مختلف الحديث 28
اختصار سيف بن دورة الكعبي
واشراف سيف غدير النعيمي
كيف التوفيق بين حديث كان النبي_صلى الله عليه وسلم_يؤتى بالصبيان فيدعو لهم، فأتي بصبي فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه إياه، ولم يغسله. وبين الأحاديث التي فيها نجاسة البول.
———————-
جواب الأخ سيف بن دورة الكعبي:
-ورد من حديث أبي السمح رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام أخرجه أبوداود والنسائي، وصححه الحاكم.
قلت: وهو في الصحيح المسند 1230، وعلقنا عليه هناك أنه جاء من حديث علي بن أبي طالب وهو في الصحيح المسند 960 أيضاً، وأم الفضل في الجامع الصحيح، وفيه (وينضح من بول الغلام ما لم يطعم) والمراد إذا أراد الطعام واشتهاه، وليس إذا أطعم؛ لأنه قد يلعق العسل ساعة يولد، وقد يحنك (المغني)
وقرر النووي أن المقصود إذا حصل له الأكل على جهة التغذية.
أما التفرقة بين بول الغلام والجارية فذكر بعض مشايخنا أقوال الأئمة:
*قال أحمد وإسحاق بظاهر الحديث، وبه قال من التابعين عطاء والحسن والزهري، وغيرهم، وقال به ابن وهب وهو وجه عند الشافعية. وعزاه القاضي لأصحاب الحديث
*وذهب الأوزاعي وهو وجه عند الشافعية إلى أنه يكفي النضح فيهما.
قال ابن حجر في الفتح: وحكى عن مالك، والشافعي، وهؤلاء قاسوا الجارية على الغلام، وهذا قياس فاسد الاعتبار، لمصادمته للنصوص. أه
*وذهب الحنفية، والمالكية إلى وجوب الغسل من بول الجارية، والغلام.
والراجح القول الأول. (وهذا ما رجحه أكثر مشايخنا، وممن رجحه ابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين وسيأتي كلامهم)
—————–
جواب الأخ احمد بن علي:
قال ابن دقيق العيد في [إحكام الأحكام]:
[حديث أم قيس أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام]
الكلام عليه: اختلف العلماء في بول الصبي الذي لم يطعم الطعام في موضعين:
أحدهما: في طهارته أو نجاسته، … والحديث ظاهر في الاكتفاء بالنضح وعدم الغسل، لا سيما مع قولها ” ولم يغسله ”
قال: وربما حمل بعضهم لفظ ” النضح ” في بول الصبي على الغسل، وتأيد بما في الحديث من ذكر ” مدينة ينضح البحر بجوانبها ” وهذا ضعيف لوجهين:
أحدهما: قولها ” ولم يغسله ” والثاني: التفرقة بين بول الصبي والصبية، والتأويل فيه عندهم ما ذكرناه،
قال صاحب إكمال المعلم:
وذكر أوجه الخلاف بمعنى كلام ابن دقيق العيد، ثم قال:
ووجه التفرقة بين الغلام والجارية اتباع ما وقع فى الحديث فلا يعدى به ما ورد فيه، وهذا أحسن من التوجيه بغير هذا المعنى مما ذكروا.
ونقل أن القاضى قال: …. قال بعض علمائنا: ليس قوله فى الحديث: ” لم يأكل الطعام “! علة للحكم وإنما هو وصف حال وحكاية قصة، كما قال فى الحديث: ” صغير ”
– قال ابن حجر:
وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما وهو مقصود الباب واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية
أصحها: الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وبن وهب وغيرهم ورواه الوليد بن مسلم عن مالك وقال أصحابه هي رواية شاذة.
والثاني: يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل اجوافهما شيء أصلا.
والثالث: هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية. قال بن دقيق العيد: اتبعوا في ذلك القياس، وقالوا المراد بقولها ولم يغسله أي غسلا مبالغا فيه وهو خلاف الظاهر ويبعده ما ورد في الأحاديث الآخر يعني التي قدمناها من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإنهم لايفرقون بينهما، قال: وقد ذكر في التفرقة بينهما أوجه منها ما هو ركيك وأقوى ذلك ما قيل أن النفوس اعلق بالذكور منها بالإناث يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة واستدل به بعض المالكية على أن الغسل لا بد فيه من أمر زائد على مجرد إيصال الماء إلى المحل، قلت: وهو مشكل عليهم؛ لأنهم يدعون أن المراد بالنضح هنا الغسل.
تنبيه: قال الخطابي: ليس تجويز من جوز النضح من أجل أن بول الصبي غير نجس ولكنه لتخفيف نجاسته انتهى
وأثبت الطحاوي الخلاف فقال: قال قوم بطهارة بول الصبي قبل الطعام وكذا جزم به ابن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرهما ولم يعرف ذلك الشافعية ولا الحنابلة.
وقال النووي هذه حكاية باطلة انتهى.
وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم والله أعلم. (فتح الباري)
نص كلام ابن عبدالبر كما في الاستذكار:
وقال الشافعي: بول الصبي الذي لم يأكل الطعام ليس بنجس حتى يأكل الطعام ولا يتبين لي فرق ما بين الصبية وبينه ولو غسل كان أحب إلي. انتهي
وقد رده النووي وابن حجر كما سبق.
