مختلف الحديث رقم: {87}
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
جمع واختصار سيف بن دورة الكعبي
[ومن كتاب الغسل]
كيف التوفيق بين حديث: أبي هريرةَ: «أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خرجَ وقد أُقيمَتِ الصلاةُ وعُدِّلَتِ الصفوف، حتّى إِذا قامَ في مُصلاّهُ انتظرْنا أن يُكبِّرَ، انصرفَ قال: «على مَكانِكم». فمكَثْنا عَلَى هَيْئتِنا، حتّى خرجَ إِلينا يَنطِفُ راسُه ماءً وقدِ اغتسَلَ.
[رواه البخاري.]
وبين ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كبر، ثم أشار إليهم أن مكانكم؟
مشاركة سيف بن دورة الكعبي:
قال محققو المسند رجاله ثقات رجال الصحيح، لكن الحسنوهو البصريمدلس، وقد عنعنه. يزيد: هو ابن هارون، وزياد الأعلم: هو زياد بن حسان بن قرة الباهلي.
وأخرجه أبو داود (234)، وابن خزيمة (1629)، وابن عبد البر في “التمهيد” 1/ 177 من طريق يزيد بن هارون، بهذا الإسناد.
وأخرجه الشافعي في “الأم” 1/ 167، وأبو داود (233)، وابن خزيمة (1629)، والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (623)، وابن حبان (2235)، والبيهقي في “السنن” 2/ 397 و3/ 94، وفي “معرفة السنن والآثار” (4857) و (4858)، وابن عبد البر في “التمهيد” 1/ 175 و177 من طرق عن حماد بن سلمة، به.
وسيأتي برقم (20426) و (20459).
ويشهد لما وقع في حديث أبي بكرة هذا من كون انصراف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان بعد التكبير حديث علي بن أبي طالب السالف برقم (668)، وإسناده ضعيف.
وحديث أبي هريرة السالف برقم (9786)، لكن المحفوظ من حديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انصرف قبل التكبير، كما سلف التنبيه عليه هناك.
وحديث أنس بن مالك عند الطحاوي في “مشكل الآثار” (624)، والدارقطني 1/ 362، والبيهقي 2/ 399 من طريق قتادة، عن أنس. وروي عن قتادة، عن بكر بن عبد الله المزني، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. أخرجه الدارقطني بإثر حديث أنس.
وحديث عطاء بن يسار المرسل عند مالك في “الموطأ” 1/ 48، وعنه الشافعي في “مسنده” 1/ 114 115.
وحديث الربيع بن محمدوهو تابعي مجهوعند أبي داود بإثر الحديث (234)، وهو مرسل أيضاً.
قلنا: وقد جمع بعض أهل العلم بين هذه الأحاديث وحديث أبي هريرة المتفق عليه والذي سلف برقم (7238) وفيه: أن الانصراف كان قبل التكبير، بأن حملوا الروايات التي فيها ذكر دخول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة على قرب دخوله فيها، لا على حقيقة دخوله فيها، وبعضهم جعلهما واقعتين كابن حبان والنووي، ورجَّح الحافظ ابن حجر في “الفتح” 2/ 122 حديث أبي هريرة الذي
في “الصحيح”. وطوَّل البحث في هذه المسألة أبو عمر ابن عبد البر في كتابيه “التمهيد” 1/ 173 190 و”الاستذكار” 3/ 101 110. انتهى النقل.
وقال البيهقي 2/ 392 بعد أن ذكر حديث أبي هريرة …. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلممُرْسَلاً، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلممُرْسَلاً وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، وَكُلُّ ذَلِكَ شَاهِدٌ لِحَدِيثِ أَبِى بَكْرَةَ.
وقال عن حديث أبي بكرة في معرفة السنن: هذا إسناد صحيح
ونقل ابن الملقن: قول البيهقي هذا وكذلك نقل عنه في الخلافيات أنه قال: رواته ثقات.
