*مختلف الحديث رقم: (60)
كيف التوفيق بين حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض قال ما أصاب بحده فكله وما أصاب بعرضه فهو وقيذ وسألته عن صيد الكلب فقال ما أمسك عليك فكل فإن أخذ الكلب ذكاة … )
مختصر صحيح البخاري (968)
* وبين حديث (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إولاهن بالتراب) فلعاب الكلب نجس، فكيف يكون أخذ الكلب ذكاة؟
——————
جواب أحمد بن علي:
مختلف الحديث 60
197103: هل ينجس الصيد إذا أمسكه الكلب بفمه؟
السؤال:
هل مباح أكل ما اصطدته بنفسي ولكن جاء به كلبي؟ إن كانت الإجابة نعم، إذن لماذا القول بأن لعاب الكلب نجس، فلو كان نجسا ما كان الصيد مباحا.
الجواب:
الحمد لله
أولا:
حكم الكلب من جهة الطهارة والنجاسة سبق تفصيل الكلام عنه في موقعنا، في الفتوى رقم: (69840)، (133869)، وخلاصتها أننا رجحنا نجاسة ريق الكلب، وطهارة شعره ورطوبته، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة … وأيضاً فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث، ولا بد لمن اقتناه أنْ يصيبه رطوبةُ شعوره كما يصيبه رطوبةُ البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة ” انتهى باختصار من ” مجموع الفتاوى ” (21/ 617 – 619).
ثانياً:
إذا حكمنا بنجاسة ريق الكلب يبقى السؤال عن حكم ما أصاب بفمه من الصيد
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
وجوب غسل الصيد مكان إمساك الكلب بفمه، وهو المعتمد في مذهب الشافعية والحنابلة، كما هو ظاهر مذهب الحنفية، حيث نصوا على نجاسة سؤر كلب الصيد، والسؤر يشمل ما تبقى من الشراب والطعام ومن كل شيء، ولم نقف على استثناء حالة الصيد عندهم.
جاء في ” مراقي الفلاح ” (ص/30) من كتب الحنفية:
” السؤر النجس ما شرب منه الكلب، سواء فيه كلب صيد وماشية وغيره “.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
” مَعَضُّ الكلب [أي: مكان عضته] من الصيد نجس نجاسة مغلظة، كغيره مما أصابه بعض أجزاء الكلب مع رطوبة، والأصح: أنه لا يُعفى عنه؛ لندرته، والأصح: أنه يكفي غسله بماء سبعا وتراب في إحداهن كغيره، ولا يجب أن يُقَوَّر ويُطرح؛ لأنه لم يرد، وتشرب اللحم بلعابه لا أثر له؛ لأنه لا نجاسة على الأجواف كما نص عليه ” انتهى من ” تحفة المحتاج ” (9/ 331).
ويقول البهوتي رحمه الله:
” يجب غسل ما أصابه فم الكلب؛ لأنه موضع أصابته نجاسته، فوجب غسله كغيره من الثياب والأواني ” انتهى من ” كشاف القناع ” (6/ 224)، وقال عنه المرداوي رحمه الله: ” هو المذهب ” ينظر ” الإنصاف ” (10/ 433).
القول الثاني:
لا يجب غسل ما أصاب الكلب بفمه من الصيد، بل هو مما يعفى عنه، وهو أحد الأقوال في مذهب الشافعية – كما نقله النووي في ” المجموع ” (9/ 124) -، وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة، كما يقول المرداوي رحمه الله: ” صححه في التصحيح، وتصحيح المحرر، وجزم به في الوجيز ” انتهى من ” الإنصاف ” (10/ 434)، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله.
