مختلف الحديث رقم: {(89)}
[ومن كتاب الصلاة]
كيف التوفيق بين حديث: عائشة: «أن النبي ِ- صلى الله عليه وسلم – صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال:
“اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي”
[مختصر البخاري برقم: ((201))]
مع ما جاء أن النبي– صلى الله عليه وسلم – -لبس مرط مرحل، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ”؛
[رواه مسلم ((2081))]
“مرحل” بفتح الراء وتشديد الحاء المفتوحة، أي عليه صور رحال الإبل، وقال الخطابي: المرحل الذي فيه خطوط.
فكيف الجمع بين الحديثين؟
——-
أما حديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ”؛
[رواه مسلم ((2081))]
ففيه مصعب بن شيبة ونقل العقيلي ان الامام احمد انكر عليه هذا الحديث ويسمى حديث الكساء وفي بعض الرويات زيادة ادخال علي وفاطمة والحسن والحسين وقراءته لآية التطهير:
قال الإمام مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير- واللفظ لأبي بكر- قالا: حدثنا محمد بن بشر عن زكرياء عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة قالت قالت عائشة خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
وحديث المرط المرحل على فرض صحته ليس فيه أن الزخارف كانت كثيرة مشغلة أو قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم لبسها في غير صلاته. ومثله الحلة السيراء وكون النبي صلى الله عليه وسلم فقط انكر كونها من حرير. فلو كانت مطرزة بغير الحرير فليس في ذلك دليل على ان المصلي يلبس ما يشوش عليه صلاته. فما ورد من نصوص إما ضعيف او زخارفها قليلة او يلبسها في غير وقت صلاة.
بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم – كان يزيل كل ما يشغله ولو لم يلبسه قال لعائشة أميطي عنا قرامك فما زالت تصاويره تعرض علي في صلاتي. ويقول لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الاخبثان.
قال اعضاء اللجنة الدائمة: الصلاة على السجادة التي فيها صور ما لا روح فيه مكروهه لما في ذلك من شغل المصلي في صلاته …. ثم حديث انبجانية ابي جهم وغيره
—–
قال ابن دقيق العيد-رحمه الله:
فيه دليل على جواز لباس الثوب ذي العلم ودليل على أن اشتغال الفكر يسيرا غير قادح في الصلاة وفيه دليل على طلب الخشوع في الصلاة والإقبال عليها ونفي ما يقتضي شغل الخاطر بغيرها، وفيه دليل على مبادرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى مصالح الصلاة ونفي ما يخدش فيها حيث أخرج الخميصة، وقد استنبط الفقهاء من هذا كراهة كل ما يشغل عن الصلاة من الأصباغ والنقوش والصنائع المستطرفة فإن الحكم يعم بعموم علته والعلة الاشتغال عن الصلاة، وزاد بعض المالكية في هذا: كراهة غرس الأشجار في المساجد وفيه دليل على قبول الهدية من الأصحاب والإرسال إليهم والطلب لها ممن يظن به السرور بذلك أو المسامحة).
إحكام الأحكام: (1/ 326).
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله:
(وأما بعثه بالخميصة إلي أبي جهم فلا يلزم منه أن يستعملها في الصلاة ومثله قوله في حلة عطارد حيث بعث بها إلى عمر إني لم أبعث بها إليك لتلبسها ويحتمل أن يكون ذلك من جنس قوله (كل فاني أناجي من لا تناجي)، قال: واستدل به الباجي على صحة المعاطاة لعدم ذكر الصيغة وقال الطيبي فيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرا في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية يعني فضلا عمن دونها)
فتح الباري: (1/ 482).
قال ابن رجب في فتح الباري ((2) / (420))
وفي الحديث: دليل على استحباب التباعد عن الأسباب الملهية عن الصلاة، ولهذا أخرج النبي – صلى الله عليه وسلم – تلك الخميصة عنه بالكلية. فينبغي لمن ألهاه شيء من الدنيا عن صلاته أن يخرجه عن ملكه.
و جاء في تيسير العلام ((1) / (229))
ما يؤخذ من الحديث:
(1) – مشروعية الخشوع في الصلاة، وفعل الأسباب الجالبة له، والابتعاد عن كل ما يشغل في الصلاة.
(2) – أن اشتغال القلب اليسير، لا يقدح في الصلاة.
(3) – كراهة تزويق المساجد، ونقشها، والكتابة فيها، لما يجلبه من اشتغال المصلين في النظر إليها.
(4) – فيه جواز لبس الملابس المعلمة للرجال.
(5) – وفيه استحباب قبول الهدية، جبرا لقلب المهدي، وتوددا إليه.
(6) – وفيه أنه لا بأس من رد الهدية لسبب، ولكن مع بيان السبب لصاحبها، حتى لا يقع في قلبه شيء.
(7) – وفيه حسن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، حيث رد عليه الكساء المعلم، وطلب الكساء الذي ليس فيه أعلام، ليعلمه أنه غير مترفع عن هديته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولاريب أن الوسواس كلما قل في الصلاة كان أكمل، والذي يعين على ذلك شيئان: قوة المقتضي، وضعف الشاغل.
إتمام الفوائد:
(8) -صحة الصلاة في خميصة لها أعلام، وأن غيره أولى، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى فيها، ولم يعد تلك الصلاة، بل أمر بإبعادها عنه خوف الافتتان بها؛ فدل على صحتها.
قال النووي رحمه الله: فيه أن الصلاة تصح وإن حصل فيها فكر في شاغل ونحوه مما ليس متعلقا بالصلاة، وهذا بإجماع الفقهاء.
(9) -أن فيه الاجتهاد في كمال حضور القلب في الصلاة، وتدبر أذكارها، وتلاوتها، ومقاصدها من الانقياد والخضوع لله عز وجل،
ومنع النظر من الامتداد إلى ما يشغل القلب، وإزالة ما يخاف اشتغاله به،
(10) -جواز لبس الثوب الذي له علم، وكذلك الكساء ونحوه.
(11) – أن اشتغال الفكر في الصلاة يسيرا غير قادح في صحتها.
(12) -منها: ما قال صاحب المفهم: فيه سد الذرائع، والانتزاع عما يشغل الإنسان عن أمور دينه.