وتعقب البيهقي كما سيأتي في نقولات الأخوة
ونقل عن ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بتكبير محدث لا انه رجع فبنى على صلاته.
وابن حبان ممن يرجح أنهما واقعتان
ونقل الزيلعي في نصب الراية آثار بعد أن ذكر الأقوال في المسألة
تنبيه: حديث أنس، أخرجه الدارقطني 1/ 362 وذكر أنه رواه عبدالوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن بكر بن عبدالله المزني مرسلا. وقال عقبه: قال عبدالوهاب: وبه نأخذ
ـ مشاركة أحمد بن علي ونورس وسيف بن غدير النعيمي،
فنقل أحمد بن علي كلام ابن عبدالبر وابن حجر والنووي وعبدالمحسن العباد، ونقل نورس الهاشمي كلام الألباني من سلسلة الهدى ولكن اكتفينا بما نقل عنه في هذا البحث:
قال النووي في شرح مسلم:
المراد بقوله (دخل في الصلاة) أنه قام في مقامه للصلاة وتهيأ للإحرام بها ويحتمل أنهما قضيتان وهو الأظهر.
قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود:
جاء الحديث في الصحيحين وفيه أنه لم يكبر، وهو أرجح مما تقدم من أنه كان قد دخل في الصلاة، لكن يمكن كما ذكر أهل العلم أن يحمل قوله: (دخل) على أنه كاد أن يدخل أو أراد أن يدخل أو أنه على وشك أن يدخل، فيكون الصحيح والثابت الذي لا إشكال فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل في الصلاة، وأنه لما أراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة فذهب واغتسل ورجع وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. اهـ
قال ابن رجب في فتح الباري3/ 597:
” باب إذا قال الإمام مكانكم حتى أرجع انتظروه”.
حدثنا إسحاق ثنا محمد بن يوسف ثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، قال: أقيمت الصلاة، فسوى الناس صفوفهم، فخرج رسول الله فتقدم وهو جنب، فقال: على مكانكم، فرجع فاغتسل، ثم خرج ورأسه يقطر ماء، فصلى بهم.
قد تقدم الكلام في القيام قبل خروج الإمام، وانتظار المأمومين له قياما قبل خروجه، فأما إذا ذكر حاجة فانصرف من المسجد وقال لهم: (مكانكم حتى أرجع)، فإنهم ينتظرونه قياما حتى يرجع إليهم، كما فعل النبي (في هذا الحديث.
وفي الرواية المذكورة في الباب الماضي، قال: (فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا)، وهذا يدل على أنهم انتظروه قياماً.
ورواه بعضهم: على ” هينتنا “من الهينة، وهي الرفق، وكأنها تصحيف. والله اعلم.
وفي رواية لمسلم في هذا الحديث: ((فلم نزل قياما ننتظره حتى خرج إلينا، وقد اغتسل)).
وفي رواية لمسلم أيضا في هذا الحديث: ((فأومأ إليهم بيده أن مكانكم)).
وفيه: دليل على أن إيماء القادر على النطق يكتفي به في العلم، والأمر، والنهي.
وفي رواية لمسلمأيضافي هذا الحديث: ((فأتى رسول الله (حتى إذا”قام في مصلاه قبل أن يكبر، ذكر فانصرف وقال لنا: (مكانكم)).
وهذه الرواية صريحة في أنه انصرف قبل التكبير، وهوأيضا ظاهر رواية البخاري.
قال الحسن بن ثواب: قيل لأبي عبد اللهيعني: أحمد بن حنبوأنا أسمع: النبي صلى الله عليه وسلم (حين أومأ إليهم أن امكثوا، فدخل فتوضأ ثم خرج، أكان كبر؟ فقال: يروى أنه كبر، وحديث أبي سلمة لما أخذ القوم أماكنهم من الصف، قال لهم: (امكثوا)، ثم خرج فكبر.