واستدلوا بظاهر ” قول الله عز وجل: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) المائدة/4. قالوا: ولم يأمر بغسله، مع أنه لا ينفك عنه غالبا أو دائما، ولهذا لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم، مع ذكره للأحاديث الواردة فيه، مع تكرار سؤاله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ” ينظر ” المجموع ” (9/ 124).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” لعاب الكلب إذا أصاب الصيدَ لم يجب غسله في أظهر قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً بغسل ذلك، فقد عُفي عن لعاب الكلب في موضع الحاجة، وأمر بغسله في غير موضع الحاجة، فدلَّ على أنَّ الشارع راعى مصلحة الخلق وحاجتهم ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (21/ 620)، وانظر (19/ 25 – 26).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
” الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم قال: (إِذا وَلَغَ)، ولم يقل: (إِذا عَضَّ)، فقد يخرج من معدته عند الشرب أشياء لا تخرج عند العضِّ.
ولا شَكَّ أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يغسلون اللحم سبع مرات إِحداها بالتُّراب، ومقتضى ذلك أنه معفوٌّ عنه … ” الشرح الممتع ” (1/ 420).
والقول الثاني: هو أظهر القولين في المسألة، لقوة أدلته، ولما فيه من رفع الحرج والمشقة، ولكنه لا يستلزم الحكم بطهارة ريق الكلب مطلقا، حتى لو ولغ في الآنية، كما يقرره المالكية، فالحكم السابق خاص في حالة الصيد فقط، مستثنى من القاعدة العامة في نجاسة لعاب الكلب، والاستثناء لا يجوز القياس عليه وإلا عاد على الحكم الأصلي بالبطلان، والحكم الأصلي ثبت بالسنة النبوية الصحيحة في وجوب غسل سؤر الكلب، فالقول بالعفو عن لعابه في الصيد فيه جمع بين الأدلة كلها، وإعمال لها كل بحسب حالتها.
فالعفو عن مكان عض الكلب من الصيد: إنما هو من باب التخفيف والتيسير، لعموم البلوى به، ومشقة التحرز عنه. والله أعلم.
قلت: ورجحه أيضاً الشيخ صالح الفوزان
———
جواب سيف بن غدير النعيمي:
نقل كلام ابن تيمية وابن عثيمين السابق ونقل أيضاً:
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي رحمه الله في تفسيره:
{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} أي: أحل لكم ما علمتم من الجوارح إلى آخر الآية.
دلت هذه الآية على أمور فذكرها ومنها:
طهارة ما أصابه فم الكلب من الصيد، لأن الله أباحه ولم يذكر له غسلا فدل على طهارته.
————–
جواب سيف بن دورة الكعبي:
ممن انتصر لطهارة سؤر الكلب البخاري، قال ابن حجر: والظاهر من تصرف المصنف أنه يقول بطهارته. انتهى
قلت: واستدل البخاري بحديث الرجل الذي سقى الكلب بخفه فشكر الله له، وأجاب ابن حجر أن الاستدلال يستقيم لو كان شرع من قبلنا شرع لنا، ولو قلنا به فمحله فيما لم ينسخ، واحتمال أن يكون صبه في شئ أو غسل خفه أو لم يلبسه بعد ذلك.
واستدل البخاري بأن الكلاب كانت تقبل وتدبر في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك، ونقل ابن حجر أجوبة على ذلك وقال: والأقرب إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها …
واستدل به أبو داود في السنن على أن الأرض تطهر إذا لاقتها النجاسة بالجفاف.
واستدل البخاري أيضا بحديث صيد الكلب وأنه لم يؤمر بغسل ما أصابه لعاب الكلب، وابن حجر قال: لعله وَكَلَه إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه فمه. ثم ذكر أن المسألة فيها خلاف عند الشافعية، وليس هذا موضع بسط المسألة. انتهى باختصار من فتح الباري (باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان حديث رقم 170 وما بعده)
قلت: وسبق جواب الأخوة أن الصيد مستثني.
تنبيه: ذكر ابن حجر أن المالكية حملوا الأمر بغسل الإناء سبع مرات على أنه تعبدي، لكون الكلب طاهر عندهم وعن مالك رواية بأنه نجس لكن قاعدته أن الماء لا ينجس إلا بالتغير فلا يجب التسبيع للنجاسة بل للتعبد لكن يرد عليه (طهور إناء أحدكم .. )
وقد طول ابن حجر في تفصيل المسائل فراجعه