-قالت: كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لا يصلِّي في شُعُرِنا أو لُحُفِنا)
الصحيح المسند (1568)، وصحيح أبي داود 393 باب الصلاة في شعر النساء
-وبين ما جاء عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي باللَّيلِ وأنا إلى جنبِه وأنا حائضٌ وعليَّ مُرطٌ لي وعليه بعضُه
*صحيح أبي داود الصفحة برقم: (370)
———————
جواب احمد بن علي: مختلف الحديث 49
قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث:
قالوا: حديثان متناقضان
ونحن نقول: فكان لا يصلي في شعر نسائه، لما لا يؤمن أن ينالها، إذا هو جامع، أو إذا استثقلت المرأة، أو إذا حاضت من الدم.
وقيل في الحديث الثاني: أنه كان يصلي بالليل، وأنا إلى جانبه، وعلي مرط لي، وعليه بعضه؛ والمرط لا يكون شعارا، كما يكون الإزار شعارا، لأنه كساء من صوف، وربما كان من شعر، وربما كان من خز، وإنما يلقى فوق الإزار.
قال أبو محمد:
ومما يوضح لك هذا حديث حدثنيه عبدة بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن بشر العبدي، قال: حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج ذات غداة، وعليه مرط مرحل من شعر أسود”.
والمرحل: الموشى، ويقال لذلك العمل: الترحيل.
قال امرؤ القيس، وذكر امرأته:
فقمت بها أمشي تجر وراءنا … على أثرينا ذيل مرط مرحل
ومما يوضح لك أن المرط لم يكن شعارا لعائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان يصلي، وعليه بعض المرط، وعليها بعضه”.
ولو كان شعارا، لانكشفت منه لأن الشعار لطيف، لا يصلح لأن يصلى فيه، وتكون هي مستورة به.
…..
قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود:
والجمع بين أحاديث النهي عن الصلاة في شعر النساء وأحاديث الجواز هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في شعر نسائه إذا كان فيها شيء من الأذى، بأن يكون فيها شيء من دم الحيض أو شيء من النجاسة، فعدم الصلاة فيها لما قد يكون فيها من أذى، أما إذا تحقق من أنها نظيفة وأنه ليس فيها شيء من النجاسات فإنه يصلى فيها؛ لأنه سيأتي في بعض الأحاديث في الترجمة التي بعدها ما يدل على جواز ذلك، وعلى هذا فيجمع بين الأحاديث التي فيها الصلاة في اللحف والشعر بأنه لم يكن فيها شيء من النجاسة، والنهي والامتناع من الصلاة فيها إذا كان فيها شيء من النجاسة.
..
قال ابن قدامة في المغني:
[فصل الصلاة في ثياب الصبيان]
(98) فصل: وتباح الصلاة في ثياب الصبيان، ما لم تتيقن نجاستها وبذلك قال الثوري، والشافعي وأصحاب الرأي؛ لأن أبا قتادة روى، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – «صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع.» متفق عليه، «وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره.» وتكره الصلاة فيه؛ لما فيه من احتمال غلبة النجاسة له.
وتصح الصلاة في ثوب المرأة الذي تحيض فيه؛ إذا لم تتحقق إصابة النجاسة له؛ لأن الأصل الطهارة، والتوقي لذلك أولى؛ لأنه يحتمل إصابة النجاسة إياه، وقد روى أبو داود، عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يصلي في شعرنا ولحفنا.»
….
قال الشوكاني في نيل الأوطار:
قوله ” في شعرنا ” بضم الشين والعين المهملة جمع شعار على وزن كتب وكتاب وهو الثوب الذي يلي الجسد وخصتها بالذكر لأنها أقرب إلى أن تنالها النجاسة من الدثار وهو الثوب الذي يكون فوق الشعار قال ابن الأثير: المراد بالشعار هنا الإزار الذي كانوا يتغطون به عند النوم. وفي رواية أبي داود: ” في شعرنا أو لحفنا ” شك من الراوي واللحاف اسم لما يلتحف به. والحديث ـ يدل على مشروعية تجنب ثياب النساء التي هي مظنة لوقوع النجاسة فيها وكذلك سائر الثياب التي تكون كذلك. وفيه أيضًا أن الاحتياط والأخذ باليقين جائز غير مستنكر في الشرع وأن ترك المشكوك فيه إلى المتيقن المعلوم جائز وليس من نوع الوسواس كما قال بعضهم. وقد تقدم في الباب الأول أنه كان يصلي في الثوب الذي يجامع فيه أهله ما لم ير فيه أذى وأنه قال لمن سأله هل يصلي في الثوب الذي يأتي فيه أهله؟ نعم إلا أن يرى فيه شيئًا فيغسله وذكرنا هنالك أنه من باب الأخذ بالمئنة لعدم وجوب العمل بالمظنة وهكذا حديث صلاته في الكساء الذي لنسائه وقد تقدم. وحديث عائشة المذكور قبل هذا وكل ذلك يدل على عدم وجوب تجنب ثياب النساء وإنما هو مندوب فقط عملًا بالاحتياط كما يدل عليه حديث الباب وبهذا يجمع بين الأحاديث.
قال ابن رجب في فتح الباري:
وقد حكى بعض أصحابنا في كراهة الصلاة في ثوب الحائض والمرضع روايتين عَن أحمد.
وقد روي عَن عائشة، قالت: كانَ النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يصلي في [لحف] نسائه.
وخرجه النسائي والترمذي وصححه.
وخرجه أبو داود، وعنده: لا يصلي في شعرنا أو لحفنا -بالشك.