فبين أحمد أن حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة يدل على انه لم يكن كبر، وأما قوله: (يروى أنه كبر)، فيدل على أن ذلك قد روي، وأنه مخالف لحديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، وأن حديث أبي سلمة أصح، وعليه العمل. وقد خرج أبو داود من حديث زياد الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رسول الله (دخل في صلاة الفجر، فأومأ بيده أن مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطر، فصلى. وفي رواية له أيضا: (فكبر) وقال فيه: فلما قضى الصلاة قال: (إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً) وخرجه الإمام أحمد بمعناه أيضا.
قال أبو داود: ورواه أيوب وهشام وابن عون، عن محمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، قال: فكبر، ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا، فذهب واغتسل، وكذلك رواه مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عطاء بن يسار: أن وسول الله (كبر في صلاة).
قال أبو داود: وكذلك حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا أبان، عن يحيى يعني: ابن أبي كثير، عن الربيع بن محمد، عن النبي ل (أنه كبر) وهذه كلها مرسلات. وحديث الحسن، عن أبي بكرة في معنى المرسل؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي بكرة عند الإمام أحمد والأكثرين من المتقدمين وقد روي حديث ابن سيرين مسنداً، رواه الحسن بن عبد الرحمن الحارثي، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مسنداً. قال البيهقي: والمرسل أصح. وقد روي موصولاً من وجه آخر: خرجه الإمام أحمد، وابن ماجه من رواية أسامة بن زيد، عن عبد الله ابن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله (إلى الصلاة، وكبر، ثم أشار إليهم فمكثوا، ثم انطلق فاغتسل، وكان رأسه يقطر ماءً، فصلى بهم، فلما انصرف قال: (إني خرجت إليكم جنباً، وإني أنسيت حتى قمت في الصلاة).
وأسامة بن زيد، هو الليثي، وليس بذلك الحافظ.
وروى معاذ بن معاذ: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: دخل النبي (في صلاته، فكبر فكبرنا معه، ثم أشار إلى الناس أن كما أنتم، فلم نزل قياما حتى أتانا رسول الله (قد اغتسل ورأسه يقطر.
قال البيهقي: خالفه عبد الوهاب بن عطاء، فرواه عن سعيد، عن قتادة عن بكر المزني. وقد بنى الشافعي على رواية من روى: أنه (كان كبر ثم ذكر، ووافقه الإمام أحمد في رواية الأثرم وغيره.
وهؤلاء استدلوا بهذا الحديث على أن من صلى خلف محدث ناسٍ لحدثه أن صلاته مجزئه عنه، ويعيد الإمام وحده إذا ذكر بعد تمام صلاته، كما روي عن عمر وعثمان. وقيل: إنه لا مخالف لهما من الصحابة، بل قد روي مثله عن علي، وابن عمر أيضا ، وهو قول جمهور العلماء، منهم: النخعي وسفيان ومالك والشافعي وأحمد.
قال ابن مهدي: قلت لسفيان الثوري: تعلم أن أحداً قال: يعيد ويعيدون عن حماد؟ قال: لا.
وهذا إذا استمر نسيان الإمام حتى فرغ من صلاته، فأما إن ذكر في أثناء صلاته فخرج، فتطهر ثم عاد، فإن الإمام لا يبني على ما مضى من صلاته بغير طهارة بغير خلاف، فإن من صلى بغير طهارة ناسياً فإن عليه الإعادة بالإجماع؛ لقول النبي ل:” لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ “، وقوله: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور).
وحكى ابن عبد البر عن قوم أنهم جوزوا البناء على ما مضى من صلاته محدثا ناسياً، وأشار إلى أنه قول مخالف للإجماع، فلا يعتد به.
وليس في الحديث أن النبي ل
بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته، فإن قدر أن ذلك وقع فهو منسوخ؛ لإجماع الأمة على خلافه، كما ذكره ابن عبد البر وغيره.
