مختلف الحديث رقم: {(94)}
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع سيف بن محمد بن دورة الكعبي
[ومن كتاب الصلاة]
كيف التوفيق بين ما جاء عند أنس رضي الله عنه-مرفوعاً: (وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ) رواه مسلم (622)، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلَّوْا قُعُودًا أَجْمَعُونَ) رواه مسلم (628)
مع ما جاء أن رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – صلى جالساً وصلى الناس خلفه قياما.
—-
الجمع هو:
قلت لأحمد ” إذا صلى الإمام جالسا، يصلون جلوسا؟ قال: هذا الذي أذهب إليه، قلت لأحمد: فإن الحميدي، كان يقول: يصلون قياما لأنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟
*فقال أحمد: إنما ذاك أبو بكر الذي افتتح الصلاة، وهذه الصلاة هذا يبتدؤها، حكم هذا غير حكم ذاك، أليس أشار إليهم أن اجلسوا حيث جحش شقه الأيمن؟ «.
وسمعت أحمد مرة أخرى، سئل عن هذه المسألة؟ قال» إني لاستوحش منه، لم أدر أحدا فعله، فإن صلى قاعدا فليصلوا قعودا، وحديث عائشة: إنما كانت الصلاة ابتدأها أبو بكر، وكأنهما إمامان كانا «وسمعته، سئل» يصلي بقوم قعود من علة، وهو قائم؟ قال: نعم.
قيل: فبرجل قائم وآخر قاعد؟ قال: نعم، ويتقدمهما “.
مسائل الامام احمد رواية ابي دَاوُدَ (ج (1) ص (65)
وأجمعوا على أن فرض من لا يطيق القيام أن يصلي جالسا
الاجماع لابن المنذر ص (42)
قال ابن عبدالبر في التمهيد (ج (6) / (145)):
وأجمع العلماء مع اختلاف مذاهبهم في هذا الباب على استحباب الاستخلاف للمريض من الأئمة من يصلي بالناس كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرض فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فإن صلى بهم وهو مريض فللعلماء في ذلك ما ذكرنا وبالله توفيقنا.
و قال ايضا في التمهيد:
وقوله فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا فعلم أن الآخر من فعله ناسخ للأول فإنهم ما قاموا خلفه وهو جالس إلا لعلمهم بأنه قد نسخ ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم، والدليل على أن حديث هذا الباب منسوخ بما كان منه في مرضه صلى الله عليه وسلم إجماع العلماء على أن حكم القيام في الصلاة على الإيجاب لا على التخيير ولما أجمعوا على أن القيام في الصلاة لم يكن فرضه قط على التخيير وجب طلب الدليل على النسخ في ذلك وقد صح أن صلاة أبي بكر والناس (خلفه) قياما وهو قاعد في مرضه الذي توفي فيه متأخر عن صلاته في حين سقوطه عن فرسه فبان بذلك أنه ناسخ لذلك وممن ذهب هذا المذهب واحتج بنحو هذه الحجة الشافعي وداود بن علي وأصحابهما وقد أوضحنا معاني الآثار في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه وأتينا على حكاية قول من قال كان أبو بكر المقدم في تلك الصلاة ومن قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها المقدم في باب هشام بن عروة بما يغني عن ذكره هاهنا.
قال النووي في شرح مسلم [ج (4) / (134) – (135)]:
وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا فاختلف العلماء فيه فقالت طائفة بظاهره وممن قال به أحمد بن حنبل والأوزاعي رحمهما الله تعالى وقال مالك رحمه الله تعالى في رواية لا يجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد لا قائما ولا قاعدا وقال أبو حنيفة والشافعي وجمهور السلف رحمهم الله تعالى لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد إلا قائما واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته بعد هذا قاعدا وأبو بكر رضي الله عنه والناس خلفه قياما وإن كان بعض العلماء زعم أن أبا بكر رضي الله عنه كان هو الإمام والنبي صلى الله عليه وسلم مقتد به لكن الصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام وقد ذكره مسلم بعد هذا الباب صريحا أو كالصريح فقال في روايته عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر.
أشار الامام البخاري بالنسخ ايضا في صحيحه
قال ابن رجب في الفتح:
ويدل على أن الأمر بالقعود خلف الإمام القاعد غير منسوخ: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – علله بعلل لم تنسخ ولم تبطل منذ شرعت.
ومنها: أنه علله بأن الإمام إنما جعل إماما ليؤتم به ويقتدى به في أفعاله، وقال: ((إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون)) ,
وما قبل الصلاة جلوسا لم ينسخ منه شيء، فكذلك القعود؛ لأن الجميع مرتب على أن الإمام يؤتم به ويقتدى به. …..
وخرج الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان في ((صحيحه)) من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر – في هذه القصة – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لهم: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإن صلى قائما فصلوا قياما، وإن صلى جالسا فصلوا جلوسا، ولا تقوموا وهو جالس كما يفعل أهل فارس بعظامها)).
وأما الكلام على دعوى النسخ، على قول من قال: إن أبا بكر كان مأموما، فأما على قول من قال: إنه كان إماما، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يأتم به، كما تقدم عن مالك وغيره، فلا دلالة في الحديث حينئذ على أن الائتمام بالقاعد بالكلية.