وفي رواية للإمام أحمد: لا يصلي في شعرنا -مِن غير شك.
و ((الشعار)): هوَ الثوب الذِي يلبس على الجسد.
وقد أنكره الإمام أحمد إنكاراً شديداً.
وفي إسناده اختلاف على ابن سيرين.
وقد روي عَنهُ، أنَّهُ قالَ: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري أسمعه مِن ثبت أو لا؟ فاسألوا عَنهُ.
ذكره أبو داود في ((سننه))، والبخاري في ((تاريخه)). وقال أبو بكر الأثرم: أحاديث الرخصة أكثر وأشهر. قالَ: ولو فسد على الرجال الصلاة في شعر النساء لفسدت الصَّلاة فيها على النساء.
وهذا الكلام يدل على أن النساء لا يكره لهن الصلاة في ثياب الحيض بغير خلاف، إنما الخلاف في الرجال
والأحاديث التي أشار إليها في الرخصة متعددة:
ففي ((صحيح مسلم))، عَن عائشة، قالت: كانَ النبي – صلى الله عليه وسلم – يصلي مِن الليل وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، على مرط، وعليه بعضه.
وخرج النسائي، عَن عائشة، قالت: كنت أنا ورسول الله – صلى الله عليه وسلم -[نبيت] في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسلت ما أصابه، لَم يعده إلى غيره، ثُمَّ صلى فيهِ.
وخرج أبو داود وابن ماجه، عَن ميمونة، قالت: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلي وعليه مرط، وعلى بعض أزواجه منهُ، وهي حائض، وَهوَ يصلي، وَهوَ عليهِ.
وخرج الإمام أحمد مِن حديث حذيفة، قالَ: قام النبي – صلى الله عليه وسلم – يصلي، وعليه طرف لحاف، وعلى عائشة طرفه، وهي حائض لا تصلي.
قالَ أبو عبيد في ((غريبة)): الناس على هَذا -يعني: على عدم كراهته.
واعلم؛ أن الصَّلاة في ثوب الحائض ليست كراهته مِن أجل عرقها؛ [فإن] عرق الحائض طاهر، نص عليهِ أحمد وغيره مِن الأئمة، ولا يعرف فيهِ [خلاف]-: قاله أبو عبيد وابن المنذر وغيرهما، حتى قالَ حماد: إنما يغسل الثوب مِن عرق الحائض المجوس.
وروى محمد بنِ عبد الله الأنصاري، عَن هشام بنِ حسان، عَن حفصة بنت سيرين، قالت: سألت امرأة عائشة، قالت: يكون علي الثوب أعرق فيهِ أيام تحيُّضي، أصلي فيهِ؟ قالت: نعم. قالت: وربما أصابه مِن دم المحيض؟ قالت: فاغسليه. قالت: فإن لَم يذهب أثره؟ قالت: فلطخيه بشيء مِن زعفران.
وإنما كره مِن كره ذَلِكَ لاحتمال أن يكون أصابه شيء مِن دم الحيض لَم يطهر -: كذا قاله أبو عبيد وغيره.
والصواب: أنَّهُ لا تكره الصلاة فيهِ، وأنه يغسل ما رئي فيهِ مِن الدم وينضح، ما لَم ير فيهِ شيء، ثُمَّ تصلي فيهِ، كَما دلت عليهِ هَذهِ السنن والآثار.
قالَ سفيان الثوري: الحائض لا تغسل ثوبها الذي حاضت فيهِ، إلا أن ترى دماً فتغسله.
وأما نضح ما لَم تر فيهِ دماً ,، فَهوَ مبني على أن النضح تطهير لما شك في نجاسته، وهذا قول مالك وجماعة مِن أهل العلم، وفيه خلاف سبق ذكره مستوفى في ((أبواب الوضوء)).
——————
جواب سيف بن دورة الكعبي:
الحديث في الصحيح المسند 1568
يعني حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصل في شعرنا أو في لحفنا).
ونقل محققو المسند في مقدمة تحقيقهم للمسند أن الإمام أحمد أنكره، قال: في العلل 5982: ما سمعت عن أشعث أنكر من هذا، وأنكره إنكارا شديدا.
أما في المسند 41/ 227 فذكره من طريق محمد بن سيرين قال نبئت أن عائشة قالت: .. وحسنوا الحديث لغيره.
وهذا منقطع وسبق نقل ابن رجب لكلام أبي داود والبخاري وغيره في تعليله في جواب صاحبنا أحمد بن علي.
بينما قال الدارقطني في العلل 14/ 372: والقول قول أشعث.
تنبيه: ذكر بعض الباحثين أن هناك تصحيف وقع لرواية عبدالله بن شقيق في صحيح ابن حبان حيث أورده بلفظ (يصلي في لحفنا) والصواب (لا يصلي). وكذا وقعت عند ابن حبان في موضع آخر (لا يصلي)
واشعث بينه المزي فقال في تحفة الإشراف: أشعث هو ابن عبدالملك، وقال الباحث: أن أشعث محتمل أن يكون ابن سوار الضعيف.
قلت: وقع التصريح انه ابن عبدالملك في سنن الترمذي 600، بينما وقع التصريح في صحيح ابن حبان أنه بن سوار 2330 لكن بلفظ (يصلي) وسبق انها مصحفه، فلعل بن سوار أيضا خطأ.
ووقع في النقل عن أحمد انه أشعث الحمراني، وكذلك في علل الدارقطني وقع أشعث بن عبدالملك الحمراني.
وكذلك في شرح السنة للبغوي وقع (أشعث بن عبدالملك).
المهم أن الأئمة خطؤوه وإن كان ثقه.