قال أحد الباحثين: الدليل في سنن أبي داود وابن ماجه وغيرهما يبين أنه صلى الله عليه وسلم قد بنى على تكبيره الأول؛ وليس كما قال ابن رجب: ” وليس في الحديث أن النبي ل بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته” وللإمام أن يبني على ما مضى من صلاته للدليل وهذا الأمر مختص بالناسي وهو معذور وقد نقل ابن عبد البر أن بعضهم قال بالبناء وأما إجماع العلماء على أن من صلى بغير طهارة ناسياً فإن عليه الإعادة فهذا بعد إتمام الصلاة كما فعل عمر.
قال ابن رجب فلم يبق إلا أحد وجهين:
أحدهما: أن يكون لما رجع كبر للإحرام، وكبر الناس معه. وعلى هذا التقدير، فلا يبقى في الحديث دلالة على صحة الصلاة خلف إمام صلى بالناس محدثاً ناسياً لحدثه.
قال أحد الباحثين: لو كان كذلك لنقله الصحابة وبينوه فإن من مثله ما تتوافر الهمم على نقله.
والثاني: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استأنف تكبيرة الإحرام، وبنى الناس خلفه على تكبيرهم الماضي. وهذا هو الذي أشار إليه الشافعي، وجعله عمدة على صحة صلاة المتطهر خلف إمام صلى محدثاً ناسياً لحدثه.
قال أحد الباحثين: هذه احتمالات لم تثبت بدليل ولو حصل لنقله الصحابة إذ يتعذر والحالة هذه انه لو كان واقعا لتوفرت الهمم والدواعي على نقله”.
قال ابن عبد البر:
وقد وافق الشافعي على ذلك بعض أصحاب مالك قال: ولا يصح عندي ذلك على أصول مالك؛ لأن مالكاً لا يجيز للمأموم أن يكبر قبل إمامه، وإنما يجيزه الشافعي. يشير إلى أنه على هذا التقدير يصير المأموم قد كبر منفرداً، ثم انتقل إلى ائتمامه بالإمام، وهذا يجيزه الشافعي دون مالك.
وفيما قاله ابن عبد البر نظر؛ فإن المأموم إنما كبر مقتدياً بإمام يصح الاقتداء به، ثم بطلت صلاته بذكره، فاستأنف صلاته، فلم يخرج المأموم عن كونه مقتدياً بإمام يصح الاقتداء به، فهو كمن صلى خلف إمام، ثم سبقه الحدث في أثناء صلاته في المعنى. وعن الإمام أحمد في ابتداء المأمومين وإتمامهم الصلاة إذا اقتدوا بمن نسي حدثه، ثم علم به في أثناء صلاته روايتان. وروي عن الحسن، أنهم يتمون صلاتهم.
ومذهب الشافعي: لا فرق بين أن يكون الإمام ناسياً لحدثه أو ذاكراً له، إذا لم يعلم المأموم، أنه لا إعادة على المأموم.
وهو قول ابن نافع من المالكية، وحكاه ابن عبد البر عن جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث.
وعن مالك وأحمد: على المأموم الإعادة.
وقال حماد وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري في اشهر الروايتين عنه: يعيد المأموم، وإن كان الإمام ناسياً ولم يذكر حتى فرغ من صلاته. وهو رواية ضعيفة عن أحمد. وحكي عنه رواية ثالثة: أن قرأ المأموم لنفسه فلا إعادة عليه، وإلا فعليه الإعادة “.
قال الطحاوي في مشكل الآثار2/ 87:
” اغْتَسَلَ وَرَاسُهُ يَقْطُرُ مَاءً هل كان ذلك منه بَعْدَ أَنْ كان كَبَّرَ لِلصَّلاَةِ أو قبل تَكْبِيرِهِ كان لها حدثنا بَكَّارَ حدثنا حِبَّانُ بن هِلاَلٍ وأبو عُمَرَ الضَّرِيرُ قَالاَ ثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ وَاللَّفْظُ لأَبِي عُمَرَ عن زِيَادٍ الأَعْلَمِ عن الْحَسَنِ عن أبي بَكْرَةَ أَنَّ النبي عليه السلام دخل في صَلاَةِ الصُّبْحِ فَأَوْمَأَ إلَيْهِمْ أَيْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جاء وَرَاسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ.