وقال ابن عبدالبر كما في الاستذكار:
(28 – باب ما جاء في بول الصبي)
بعد أن صحح ابن عبدالبر لفظة (ولم يغسله)
وذكر رواية ((فدعا بماء فرشه ولم يزد)) ورواية ((فنضحه ولم يزد))
قال: وهذان الحديثان معناهما واحد وهو صب الماء على البول؛ لأن قوله في حديث هشام ((فأتبعه إياه)) وقوله: في حديث ابن شهاب ((فنضحه)) سواء
والنضح في هذا الموضع صب الماء وهو معروف في اللسان العربي بدليل قوله عليه السلام ((إني لأعرف قرية ينضح البحر بناحيتها – أو قال بحائطها أو سورها – لو جاءهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر))
وفي حديث آخر ((إني لأعلم أرضا يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر بها حي من المغرب لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر)).
وقد يكون النضح أيضا في اللسان العربي الرش
هذا وذاك معروفان في اللسان ففي هذين الحديثين ما يدل على صب الماء على بول الصبي من غير عرك ولا فرك وقد يسمى الصب غسلا بدليل قول العرب غسلتني السماء.
وقد أمر – عليه السلام – بصب الذنوب من الماء على بول الأعرابي فدل على أن كل ما يزيل النجاسة ويذهبها – فقد طهر موضعها بعرك وبغير عرك لأن الماء إذا غلب على النجاسة ولم يظهر منها فيه شيء وغمرها طهرها وكان الحكم له لا لها
وقد مضى هذا المعنى محررا فبما تقدم من كتابنا هذا والحمد لله
وقد أجمع المسلمون على أن بول كل صبي يأكل الطعام ولا يرضع نجس كبول أبيه واختلفوا في بول الصبي والصبية إذا كانا يرضعان لا يأكلان الطعام
فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما بول الصبي والصبية كبول الرجل مرضعين كانا أو غير مرضعين.
ثم نقل آثار تدل على أن بول الغلام ينضح ثم قال:
وقد أجمع المسلمون أنه لا فرق بين بول الرجل والمرأة ففي القياس كذلك بول الغلام والجارية
وقد رويت بالتفرقة بينهما في أن بول الصبي (لا يغسل) وبول الجارية يغسل – آثار ليست بالقوية قد ذكرتها في التمهيد
وعلى ما اخترنا في هذا تتفق معاني الآثار ولا تختلف وهو الذي عليه المدار والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل (الاستذكار)
قلت (سيف): يقصد أنه صحَّ لفظة (النضح) و (والرش) وهي محمولة عنده على الغسل كما قرره لغةً، وسيأتي جواب ابن القيم
—————–
جواب الأخ حمد الكعبي:
نقل كلام ابن حجر وقد سبق
قال ابن تيميه رحمه الله في شرح عمدة الفقه؛
وقد قيل ان الغلام يحمل على الايدي عادة بخلاف الجارية ومنها ان مزاجه حار فبوله رقيق بخلاف الانثى فإنها شديدة الرطوبة.
والنضح ان يعم الماء النجاسة وان لم يجر عنها ومعنى اكله الطعام ان يشتهيه للاغتذاء به بخلاف ما يحنكه وقت الولادة ويلعقه من الاشربة نحوها …
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين؛
المثال الثاني والخمسون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الاكتفاء في بول الغلام الذي لم يطعم بالنضج دون الغسل كما في الصحيحين عن أم قيس أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله ص – في حجره فبال عليه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم – بماء فنضحه ولم يغسله
وفي الصحيحين أيضا عن عائشة أن رسول الله ص – كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم فأتى بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه ولم يغسله،
ثم ذكر الأحاديث التي فيها التفرقة بين بول الغلام والجارية وسبق ذكر بعضها وقال:
وصح الإفتاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الجنة وأم سلمة ولم يأت عن صحابي خلافهما.
فردت هذه السنن بقياس متشابه على بول الشيخ وبعموم لم يرد به هذا الخاص وهو قوله: إنما يغسل الثوب من أربع من البول والغائط والمني والدم والقيء والحديث لا يثبت فإنه من رواية علي بن زيد بن جدعان عن ثابت بن حماد قال ابن عدي لا أعلم رواه عن علي بن زيد غير ثابت ابن حماد وأحاديثه مناكير معلومات ولو صح وجب العمل بالحديثين ولا يضرب أحدهما بالآخر ويكون البول فيه مخصوصا ببول الصبي كما خص منه بول ما يؤكل لحمه دون أحاديث هذه في الصحة والشهرة. اه
قال ابن الجوزي رحمه الله في كشف المشكل؛
وفي الحديث الستين أتي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه وفي لفظ فلم يغسله معنى أتبعه إياه رماه عليه على سبيل الرش وهذا الصبي لم يكن أكل الطعام. وسيأتي ذلك في مسند أم قيس مبينا وأنه دعا بماء فنضحه ولم يغسله والمراد أنه رشه عليه وعندنا أنه يرش بول الغلام الذي لم يأكل الطعام خلافا لأبي حنيفة ومالك في قولهما يغسل والحديثان حجة عليهما
وليس المراد بالطعام كل ما يطعم وإنما هو القوت المعروف من حنطة أو شعير أو ما يقوم مقامهما من الحب وإلا فهم كانوا يحنكون الصبي يوم ولادته بالتمر …
————————
جواب الأخ عبدالله الديني:
قال ابن عثيمين:
السؤال: ما حكم بول الطفل الصغير إذا وقع على الثوب؟
الإجابة:
الصحيح في هذه المسألة أن بول الذكر الذي يتغذى باللبن خفيف النجاسة، وأنه يكفي في تطهيره النضح، وهو أن يغمره بالماء يصب عليه الماء حتى يشمله بدون فرك وبدون عصر.
وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جيء بابن صغير فوضعه في حجره فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله.
أما بالنسبة للأنثى فلابد من غسل بولها، لأن الأصل أن البول نجس ويجب غسله لكن يستثنى الغلام الصغير لدلالة السنة عليه.
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الحادي عشر – باب إزالة النجاسة.