وأما من قال: إن الإمام كان هو النبي – صلى الله عليه وسلم -، كما قاله الشافعي والإمام أحمد والبخاري والأكثرون، فالجمع بين هذا الحديث وبين الأحاديث المتقدمة التي فيها الأمر بالجلوس في الصلاة من وجهين:
أحدهما – وهو الذي ذكره الإمام أحمد -: أن المؤتمين بأبي بكر ائتموا بإمام ابتدأ بهم الصلاة وهو قائم، ثم لما انتقلت منه الإمامة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – انتقلوا إلى الائتمام بقاعد، فاتموا خلفه قياما لابتدائهم الصلاة خلف إمام قائم.
فعلى هذا التقرير نقول: إن ابتدأ بهم الإمام الصلاة جالسا صلوا وراءه جلوسا، وإن ابتدأ بهم قائما ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياما.
هكذا قرره الإمام أحمد وأصحابه.
ومنهم من قال: إنه تصح هنا صلاة المأمومين خلفه قياما إذا جلس في أثناء صلاته لعلة، وسواء كان إمام حي أو لم يكن، بخلاف ابتداء صلاة القائم خلف الجالس، فإنها عند الإمام أحمد إلا إذا كان إمام الحي، وجلس لمرض يرجى برؤه خاصة، فإنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء.
وممن قال ذلك من أصحابنا: أبو الفتح الحلواني.
والثاني: أن تحمل أحاديث الأمر بالقعود على الاستحباب، وحديث صلاته في مرضه من غير أمر لهم بالجلوس على جواز أن يأتموا بالقاعد قياما، فيكون المأمومون مخيرين بين الأمرين، وإن كان الجلوس أفضل.
وهذا يتخرج على قول من قال: إنهم إذا ائتموا بالجلوس قياما صحت صلاتهم، وقد اختلف أصحابنا في ذلك على وجهين.
وظهر لي وجه ثالث في الجمع بين هذه الأحاديث، وهو متجه على قول الإمام أحمد: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إماما لأبي بكر، وكان أبو بكر إماما للناس، فكانت تلك الصلاة بإمامين.
وحينئذ فيقال: لما اجتمع في هذه الصلاة إمامان، أحدهما جالس والآخر قائم صلى المأمومون خلفهما قياما اتباعا لإمامهم القائم؛ فإن الأصل القيام، وقد اجتمع موجب للقيام عليهم، وموجب للقعود أو مبيح له، فغلب جانب القيام؛ لأنه الأصل، كما إذا اجتمع في حل الصيد أو الأكل مبيح وحاظر، فإنه يغلب الحظر.
وأما أبو بكر فإنه إنما صلى قائما؛ لأنه وإن ائتم بقاعد إلا أنه أم قادرين على القيام، وهو قادر عليه، فاجتمع في حقه – أيضا – سببان: موجب للقيام، ومسقط له، فغلب إيجاب القيام. والله – سبحانه وتعالى – أعلم
قال العلامة العثيمين في الشرح الممتع (ج (4) / (238) – (239)):
قوله: «ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياما وجوبا» أي أصابته علة فجلس، فإنهم يصلون خلفه قياما وجوبا.
مثال ذلك: إمام يصلي بالجماعة، وفي أثناء القيام أصابه وجع في ظهره، أو في بطنه فجلس، وأتم بهم الصلاة جالسا، فالجماعة يلزمهم أن يتموا الصلاة قياما ولا يجوز لهم الجلوس.
والدليل: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته «حين دخل المسجد وأبو بكر يصلي بالناس، قد ابتدأ بهم الصلاة قائما، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى يسار أبي بكر، وبقي أبو بكر قائما. يصلي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويصلي الناس بصلاة أبي بكر. ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجلوس».
وهذا الدليل هو الذي أجاب به الإمام أحمد جامعا بينه وبين حديث: «إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا».
*وعلى هذا؛ فيكون عموم قوله: «إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا» مخصوصا بهذه الحال: إذا ابتدأ بهم قائما أتموا قياما.
وتصح خلف من به سلس البول بمثله.
الخلاصة:
اذا ابتدا بهم الامام قائما أتموا قياما.
و اذا صلى جالسا ابتدا فيصلون جلوسا
و اذا صلى جالسا في اثناء الصلاة فيأتمون قياما
جواز صلاة القادر خلف الامام المريض
اما دعوى النسخ فقد اجاب عنه الامام احمد و ذكر ذلك ابن رجب في الفتح، و الله الموفق.
—
مشاركة سيف بن محمد بن دورة الكعبي:
بالنسبة لصلاة المأموم قاعدا خلف إمام يصلي قاعدا ثبت ذلك عن عدد من الصحابة أسيد بن حضير وقيس بن قهد وجابر بن عبد الله وأبوهريرة ومحمود بن لبيد ولا يعرف عن صحابي خلاف ذلك بل كانوا يفعلون ذلك في مساجدهم. فدعوى أن صلاة المأموم قاعدا خلف الإمام القاعد منسوخة بعيد. وسبق نقل كلام ابن رجب أن ذلك معلل بفعل فارس والروم وجعله من الطاعة كما في حديث ابن عمر عند أحمد وهو في الصحيح المسند 749 (فإن من طاعة الله أن تطيعوني ومن طاعتي أن تطيعوا أمراءكم فإذا صلوا قعودا فصلوا قعودا) فإما نقول بالكراهة يعني الصلاة من قيام خلف إمام يصلي من قعود أو نقول أن ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من صلاته قعودا والناس خلفه قيام أن ابتداء الصلاة كان من قيام ثم طرأ الجلوس فأبو بكر ابتدأها من قيام ثم أتمها النبي صلى الله عليه وسلم من قعود. والقول بالكراهة رجحه بعض شيوخنا.