وعن أَنَسٍ قال دخل النبي عليه السلام في صَلاَةٍ فَكَبَّرَ وَكَبَّرْنَا معه ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقَوْمِ أَنْ كما أَنْتُمْ فلم نَزَلْ قِيَامًا حتى أَتَانَا وقد اغْتَسَلَ وَرَاسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فقال قَائِلٌ هذا حَدِيثٌ خَارِجٌ عن أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ جميعا لأَنَّهُ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِيمَنْ كَبَّرَ لِلصَّلاَةِ وهو جُنُبٌ غير ذَاكِرٍ لِذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ بِتَكْبِيرِهِ لها دَاخِلاً فيها فَكَانَ جَوَابُنَا له في ذلك أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قد رُوِيَا كما ذَكَرْنَا عن الصَّحَابِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ رُوِيَا عنهما وقد رُوِيَ عن سِوَاهُمَا من الصَّحَابَةِ أَنَّ الذي كان من رسول اللهِ ل حين أَذَّنَ هو قِيَامُهُ قِيَامَ الْمُصَلِّي لاَ دُخُولٌ منه في الصَّلاَةِ بِتَكْبِيرِه ….
ُ إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَنَسٍ وَأَبِي بَكْرَةَ في حَدِيثِهِمَا ثُمَّ دخل في الصَّلاَةِ على مَعْنَى قُرْبِ دُخُولِهِ فيها لاَ على حَقِيقَةِ دُخُولِهِ فيها فَهَذَا جَائِزٌ في اللُّغَةِ حتى قد جاء كِتَابُ اللهِ تَعَالَى بِمِثْلِ ذلك قال اللَّهُ تَعَالَى وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ وَهُنَّ إذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ انْقَطَعَتْ الأَسْبَابُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ مُطَلِّيقِهِنَّ فَاسْتَحَالَ أَنْ يُمْسِكُوهُنَّ بَعْدَ ذلك وقد بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذلك في الآيَةِ الأخرى وَهِيَ قَوْلُهُ {وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} فَدَلَّ ذلك أَنَّهُنَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ آجَالِهِنَّ حَلاَلٌ لِمَنْ يُرِيدُ تَزْوِيجَهُنَّ وكان ذلك دَلِيلاً أَنَّ مُرَادَهُ تَعَالَى في الآيَةِ الأخرى بِذِكْرِهِ بُلُوغَ الأَجَلِ أَنَّهُ قُرْبُ بُلُوغِ الأَجَلِ لاَ حَقِيقَةُ بُلُوغِهِ وَمِنْ ذلك أَيْضًا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قد سَمَّوْا ابْنَ إبْرَاهِيمَ الذي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَبْحِهِ إمَّا إسْمَاعِيلُ وَإِمَّا إِسْحَاقُ عليهم السلام ذَبِيحًا ولم يُذْبَحْ وَلَكِنَّهُ لِقُرْبِهِ كان من أَنْ يُذْبَحَ فَمِثْلُ ذلك ما في حَدِيثَيْ أَنَسٍ وَأَبِي بَكْرَةَ من الدُّخُولِ في الصَّلاَةِ هو على هذا الْمَعْنَى أَيْضًا وهو قُرْبُ الدُّخُولِ فيها لاَ حَقِيقَةُ الدُّخُولِ فيها”.
قال أحد الباحثين: ثبت بالدليل أنه صلى الله عليه وسلم كبر وعاد فدخل في الصلاة ولم يكبر ولا حاجة لمثل هذه التأويلات.
قال ابن عبد البر في التمهيد1/ 178:
” حديث يصلي بأصحابه يصحح رواية من روى أنه كان كبر ثم أشار إليهم أن امكثوا وفي رواية الزهري في هذا الحديث أن رسول الله ل كبر حين انصرف بعد غسله فواجب أن تقبل هذه الزيادة أيضا لأنها شهادة منفردة أداها ثقة فوجب العمل بها هذا ما يوجبه الحكم في ترتيب الآثار وتهذيبها إلا أن ها هنا اعتراضات تعترض على مذهبنا في هذا الباب قد نزع غيرنا بها ونحن ذاكر ما يجب به العلم في هذا الحديث على مذهب مالك وغيره من العلماء بعون الله إن شاء الله.
أما مالك رحمه الله فانه أدخل هذا الحديث في موطئه في باب إعادة الجنب غسله إذا صلى ولم يذكر يعنى حاله أنه كان جنبا حين صلى والذي يجيء عندي على مذهب مالك من القول في هذا الحديث أنه لم يرد رحمه الله إلا الإعلام أن الجنب إذا صلى ناسيا قبل أن يغتسل ثم ذكر كان عليه أن يغتسل ويعيد ما صلى وهو جنب وأن نسيانه لجنابته لا يسقط عنه الإعادة وإن خرج الوقت لأنه غير متطهر والله لا يقبل صلاة بغير طهور لا من ناس ولا من متعمد وهذا أصل مجتمع عليه في الصلاة أن النسيان لا يسقط فرضها الواجب فيها ثم أردف مالك حديثه المذكور في هذا الباب بفعل عمر بن الخطاب أنه صلى بالناس وهو جنب ناسيا ثم ذكر بعد أن صلى فاغتسل وأعاد صلاته ولم يعد أحد ممن خلفه فمن فعل عمر رضي الله عنه أخذ مالك مذهبه في القوم يصلون خلف الإمام الجنب لا من الحديث المذكور والله أعلم.
قال أحد الباحثين: أما أثر عمر فمسلم لأنه أنهى صلاته على غير طهارة وأما ما حصل للنبيل
فلم تنقضي صلاته بعد وله أن يتطهر ويبني والنسيان عذر وليس لنا أن نتأول الدليل ليتناسب مع المذهب.
قال في مرقاة المصابيح:” واعلم أنه استدل بحديث أبي بكرة وما وافقه لمالك والشافعي وأحمد من وافقهم على أنه لا إعادة على من صلى خلف من نسي غسل الجنابة وصلى ثم تذكر، إنما الإعادة على الإمام فقط خلافاً لأبي حنيفة، فإنه قال: يجب الإعادة على المأمومين أيضاً”.
قال الألباني في صحيح أبي داود1/ 428:
” وأما حمل قوله في حديث أبي بكرة ومن معه: (كبّر) على: (أراد أن يكبر)! فهو مع أنه خلاف الظاهر؛ فإنه باطل بالنظر إلى مجموع الروايات؛ فقد اتفقت جميعاًخلافا لحديث أبي سلمةعلى أنه عليه الصلاة والسلام لم يتكلم حين انصرف من الصلاة، بل إنما أشار إليهم بيده، ولو أنه كان قبل الدخول فيها؛ لكلمهم عليه الصلاة والسلام، كما فعل في القصة الأخرى في رواية أبي سلمة، ولما أخر قوله ل: ” إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً “؛ لأنه ليس في التأخير فائدة؛ بل هي في الإسراع بالبيان؛ ولكن منعه من ذلك أنه في الصلاة، ولذلك عاد فأتمها دون أن يكلمهم.
وأيضا؛ فإن في حديث أنس: دخل في صلاته، فكبر وكبرنا معه … وأصرح منه حديث علي: بينما نحن مع رسول الله ل نصلي؛ إذ انصرف … فهذا كله يدفع ذلك التأويل ويبطله”.
قال الباحث: ما ذهب إليه الشيخ الألباني رحمه الله هو الحق؛ وأثر علي الذي ذكره الألباني أخرجه أحمد (ح632).
قال في عون المعبود ج1/ص271:”
اعلم أن رواية أبي بكرة المتصلة وروايات محمد بن سيرين وعطاء بن يسار والربيع بن محمد المرسلة تدل على أنهل انصرف بعد ما دخل في الصلاة وكبر وكذا رواية أبي هريرة التي أخرجها ابن ماجه من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة والتي أخرجها البيهقي من طريق وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد عن أبي ثوبان عن أبي هريرة تدل على أنهل
انصرف بعد التكبير والدخول في الصلاة وحديث أبي بكرة أخرجه أيضا أحمد وبن حبان والبيهقي في المعرفة قال الحافظ وصححه بن حبان والبيهقي واختلف في إرساله ووصله انتهى.
وأما رواية أبي هريرة التي أخرجها المؤلف والشيخان تدل بدلالة صريحة على أنه لانصرف بعد ما قام في مصلاه وقبل أن يكبر فرواية أبي هريرة هذه معارضة للروايات المتقدمة.
قال الحافظ في فتح الباري:
ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر ودخل في الصلاة أنه قام في مقامه للصلاة وتهيأ للإحرام بها وأراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه العياض والقرطبي احتمالا وقال النووي إنه الأظهر وجزم بن حبان كعادته فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح انتهى.
واحتج بحديث أبي بكرة وما في معناه مالك بن أنس وأصحابه وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي على أنه لا إعادة على من صلى خلف من نسي الجنابة وصلى ثم تذكر وإنما الإعادة على الإمام فقط وبه قال أحمد حكاه الأثرم وإسحاق وأبو ثور وداود والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير.
وقال أبو حنيفة والشعبي وحماد بن أبي سليمان إنه يجب عليهم الإعادة أيضا قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار شرح الموطأ.
وللطائفتين أحاديث وآثار فمن الأحاديث للطائفة الأولى حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول اللهل يصلون بكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم أخرجه أحمد والبخاري.
ومنها حديث براء بن عازب عن النبيلأيما إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم وليغتسل هو ثم ليعد صلاته وإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك والحديث ضعيف لأن جويبرا أحد رواته متروك والضحاك الراوي عن البراء لم يلقه ومن الآثار لهم ما أخرجه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عمر ابن الخطاب صلى بالناس الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلاما فقال إنا لما أصبنا الودك لانت العروق فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه وعاد لصلاته.
وأخرجه الدارقطني من طريق آخر بلفظ أن عمر صلى بالناس وهو جنب فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا.
وللطائفة الأخرى من الأحاديث حديث أبي هريرة مرفوعا الإمام ضامن أخرجه أحمد وإسناده صحيح وأخرجه أيضا أحمد والطبراني في الكبير عن أبي أمامة الباهلي قال الهيثمي رجاله موثقون وأخرجه البزار أيضا ورجاله موثقون أيضا.
قالوا إن الإمام إذا فسدت صلاته فسدت صلاة المؤتم لأن الإمام إنما جعل ليؤتم به والإمام ضامن لصلاة المقتدي فصلاة المقتدي مشمولة في صلاة الإمام وصلاة الإمام متضمنة لصلاة المأموم فصحة صلاة المأموم بصحة صلاة الإمام وفسادها بفسادها فإذا صلى الإمام جنبا لم تصح صلاته لفوات الشرط وهي متضمنة لصلاة المأموم فتفسد صلاته أيضا فإذا علم ذلك يلزم عليه الإعادة ويتفرع عليه أنه يلزم للإمام إذا وقع ذلك أن يعلمهم به ليعيدوا صلاتهم ولو لم يعلمهم لا إثم عليهم وللطائفة الأخرى آثار كلها ضعاف.
ومما يحتج به على الطائفة الأولى بأن الأظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف قبل أن يكبر كما صرح به مسلم في الحديث فرواية أبي هريرة المروية في الصحيحين راجحة وروايات غير الصحيحين الدالة على أنه ل
انصرف بعد التكبير مرجوحة إذ لا شك في أن الترجيح لأحاديث الشيخين أو أحدهما عند التعارض.
قال الباحث: إنما يتم ترجيح ما في الصحيحين عند التعارض ولا تعارض هنا لكونهما قضيتين منفصلتين والله أعلم.